15 مايو 2024
انقلابات بغداد بين واشنطن وطهران
انتشرت قوات النخبة الخاصة بمكافحة الإرهاب، إضافة إلى القوات الأمنية، معززة بالدبابات والمدرعات حول المنطقة الخضراء، وفي محيط مجلس النواب العراقي وسط بغداد، قبيل انعقاد جلسته يوم الثلاثاء الماضي، برئاسة سليم الجبوري وحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي، من أجل إجراء التغيير الوزاري الذي تسبب، شهوراً، في إثارة فوضى وارتباك وسط العملية السياسية العراقية، وبين فئات متعددة من الشعب العراقي، كل بحسب انتماءاته وولاءاته.
وبمراجعة مجريات الأمور في بغداد عموماً، وفي المنطقة الخضراء تحديداً، خلال الأشهر القليلة الماضية، نجد أن حساباتٍ تكتيكية سياسية للدولتين الرئيسيتين المتحكمتين بشكل جوهري في العملية السياسية في العراق، الولايات المتحدة وإيران، بدت واضحةً من خلال تحرك الساسة العراقيين المتعاونين، أو المؤتمرين بأمر هذه الدولة أو تلك، وعلى خلفية التظاهرات التي خرجت في عدة مدن عراقية، وبلوغ الشعب مرحلة الإعياء من فقدان أسس الحياة الكريمة بحدودها الدنيا، تحسبت كل من طهران وواشنطن من لحظةٍ تاريخيةٍ فارقةٍ قد تقلب الأوضاع في هذا البلد، بالشكل الذي يفقدهما مساحات النفوذ الاستراتيجي فيه.
بدت واشنطن، وبشكل واضح، أنها تريد استعادة نفوذها في العراق، من خلال بوابة الإشراف العسكري على معارك الجيش العراقي ضد تنظيم "داعش"، بدءا من الرمادي، واستمراراً إلى الموصل، من خلال توافد آلاف من الخبراء والعسكريين الأميركيين إلى هناك، ثم عادت رحلة الشخصيات الرسمية الأميركية الكبيرة تعاود زياراتها إلى العاصمة العراقية، وإبداء اهتمامها بدعم حكومة العبادي، وتثبيتها أمام موجاتٍ قويةٍ قادمةٍ، ربما من الشرق الذي يظن أن الأخير بات أسير الإرادة الأميركية وحمايتها.
انتقل ضجيج التظاهرات والاعتصامات الشعبية، ليتحوّل إلى ضجيج صراع سياسي، شمل كل أركان العملية السياسية، وبشكل بدا وكأنه خارج عن أي حسابات، وظهر جلياً بعد تدخل مقتدى الصدر، لإستدراج المتظاهرين الغاضبين، نحو سراب سياسي ساذج، أعقبته حركة النواب الذين اعتصموا داخل قبة البرلمان، مطالبين بإقالة الرئاسات الثلاث، ثم سرعان ما تحولت إلى مطلب رئيسي واحد، خص به رئيس المجلس، سليم الجبوري؛ في إشارة واضحة لردة فعل مؤجلة حول نشاط الجبوري، ووجوده في مؤتمر الدوحة في سبتمبر/ أيلول 2015، ثم زيارته أخيراً إلى الرياض، ولقائه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز.
تعتبر طهران أن محاولات واشنطن في تعزيز سطوتها على العملية السياسية في العراق، وتقليم الأظافر الإيرانية فيها، يهدد مشروع التشيّع السياسي الذي نجحت في ترويجه، وتدعيمه بشكل مستريح منذ عام 2003، إضافة إلى تأثيره الإستراتيجي على النفوذ الإيراني في العراق. وعلى هذا، كانت الاجتماعات الأخيرة لأقطاب هذا المشروع (التشيّع السياسي) في بيروت، وبتبنٍّ وتخويل تام من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، قد أفضت إلى أن أمن الثورة الإيرانية ومستقبلها مرهون ببقاء نفوذ "الشيعة السياسية" في العراق.
