03 اغسطس 2022
بوتين ومأزق محور "الممانعة"
تحولت سورية والمنطقة إلى مسرح لـ"الدب الروسي"، يسرح ويمرح فيها كما يشاء، يتدخّل ساعة يشاء، وينسحب ساعة يشاء، ويعلن عن استعداده لإعادة إرسال قواته "خلال ساعات إذا لزم الأمر". أثبت فلاديمير بوتين أنه لاعب ماهر على الساحة الدولية، يجيد الاستراتيجيا والتكتيك الملائمين، ويجيد اللعب على حافة الهاوية. وأظهر أنه "القوة العظمى" التي تناطح الولايات المتحدة، وكيف أنه قادر على جرّها إلى ملعبه. تدخل عسكرياً في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، والتزم بوعده بإنهاء "المهمة" خلال بضعة أشهر. وها هو الآن يسعى إلى فرض حل سياسي للحرب السورية، تشارك فيه (أو قبلته) واشنطن. وأظهر بوتين أيضا أنه يعرف ماذا يريد. النفوذ والحفاظ على المصالح.
تدخّل لانتشال بشار الأسد من الغرق، كي يجعل منه "ورقة صالحة" للضغط، من أجل تعديل موازين القوى العسكرية على الأرض، بهدف إعادة التوازن في عملية المواجهة وتحسين شروط التفاوض. أعلن أنه قادم لمقاتلة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكنه قاتل فعلياً المعارضة بتشكيلاتها كافة، وقلم أظافرها، وحاول بالتالي شرذمتها وتركيعها، ثم جرّها تحت القصف إلى طاولة المفاوضات في جنيف، إلا أنه لم ينجح في ذلك. عندها تراجع خطوة إلى الوراء، واضطر إلى لعب "ورقة الهدنة" مع واشنطن (واستيعاباً لضغط الرياض) عند المواقع التي حققها، أو وقف عندها، أو تراجع إليها كل طرف.
تفاجأ النظام، المزهو بتقدمه تحت الغطاء الروسي، بالخطوة، وخصوصاً عندما رأى السوريين مجدداً في شوارع حمص وحماه ودير الزور ومعرّة النعمان، وغيرها من المدن والقرى، يهتفون "إرحل إرحل يا بشار". فحاول الأسد ممارسة عملية هروب الى الأمام، فأعلن أنه يريد إجراء انتخابات نيابية في منتصف إبريل/ نيسان المقبل، ثم تكلم عن عزمه على استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية. وفي الحالتين، سارعت موسكو إلى "ضربه على يده"، مؤكدة أنها هي صاحبة زمام المبادرة، وأن التركيز منصب على وقف إطلاق النار. وفي المقابل، لم تستوعب المعارضة أهمية الهدنة بالنسبة لها، وكادت أن تضيّع الفرصة بشروطها المسبقة، قبل أن تعود وتتسلح بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 أساساً للمفاوضات.
انسحب بوتين، بعدما فرض واقعاً على الأرض. وفي جنيف، يصعب الرجوع عنه، أما إيران قائدة "محور الممانعة"، فأصيبت بصدمة، ولم تهضم قرار الانسحاب المفاجئ، لكنها اضطرت إلى إعلان تأييدها على مضض. وراحت قنواتها التلفزيونية التي تبث معظمها من لبنان، تتكلم عن "إعادة انتشار للقوات الروسية، وليس انسحاباً".
فماذا بعد قرار الانسحاب، وهل سيتكيّف "محور الممانعة" مع سياسة "القيصر الروسي" الذي سيلتقي الشهر المقبل ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز؟
ستحاول إيران، ومعها حزب الله، في الأسابيع المقبلة، وبالتزامن مع التفاوض في جنيف،
اكتشافَ أبعاد قرار بوتين، انطلاقاً من التطورات التي سيَشهدها الميدان السوري، فهي تخشى أن تتمكّن المعارضة السورية من استغلال الانسحاب العسكري الروسي، لاستعادة ما خسرَته منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، وهذا في حال حصوله سيعني أنّ خطة بوتين فشلت، أو أنه، على ما يبدو، لم يحصل، كما يُشاع، على ضماناتٍ أميركية بعدم السماح للمعارضة من الاستفادة من الهدنة. أمّا في حال بقيَت الجبهات على حالها، فسيؤشر هذا الأمر إلى أنّ قرار بوتين منسّق دوليّاً، من أجل دعم خيار الحلّ السياسي.
