04 أكتوبر 2024
أساطير مصرية كاذبة
كثيرة الأساطير التي تربّينا عليها على أنها حقائق مطلقة، ومن كثرة عدم معقوليتها والتضخيم فيها، لا يمكن حصرها بسهولة، منها أننا في مصر أقدم حضارة، وأقدم دولة مركزية، مع أنه في وقت الحضارة الفرعونية (الحضارة المصرية القديمة للدقة) كانت هناك حضارات مماثلة، كانت لديها دول مركزية وأنظمة حكم وثقافة وتراث وعلوم وأديان وفنون وعادات وتقاليد وقوانين وشرائع.
إحدى الأساطير المحفوظة أن الطفل المصري أذكى طفل في العالم، وأن العامل المصري أمهر عامل، وأن "أي حاجه" مصري هو أفضل "أي حاجه" في العالم، وأساطير الطيبة والتسامح.. وكل الأساطير التي تتنافى مع الواقع المصري الذي نعيشه. ربما هناك حالات تميز للمصريين خارج بلدهم، مئات وآلاف. ولكنهم يتميزون، عندما يخرجون من سجون الروتين والإحباط والجهل والحلول الفاشلة المحفوظة إلى أجواء من الحرية، تشجع التجربة والابتكار والإبداع.
أسطورة ذكاء الطفل المصري لم أكن أصدقها، لمخالفتها الواقع. ولكن، مع الوقت وجدت تحليلات وآراء وشهادات تدعمها، وكذلك أسطورة ذكاء الشعب المصري عموماً، فهناك كتابات ونظريات أن الشعوب التي تعيش تحت قمع قوانين غبية وعقيمة وترسانتها، يتم تطبيقها صورياً، وباستثناءاتٍ كثيرة غير عادلة، بجانب الإحساس بالظلمين، السياسي والاجتماعي، وعدم العدالة وغياب مبدأ تكافؤ الفرص (ينطبق على الحالة المصرية منذ عقود)، تضطر إلى الحيلة، ويبرع ناسها في الالتفاف على القوانين، وفي مخالفتها بدون اكتشاف ذلك، وهو ما ينطبق على حالنا، فماذا تتوقع من المصريين الذين يعيشون حياة صعبةً، وسط ترسانة قوانين مليئة بالثغرات، ويتم تطبيقها موسمياً على الضعيف أو الفقير، أو الذي ليس له سند أو واسطة، ويخرقها الأغنياء والأقوياء وعلية القوم، إلا من أصبح منهم بدون سند أو عديم الفائدة أو صار ضرره أكثر من نفعه، بالتأكيد سيزداد معدل الذكاء لمن يعيش في الغابة التي لا تخلو من الصراعات والأمواج.
لا بد أن تكون ذكيّاً، وربما حادّ الذكاء وشديد المكر والحيلة، لكي تستطيع أن تعيش في مصر، وأن تحصل على الحد الأدنى من الحقوق التي نص عليها القانون، وتتجنب الألاعيب أو الغدر على غفلة، لكي فقط تستطيع أن تعيش.
ربما تكون أسطورة ذكاء الطفل المصري صحيحة، وكذلك تميز المواطن المصري وذكاءه.
ولكن، في أي المجالات يتم توجيه هذا الذكاء والقدرة على الإبداع؟ هل للأبحاث والابتكار والاختراع والتصنيع والزراعة والتطوير وحل المشكلات، أم للتآمر الداخلي وتعطيل المنافسين والأقران، ولمساعي التميز بأقل مجهود أو الالتفاف على القوانين؟ يمكن سؤال أي رجل أعمال عربي، أو حتى مصري، يستثمر أمواله خارج مصر، عن أحوال العمالة المصرية وسلوكها والتزامها، ستعلم لماذا يتم تسريحها، وتفضيل العمالة الآسيوية، فالمصري في الغربة يعاني من أمراض المواطن المصري في بلده. ستسمع الشكاوى من "الفهلوة"، وتآمر المصريين ضد بعضهم خارج بلدهم، كما الحال داخله. ستسمع عن الشكاوى نفسها عن النميمة، والإبداع في تعطيل الآخر، من دون بذل مجهود في تطوير الذات.
