19 ابريل 2021
شرعيون غير شرعيين
في غياب جهاز دولة قانوني عن المناطق المحرّرة في سورية، على الرغم من انشقاق مئات القضاة والمحامين عن النظام والتحاقهم بالثورة، والحاجة إلى تنظيم الفوضى في غياب القانون وحكمه، وقضاءٍ يطبقه ليحمي حياة المواطنات والمواطنين وحقوقهم، أنشأت التنظيمات المسلحة "محاكم شرعية"، كجهاز مهمته ضبط سكان المناطق التي احتلتها، انتهج معظمها أساليب في التقاضي، أسندها إلى الشرع، أي إلى أدلجةٍ مذهبيةٍ أخرجت العدالة عن مجراها، والناس عن طورها. وبما أن التنظيمات التي أمسكت بالمناطق التي أخرج النظام أو خرج منها كانت متصارعة ومتعادية، فإنها لم تتجاهل فقط القضاة والمحامين المنشقين، والقوانين التي عاش الشعب في ظلها، وإنما وضعت "قضاءها" بين أيدي مسلحين أغرار طبقوا "أحكامهم" على أناسٍ تهاوى عالمهم، وانهار تحت عنف النظام وإجرامه، أو أوكلته إلى شيوخٍ محليين أو "شرعيين" وافدين، جنحوا دوماً إلى تنفيذ "عدل" حملة السلاح، في تذكيرٍ بما كان الفاسدون من قضاة النظام يفعلونه تجاه أوامر مخابراته ونواهيها.
في المقابل، امتلكت أغلبية التنظيمات "شرعيين" من نمط آخر، مهمتهم تسويغ ممارساتها التعنيفية والاستبدادية باسم الدين، والدين منها بريء، أشهرهم عبد الله المحيسني، شرعي القاعدة، فما كان منهم إلا أن صبغوا بدورهم نهجها السياسي والعسكري بألوانٍ لا علاقة لها بأي شرع، متزمتة ودموية، أخذته غالباً إلى مواقف وخيارات غريبة عن ثورةٍ جعلت الحرية والعدالة والمساواة من أهدافها، بفضل اجتهاداتٍ غطت المذهبية والاقتتال الطائفي والعنف الذي لا ضوابط سياسية له، وعزّزت الانقسام في الحقلين العسكري والسياسي، وكرّست "شرعية" تنظيماتها ضد غيرها، وشجعتها على مقاتلتها بحجج نسبتها إلى الإسلام، فلا عجب إن أدّى دورها إلى إضعاف الصف المقاوم وتمزيقه، وتسويغ الإرهاب، ورفض ثورة الحرية، وتمزيق صفوف من يفترض أنهم "يجاهدون في سبيل الله".
بقضاة شرعيين ذلك عدلهم، ومجتهدين شرعيين هذه أعمالهم، زهق الحق وجاء الباطل، وشرع الذين ثاروا من السوريين على النظام الطائفي الاستبدادي يشعرون أنهم خسروا رهانهم على حريته، وأن النظام الأسدي مستفيدٌ رئيسٌ من قضاة التنظيمات وشرعييها الذين يقدمون بديلاً مرفوضاً له، يشاركه العداء لحكم القانون وحرية المواطن، تقوّض ارتكاباته الأسدية إنجازات الثورة في الواقع والنفوس، من دون أن يدين رجال الدين الحريصون على الإسلام شططه وجرائمه، خوفاً من حماته.
أخيراً، صمت الجميع تقريباً عن فتاوى واجتهادات "شرعيي" الاقتتال الفصائلي في الغوطة الشرقية، الذين قصروا دورهم على تحريض جيش الإسلام وفيلق الرحمن أحدهما ضد الآخر، وصفقوا لاقتتالهما الذي أسقط أربعين بالمائة من الغوطة الشرقية بيد النظام، بينما كانوا يصرخون: قتال كفار الداخل أوْلى من قتال الجيش الأسدي.
ليست المحاكم الشرعية محاكم لتكون شرعية حقاً. وكيف تكون شرعيةً إذا كانت لم تؤسس لتطبق العدل، ولم يلتزم "شرعيوها" بأحكام من سبقهم من قضاة المسلمين، كسيدنا على ابن أبي طالب. بدورها، ليست اجتهادات شرعيي التنظيمات شرعيةً في أغلب الإحالات، وكيف تكون شرعيةً إذا كانت تفتقر إلى مقومات الاجتهاد وضوابطه، وتستخدم الدين لتسويغ ممارسات ظالمة، تحريضية في ميادين السياسة والحرب، تخالف هناك العدل، وتسوّغ هنا انتهاك أمن الناس وسلامتهم والعدوان عليهم، باسم أهواء تدمر الثورة وقيمها، وتضر بمصالح الشعب وتخالف تعاليم الإسلام، وفقه يسوّغ أفعالاً تضرّ بالمواطنين، وبغيرها من التنظيمات، علماً أن استبدادها القائم على أهواء قادتها لا يقوّض استبداد الأسد الإجرامي، وأنها تروّع ضحاياها بأحكام أشد ما فيها سوءاً إصدارها باسم العلي القدير.
لم يردع مرور الزمن، وتراكم الممارسات الشاذة، الشرعيين عن غيهم، أو يدفع قيادات المعارضة إلى التصدّي لهم، والمبادرة إلى بناء جهاز قانوني، يتولاه قضاة ومحاومون مؤهلون علمياً وعملياً، غادروا مواقعهم في النظام، والتحقوا بالثورة، لكي لا يشاركو الأسد جرائمه ضد شعبهم، ويضعوا العدل في متناول الناس، فأقصاهم "الشرعيون" عن موقعهم الطبيعي، وسعوا إلى تشويه سمعتهم، أو استغلوا جوعهم لإجبارهم على العمل تحت إشرافهم.
