05 مارس 2023
الكرة في الملعب الإيراني
النصيحة التي وجهها لكاتب هذه السطور أحد المحللين السياسيين اللبنانيين المدافعين عن السياسة الإيرانية في المنطقة، في نهاية برنامج حوار تلفزيوني، الشهر الماضي، كانت أن يتوجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على الفور إلى "بيت الطاعة" الإيراني، ويعلن من هناك عن فشل سياسته السورية والإقليمية، لعلّ طهران تفكر عندها في تقديم خدمة ما لأنقرة، تساعدها على الخروج من ورطتها في أكثر من ملف وقضية.
لم يذهب أردوغان إلى طهران. الذي ذهب هو رئيس وزرائه، أحمد داود أوغلو، لكن الذي سبقه في ذلك كان مساعد وزير الخارجية الإيراني، إبراهيم رحيم بور، الذي زار العاصمة التركية أولاً، موجهاً دعوة رسمية لأوغلو، في خطوةٍ إيرانية، تزامنت مع تغيير السفير العامل في تركيا، واختيار محمد إبراهيم طاهريان سفيراً جديداً بصلاحيات استثنائية واسعة، كبادرة حسن نية، باتجاه تخفيف التباعد والتوتر الإيراني التركي في سورية.
تحدّث رئيس الوزراء التركي عن الجانب الاقتصادي والسياحي في الزيارة، وأهمية إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، فهو يعرف أنها تراجعت تجاريا بنسبة 30% في العامين الأخيرين، وهو ذكر الإيرانيين بالخدمات التي قدمتها بلاده لبلادهم، إبّان أزماتها بسبب الحصار الدولي المفروض عليها، ووقوف تركيا إلى جانبها في تسهيل عملية التفاوض حول الملف النووي الإيراني. لكن أوغلو يدرك أن السبب المباشر لتدهور العلاقات التجارية تراجع العلاقات السياسية، وأن لا فرصة لإيقاف تدهور العلاقات اقتصادياً سوى بطمر الحفرة السياسية الآخذة في الاتساع والتعمق على خط أنقرة طهران. ليس سبب وجود أحمد داود أوغلو في طهران البحث عن التنسيق الثنائي المشترك لحل الملفات الإقليمية، بل محاولة إيقاف ارتدادات النزيف المستمر في العلاقات الذي وصل إلى نقطة الخطر واللاعودة.
ستساعدنا الأيام القليلة المقبلة على معرفة نتائج هذه الزيارة، لكن رسائل ومؤشرات ومواقف كثيرة بدأت تظهر إلى العلن بشكل إيجابي. أولها كان إعلان الرئيس الإيراني، حسن روحاني،
أن التعاون التركي الإيراني يحمل الاستقرار إلى المنطقة، وأن إيران غير ملتزمة بالمواقف والسياسات الروسية في سورية، ومسارعة وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، إلى إعلان أن زيارة الرئيس الإيراني المؤجلة أكثر من مرة ستتم في القريب العاجل إلى أنقرة.
باتت طهران تعرف أن الرد العربي، وتحديداً الخليجي، على سياساتها الإقليمية، وتحريك حزب الله ليهدد السعوديين والأتراك من بيروت، لا بد أن يكون له ثمن. لكن تركيا تعرف، أيضاً، أن الخدمة التي قدمتها القيادات العربية لها، أخيراً، عبر التصعيد الجديد مع إيران وحسن نصر الله قد تعطيها الفرصة، لتمكّنها من استرداد كثير مما فقدته في سورية، لصالح إيران وروسيا. المهم أن تلعب القيادة السياسية التركية هذه الأوراق باحتراف ومهارة.
خلط الأوراق السعودي، أخيراً، فرصة مهمة لإيران التي قالت إنها سحبت جنودها من سورية لتسحب مقاتلي حزب الله من هناك أيضاً، والابتعاد عن روسيا ومشاريعها الاتحادية التقسيمية في سورية، عبر رفض خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكونفدرالية، وسحب الغطاء السياسي الذي تقدمه لموسكو من خلال تلميع صورة صالح مسلم، وإطلاق يده في شمال سورية شريكاً وحليفاً لبشار الأسد، يحققان لها ما تريده هناك.
تركيا هي اليوم الشريك المهم لدول الخليج في التعامل مع الملف السوري، وزيارة أوغلو قد تكون الفرصة الأخيرة لإيران، لكنها قد تكون الأخيرة لأنقرة أيضاً للالتزام بمواقف الدول الإسلامية الجديدة حيال حزب الله والقرارات المتخذة ضده، وتبني سياسة التصعيد مع إيران في حال وصلت فرصة التحرك التركي على خط طهران إلى طريق مسدود.
من المبكر جداً الحديث عن تبادل خدمات تركية إيرانية، كأن تتوسط أنقرة بين طهران والرياض مثلاً مقابل أن تتوسط طهران بين أنقرة وموسكو، والسبب هو التصعيد الروسي المستمر في سورية، ورفع سقف الشروط والمطالب التي كان آخرها حديث الكرملين أن سيادة سورية باتت مسؤولية روسية، وربما قد يكون هذا السبب الوحيد والكافي الذي قد يدفع القيادة الإيرانية لمراجعة سياسة تحالفاتها مع روسيا في سورية.