لا يمكن إغفال دور السلطة في ذلك، فهي القدوة، وهي مكافئ لرب البيت، وهي المسؤولة عن دعم قيم معينة ونشرها، وطمس قيم أخرى. وبالتالي، ليس مستغرباً أن تبدع السلطات المتوالية على حكم مصر في الكذب والتدليس والالتفاف على الدساتير والقوانين، وتتشدق بالطهارة والنزاهة والصدق ودولة القانون. هل يوجد تخطيط لأي شيء في مصر سوى المحكم منه للسيطرة والهيمنة على عقول المصريين، وكيفية البقاء في السلطة أطول وقت، تحت شعارات براقة، مثل التحرّر الوطني أو القومية أو الاشتراكية أو مكافحة الإرهاب أو الخروج من عنق الزجاجة أو الحفاظ على الدولة. هل يوجد تخطيط لأي شيء في مصر سوى الذكي والمحكم منه لكيفية خداع الجماهير، وكيفية القتل المبكر لأي مشروع قد يمثل بديلاً مستقبلياً للسلطة، أو حتى مشروعاً إصلاحياً للسلطة؟
هل هناك أية ذرة تخطيط طاهر للتعليم أو البحث العلمي أو الصناعة أو الزراعة أو المرور أو الإسكان أو مشكلة القمامة، أم أن شعار الحفاظ على الدولة هو الحفاظ على دولة التخبط والعشوائية والفشل الإداري والفساد والاستبداد والقمع والكذب والتدليس؟ هل هناك براعة في التخطيط لدى السلطة الحاكمة غير البراعة في تشويه كل من يعارض، وكل من لا يزال يصدّق ثورة يناير، أو كل من يطالب بالإصلاح؟ هل هناك براعة لدى السلطة سوى في اختراع قصص المؤامرة الكونية، وأكاذيب الجيل الرابع من الحروب، وأساطير مخطط التقسيم، فالسلطة قادمة من المجتمع، وقيم المجتمع هي التي تزرعها فيه السلطة. ولذلك، أصبحت نظرية المؤامرة الأسهل، وفكر المؤامرة الأكثر انتشاراً.
والأهم، هل لدى أجهزة السلطة التي تخطط فقط للسيطرة والتحكّم أي لجنة أو مجموعة أو مركز بحثي لدراسة الآثار السلبية والكارثية التي يتوقع بعضهم أن تظهر في الأجيال القادمة، نتيجة ما يحدُث من ظلم وقهر وكبت وتشويه ومعاناة ومآسٍ لنسبةٍ ليست قليلةً من المجتمع، وأسرهم وعائلاتهم وأقاربهم ومعارفهم وأطفالهم، أم أن كل موظف حكومي لا يهتم إلا بإنهاء فترة خدمته، ولا يهمه الطوفان الآتي.
إحدى الأساطير المحفوظة أن الطفل المصري أذكى طفل في العالم، وأن العامل المصري أمهر عامل، وأن "أي حاجه" مصري هو أفضل "أي حاجه" في العالم، وأساطير الطيبة والتسامح.. وكل الأساطير التي تتنافى مع الواقع المصري الذي نعيشه. ربما هناك حالات تميز للمصريين خارج بلدهم، مئات وآلاف. ولكنهم يتميزون، عندما يخرجون من سجون الروتين والإحباط والجهل والحلول الفاشلة المحفوظة إلى أجواء من الحرية، تشجع التجربة والابتكار والإبداع.
