ولكنكم تحبون تسيبي ليفني
وبحسب التسريبات المنشورة في صحف عربية وعبرية فإن الشاب نادر، مسؤول الإعلام السابق في حزب النور السلفي، في مصر، قد سعى حثيثا واجتهد كثيرا، كي يفوز ببضع دقائق مع "سلطانة الحمائم" الصهاينة، الأمر الذي جعل حزب النور السلفي يتيه فخرا بإنجاز ابنه البار، فخر شبابه، الفتى بكار، ويعتبره نمودجا مشرفا للشباب المصري.
دعك من أن حزب اللحى الكثيفة هو الأكثر حرصا على حجب نسائه عن عيون الجميع، حتى أنه استعاض عن صور مرشحاته في انتخابات برلمان ما بعد ثورة يناير 2011 بوضع وردة في ملصقات الدعاية.. فكل تلك الممارسات المتشددة لم تكن إلا أدوات للعب السياسي، يستخدمها "النور" في النور، بينما للحزب وجه آخر يظهر في الخفاء، حيث للمرأة مكانة ومرتبة أخرى.
يستطيع نادر بكار وحزبه أن يعودوا إلى أرشيف محفوظات علي سالم ولطفي الخولي ومكرم محمد أحمد وعبد المنعم سعيد، لتبرير اللقاءات السرية والعلنية بالصهاينة، فيمضغوا تلك "العلكة" الشهيرة عن التعرف على "الآخر" وتحدي "العدو" مواجهةً ومصافحةً وملامسةً، بدلا من معرفته عن بعد، فتكون المعرفة منقوصة، أو ربما يطوّر السلفيون ذلك الخطاب القديم، وينقلونه من كونه خطابا تبريريا إلى مساحة العمل الدعوي، فيزعمون، مثلا، أن بكار كان بصدد محاولة لهداية تسيبي ليفني إلى الإسلام، ومن ثم إقناعها بالحقوق العربية في فلسطين، فتعود على أول طائرة وتطلب من جميع المستعمرين الصهاينة حزم حقائبهم، والعودة إلى حيث أتوا، من قارات الدنيا الست.. أو يدعي الحزب، مثلا أيضا، إن اللقاء بوزيرة العدوان على غزة 2008 جاء في إطار توجيهات الرئيس المؤمن القائد المظفر محمد عبد الفتاح السيسي بتجديد، أو تنجيد، الخطاب الديني وتطويره، تمهيدا لوضع اللبنة الأولى في مشروع التحالف الصهيوني العربي ضد "التيار الإسلامي المتشدد" وهو التحالف الذي أعلن عنه نتنياهو أمس.
وبما أن حزب الشاب بكار يفخر بالمقابلة، كونها اقتحاما جريئا للعدو، الذي بات أقرب وأعز من الشقيق والصديق لمؤسسة 30 يونيو، رئاسة وحكومة وأحزابا وشعبا، فإنني كنت أتمنى أن يعاملني فتى الحزب المفخرة، معاملة تسيبي ليفني، ويمنحني بعض فتات تسامحه الجم مع وزيرة العدوان الإسرائيلية، ذلك أنني، صحبة الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، كنا في عقر دار "هارفارد" حيث يدرس زينة شباب حزب النور، قبيل وصول الوزيرة الصهيونية بيومين فقط، في لقاء جماهيري معلن عنه مسبقا، في وسائل الإعلام وعلى لوحة إعلانات الجامعة، من خلال مؤتمر حمل عنوان "حيثما تذهب مصر يذهب الشرق الأوسط" ولم يهتم زعيم شباب "النور" بالسؤال عنا والالتقاء بنا، أو حتى متابعة المؤتمر الذي حضره عديد الطلاب، وشارك فيه لفيف من الشخصيات السياسية والحقوقية الأميركية.
كان من الممكن أن يضعنا "بكار" في منزلة الخصم، أو العدو الضال، فيسعى لاقتحامنا وإفحامنا بالمنطق والحجة، وإقناعنا بابتسامته العريضة، التي لا شك أنها تألقت في لقاء تسيبي ليفني، بأننا في ضلال مبين، وابتعاد عن العدل والمنطق بوقوفنا في وجه سلطة عبد الفتاح السيسي، فنقر ونعترف بأنه ليس انقلابا، وأنها ليست سلطة دموية قاتلة، ونوقن بأنها عدالة السماء، ثم نبدي الندم ونطلب الصفح ونوقع إقرارا بالتوبة، أو يجري "نادر" اتصالا بصديقه الناصري في القاهرة عبد الله السناوي فيجهز لكل منا صك غفران معتبراً، قبل أن نعود إلى حضن الوطن، فنخر ساجدين على أرض مطار القاهرة، أسوة بالمواطن الشريف الصالح طارق عبد الجابر.
كان بوسع بكار حزب النور أن يهدينا إلى الرشاد، ويعلمنا أخطاءنا وجرائمنا في حق الانقلاب الرومانسي الناعم الجميل، فنتحول إلى أولياء حميمين له، ونجوب البلاد طولا وعرضا، ندعو المارقين العصاة للتوبة عن الثورة اللعينة، ونأمرهم بمعروف الرقص على إيقاعات "تسلم الأيادي" وننهاهم عن منكر المطالبة بالمحاسبة والمحاكمة للقتلة والقصاص للشهداء واستعادة تلك الحالة الديمقراطية الكريهة، التي أفرزت مسارا انتخابيا رجيما، وندعوهم للدخول في دين الانقلاب.
كان لبكار أن يحاول ردنا عن الكفر بالفاشية العسكرية، ويحول بيننا وبين التجديف ضد التطبيع، وضد القمع والفساد والانحطاط، غير أنه لم يفعل ولم يعبأ بوجودنا، ولم يسع للقائنا.
كنا نتمنى لقاءك يا ابن النور، لكنكم تحبون لقاءات تسيبي ليفني.