08 نوفمبر 2024
حمص من الجو، حسناً فعلت الجريدة
هي حمص، وكأنها ليست حمص. بقي الاسم واختلف كل شيء. بدت مثل صبيةٍ تعود إلى أمها بعد فراق سنين، فلا تعرفان بعضهما. وكذا قال أبناء المدينة عن أمهم حمص، "هذه ليست أمنا"، فصورة مدينتهم من الجو، طعنُ خنجرٍ في الظهر، وهي الخطوط التي لا يريد الأبناء رؤيتها في الوجه الجميل الذي أحبوه. وحين تقترب الصورة أكثر، يرى الأبناء أن الحفر والأخاديد، لا الخطوط وحدها، هي نصيب ذلك الوجه من حرب السنين الخمس. وصورة المدينة من الجو، على صفحات الجريدة، قصة تزيد الغصّة، وتهرق دماً من العيون، لا دمعاً. قصة تحكيها البيوت المهدمة والشوارع المفرغة. صورة من تبقى من صِبيةٍ بين الركام، يحاولون تذكّر ألعابهم قبل الحرب. صورة تبحث عن حمام هجر سماء المدينة، حين استوطنتها القاذفات.
حسناً فعلت الجريدة، الإندبندنت البريطانية، حين عرضت شريط فيديو جديدا مأخوذا من الجو، يصور الدمار في حمص، على صفحتها على "فيسبوك"، فالمدينة والبلاد تحتاجان إلى شريط كهذا ليصدّق الناس القصة. وكذلك يحتاج الجمهور الغربي أحياناً، وربما غالباً، إلى أحد من أبناء جلدته، ليضع له القصة الإخبارية على طاولته، أو يسردها له كي يصدقها. وفي أحيان كثيرة، يحتاج إلى أكثر من القراءة، فتكون القصة أكثر صدقاً وأقرب إلى التصديق، إنْ وضعتها نشرة أخبار الساعة الثامنة أمام عينيه، وعلى مسمع من المحيطين به. فلا تنال قصص كثيرة، وخصوصاً قصص الدول الفقيرة أو المنكوبة بالحروب، الاهتمام بين الجمهور الغربي سوى عبر هذه الطريقة. وربما تهمل، إن لم تتنطع قناة تلفزيونية معتد بها، أو جريدة مشهود لها لعرض القصة، فتنال عندها ما تستحق من الاهتمام أو التعاطف أو الاستنكار، وفقاً لطبيعة هذه القصة.
وللشريط حساسية كبيرة لدى فئة من الجمهور الغربي، الألماني خصوصاً، إذ يقارب الدمار الذي يعرضه الدمار الذي عرضه شريط قديم عن برلين المدمرة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتتلقى فئة من الجمهور الغربي، هم من بقي ممن عاصروا تلك الحرب أو أبناؤهم، الشريط ليتذكّروا الحرب، ويتذكّروا مسببيها والمسؤولين عنها. ويوقظ لديهم حس الندم الذي تبين أنه ما يزال مرافقاً لهم ولذريتهم بسبب ما فعلوه، أو فعله مواطنوهم، في تلك الحرب. وربما يضعهم عند مسؤولياتهم تجاه الحرب وضرورة بذل مزيد من الجهود لإيقافها، وتجاه اللاجئين وتسهيل إجراءات استقبالهم، وتطبيق ما اتفقوا عليه من توزيع اللاجئين على البلدان الأوروبية، وفق حصصٍ توافقوا عليها.
