13 فبراير 2022
ربيع الديكتاتوريات العربية
تعيش الديكتاتوريات العربية فترة ازدهار وحيوية، وهو ما تجسّده حالة القمع والوحشية التي تمارسها هذه الديكتاتوريات بحق شعوبها، سواء في سورية أو مصر. يقتل بشار الأسد مئات في حلب، وهو يعلم جيداً أن أحداً لن يحاسبه على جرائمه التي يرتكبها يومياً، منذ حوالي خمس سنوات. تنتفض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي مستهجنةً ومستغيثةً بأي حد، سواء عرب وعجم، ولكن من دون أن يجيب أحد. أقصى ما فعله بعض المسؤولين، هنا وهناك، هو الشجب والإدانة، وتغييرهم لون صورة البروفايل على "فيسبوك" إلى الأحمر، تحت وسم #حلب_تحترق، وكأن ذلك قمة الفعل الثوري! أو أن ينتقد الصمت الغربي بـ"تويتة" من مائة وأربعين حرفاً لتسجيل موقفٍ لا أكثر، وللاستهلاك الإعلامي، من دون الذهاب إلى أبعد من ذلك (ماذا تركوا للشعوب؟).
تستبيح قوات أمن الجنرال عبد الفتاح السيسي مقر نقابة الصحافيين في القاهرة في اليوم العالمي لحرية الصحافة (يا للمفارقة!) وتعتقل اثنين من الصحافيين، فتجد من يدافع عن هذا الفعل الهمجي، باعتبار أن "هيبة الدولة" أهم من حرية الصحافة وكرامة الصحافيين. وتزداد المفارقة، حين ينبري بعض أبناء المهنة من الصحافيين دفاعاً عن الجنرال وجرائمه، على طريقة "هو كويس، بس اللي حوليه وحشين"، مثلما فعل بعضهم أخيراً علي شاشات التلفزة. في حين يصيبك الذهول حين تسمع بعضهم، وهو يناشد "سيادة الرئيس"، لكي يتدخل لحل الأزمة، باعتبار أنه غير مسؤول عنها، أو أن القمع الحالي لا يتم تحت رعايته وبإشراف أجهزته.
تزدهر الديكتاتوريات العربية، وهي ترى من يصفق لجرائمها، ويرى فيها رمزاً للوطنية والرجولة، في وقت يسخر من ضحاياها، ويعتبرهم جرذاناً إرهابية لا تستحق الحياة أو مجرد قطعان متآمرة تستحق الإبادة فداء للحفاظ على "الوطن". والوطن هنا، بمفهومهم هم، وعلى مقاس مصالحهم هم، وحسب رؤيتهم هم، وليس وطن الفقراء والمطحونين. تخرج إحدى الممثلات السوريات الغارقات في غرام الديكتاتورية الأسدية، لتستهجن إدانة مذابح حلب، وترى في مناشدات التدخل لوقفها مجرد "نكتة سخيفة"، بل وتتوعّد أنها سوف "تقص شعرها عندما يتم تحرير حلب من آخر إخواني". واضح أن سيدة "الاستاكوزا" لا تمل من استحضار الشمّاعة "الإخوانية" الماسخة التي تم الاختباء خلفها، من أجل تدمير الربيع العربي.
تزدهر الديكتاتوريات العربية، عندما لا تجد من يردعها أو يوقف توحشها داخلياً وخارجياً. داخلياً، يجري تصحير المجال العام من أي حراك، ولو لمطالب اقتصادية واجتماعية، وتصمت فئات وقوى سياسية على جريمة استحلال قوى سياسية أخرى واستباحتها، لمجرد الخلاف الإيديولوجي، ظناً منها أنها بعيدة عن الاستحلال والاستباحة، وهو ما ثبت خطؤه بالدليل القاطع. فصحافيون مصريون كثيرون من الذين تم اقتحام نقابتهم، أول من أمس، كانوا في صف النظام العسكري، ومن أشد مؤيديه، ولا يزال بعضهم يمارس التحريض على كل من يعارض النظام، لكنهم اليوم انضموا إلى قائمة ضحاياه. أما خارجياً، فرائحة النفاق الغربي في دعم الديكتاتوريات العربية قد زكمت الأنوف. يأتي الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى القاهرة، مصطحباً معه فريقا من رجال الأعمال، لتوقيع صفقات سلاح واستثمارات اقتصادية، في بلد يئن تحت حكم ديكتاتوري عسكري، وذراً للرماد في العيون "يعبر عن قلقه من وضع حقوق الإنسان" في مصر، بين من يضع يده في يد المسؤول الأول عن انتهاكها وتدهورها. يتحدّث الجنرال السيسي عن أن الإنسان المصري، غير الأوروبي، لا يستحق الديمقراطية أو التعاطي بإنسانية، فلا يرده الرئيس القادم من أرض الثورة الفرنسية التي حطمت سجن الباستيل، وسحقت الملكية الطاغية، ورفعت شعارات الحرية والمساواة والأخوة.
