بشار الأسد يا كايدهم
ربما كان من حسن حظ السوريين أن معظم الشخصيات العالمية التي لها علاقة بقضيتهم تمتاز بالذكاء. وأحياناً، يزيد ذكاءُ أحدهم عن الحد الطبيعي، فيُصاب بالصداع، لأن الذكاء الحاد يُرغم العقل على العمل أوقاتاً طويلة من اليوم، ولا يسمح له بالتريّض والاسترخاء.. من هذه الشخصيات، بلا أدنى شك، السيد سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا.
في حديث للسيد لافروف، مع مجلة موسكوفسكي كومسوموليتس، أكد أن الملوك والرؤساء الذين يقولون بضرورة فرض حل عسكري في سورية إنما ينطلقون في ذلك من الكراهية الشخصية تجاه الرئيس بشار الأسد.
يتذكّر المرء، في لحظة قراءة هذا التصريح، العبارات التي يكتبها سائقو السيارات المختلفة في سورية على مؤخرات سياراتهم، بدءاً من عبارة (تدلَّعْ يا كايدهم)، مروراً بـ(يا ناظري بنظرة حسد، أشكيك لواحد أحد)، وليس انتهاءً بـ(لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله)،.. ويذهب التفكيرُ، حالاً، إلى إجراء مقارنةٍ منطقيةٍ وعادلةٍ، بين بشار الأسد من جهة، وكل واحد من شانئيه الذين يطالبون بتعريض بلاده الوادعة للتدخل العسكري، من جهة أخرى.
فالرئيس الفرنسي السابق، ساركوزي، انتهت مدة رئاسته ومشى، قبل أن يتحقق حلمه بإزاحة بشار الأسد، عسكرياً، وها هو خَلَفُه فرانسوا هولاند يقترب من نهاية ولايته، وما يزال الأسد حياً يُرزق، وحتى وزيرُ خارجيته لوران فابيوس فقد بلغ حافة القنوط، واستقال، بينما الأسد ووزير خارجيته المهيوب يزدادان شباباً وتألقاً على مر السنين.
يجدر بالرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي هَدَّدَ بتوجيه ضربات عسكرية للأسد في أواخر سنة 2013، وعاد اليوم ليلوح بالخيار العسكري، أن يكون أكثر رؤساء العالم كراهيةً لبشار الأسد، وحنقاً عليه، وأنا أميل إلى الاعتقاد أن أوباما، لو كان مسلماً، لاستيقظ عند الفجر فاغتسل، وتوضأ، ثم باس الأرض، ودعا الله أن يقصف عمر بشار الأسد. فعلى الرغم من أنه يقود دولةً ناتجُها القومي السنوي 17 تريليون دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج القومي لدولة مثل الصين، وتسعة أضعاف الناتج القومي لروسيا، وأنه يجلس، في بيته الأبيض، ويقود مقدّرات العالم كله من الخلف، واستطاع أن يجعل سعر البنزين في أميركا بسعر الماء، فهو الآن ينتظر انتهاء سنة 2016 ليغادر البيت الأبيض، من دون أن يوجد احتمال واحد في المليون، لأن ينام في القصر الرئاسي ليلة إضافية واحدة، كما يستحيل أن يورث الولايات المتحدة لابنه. وطوال السنوات الثماني التي قضاها في الرئاسة، لم تخرج الجماهير الأميركية الكادحة، التي أنعشها أوباما فعلاً، في مسيرة مليونية، أو ألفية، أو حتى مئوية تشيد بعطاءاته، بينما يقف هو على شرفة وزارة التربية، في حي الجسر الأبيض، مفرفحاً بيديه للجماهير، أو يقيم مهرجاناً خطابياً في ذكرى استيلائه على السلطة، تتبارى فيه وصال فرحة بكداش مع فايز إسماعيل مع كريم الشيباني، بتدبيج المدائح لقيادته التي رفعت شأن الولايات المتحدة بين الدول، حتى إذا جاء دور الأستاذ صفوان قدسي، تستنفر اللغة الإنكليزية للإشادة بمقدّرات الرئيس الخارقة، ويعارض أولئك الذين يطالبون بتجديد البيعة له مرة كل أربع سنوات، مطالباً بانتخابه مرة واحدة، وإلى الأبد.
يعرف هؤلاء الملوك والرؤساء أن الرئيس بشار الأسد لم يسمح لحاشيته ومعاونيه أن يستخدموا العنف ضد المتظاهرين في أول الثورة، وأمر أن يُعاملوا الناس بالحسنى، ورفض أن يغادر الجيش ثكناته، إلا حينما تدق طبول الحرب مع إسرائيل. وحينما عَرضت عليه إيران وروسيا وحزب الله وكتائب أبي الفضل العباس المساعدةَ في قمع الثورة أبى، واستكبر، وهدّد بترك السلطة الرئاسية، إذا كان سيُقتل في سبيلها سوريٌّ واحد.
كل هذه التضحيات بذلها بشار الأسد مقابل أن يمنع عن بلاده شبح التدخل العسكري، وإذا بكارهيه اليومَ يهددون بذلك، ووالله لولا ذكاء لافروف لفعلوها.