من هنا، جاء عرض الجريدة الشريط على صفحتها في وقته، فقد جاء مع موجة الهجرة الجديدة من حلب ومحيطها، واحتمالات ازديادها مع اشتداد الهجمات أكثر وأكثر. وتناقل الشريط كثيرون، غرباً وشرقاً، وشاركوه على صفحاتهم، وذُيِّلَ بتعليقاتٍ تصف المأساة في سورية والحرب وفظاعاتها، وتحكي عن المتدخلين والمقامرين بدم الشعب السوري. وربما أعطى مفعولاً عكس ما أراد منه الذين صوّروه وأطلقوه، وعكس الغرض الذي صوّروه من أجله، حين ذيلت صفحة الجريدة الشريطَ بتعليق: "في المرة القادمة، عندما يتساءل أحد ما عن سبب مجازفة اللاجئين بكل شيء للقدوم إلى أوروبا، اعرضوا له هذا الشريط". وجاء أيضاً في وقتٍ، قال فيه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لناشطتيْن سوريتين على هامش مؤتمر المانحين في لندن في الثالث من فبراير/شباط الجاري، حين تحدث عن ثلاثة أشهر مقبلة، سيستمر فيها القصف في سورية، وستباد خلالها المعارضة. تحذير لا يقرأه الغرب سوى مزيد من موجات اللاجئين.
وتبيّن أن الذين صوّروا الشريط من الروس الذين دخلوا البلاد على متن طائراتهم الحربية، وقد ثبّتوا كاميراتهم على طائراتهم المسيّرة عن بعد، وأطلقوا الشريط على صفحات مواقع روسية، ربما ليظهروا إنجازاتهم لأبناء بلدهم، ويثيروا شهية محبي التدمير منهم، ليدفعوهم إلى المشاركة في حفلة الرقص على جثث السوريين. لكن، يبدو أن الشريط أعطى مفعولاً عكس ما رغب هؤلاء، عندما أحدث موجة من التعاطف، ترافقت مع انتشاره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في الغرب. وربما سيوقف أصداء عملية التحرش الجنسي في ليلة رأس السنة الجديدة في مدينة كولونيا في ألمانيا، والتي يزيد الروس من نارها، ويختلقون قصصاً غيرها، كما تبين من تقرير نشرته مجلة ديرشبيغل الألمانية قبل أيام بعنوان: "القصة الكاملة لحرب روسيا ضد اللاجئين العرب في ألمانيا".
ما عرضه الشريط جزء يسير من حجم الدمار الذي لحق بالمدن والبلدات والقرى السورية. وهو عرضٌ بسيط لمخلفات الحرب التي تجري في سورية. ولن نضيف جديداً إن قلنا إن مدناً أبيدت وهجّر سكانها، وتشرّدوا في الأرض. كما أن مدناً أخرى تغيرت ملامحها، وإنْ لم تُدمر منازلها، فهي أصبحت غير صالحة للسكن. ومع اشتداد المعارك في حلب، ومع تصريحات كيري عن ازدياد وتيرة القصف في ثلاثة أشهر مقبلة، فإن مدناً جديدة ستلحق بركب المدن المدمرة، وستنتج عن الدمار موجات لجوء جديدة، تغرق الدول المجاورة، والدول الأوروبية، وتضيف إلى عذابات السوريين عذابات جديدة.
حسناً فعلت الجريدة، الإندبندنت البريطانية، حين عرضت شريط فيديو جديدا مأخوذا من الجو، يصور الدمار في حمص، على صفحتها على "فيسبوك"، فالمدينة والبلاد تحتاجان إلى شريط كهذا ليصدّق الناس القصة. وكذلك يحتاج الجمهور الغربي أحياناً، وربما غالباً، إلى أحد من أبناء جلدته، ليضع له القصة الإخبارية على طاولته، أو يسردها له كي يصدقها. وفي أحيان كثيرة، يحتاج إلى أكثر من القراءة، فتكون القصة أكثر صدقاً وأقرب إلى التصديق، إنْ وضعتها نشرة أخبار الساعة الثامنة أمام عينيه، وعلى مسمع من المحيطين به. فلا تنال قصص كثيرة، وخصوصاً قصص الدول الفقيرة أو المنكوبة بالحروب، الاهتمام بين الجمهور الغربي سوى عبر هذه الطريقة. وربما تهمل، إن لم تتنطع قناة تلفزيونية معتد بها، أو جريدة مشهود لها لعرض القصة، فتنال عندها ما تستحق من الاهتمام أو التعاطف أو الاستنكار، وفقاً لطبيعة هذه القصة.