يقصف الأسد بيوت السوريين ومستشفياتهم في حلب، فيسقط الأطفال والنساء والرجال، وتغرق الشوارع في الدماء، فلا تدعو دولة عربية أو غربية مجلس الأمن إلى الانعقاد، ولا تنتفض الأمم المتحدة إلى جلسةٍ عاجلةٍ، لبحث الأوضاع و"التعبير عن القلق"، وهو أقل القليل. ولا ينتفض دعاة ونشطاء الحرية وحقوق الإنسان وأصحاب الرأي والأقلام مثلما انتفضوا مع جرائم "شارلي إبدو" و"مذبحة باريس" و"هجمات بروكسل". ولا يتم تسيير مظاهرة يحضرها الرؤساء والزعماء للتضامن مع الضحايا. ولا يتحرّك وزراء الخارجية العربية لبحث الموضوع وتقديم الدعم للأشقاء في سورية. هنا تزدهر الديكتاتوريات العربية، وتترعرع في بيئة غارقة في النفاق والازدواجية وعدم الاكتراث.
تزدهر الديكتاتوريات العربية، حين يتحول قطاع من الشعب إلى متحدث رسمي باسمها. وأن يصبح ملَكياً أكثر من الملك، من قبيل ذلك ما نراه من حالة "عبادة" للحاكم، ودفاع مستميت عن جرائمه وتبريرها، أو ما نراه من مشاهد مقززة وفاضحة لأناس يضعون "الحذاء العسكري" فوق رؤوسهم، في حالة من الانسحاق والعبودية، في حاجة إلى تفسير نفسي عميق.
إذا كنا نعيش الآن ربيع الديكتاتوريات العربية، فإن خريفها آتٍ لا محالة، ولنا في ديكتاتوريات أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية عبرة وعظة حسنة.
تستبيح قوات أمن الجنرال عبد الفتاح السيسي مقر نقابة الصحافيين في القاهرة في اليوم العالمي لحرية الصحافة (يا للمفارقة!) وتعتقل اثنين من الصحافيين، فتجد من يدافع عن هذا الفعل الهمجي، باعتبار أن "هيبة الدولة" أهم من حرية الصحافة وكرامة الصحافيين. وتزداد المفارقة، حين ينبري بعض أبناء المهنة من الصحافيين دفاعاً عن الجنرال وجرائمه، على طريقة "هو كويس، بس اللي حوليه وحشين"، مثلما فعل بعضهم أخيراً علي شاشات التلفزة. في حين يصيبك الذهول حين تسمع بعضهم، وهو يناشد "سيادة الرئيس"، لكي يتدخل لحل الأزمة، باعتبار أنه غير مسؤول عنها، أو أن القمع الحالي لا يتم تحت رعايته وبإشراف أجهزته.