معادلة الخروج من الورطة السورية عبر البوابة الإيرانية سقطت، على ما يبدو، أمام خيار التصعيد العربي الإسلامي لقطع الطريق على أي تفاهم روسي إيراني أميركي على حسابه. الكرة الآن هي في ملعب القيادة الإيرانية، والذي رماها هو العواصم العربية والخليجية علها تكون فرصة لإيران للاختيار بين المشروع الروسي في سورية والرجوع إلى التفاهم والتنسيق مع دول وشعوب المنطقة التي قرّرت الرد على التحدي والتهديدات المتزايدة ضدها، مهما كان الثمن.
لم يذهب أردوغان إلى طهران. الذي ذهب هو رئيس وزرائه، أحمد داود أوغلو، لكن الذي سبقه في ذلك كان مساعد وزير الخارجية الإيراني، إبراهيم رحيم بور، الذي زار العاصمة التركية أولاً، موجهاً دعوة رسمية لأوغلو، في خطوةٍ إيرانية، تزامنت مع تغيير السفير العامل في تركيا، واختيار محمد إبراهيم طاهريان سفيراً جديداً بصلاحيات استثنائية واسعة، كبادرة حسن نية، باتجاه تخفيف التباعد والتوتر الإيراني التركي في سورية.
تحدّث رئيس الوزراء التركي عن الجانب الاقتصادي والسياحي في الزيارة، وأهمية إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، فهو يعرف أنها تراجعت تجاريا بنسبة 30% في العامين الأخيرين، وهو ذكر الإيرانيين بالخدمات التي قدمتها بلاده لبلادهم، إبّان أزماتها بسبب الحصار الدولي المفروض عليها، ووقوف تركيا إلى جانبها في تسهيل عملية التفاوض حول الملف النووي الإيراني. لكن أوغلو يدرك أن السبب المباشر لتدهور العلاقات التجارية تراجع العلاقات السياسية، وأن لا فرصة لإيقاف تدهور العلاقات اقتصادياً سوى بطمر الحفرة السياسية الآخذة في الاتساع والتعمق على خط أنقرة طهران. ليس سبب وجود أحمد داود أوغلو في طهران البحث عن التنسيق الثنائي المشترك لحل الملفات الإقليمية، بل محاولة إيقاف ارتدادات النزيف المستمر في العلاقات الذي وصل إلى نقطة الخطر واللاعودة.
ستساعدنا الأيام القليلة المقبلة على معرفة نتائج هذه الزيارة، لكن رسائل ومؤشرات ومواقف كثيرة بدأت تظهر إلى العلن بشكل إيجابي. أولها كان إعلان الرئيس الإيراني، حسن روحاني،
باتت طهران تعرف أن الرد العربي، وتحديداً الخليجي، على سياساتها الإقليمية، وتحريك حزب الله ليهدد السعوديين والأتراك من بيروت، لا بد أن يكون له ثمن. لكن تركيا تعرف، أيضاً، أن الخدمة التي قدمتها القيادات العربية لها، أخيراً، عبر التصعيد الجديد مع إيران وحسن نصر الله قد تعطيها الفرصة، لتمكّنها من استرداد كثير مما فقدته في سورية، لصالح إيران وروسيا. المهم أن تلعب القيادة السياسية التركية هذه الأوراق باحتراف ومهارة.
خلط الأوراق السعودي، أخيراً، فرصة مهمة لإيران التي قالت إنها سحبت جنودها من سورية لتسحب مقاتلي حزب الله من هناك أيضاً، والابتعاد عن روسيا ومشاريعها الاتحادية التقسيمية في سورية، عبر رفض خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكونفدرالية، وسحب الغطاء السياسي الذي تقدمه لموسكو من خلال تلميع صورة صالح مسلم، وإطلاق يده في شمال سورية شريكاً وحليفاً لبشار الأسد، يحققان لها ما تريده هناك.
تركيا هي اليوم الشريك المهم لدول الخليج في التعامل مع الملف السوري، وزيارة أوغلو قد تكون الفرصة الأخيرة لإيران، لكنها قد تكون الأخيرة لأنقرة أيضاً للالتزام بمواقف الدول الإسلامية الجديدة حيال حزب الله والقرارات المتخذة ضده، وتبني سياسة التصعيد مع إيران في حال وصلت فرصة التحرك التركي على خط طهران إلى طريق مسدود.
من المبكر جداً الحديث عن تبادل خدمات تركية إيرانية، كأن تتوسط أنقرة بين طهران والرياض مثلاً مقابل أن تتوسط طهران بين أنقرة وموسكو، والسبب هو التصعيد الروسي المستمر في سورية، ورفع سقف الشروط والمطالب التي كان آخرها حديث الكرملين أن سيادة سورية باتت مسؤولية روسية، وربما قد يكون هذا السبب الوحيد والكافي الذي قد يدفع القيادة الإيرانية لمراجعة سياسة تحالفاتها مع روسيا في سورية.
معادلة الخروج من الورطة السورية عبر البوابة الإيرانية سقطت، على ما يبدو، أمام خيار التصعيد العربي الإسلامي لقطع الطريق على أي تفاهم روسي إيراني أميركي على حسابه. الكرة الآن هي في ملعب القيادة الإيرانية، والذي رماها هو العواصم العربية والخليجية علها تكون فرصة لإيران للاختيار بين المشروع الروسي في سورية والرجوع إلى التفاهم والتنسيق مع دول وشعوب المنطقة التي قرّرت الرد على التحدي والتهديدات المتزايدة ضدها، مهما كان الثمن.