28 مايو 2017
المكتبة السعودية المفقودة
بالنسبة للمدن العربية المعاصرة التي تحتضن معارض سنوية للكتاب تتوالى تباعاً خلال بضعة أشهر من كل عام، تُمثل هذه المعارض فرصة لاحتفاء المدينة بنفسها، قبل أن تكون مناسبة لاحتفاء المدينة بالكتب وبالقرّاء، فتُعلن المدينة عن نفسها، من خلال المعرض، صديقةً للكتاب وعاشقة للمعرفة وحفيّة بالحريّة والجَدَل والحركة. يروق للمدينة العربية أن تُصدّق دعايتها عن نفسها، على الرغم من أن الطرافة كلها تكمن في قدرة هذا الاحتفاء المهرجانيّ بمعرض الكتاب على التعبير من دون قصد عن طبيعة المعرض الاستثنائية والخارقة للعادة في رتم (إيقاع) المدينة. تتبنى المدن العربية عموماً شروطاً اجتماعية، تفرض حالة متوجّسة من الكتاب والكتابة والنشر والناشرين، ومما بين هؤلاء كلهم ومما يحدث داخل هذا المناخ الذي يوجد تحت خيم معارض الكتاب. تخشى المدن العربية الأفكار، والتوجّس والخشية يصعدان في مُدُنٍ بعينها إلى حالة عدائيةٍ مُمَأسسة تجاه الكتاب ومَن يكتبون ومَن يقرؤون، عداء رقيق يتخفى في الأرفف الـمُثقلة للمكتبات وأطنان الكتب الـمُتاحة التي توفّر أفضل ساتر لعملية حجب الكتب الجارية ومنعها، بدأبٍ في خلفية المشهد، فبعد كل شيء تحتاج هذه المدينة إلى موازنةٍ حسّاسةٍ تجمع بين تنمية نسختها الخاصة من المعرفة وتضخّمها، ومطاردة كل النّسخ الأخرى، في الوقت نفسه، إذ تريد أن يُهيمن نمطها المعرفي، من دون أن تُضطرّ إلى فعلٍ صارخ كإبادة الكتب، الذي بات ينتمي إلى عصورٍ أخرى، أو إلى نماذج شمولية.
ثمّة أنواعٍ من منع الكتب بواسطة السُلطات. هناك المنع السطحي الذي يفرقع مُفتتحاً حفلة صاخبةً ما كان يحلم بها مؤلف هذا الكتاب الذي، عادةً، ما يكون سطحياً وممنوعاً بواسطة رقيبٍ متوتّر ولأسبابٍ تافهة، أو مزاجية، كالعنوان أو الغلاف أو جُملة أو تأويلٍ للجملة. هناك منعٌ أعمق، ولأسبابٍ واعيةٍ تضربه السلطة على بعض الكتب بطريقةٍ دائمةٍ، لكن الكتاب يستمرّ في الانتشار بطرق متنوعةٍ، ويُقرأ على نطاقٍ واسع، وتُعيد دار النشر طباعته. أعمق أنواع المنع هو ما ينجح، تقريباً، في استئصال الكتاب من الأرفف، وأحياناً من ذاكرة القراء، وفي إيداع الكتاب خزانة المجهول، وهو أمرٌ تتزايد صعوبة إنجازه بمرور الزمن، وقهر التقنية بشروطها الكونية العامة للشروط المحليّة الضيقة. لقراءة المجتمعات، يستلزم الأمر فعلاً أوسع من قراءة كتبها: قراءة مكتباتها. الشروط التي تُبنى على أساسها المكتبة معرفياً، ومن تعترف به من مؤلفين، وما تُقرّه سلطاتها من