توحي حركة المسؤولين والسفراء الأميركيين والإيرانيين الخفية والمعلنة، في الأسابيع والأيام
الماضية، بسعي الطرفين إلى إحداث انقلابٍ سياسي، يجعل أحدهما الأقدر على ضبط الأمور في العراق، قبل انفلاتها من عقالها، ولم تعد محاولات فؤاد معصوم وحيدر العبادي وسليم الجبوري وعمار الحكيم وأسامة النجيفي وصالح المطلك وهادي العامري وغيرهم، عبر ما سمي بـ "وثيقة الإصلاح" بديباجتها التي تؤكد على طبيعة نظام المشاركة الحالي في تقاسم السلطة في البلاد، كافية للقفز على تحرك القطبين المتصارعين، من أجل قلب الطاولة السياسية بشكل كامل ومباغت؛ فقد بدا واضحاً الموقف الأميركي الرافض إقالة سليم الجبوري، كما بدا واضحا أيضاً أسلوب الاحتواء الإيراني، من خلال تصريح أسامة النجيفي، بعد اجتماعه بسفير طهران في بغداد، حسن دنائي، عن دور إيراني في دفع الفرقاء العراقيين إلى التهدئة، وتوجّه إثره بالشكر لإيران "على مساعدتها القادة العراقيين في تجاوز أزمة البرلمان".
هناك انقلاب سياسي قادم في العراق، بعد أن تم استبعاد فكرة الانقلاب العسكري (الشكلي)، بسبب حجم (ونوع) التسلح الذي باتت عليه المليشيات الشيعية المرتبطة، أو غير المرتبطة بالحشد الشعبي، وما يمكن أن يسببه أي تغيير في نظام الحكم في العراق، من حمامات دم لا يملك أحد القدرة على إيقافها. ومن هنا، ستحاول واشنطن أن تطيل قدر المستطاع عمر الحكومة العراقية، أو العملية السياسية، حتى الانتخابات النيابية المقبلة عام 2018، ليبدو المنتخبون الجدد ممثلين للمعارضة العراقية بشكل كامل، وغير ملوثين بسجلات الدم والفساد التي ارتكبت بحق العراقيين 13عاماً، وستعمل طهران، من جهتها، على تكريس وجودها الآن وإحداث الانقلاب السياسي، قبل هذه الانتخابات، بعد أن بدأت تفقد بشكل ملموس انصياع الشباب العراقي لتوجيهات رجال الدين الشيعة، معتمدةً، في هذا، على كتل إيرانية الهوى والتنظيم، من أبرزها كتلة (بدر) النيابية، قائدها هادي العامري الذي قضى أغلب عمره في إيران، وحارب إلى جانبها ضدّ العراق، إضافة إلى أسماء وعناوين سياسية معدة سلفا في المطبخ الإيراني.
وبمراجعة مجريات الأمور في بغداد عموماً، وفي المنطقة الخضراء تحديداً، خلال الأشهر القليلة الماضية، نجد أن حساباتٍ تكتيكية سياسية للدولتين الرئيسيتين المتحكمتين بشكل جوهري في العملية السياسية في العراق، الولايات المتحدة وإيران، بدت واضحةً من خلال تحرك الساسة العراقيين المتعاونين، أو المؤتمرين بأمر هذه الدولة أو تلك، وعلى خلفية التظاهرات التي خرجت في عدة مدن عراقية، وبلوغ الشعب مرحلة الإعياء من فقدان أسس الحياة الكريمة بحدودها الدنيا، تحسبت كل من طهران وواشنطن من لحظةٍ تاريخيةٍ فارقةٍ قد تقلب الأوضاع في هذا البلد، بالشكل الذي يفقدهما مساحات النفوذ الاستراتيجي فيه.