أما الأمر الآخر والأهم الذي تريد طهران التأكّد منه فهو أنّ بوتين لم يساوم على موضوع بقاء الأسد في السلطة خلال "الحوار الرباعي" غير المعلن، والذي سبقَ جولة المفاوضات الحالية في جنيف، وضم روسيا وأميركا والسعودية وتركيا (على الرغم من خلاف بوتين معها)، واستبعدت منه إيران، والذي تَركّز حول موضوع واحد، هو كيفية انتقال السلطة في سورية. وقد سعت طهران إلى توجيه رسالة واضحة إلى أطراف الاجتماع الرباعي، عبر وسائلها الإعلامية التي نشرت تصريحاً لمسؤول إيراني، أعلنَ فيه "أنّ بقاء الأسد خطّ أحمر عند خامنئي".
يريد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الاستفادة، إلى أقصى حد، من التفاهم الحالي بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، قبل حلول الصيف المقبل، وقرب انتهاء ولاية الرئيس أوباما وبالتالي معه كيري، يرافقه ربما احتمال خروج لافروف أيضاً من واجهة الدبلوماسية الروسية. لذلك، هو يراهن على إحراز تقدم يعطي العملية السياسية ثقلاً وقوة دفع، تجبر الجميع على الاستمرار في دعمها.
وواضح أن إيران تشعر أنه تم تهميشها إلى حد ما، وأنها قلقة من أن يؤدي استمرار وقف إطلاق النار إلى إحباط عزيمة الجيش السوري والمليشيات المقاتلة إلى جانبه، من لبنانية وعراقية وإيرانية وأفغانية، ومن أن تستغل السعودية وتركيا هذه المرحلة لتزويد المعارضين أسلحة إضافية. لذلك، لا تتوقع، أو ستسعى على الأرجح، إلى ألا تستمر الهدنة طويلاً، وإن معركة حلب هي التي ستحدّد مصير النظام، وكذلك مصير المحور السوري-الإيراني-الحزبللاوي.
أما تركيا، فانطلاقا من أهمية موقعها الجغرافي والجيوسياسي بالنسبة للأزمة السورية، وبالتالي، أهميتها "الأطلسية" بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، وبسبب تدفق اللاجئين إليها ومنها، فهي أكثر الأطراف تعرضاً لضغط متصاعد من أكثر من طرف، وتحديداً من روسيا ومن قبل الأكراد الذين أعلنوا، قبل أيام، كياناً فيدرالياً على حدودها. وهي، في الوقت نفسه، تلتقي مع إيران في التصدّي لمواجهة أي تحرك كردي استقلالي، على الرغم من وقوفهما على طرفي نقيض من الصراع الدائر في سورية. لذلك، فإن الضغط على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سيتضاعف في المرحلة المقبلة.
أما النظام السوري، فيبدو أن تيارين يتنازعانه. يرى الأول أن الهدنة ستكون مؤقتة تمهد للحسم العسكري. ويعتبرها الثاني فرصة لإطلاق المفاوضات على أساس المكاسب العسكرية التي تحققت على الأرض، والسعي إلى تحويلها، بمساعدة روسيا، إلى مكاسب سياسية في المفاوضات. والتوجه الأول هو أقرب إلى إيران التي تعتبر أنه من الأفضل تحقيق انتصارات قبل الانتخابات الأميركية، بحيث يصعب على الإدارة الجديدة تغيير الواقع الجديد على الأرض.