عناوين، وما تتداوله منها بصورةٍ شرعية. لكن، من المثير التفكير في قراءةٍ اجتماعيةٍ معاكسة: قراءة ما تستبعده مكتبات مجتمعٍ معيّن، بصورة منظّمة ومقصودة، قراءة المعرفة المنفيّة والـمُحرجة والـمُستهجنة في مجتمعٍ ما، وقراءة حكايات الاستبعاد وآلياته وأدواته. ماذا لو بنى الخيال مكتبةً كاملة، كتاباً جوار الآخر، رفاً فوق رفّ، من الكُتب التي قذفتها السلطة إلى خارج مكتبتها الـمُعتمدة والمشروعة؟
تعرّض كتاب "سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والأوهام" إلى حالة استبعادٍ
حادّة وجذرية، لكنها دامت بضع سنين فقط. فالكتاب الذي نشره أستاذ التاريخ، سعد حذيفة الغامدي، كان مبنياً على أطروحته لنيل درجة الدكتوراه من بريطانيا عام 1400هجرية، كتبها متنقلاً بين بريطانيا وإيران زمن الشاه، وقد تم رفع الكتاب عند صدوره إلى مفتي عام المملكة آنذاك، الشيخ عبدالعزيز بن باز، فأخذ الشيخ مآخذ على الكتاب، انتهت بإحالة الأمر إلى وزارة الإعلام، لتتكفل بسحب الكتاب من المكتبات وإتلافه، وقد تم إتلاف الطبعة الأولى من الكتاب بالكامل حرقاً. ظل المؤلف يحاول الوصول إلى الشيخ، في الأعوام التالية، حتى نجح في ذلك، وقدّم إيضاحاته، وحصل على أمرٍ شفوي من هيئة كبار العلماء عام 1420هجرية، بفسح الكتاب وطباعته وتداوله داخل السعودية.
ثمة حالات يتعرّض فيها كتابٌ معيّن إلى استبعادٍ أشدّ شراسةً، على الرغم من أنهُ لم يُجمع ويُحرق. ببساطةٍ، لأنه لم يُسمح له بالوصول إلى المطبعة والتحول إلى كتاب. هذه هي حالة دراسة "تاريخ نجد قبل الوهابيين: دراسة عن الأحوال الاجتماعية والسياسية والدينية في نجد خلال القرون التي سبقت حركة التصحيح الوهابية" لمؤلفه أستاذ التاريخ عويضة الجهني. الدراسة التي أشاد بها سعد الصويان أستاذ الأنثروبولوجيا السعودي، كواحدة من دراساتٍ سعودية قليلة، أبدعت في دراسة نشوء الدولة السعودية، كانت أطروحة المؤلف لنيل الدكتوراه من واشنطن عام 1983. اشترت دارة الملك عبدالعزيز (المؤسسة السعودية الثقافية الضخمة المتخصصة في جمع التراث وحفظ التاريخ) حقوق ترجمة الدراسة إلى العربية وطباعتها، إلا أن هذا لم يتحقق، على الرغم من مرور أعوامٍ طويلة. عام 2002، نشرت الدارة، بالتعاون مع دار نشر بريطانية هي Ithaca Press، طبعة أولى من الكتاب بالإنجليزية، ولم يُطبع الكتاب مجدداً على ما يبدو. هذه الطبعة الإنجليزية شديدة الندرة، وثمّة من يعرض نسخة منها للبيع على موقع Amazon.com بقيمة تبلغ 999 جنيها إسترلينيا (أكثر من 5000 ريال سعودي).
