09 نوفمبر 2024
واشنطن والانقلاب وأردوغان
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
من الطبيعي أن تنفي الولايات المتحدة صلتها بالانقلاب التركي الذي حصل قبل أسبوع. ولكن، من غير المفهوم أن تضع سفارتها في أنقرة الانقلاب في مصافّ "الانتفاضة"، وألا تدين، بوضوح، العملية التي كانت تهدف، بقوة السلاح، إلى تقويض السلطة الشرعية المنتخبة، وهذا أمر متعارفٌ عليه في الدبلوماسية، وحتى الرد على التلميحات الاتهامية تعاطى معها المسؤولون الأميركيون بعدم اكتراثٍ، وكان رد الفعل العام على ما عاشه بلدٌ حليفٌ للولايات المتحدة لا يرقى إلى مستوى خطورة الحدث.
لا يمكن إقناع أحد أن واشنطن لم تكن على علم بالانقلاب الذي حصل، لعدة أسباب، أولها أن للتعاون العسكري بين تركيا والولايات المتحدة تاريخاً طويلاً، فتركيا عضو أساسي في حلف شمال الأطلسي، وصاحبة ثاني جيش في الحلف (600 ألف) بعد الولايات المتحدة، وهذا الجيش يدين لأميركا بالتسليح والتدريب. وبالتالي، هناك برامج عمل مشتركة وتنسيق على المستويات كافة، بما يتيح للسلطات الأميركية متابعةً دقيقة للحياة الداخلية للجيش التركي، بوصفه ابنها الشرعي الذي رعته منذ تأسيسه، ولم تتخلّ عنه، حتى في السنوات الأخيرة التي حاول فيها الرئيس رجب أردوغان أن يطوّع هذه المؤسسة ويسيطر عليها.
للولايات المتحدة تاريخٌ معروفٌ في صناعة الانقلابات وتغيير الحكومات في العالم، لكنها منذ نهاية الحرب الباردة بدّلت من أسلوبها، وصارت تعتمد على القوة الناعمة. وباستثناء تدخلها واحتلالها العراق عام 2003، فإنها لم تساند انقلاباتٍ مسلحة، الأمر الذي يطرح أسئلةً كثيرة حول موقفها من الانقلاب التركي الذي قام به عسكريون، أغلبهم على رأس عمله، ويحتل منصباً رفيعاً في المؤسسة العسكرية التركية الضالعة في عدة انقلاباتٍ منذ الستينيات، وكان هدفها منع إقامة ديمقراطية، وإبقاء تركيا قاعدة أطلسية في وجه الاتحاد السوفييتي، وحليف إسرائيل الرئيسي في الشرق الأوسط.
لم تكن علاقة أردوغان بالولايات المتحدة جيدة قبل حصول الانقلاب، بل كشفت زيارته إلى واشنطن، أخيراً، عن القدر الكبير من عدم المودة التي تكنّها الإدارة الأميركية له. ولذا، كانت رحلته فاشلةً، ولم يعد منها بما كان يأمل الحصول عليه، وقد وضع أمام نظيره الأميركي، باراك أوباما، ملفين، يتعلقان بوقف دعم الولايات المتحدة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري فرع حزب العمال، وبتسليم زعيم حركة الخدمة الموازية، فتح الله غولن. وحصلت تسريباتٌ، في حينه، تفيد بأن أوباما لم يتجاوب مع الطلبين.
من مراجعة تاريخ علاقة الولايات المتحدة مع أردوغان يتبين أنه لم تكن هناك كيمياء، فليس الرئيس التركي من نمط الزعماء السياسيين الذين تقرّبهم واشنطن منها، لأنها تدرك أنه عصيّ على الترويض، وطموحه يتجاوز تركيا التي أرادتها الولايات المتحدة أن تظلّ حبيسةً داخل حدودها. ومن المسائل التي أحدثت فجوةً بين أردوغان وواشنطن في السنوات الأخيرة محاولاته التدخّل في الملف الفلسطيني، والاشتباك مع إسرائيل، وقطع العلاقات الدبلوماسية بعد قضية سفينة مافي مرمرة في مايو/أيار 2010. وليس سرّاً أن واشنطن لم تكن راضيةً عن سلوك الرئيس التركي. ولذا، رفضت التعاون معه في الملف السوري، ولم تؤيد أي خطوة من خطواته، وهذا ما يفسر إفشال مشروع المنطقة الآمنة، وحتى حين حصل الصدام بين أنقرة وموسكو في نوفمبر/تشرين الثاني على خلفية إسقاط تركيا المقاتلة الروسية، لم تقف إدارة أوباما إلى صف الجانب التركي، وحالت دون موقفٍ تضامني من الحلف الأطلسي، على الرغم من أن تركيا فتحت قاعدة أنجرليك للمقاتلات الأميركية لضرب "داعش" في سورية والعراق.