أسطورة ذكاء الطفل المصري لم أكن أصدقها، لمخالفتها الواقع. ولكن، مع الوقت وجدت تحليلات وآراء وشهادات تدعمها، وكذلك أسطورة ذكاء الشعب المصري عموماً، فهناك كتابات ونظريات أن الشعوب التي تعيش تحت قمع قوانين غبية وعقيمة وترسانتها، يتم تطبيقها صورياً، وباستثناءاتٍ كثيرة غير عادلة، بجانب الإحساس بالظلمين، السياسي والاجتماعي، وعدم العدالة وغياب مبدأ تكافؤ الفرص (ينطبق على الحالة المصرية منذ عقود)، تضطر إلى الحيلة، ويبرع ناسها في الالتفاف على القوانين، وفي مخالفتها بدون اكتشاف ذلك، وهو ما ينطبق على حالنا، فماذا تتوقع من المصريين الذين يعيشون حياة صعبةً، وسط ترسانة قوانين مليئة بالثغرات، ويتم تطبيقها موسمياً على الضعيف أو الفقير، أو الذي ليس له سند أو واسطة، ويخرقها الأغنياء والأقوياء وعلية القوم، إلا من أصبح منهم بدون سند أو عديم الفائدة أو صار ضرره أكثر من نفعه، بالتأكيد سيزداد معدل الذكاء لمن يعيش في الغابة التي لا تخلو من الصراعات والأمواج.
لا بد أن تكون ذكيّاً، وربما حادّ الذكاء وشديد المكر والحيلة، لكي تستطيع أن تعيش في مصر، وأن تحصل على الحد الأدنى من الحقوق التي نص عليها القانون، وتتجنب الألاعيب أو الغدر على غفلة، لكي فقط تستطيع أن تعيش.
ربما تكون أسطورة ذكاء الطفل المصري صحيحة، وكذلك تميز المواطن المصري وذكاءه.
لا يمكن إغفال دور السلطة في ذلك، فهي القدوة، وهي مكافئ لرب البيت، وهي المسؤولة عن دعم قيم معينة ونشرها، وطمس قيم أخرى. وبالتالي، ليس مستغرباً أن تبدع السلطات المتوالية على حكم مصر في الكذب والتدليس والالتفاف على الدساتير والقوانين، وتتشدق بالطهارة والنزاهة والصدق ودولة القانون. هل يوجد تخطيط لأي شيء في مصر سوى المحكم منه للسيطرة والهيمنة على عقول المصريين، وكيفية البقاء في السلطة أطول وقت، تحت شعارات براقة، مثل التحرّر الوطني أو القومية أو الاشتراكية أو مكافحة الإرهاب أو الخروج من عنق الزجاجة أو الحفاظ على الدولة. هل يوجد تخطيط لأي شيء في مصر سوى الذكي والمحكم منه لكيفية خداع الجماهير، وكيفية القتل المبكر لأي مشروع قد يمثل بديلاً مستقبلياً للسلطة، أو حتى مشروعاً إصلاحياً للسلطة؟
هل هناك أية ذرة تخطيط طاهر للتعليم أو البحث العلمي أو الصناعة أو الزراعة أو المرور أو الإسكان أو مشكلة القمامة، أم أن شعار الحفاظ على الدولة هو الحفاظ على دولة التخبط والعشوائية والفشل الإداري والفساد والاستبداد والقمع والكذب والتدليس؟ هل هناك براعة في التخطيط لدى السلطة الحاكمة غير البراعة في تشويه كل من يعارض، وكل من لا يزال يصدّق ثورة يناير، أو كل من يطالب بالإصلاح؟ هل هناك براعة لدى السلطة سوى في اختراع قصص المؤامرة الكونية، وأكاذيب الجيل الرابع من الحروب، وأساطير مخطط التقسيم، فالسلطة قادمة من المجتمع، وقيم المجتمع هي التي تزرعها فيه السلطة. ولذلك، أصبحت نظرية المؤامرة الأسهل، وفكر المؤامرة الأكثر انتشاراً.
والأهم، هل لدى أجهزة السلطة التي تخطط فقط للسيطرة والتحكّم أي لجنة أو مجموعة أو مركز بحثي لدراسة الآثار السلبية والكارثية التي يتوقع بعضهم أن تظهر في الأجيال القادمة، نتيجة ما يحدُث من ظلم وقهر وكبت وتشويه ومعاناة ومآسٍ لنسبةٍ ليست قليلةً من المجتمع، وأسرهم وعائلاتهم وأقاربهم ومعارفهم وأطفالهم، أم أن كل موظف حكومي لا يهتم إلا بإنهاء فترة خدمته، ولا يهمه الطوفان الآتي.