وللشريط حساسية كبيرة لدى فئة من الجمهور الغربي، الألماني خصوصاً، إذ يقارب الدمار الذي يعرضه الدمار الذي عرضه شريط قديم عن برلين المدمرة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتتلقى فئة من الجمهور الغربي، هم من بقي ممن عاصروا تلك الحرب أو أبناؤهم، الشريط ليتذكّروا الحرب، ويتذكّروا مسببيها والمسؤولين عنها. ويوقظ لديهم حس الندم الذي تبين أنه ما يزال مرافقاً لهم ولذريتهم بسبب ما فعلوه، أو فعله مواطنوهم، في تلك الحرب. وربما يضعهم عند مسؤولياتهم تجاه الحرب وضرورة بذل مزيد من الجهود لإيقافها، وتجاه اللاجئين وتسهيل إجراءات استقبالهم، وتطبيق ما اتفقوا عليه من توزيع اللاجئين على البلدان الأوروبية، وفق حصصٍ توافقوا عليها.
من هنا، جاء عرض الجريدة الشريط على صفحتها في وقته، فقد جاء مع موجة الهجرة الجديدة من حلب ومحيطها، واحتمالات ازديادها مع اشتداد الهجمات أكثر وأكثر. وتناقل الشريط كثيرون، غرباً وشرقاً، وشاركوه على صفحاتهم، وذُيِّلَ بتعليقاتٍ تصف المأساة في سورية والحرب وفظاعاتها، وتحكي عن المتدخلين والمقامرين بدم الشعب السوري. وربما أعطى مفعولاً عكس ما أراد منه الذين صوّروه وأطلقوه، وعكس الغرض الذي صوّروه من أجله، حين ذيلت صفحة الجريدة الشريطَ بتعليق: "في المرة القادمة، عندما يتساءل أحد ما عن سبب مجازفة اللاجئين بكل شيء للقدوم إلى أوروبا، اعرضوا له هذا الشريط". وجاء أيضاً في وقتٍ، قال فيه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لناشطتيْن سوريتين على هامش مؤتمر المانحين في لندن في الثالث من فبراير/شباط الجاري، حين تحدث عن ثلاثة أشهر مقبلة، سيستمر فيها القصف في سورية، وستباد خلالها المعارضة. تحذير لا يقرأه الغرب سوى مزيد من موجات اللاجئين.
وتبيّن أن الذين صوّروا الشريط من الروس الذين دخلوا البلاد على متن طائراتهم الحربية، وقد ثبّتوا كاميراتهم على طائراتهم المسيّرة عن بعد، وأطلقوا الشريط على صفحات مواقع روسية، ربما ليظهروا إنجازاتهم لأبناء بلدهم، ويثيروا شهية محبي التدمير منهم، ليدفعوهم إلى المشاركة في حفلة الرقص على جثث السوريين. لكن، يبدو أن الشريط أعطى مفعولاً عكس ما رغب هؤلاء، عندما أحدث موجة من التعاطف، ترافقت مع انتشاره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في الغرب. وربما سيوقف أصداء عملية التحرش الجنسي في ليلة رأس السنة الجديدة في مدينة كولونيا في ألمانيا، والتي يزيد الروس من نارها، ويختلقون قصصاً غيرها، كما تبين من تقرير نشرته مجلة ديرشبيغل الألمانية قبل أيام بعنوان: "القصة الكاملة لحرب روسيا ضد اللاجئين العرب في ألمانيا".
ما عرضه الشريط جزء يسير من حجم الدمار الذي لحق بالمدن والبلدات والقرى السورية. وهو عرضٌ بسيط لمخلفات الحرب التي تجري في سورية. ولن نضيف جديداً إن قلنا إن مدناً أبيدت وهجّر سكانها، وتشرّدوا في الأرض. كما أن مدناً أخرى تغيرت ملامحها، وإنْ لم تُدمر منازلها، فهي أصبحت غير صالحة للسكن. ومع اشتداد المعارك في حلب، ومع تصريحات كيري عن ازدياد وتيرة القصف في ثلاثة أشهر مقبلة، فإن مدناً جديدة ستلحق بركب المدن المدمرة، وستنتج عن الدمار موجات لجوء جديدة، تغرق الدول المجاورة، والدول الأوروبية، وتضيف إلى عذابات السوريين عذابات جديدة.