لا يبدو أن الكتب المحررة في الداخل تحصل على حصانةٍ ما، وفي بعض الأحيان لا تكفي حتى المكانة الرفيعة للمؤلف لإبقاء الكتاب في حيّز الوجود المكتبيّ. عام 1999، أصدر عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالله البسّام، الكتاب الضخم "خزانة التواريخ النجدية" في عشرة أجزاء، قام الشيخ فيها بتحقيق ونشر عدد كبير من المؤلفات التي تتناول تاريخ نجد، وأشار، في مقدمة الكتاب، إلى حرصه على إصدار الكتاب، مشاركة منه في الاحتفال الوطني، آنذاك، بالمئوية (مرور مائة عام على تأسيس المملكة). بعد طباعة الكتاب، توقف توزيعه فجأة، وطلبت الدارة من الشيخ تسليمها جميع النسخ، ثم ذاع أن الكتاب يحتوي أخطاء كثيرة، وفي حاجة إلى التدقيق، وأن دارة الملك عبدالعزيز ستقوم بالمهمة. توفي الشيخ البسام عام 2002، ومنذ ذاك التاريخ، أثير موضوع الخزانة وموعد صدورها مراتٍ عديدة في الصحف السعودية، وأصدرت الدارة توضيحاتٍ في مناسباتٍ مختلفة، تؤكد جميعها أن الكتاب قيد المراجعة ووشيك الصدور، وهو ما لم يحدث. من اللطيف ملاحظة أن "الخزانة" في الجزء السابع تحتوي كتاباً تاريخياً نادراً هو "مطالع السعود" للمؤرخ مقبل الذكير، وقد كتب البسام، في تقديمه للكتاب، أنه مخطوط نادر يُنشر لأول مرة، فقد تمت مصادرة "مبيضة" الكتاب من المؤلف في بغداد، وصودرت الأخرى في السعودية. كأنما الكُتب الـمفقودة تحبل ببعضها، وتلدُ بعضها.
لا بُد من إفساح أرففٍ عديدة في هذه المكتبة المفقودة للكتب الدينية، ولن تشمل فقط كتباً تخرج على الخط الديني العامّ، أو تعاكسه، لكنها ستشتمل أيضاً على كتبٍ ومجموع فتاوى تقع في القلب من هذا الخط الديني، بل وتعتبر من نصوصه المؤسِّسة، إذ يحدث، أحياناً، أن يكون تغييب النصّ المؤسِّس لمؤسسةٍ ما أو حركةٍ فكريةٍ هو شرط استمرارها ونموها. ثمة قصة عميقة الدلالة، أوردها آلن هاو في كتاب "النظرية النقدية"، تنجح في اختصار هذه المعضلة، على الرغم من أنها وقعت في حيز شديد الاختلاف ثقافياً. يحكي الفيلسوف الألماني، يورغن هابرماس، أنه عندما قدم إلى معهد فرانكفورت عام 1955، وقد آلت إدارته إلى فيلسوف رفيع آخر، هو ماكس هوركهايمر، عرف هابرماس أن هوركهايمر يغلق قبو المعهد على جميع أعداد مجلة المعهد التي صنعت سمعته وشهرته، والتي صدرت، قبل الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي يحول دون اطلاع الباحثين عليها وتفحّصها، باعتبارها نصوصاً يدّعي المعهد أنها أسست النظرية النقدية، ويُبقي عليها في مستوى الأسطورة المؤسِّسة والأبديّة.
المثير اليوم أن تاريخ الكتاب يتطور نحو اتجاه تختلط فيه المكتبة "المفسوحة" بالمكتبة "المفقودة"، بطريقةٍ لا تُبقي في يد هوركهايمر أي مفاتيح، ولا تترك على الأقبية أقفالاً. خلال الأعوام الخمسة الماضية، تصاعدت عمليات رقمنة الكتاب العربي، لتصل إلى مستوياتٍ هائلة وغير مسبوقة، بواسطة متطوّعين يسخّرون أنفسهم لهذا الهدف. الكتب التي طاولها المنع بشراسة تاريخياً وتساءل القراء في عشرات الموضوعات على الإنترنت عن حيلٍ ملتويةٍ للحصول على نسخة ورقية منها، تحولت تباعاً خلال أعوام قليلة إلى كتبٍ رقميةٍ، يمكن تحميلها مجاناً بنقرة واحدة. الكتاب يتحرّر أكثر فأكثر من شروط المدينة العربية ومعارضها، مُقيماً بازاره الخاص والدائم، حيث الرقابة والاستبعاد كلمات عديمة الدلالة.