في المقابل، تسعى موسكو وواشنطن إلى إنجاح مفاوضات جنيف، وفرض الحل السياسي، لاعتباراتٍ تتصل بالإطار الزمني لما تبقى من عمر الإدارة الأميركية، وبموعد مراجعة العقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا في يونيو/ حزيران المقبل، ما سيوفر للرئيس الروسي فرصة الحصول على تنازلاتٍ من الاتحاد الاوروبي في ما يتعلق بأوكرانيا، علاوة على مكاسبه في سورية.
في لقاء حصل في موسكو، قبل قرار الانسحاب الروسي، وقف أحد ممثلي النظام السوري متكلماً عن "الحلف الروسي- السوري- الإيراني"، فقاطعه على الفور أحد المسؤولين الروس، نافياً، بشكل قاطع، وجود مثل هذا الحلف، وأكد أن هدف موسكو تحقيق حل سياسي في سورية... ونقطة على السطر.
تدخّل لانتشال بشار الأسد من الغرق، كي يجعل منه "ورقة صالحة" للضغط، من أجل تعديل موازين القوى العسكرية على الأرض، بهدف إعادة التوازن في عملية المواجهة وتحسين شروط التفاوض. أعلن أنه قادم لمقاتلة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكنه قاتل فعلياً المعارضة بتشكيلاتها كافة، وقلم أظافرها، وحاول بالتالي شرذمتها وتركيعها، ثم جرّها تحت القصف إلى طاولة المفاوضات في جنيف، إلا أنه لم ينجح في ذلك. عندها تراجع خطوة إلى الوراء، واضطر إلى لعب "ورقة الهدنة" مع واشنطن (واستيعاباً لضغط الرياض) عند المواقع التي حققها، أو وقف عندها، أو تراجع إليها كل طرف.
تفاجأ النظام، المزهو بتقدمه تحت الغطاء الروسي، بالخطوة، وخصوصاً عندما رأى السوريين مجدداً في شوارع حمص وحماه ودير الزور ومعرّة النعمان، وغيرها من المدن والقرى، يهتفون "إرحل إرحل يا بشار". فحاول الأسد ممارسة عملية هروب الى الأمام، فأعلن أنه يريد إجراء انتخابات نيابية في منتصف إبريل/ نيسان المقبل، ثم تكلم عن عزمه على استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية. وفي الحالتين، سارعت موسكو إلى "ضربه على يده"، مؤكدة أنها هي صاحبة زمام المبادرة، وأن التركيز منصب على وقف إطلاق النار. وفي المقابل، لم تستوعب المعارضة أهمية الهدنة بالنسبة لها، وكادت أن تضيّع الفرصة بشروطها المسبقة، قبل أن تعود وتتسلح بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 أساساً للمفاوضات.
انسحب بوتين، بعدما فرض واقعاً على الأرض. وفي جنيف، يصعب الرجوع عنه، أما إيران قائدة "محور الممانعة"، فأصيبت بصدمة، ولم تهضم قرار الانسحاب المفاجئ، لكنها اضطرت إلى إعلان تأييدها على مضض. وراحت قنواتها التلفزيونية التي تبث معظمها من لبنان، تتكلم عن "إعادة انتشار للقوات الروسية، وليس انسحاباً".
فماذا بعد قرار الانسحاب، وهل سيتكيّف "محور الممانعة" مع سياسة "القيصر الروسي" الذي سيلتقي الشهر المقبل ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز؟
ستحاول إيران، ومعها حزب الله، في الأسابيع المقبلة، وبالتزامن مع التفاوض في جنيف،
أما الأمر الآخر والأهم الذي تريد طهران التأكّد منه فهو أنّ بوتين لم يساوم على موضوع بقاء الأسد في السلطة خلال "الحوار الرباعي" غير المعلن، والذي سبقَ جولة المفاوضات الحالية في جنيف، وضم روسيا وأميركا والسعودية وتركيا (على الرغم من خلاف بوتين معها)، واستبعدت منه إيران، والذي تَركّز حول موضوع واحد، هو كيفية انتقال السلطة في سورية. وقد سعت طهران إلى توجيه رسالة واضحة إلى أطراف الاجتماع الرباعي، عبر وسائلها الإعلامية التي نشرت تصريحاً لمسؤول إيراني، أعلنَ فيه "أنّ بقاء الأسد خطّ أحمر عند خامنئي".