بدت واشنطن، وبشكل واضح، أنها تريد استعادة نفوذها في العراق، من خلال بوابة الإشراف العسكري على معارك الجيش العراقي ضد تنظيم "داعش"، بدءا من الرمادي، واستمراراً إلى الموصل، من خلال توافد آلاف من الخبراء والعسكريين الأميركيين إلى هناك، ثم عادت رحلة الشخصيات الرسمية الأميركية الكبيرة تعاود زياراتها إلى العاصمة العراقية، وإبداء اهتمامها بدعم حكومة العبادي، وتثبيتها أمام موجاتٍ قويةٍ قادمةٍ، ربما من الشرق الذي يظن أن الأخير بات أسير الإرادة الأميركية وحمايتها.
انتقل ضجيج التظاهرات والاعتصامات الشعبية، ليتحوّل إلى ضجيج صراع سياسي، شمل كل أركان العملية السياسية، وبشكل بدا وكأنه خارج عن أي حسابات، وظهر جلياً بعد تدخل مقتدى الصدر، لإستدراج المتظاهرين الغاضبين، نحو سراب سياسي ساذج، أعقبته حركة النواب الذين اعتصموا داخل قبة البرلمان، مطالبين بإقالة الرئاسات الثلاث، ثم سرعان ما تحولت إلى مطلب رئيسي واحد، خص به رئيس المجلس، سليم الجبوري؛ في إشارة واضحة لردة فعل مؤجلة حول نشاط الجبوري، ووجوده في مؤتمر الدوحة في سبتمبر/ أيلول 2015، ثم زيارته أخيراً إلى الرياض، ولقائه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز.
تعتبر طهران أن محاولات واشنطن في تعزيز سطوتها على العملية السياسية في العراق، وتقليم الأظافر الإيرانية فيها، يهدد مشروع التشيّع السياسي الذي نجحت في ترويجه، وتدعيمه بشكل مستريح منذ عام 2003، إضافة إلى تأثيره الإستراتيجي على النفوذ الإيراني في العراق. وعلى هذا، كانت الاجتماعات الأخيرة لأقطاب هذا المشروع (التشيّع السياسي) في بيروت، وبتبنٍّ وتخويل تام من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، قد أفضت إلى أن أمن الثورة الإيرانية ومستقبلها مرهون ببقاء نفوذ "الشيعة السياسية" في العراق.
توحي حركة المسؤولين والسفراء الأميركيين والإيرانيين الخفية والمعلنة، في الأسابيع والأيام
هناك انقلاب سياسي قادم في العراق، بعد أن تم استبعاد فكرة الانقلاب العسكري (الشكلي)، بسبب حجم (ونوع) التسلح الذي باتت عليه المليشيات الشيعية المرتبطة، أو غير المرتبطة بالحشد الشعبي، وما يمكن أن يسببه أي تغيير في نظام الحكم في العراق، من حمامات دم لا يملك أحد القدرة على إيقافها. ومن هنا، ستحاول واشنطن أن تطيل قدر المستطاع عمر الحكومة العراقية، أو العملية السياسية، حتى الانتخابات النيابية المقبلة عام 2018، ليبدو المنتخبون الجدد ممثلين للمعارضة العراقية بشكل كامل، وغير ملوثين بسجلات الدم والفساد التي ارتكبت بحق العراقيين 13عاماً، وستعمل طهران، من جهتها، على تكريس وجودها الآن وإحداث الانقلاب السياسي، قبل هذه الانتخابات، بعد أن بدأت تفقد بشكل ملموس انصياع الشباب العراقي لتوجيهات رجال الدين الشيعة، معتمدةً، في هذا، على كتل إيرانية الهوى والتنظيم، من أبرزها كتلة (بدر) النيابية، قائدها هادي العامري الذي قضى أغلب عمره في إيران، وحارب إلى جانبها ضدّ العراق، إضافة إلى أسماء وعناوين سياسية معدة سلفا في المطبخ الإيراني.