@Emanmag
ثمّة أنواعٍ من منع الكتب بواسطة السُلطات. هناك المنع السطحي الذي يفرقع مُفتتحاً حفلة صاخبةً ما كان يحلم بها مؤلف هذا الكتاب الذي، عادةً، ما يكون سطحياً وممنوعاً بواسطة رقيبٍ متوتّر ولأسبابٍ تافهة، أو مزاجية، كالعنوان أو الغلاف أو جُملة أو تأويلٍ للجملة. هناك منعٌ أعمق، ولأسبابٍ واعيةٍ تضربه السلطة على بعض الكتب بطريقةٍ دائمةٍ، لكن الكتاب يستمرّ في الانتشار بطرق متنوعةٍ، ويُقرأ على نطاقٍ واسع، وتُعيد دار النشر طباعته. أعمق أنواع المنع هو ما ينجح، تقريباً، في استئصال الكتاب من الأرفف، وأحياناً من ذاكرة القراء، وفي إيداع الكتاب خزانة المجهول، وهو أمرٌ تتزايد صعوبة إنجازه بمرور الزمن، وقهر التقنية بشروطها الكونية العامة للشروط المحليّة الضيقة. لقراءة المجتمعات، يستلزم الأمر فعلاً أوسع من قراءة كتبها: قراءة مكتباتها. الشروط التي تُبنى على أساسها المكتبة معرفياً، ومن تعترف به من مؤلفين، وما تُقرّه سلطاتها من عناوين، وما تتداوله منها بصورةٍ شرعية. لكن، من المثير التفكير في قراءةٍ اجتماعيةٍ معاكسة: قراءة ما تستبعده مكتبات مجتمعٍ معيّن، بصورة منظّمة ومقصودة، قراءة المعرفة المنفيّة والـمُحرجة والـمُستهجنة في مجتمعٍ ما، وقراءة حكايات الاستبعاد وآلياته وأدواته. ماذا لو بنى الخيال مكتبةً كاملة، كتاباً جوار الآخر، رفاً فوق رفّ، من الكُتب التي قذفتها السلطة إلى خارج مكتبتها الـمُعتمدة والمشروعة؟
تعرّض كتاب "سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والأوهام" إلى حالة استبعادٍ
ثمة حالات يتعرّض فيها كتابٌ معيّن إلى استبعادٍ أشدّ شراسةً، على الرغم من أنهُ لم يُجمع ويُحرق. ببساطةٍ، لأنه لم يُسمح له بالوصول إلى المطبعة والتحول إلى كتاب. هذه هي حالة دراسة "تاريخ نجد قبل الوهابيين: دراسة عن الأحوال الاجتماعية والسياسية والدينية في نجد خلال القرون التي سبقت حركة التصحيح الوهابية" لمؤلفه أستاذ التاريخ عويضة الجهني. الدراسة التي أشاد بها سعد الصويان أستاذ الأنثروبولوجيا السعودي، كواحدة من دراساتٍ سعودية قليلة، أبدعت في دراسة نشوء الدولة السعودية، كانت أطروحة المؤلف لنيل الدكتوراه من واشنطن عام 1983. اشترت دارة الملك عبدالعزيز (المؤسسة السعودية الثقافية الضخمة المتخصصة في جمع التراث وحفظ التاريخ) حقوق ترجمة الدراسة إلى العربية وطباعتها، إلا أن هذا لم يتحقق، على الرغم من مرور أعوامٍ طويلة. عام 2002، نشرت الدارة، بالتعاون مع دار نشر بريطانية هي Ithaca Press، طبعة أولى من الكتاب بالإنجليزية، ولم يُطبع الكتاب مجدداً على ما يبدو. هذه الطبعة الإنجليزية شديدة الندرة، وثمّة من يعرض نسخة منها للبيع على موقع Amazon.com بقيمة تبلغ 999 جنيها إسترلينيا (أكثر من 5000 ريال سعودي).