يريد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الاستفادة، إلى أقصى حد، من التفاهم الحالي بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، قبل حلول الصيف المقبل، وقرب انتهاء ولاية الرئيس أوباما وبالتالي معه كيري، يرافقه ربما احتمال خروج لافروف أيضاً من واجهة الدبلوماسية الروسية. لذلك، هو يراهن على إحراز تقدم يعطي العملية السياسية ثقلاً وقوة دفع، تجبر الجميع على الاستمرار في دعمها.
وواضح أن إيران تشعر أنه تم تهميشها إلى حد ما، وأنها قلقة من أن يؤدي استمرار وقف إطلاق النار إلى إحباط عزيمة الجيش السوري والمليشيات المقاتلة إلى جانبه، من لبنانية وعراقية وإيرانية وأفغانية، ومن أن تستغل السعودية وتركيا هذه المرحلة لتزويد المعارضين أسلحة إضافية. لذلك، لا تتوقع، أو ستسعى على الأرجح، إلى ألا تستمر الهدنة طويلاً، وإن معركة حلب هي التي ستحدّد مصير النظام، وكذلك مصير المحور السوري-الإيراني-الحزبللاوي.
أما تركيا، فانطلاقا من أهمية موقعها الجغرافي والجيوسياسي بالنسبة للأزمة السورية، وبالتالي، أهميتها "الأطلسية" بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، وبسبب تدفق اللاجئين إليها ومنها، فهي أكثر الأطراف تعرضاً لضغط متصاعد من أكثر من طرف، وتحديداً من روسيا ومن قبل الأكراد الذين أعلنوا، قبل أيام، كياناً فيدرالياً على حدودها. وهي، في الوقت نفسه، تلتقي مع إيران في التصدّي لمواجهة أي تحرك كردي استقلالي، على الرغم من وقوفهما على طرفي نقيض من الصراع الدائر في سورية. لذلك، فإن الضغط على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سيتضاعف في المرحلة المقبلة.
أما النظام السوري، فيبدو أن تيارين يتنازعانه. يرى الأول أن الهدنة ستكون مؤقتة تمهد للحسم العسكري. ويعتبرها الثاني فرصة لإطلاق المفاوضات على أساس المكاسب العسكرية التي تحققت على الأرض، والسعي إلى تحويلها، بمساعدة روسيا، إلى مكاسب سياسية في المفاوضات. والتوجه الأول هو أقرب إلى إيران التي تعتبر أنه من الأفضل تحقيق انتصارات قبل الانتخابات الأميركية، بحيث يصعب على الإدارة الجديدة تغيير الواقع الجديد على الأرض.
في المقابل، تسعى موسكو وواشنطن إلى إنجاح مفاوضات جنيف، وفرض الحل السياسي، لاعتباراتٍ تتصل بالإطار الزمني لما تبقى من عمر الإدارة الأميركية، وبموعد مراجعة العقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا في يونيو/ حزيران المقبل، ما سيوفر للرئيس الروسي فرصة الحصول على تنازلاتٍ من الاتحاد الاوروبي في ما يتعلق بأوكرانيا، علاوة على مكاسبه في سورية.
في لقاء حصل في موسكو، قبل قرار الانسحاب الروسي، وقف أحد ممثلي النظام السوري متكلماً عن "الحلف الروسي- السوري- الإيراني"، فقاطعه على الفور أحد المسؤولين الروس، نافياً، بشكل قاطع، وجود مثل هذا الحلف، وأكد أن هدف موسكو تحقيق حل سياسي في سورية... ونقطة على السطر.