واليوم، تمسي الحاجة إلى قرار يصدره وزير العدل في الحكومة السورية المؤقتة بحل المحاكم الشرعية وتأسيس سلطة قضائية مستقلة، قيامها جزء تكويني وأصيل من تأسيس سلطة حرية وعدل بديلة للأسدية، ولمن يستخدمون الشرع لاغتيال قيم الثورة باسم الدين، ولفرض ظلمهم على شعبٍ طالب بالحرية وحكم القانون، يعاقب منذ سنوات بسلاحٍ لا ينضبط بهما، وشرعيين يبرّرون ارتكاباتٍ لا يقرّها شرع أو دين.
في المقابل، امتلكت أغلبية التنظيمات "شرعيين" من نمط آخر، مهمتهم تسويغ ممارساتها التعنيفية والاستبدادية باسم الدين، والدين منها بريء، أشهرهم عبد الله المحيسني، شرعي القاعدة، فما كان منهم إلا أن صبغوا بدورهم نهجها السياسي والعسكري بألوانٍ لا علاقة لها بأي شرع، متزمتة ودموية، أخذته غالباً إلى مواقف وخيارات غريبة عن ثورةٍ جعلت الحرية والعدالة والمساواة من أهدافها، بفضل اجتهاداتٍ غطت المذهبية والاقتتال الطائفي والعنف الذي لا ضوابط سياسية له، وعزّزت الانقسام في الحقلين العسكري والسياسي، وكرّست "شرعية" تنظيماتها ضد غيرها، وشجعتها على مقاتلتها بحجج نسبتها إلى الإسلام، فلا عجب إن أدّى دورها إلى إضعاف الصف المقاوم وتمزيقه، وتسويغ الإرهاب، ورفض ثورة الحرية، وتمزيق صفوف من يفترض أنهم "يجاهدون في سبيل الله".
بقضاة شرعيين ذلك عدلهم، ومجتهدين شرعيين هذه أعمالهم، زهق الحق وجاء الباطل، وشرع الذين ثاروا من السوريين على النظام الطائفي الاستبدادي يشعرون أنهم خسروا رهانهم على حريته، وأن النظام الأسدي مستفيدٌ رئيسٌ من قضاة التنظيمات وشرعييها الذين يقدمون بديلاً مرفوضاً له، يشاركه العداء لحكم القانون وحرية المواطن، تقوّض ارتكاباته الأسدية إنجازات الثورة في الواقع والنفوس، من دون أن يدين رجال الدين الحريصون على الإسلام شططه وجرائمه، خوفاً من حماته.
أخيراً، صمت الجميع تقريباً عن فتاوى واجتهادات "شرعيي" الاقتتال الفصائلي في الغوطة الشرقية، الذين قصروا دورهم على تحريض جيش الإسلام وفيلق الرحمن أحدهما ضد الآخر، وصفقوا لاقتتالهما الذي أسقط أربعين بالمائة من الغوطة الشرقية بيد النظام، بينما كانوا يصرخون: قتال كفار الداخل أوْلى من قتال الجيش الأسدي.
ليست المحاكم الشرعية محاكم لتكون شرعية حقاً. وكيف تكون شرعيةً إذا كانت لم تؤسس لتطبق العدل، ولم يلتزم "شرعيوها" بأحكام من سبقهم من قضاة المسلمين، كسيدنا على ابن أبي طالب. بدورها، ليست اجتهادات شرعيي التنظيمات شرعيةً في أغلب الإحالات، وكيف تكون شرعيةً إذا كانت تفتقر إلى مقومات الاجتهاد وضوابطه، وتستخدم الدين لتسويغ ممارسات ظالمة، تحريضية في ميادين السياسة والحرب، تخالف هناك العدل، وتسوّغ هنا انتهاك أمن الناس وسلامتهم والعدوان عليهم، باسم أهواء تدمر الثورة وقيمها، وتضر بمصالح الشعب وتخالف تعاليم الإسلام، وفقه يسوّغ أفعالاً تضرّ بالمواطنين، وبغيرها من التنظيمات، علماً أن استبدادها القائم على أهواء قادتها لا يقوّض استبداد الأسد الإجرامي، وأنها تروّع ضحاياها بأحكام أشد ما فيها سوءاً إصدارها باسم العلي القدير.
لم يردع مرور الزمن، وتراكم الممارسات الشاذة، الشرعيين عن غيهم، أو يدفع قيادات المعارضة إلى التصدّي لهم، والمبادرة إلى بناء جهاز قانوني، يتولاه قضاة ومحاومون مؤهلون علمياً وعملياً، غادروا مواقعهم في النظام، والتحقوا بالثورة، لكي لا يشاركو الأسد جرائمه ضد شعبهم، ويضعوا العدل في متناول الناس، فأقصاهم "الشرعيون" عن موقعهم الطبيعي، وسعوا إلى تشويه سمعتهم، أو استغلوا جوعهم لإجبارهم على العمل تحت إشرافهم.
واليوم، تمسي الحاجة إلى قرار يصدره وزير العدل في الحكومة السورية المؤقتة بحل المحاكم الشرعية وتأسيس سلطة قضائية مستقلة، قيامها جزء تكويني وأصيل من تأسيس سلطة حرية وعدل بديلة للأسدية، ولمن يستخدمون الشرع لاغتيال قيم الثورة باسم الدين، ولفرض ظلمهم على شعبٍ طالب بالحرية وحكم القانون، يعاقب منذ سنوات بسلاحٍ لا ينضبط بهما، وشرعيين يبرّرون ارتكاباتٍ لا يقرّها شرع أو دين.