تزدهر الديكتاتوريات العربية، وهي ترى من يصفق لجرائمها، ويرى فيها رمزاً للوطنية والرجولة، في وقت يسخر من ضحاياها، ويعتبرهم جرذاناً إرهابية لا تستحق الحياة أو مجرد قطعان متآمرة تستحق الإبادة فداء للحفاظ على "الوطن". والوطن هنا، بمفهومهم هم، وعلى مقاس مصالحهم هم، وحسب رؤيتهم هم، وليس وطن الفقراء والمطحونين. تخرج إحدى الممثلات السوريات الغارقات في غرام الديكتاتورية الأسدية، لتستهجن إدانة مذابح حلب، وترى في مناشدات التدخل لوقفها مجرد "نكتة سخيفة"، بل وتتوعّد أنها سوف "تقص شعرها عندما يتم تحرير حلب من آخر إخواني". واضح أن سيدة "الاستاكوزا" لا تمل من استحضار الشمّاعة "الإخوانية" الماسخة التي تم الاختباء خلفها، من أجل تدمير الربيع العربي.
تزدهر الديكتاتوريات العربية، عندما لا تجد من يردعها أو يوقف توحشها داخلياً وخارجياً. داخلياً، يجري تصحير المجال العام من أي حراك، ولو لمطالب اقتصادية واجتماعية، وتصمت فئات وقوى سياسية على جريمة استحلال قوى سياسية أخرى واستباحتها، لمجرد الخلاف الإيديولوجي، ظناً منها أنها بعيدة عن الاستحلال والاستباحة، وهو ما ثبت خطؤه بالدليل القاطع. فصحافيون مصريون كثيرون من الذين تم اقتحام نقابتهم، أول من أمس، كانوا في صف النظام العسكري، ومن أشد مؤيديه، ولا يزال بعضهم يمارس التحريض على كل من يعارض النظام، لكنهم اليوم انضموا إلى قائمة ضحاياه. أما خارجياً، فرائحة النفاق الغربي في دعم الديكتاتوريات العربية قد زكمت الأنوف. يأتي الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى القاهرة، مصطحباً معه فريقا من رجال الأعمال، لتوقيع صفقات سلاح واستثمارات اقتصادية، في بلد يئن تحت حكم ديكتاتوري عسكري، وذراً للرماد في العيون "يعبر عن قلقه من وضع حقوق الإنسان" في مصر، بين من يضع يده في يد المسؤول الأول عن انتهاكها وتدهورها. يتحدّث الجنرال السيسي عن أن الإنسان المصري، غير الأوروبي، لا يستحق الديمقراطية أو التعاطي بإنسانية، فلا يرده الرئيس القادم من أرض الثورة الفرنسية التي حطمت سجن الباستيل، وسحقت الملكية الطاغية، ورفعت شعارات الحرية والمساواة والأخوة.
يقصف الأسد بيوت السوريين ومستشفياتهم في حلب، فيسقط الأطفال والنساء والرجال، وتغرق الشوارع في الدماء، فلا تدعو دولة عربية أو غربية مجلس الأمن إلى الانعقاد، ولا تنتفض الأمم المتحدة إلى جلسةٍ عاجلةٍ، لبحث الأوضاع و"التعبير عن القلق"، وهو أقل القليل. ولا ينتفض دعاة ونشطاء الحرية وحقوق الإنسان وأصحاب الرأي والأقلام مثلما انتفضوا مع جرائم "شارلي إبدو" و"مذبحة باريس" و"هجمات بروكسل". ولا يتم تسيير مظاهرة يحضرها الرؤساء والزعماء للتضامن مع الضحايا. ولا يتحرّك وزراء الخارجية العربية لبحث الموضوع وتقديم الدعم للأشقاء في سورية. هنا تزدهر الديكتاتوريات العربية، وتترعرع في بيئة غارقة في النفاق والازدواجية وعدم الاكتراث.
تزدهر الديكتاتوريات العربية، حين يتحول قطاع من الشعب إلى متحدث رسمي باسمها. وأن يصبح ملَكياً أكثر من الملك، من قبيل ذلك ما نراه من حالة "عبادة" للحاكم، ودفاع مستميت عن جرائمه وتبريرها، أو ما نراه من مشاهد مقززة وفاضحة لأناس يضعون "الحذاء العسكري" فوق رؤوسهم، في حالة من الانسحاق والعبودية، في حاجة إلى تفسير نفسي عميق.
إذا كنا نعيش الآن ربيع الديكتاتوريات العربية، فإن خريفها آتٍ لا محالة، ولنا في ديكتاتوريات أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية عبرة وعظة حسنة.