لا يبدو أن الكتب المحررة في الداخل تحصل على حصانةٍ ما، وفي بعض الأحيان لا تكفي حتى المكانة الرفيعة للمؤلف لإبقاء الكتاب في حيّز الوجود المكتبيّ. عام 1999، أصدر عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالله البسّام، الكتاب الضخم "خزانة التواريخ النجدية" في عشرة أجزاء، قام الشيخ فيها بتحقيق ونشر عدد كبير من المؤلفات التي تتناول تاريخ نجد، وأشار، في مقدمة الكتاب، إلى حرصه على إصدار الكتاب، مشاركة منه في الاحتفال الوطني، آنذاك، بالمئوية (مرور مائة عام على تأسيس المملكة). بعد طباعة الكتاب، توقف توزيعه فجأة، وطلبت الدارة من الشيخ تسليمها جميع النسخ، ثم ذاع أن الكتاب يحتوي أخطاء كثيرة، وفي حاجة إلى التدقيق، وأن دارة الملك عبدالعزيز ستقوم بالمهمة. توفي الشيخ البسام عام 2002، ومنذ ذاك التاريخ، أثير موضوع الخزانة وموعد صدورها مراتٍ عديدة في الصحف السعودية، وأصدرت الدارة توضيحاتٍ في مناسباتٍ مختلفة، تؤكد جميعها أن الكتاب قيد المراجعة ووشيك الصدور، وهو ما لم يحدث. من اللطيف ملاحظة أن "الخزانة" في الجزء السابع تحتوي كتاباً تاريخياً نادراً هو "مطالع السعود" للمؤرخ مقبل الذكير، وقد كتب البسام، في تقديمه للكتاب، أنه مخطوط نادر يُنشر لأول مرة، فقد تمت مصادرة "مبيضة" الكتاب من المؤلف في بغداد، وصودرت الأخرى في السعودية. كأنما الكُتب الـمفقودة تحبل ببعضها، وتلدُ بعضها.
لا بُد من إفساح أرففٍ عديدة في هذه المكتبة المفقودة للكتب الدينية، ولن تشمل فقط كتباً تخرج على الخط الديني العامّ، أو تعاكسه، لكنها ستشتمل أيضاً على كتبٍ ومجموع فتاوى تقع في القلب من هذا الخط الديني، بل وتعتبر من نصوصه المؤسِّسة، إذ يحدث، أحياناً، أن يكون تغييب النصّ المؤسِّس لمؤسسةٍ ما أو حركةٍ فكريةٍ هو شرط استمرارها ونموها. ثمة قصة عميقة الدلالة، أوردها آلن هاو في كتاب "النظرية النقدية"، تنجح في اختصار هذه المعضلة، على الرغم من أنها وقعت في حيز شديد الاختلاف ثقافياً. يحكي الفيلسوف الألماني، يورغن هابرماس، أنه عندما قدم إلى معهد فرانكفورت عام 1955، وقد آلت إدارته إلى فيلسوف رفيع آخر، هو ماكس هوركهايمر، عرف هابرماس أن هوركهايمر يغلق قبو المعهد على جميع أعداد مجلة المعهد التي صنعت سمعته وشهرته، والتي صدرت، قبل الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي يحول دون اطلاع الباحثين عليها وتفحّصها، باعتبارها نصوصاً يدّعي المعهد أنها أسست النظرية النقدية، ويُبقي عليها في مستوى الأسطورة المؤسِّسة والأبديّة.
المثير اليوم أن تاريخ الكتاب يتطور نحو اتجاه تختلط فيه المكتبة "المفسوحة" بالمكتبة "المفقودة"، بطريقةٍ لا تُبقي في يد هوركهايمر أي مفاتيح، ولا تترك على الأقبية أقفالاً. خلال الأعوام الخمسة الماضية، تصاعدت عمليات رقمنة الكتاب العربي، لتصل إلى مستوياتٍ هائلة وغير مسبوقة، بواسطة متطوّعين يسخّرون أنفسهم لهذا الهدف. الكتب التي طاولها المنع بشراسة تاريخياً وتساءل القراء في عشرات الموضوعات على الإنترنت عن حيلٍ ملتويةٍ للحصول على نسخة ورقية منها، تحولت تباعاً خلال أعوام قليلة إلى كتبٍ رقميةٍ، يمكن تحميلها مجاناً بنقرة واحدة. الكتاب يتحرّر أكثر فأكثر من شروط المدينة العربية ومعارضها، مُقيماً بازاره الخاص والدائم، حيث الرقابة والاستبعاد كلمات عديمة الدلالة.
@Emanmag