موقف واشنطن من الانقلاب لا يحتاج إلى تأويل، لأنه صريح، وسيتحول إلى ورقة ابتزازٍ لأنقرة.
لا يمكن إقناع أحد أن واشنطن لم تكن على علم بالانقلاب الذي حصل، لعدة أسباب، أولها أن للتعاون العسكري بين تركيا والولايات المتحدة تاريخاً طويلاً، فتركيا عضو أساسي في حلف شمال الأطلسي، وصاحبة ثاني جيش في الحلف (600 ألف) بعد الولايات المتحدة، وهذا الجيش يدين لأميركا بالتسليح والتدريب. وبالتالي، هناك برامج عمل مشتركة وتنسيق على المستويات كافة، بما يتيح للسلطات الأميركية متابعةً دقيقة للحياة الداخلية للجيش التركي، بوصفه ابنها الشرعي الذي رعته منذ تأسيسه، ولم تتخلّ عنه، حتى في السنوات الأخيرة التي حاول فيها الرئيس رجب أردوغان أن يطوّع هذه المؤسسة ويسيطر عليها.
للولايات المتحدة تاريخٌ معروفٌ في صناعة الانقلابات وتغيير الحكومات في العالم، لكنها منذ نهاية الحرب الباردة بدّلت من أسلوبها، وصارت تعتمد على القوة الناعمة. وباستثناء تدخلها واحتلالها العراق عام 2003، فإنها لم تساند انقلاباتٍ مسلحة، الأمر الذي يطرح أسئلةً كثيرة حول موقفها من الانقلاب التركي الذي قام به عسكريون، أغلبهم على رأس عمله، ويحتل منصباً رفيعاً في المؤسسة العسكرية التركية الضالعة في عدة انقلاباتٍ منذ الستينيات، وكان هدفها منع إقامة ديمقراطية، وإبقاء تركيا قاعدة أطلسية في وجه الاتحاد السوفييتي، وحليف إسرائيل الرئيسي في الشرق الأوسط.
لم تكن علاقة أردوغان بالولايات المتحدة جيدة قبل حصول الانقلاب، بل كشفت زيارته إلى واشنطن، أخيراً، عن القدر الكبير من عدم المودة التي تكنّها الإدارة الأميركية له. ولذا، كانت رحلته فاشلةً، ولم يعد منها بما كان يأمل الحصول عليه، وقد وضع أمام نظيره الأميركي، باراك أوباما، ملفين، يتعلقان بوقف دعم الولايات المتحدة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري فرع حزب العمال، وبتسليم زعيم حركة الخدمة الموازية، فتح الله غولن. وحصلت تسريباتٌ، في حينه، تفيد بأن أوباما لم يتجاوب مع الطلبين.
من مراجعة تاريخ علاقة الولايات المتحدة مع أردوغان يتبين أنه لم تكن هناك كيمياء، فليس الرئيس التركي من نمط الزعماء السياسيين الذين تقرّبهم واشنطن منها، لأنها تدرك أنه عصيّ على الترويض، وطموحه يتجاوز تركيا التي أرادتها الولايات المتحدة أن تظلّ حبيسةً داخل حدودها. ومن المسائل التي أحدثت فجوةً بين أردوغان وواشنطن في السنوات الأخيرة محاولاته التدخّل في الملف الفلسطيني، والاشتباك مع إسرائيل، وقطع العلاقات الدبلوماسية بعد قضية سفينة مافي مرمرة في مايو/أيار 2010. وليس سرّاً أن واشنطن لم تكن راضيةً عن سلوك الرئيس التركي. ولذا، رفضت التعاون معه في الملف السوري، ولم تؤيد أي خطوة من خطواته، وهذا ما يفسر إفشال مشروع المنطقة الآمنة، وحتى حين حصل الصدام بين أنقرة وموسكو في نوفمبر/تشرين الثاني على خلفية إسقاط تركيا المقاتلة الروسية، لم تقف إدارة أوباما إلى صف الجانب التركي، وحالت دون موقفٍ تضامني من الحلف الأطلسي، على الرغم من أن تركيا فتحت قاعدة أنجرليك للمقاتلات الأميركية لضرب "داعش" في سورية والعراق.
موقف واشنطن من الانقلاب لا يحتاج إلى تأويل، لأنه صريح، وسيتحول إلى ورقة ابتزازٍ لأنقرة.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024