11 سبتمبر 2024
حاجة الجزائر إلى مبادرة سياسية
تتصدّر أخبار الكشف عن مخابئ للأسلحة، أو إلقاء القبض على مسلحين، نشرات التلفزيونات الجزائرية العامة والخاصة. وجاء إعلان السلطات الجزائرية حالة الطوارئ على حدودها الشرقية مع تونس، خطوةً وقائية من تسلل عناصر إرهابية، ولا سيما بعد إعلان السلطات التونسية عن عودة 800 مقاتل تونسي من بؤر التوتر، خصوصاً من سورية. كما بدأ العام الجديد في الجزائر صاخباً على وقع إضرابٍ للتجار في بعض الولايات، سببه إقرار الموازنة العامة وغلاء المعيشة، سريعاً ما تحوّل إلى أعمال عنف، شهدتها بعض المدن الجزائرية، تصدّت لها الحكومة بكل ترسانتها الوزارية والإعلامية، للتحذير من مغبّة الانجرار وراء مخططات فتنةٍ تقول إنها تخطط لها أيادٍ أجنبية.
اللافت في الأشهر الثلاثة الماضية تبنّي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي عملية اغتيال ضابط شرطة في مدينة قسنطينة، ما يعيد طرح السؤال عن وجود هذا التنظيم من عدمه في الجزائر. فعلى الرغم من تصنيف معظم التقارير الأمنية العالمية الجزائر ضمن أقلّ الدول تهديداً بالإرهاب، وآخرها تقرير الحكومة الألمانية الذي وصف الجزائر آمنة، إلا أن "داعش" يحاول، بشتى الطرق، الدخول إلى أرض الجزائر، وتأسيس إمارة فيها.
خلال الأعوام الماضية، خصوصاً بعد اندلاع الثورات العربية، شددت الجزائر أكثر من قبضتها الأمنية، خصوصاً عبر حدودها الشرقية التي تعرف حركةً نشيطةً لمسلحين، يحاولون تهريب الأسلحة، بمختلف أنواعها، من ليبيا إلى الجزائر. كما أن حادثة اقتحام قاعدة تيقنتورين البترولية كانت قد دقّت ناقوس الخطر الداهم عبر الحدود مع مالي، والتي كانت قد شهدت حركة واسعة لتجارة السلاح، ناهيك عن تأسيس جماعة محلية، انشقت عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في خريف 2014، والتي أطلقت على نفسها "جند الخلافة"، وبايعت زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي، إلا أن الجيش الجزائري استطاع القضاء على بعض أعضاء هذه الجماعة، والحد من نشاطها، على الرغم من تبنيها عملية إرهابية، ذهب ضحيتها مواطن فرنسي اختطف وقتل في سبتمبر/أيلول 2015 شرقي العاصمة الجزائر.
ما انفكّ تنظيم الدولة الإسلامية يغازل بعض المتطرفين وتجنيدهم لصالحه، حيث أظهرت عملية
تمشيط قام بها الجيش الجزائري في ولاية جيجل (شرق) وجود شبّان يناصرون فكر التطرّف هذا، ويسعون إلى القتال في صفوفه، على الرغم من اعتراف أعضاء من "جند الخلافة" في فيديو لهم برفض الجزائريين الالتحاق بصفوف التنظيم.
صحيح أن قوات الجيش الجزائري وأسلاك الشرطة والدرك المختلفة لم تقطع عملها في محاربة العناصر المنفلتة منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أن المجموعة التي ظهرت، أخيراً، في ولاية جيجل جعلت الأمر لا يقتصر على ما تسميها الأوساط الإعلامية الجزائرية الذئاب الضالة. تضاف إليها أنشطةٌ مشبوهةٌ لشبكة كانت مهمتها محاولة تجنيد شباب لصالح التنظيم، كشفت عنها أجهزة الأمن في مدينة عنابة في أقصى الشرق الجزائري.
عَكّرَ مسلسل أميركي اسمه "الناجي المُعَيَّن"، بثته قناة أي بي سي الأميركية، صفو مزاج الجزائريين الذين يقولون إن سنوات الجمر في التسعينيات حصّنتهم من السقوط في غواية الفتنة مرة أخرى. وقد ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بردود فعل غاضبة من المسلسل الذي يسرد قصة هجوم إرهابي، يذهب ضحيته الرئيس الأميركي وأعضاء الكونغرس، وتتهم الجزائر بتسترها على الإرهابيين. ورفع المجتمع المدني صوته احتجاجا على هذا الاتهام الافتراضي في المسلسل لبلده، فاضطُرت سفيرة واشنطن في الجزائر إلى التعليق بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خيال فني، غير أن الناشطين في المجتمع المدني اعتبروا ذلك تشويهاً متعمداً لصورة الجزائر لدى المواطن الأميركي، ولدى عامة المشاهدين الذين لا يعرفون الكثير عن بلداننا العربية سوى الكليشيهات السلبية التي تسوّقها الأفلام والمسلسلات الغربية.
قد يبدو منسوب المناعة الأمنية الذي اكتسبه الجزائريون في سنوات التسعينيات عالياً. ولكن، هل يكفي ذلك الشعور وحده في تجنيب الجزائر عثراتٍ أخرى، وهل يلبي عمل الجيش والوحدات الأمنية المختلفة متطلبات حفظ الاستقرار واستتباب الأمن؟
يأخذك الجواب إلى مضارب السياسة والاقتصاد، فالمراهنة على تدجين السياسيين وشراء ذممهم الذي يُلاعب النظام به أحزاب الموالاة والمعارضة، على حد سواء، لا يُبشر بأفق إيجابي
قريب. وديمقراطية الواجهة التي تعيشها الجزائر يُشوهها الفساد المالي الذي نجح في بناء منظومة محكمة من الولاءات والمصالح. على المستوى الاقتصادي، عادت الجزائر إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية مرة أخرى، بعد فترة وُصفت بأنها "بحبوحة مالية"، كثيراً ما تغنّى بها رؤساء الحكومة المتعاقبون ووزراؤهم. ولكنها ما فتئت أن تحوّلت إلى كابوس، بمجرد انخفاض سعر النفط الذي يُعد الدخل الوحيد للاقتصاد الجزائري. كابوس تُرجم مع حلول السنة الجارية في شكل رسوم وضرائب جديدة، أثقلت كاهل الموظف والمواطن البسيط، خصوصاً بعد تدهور سعر صرف الدينار الجزائري.
تسود العتمة الأفق السياسي الجزائري، مع تماهي معظم الأحزاب في موالاةٍ لا تبحث إلا عن اقتطاع جزء من كعكة السلطة. أما فعل التغيير فمؤجلٌ بإرادة سلطوية عليا، لا ترى أن النظام في أزمة، ولا تريد أي تعديلٍ من شأنه أن يعكّر مزاجها. ولكن، مع تنكيس اقتصاد الريع رأسه، وتراجعه في شراء السلم الاجتماعي الذي صُرفت من أجله مليارات الدولارات، يطرح السؤال عن حاجة البلاد إلى عمل كبير على صعيد السياسة والعدالة الاجتماعية، إذ من شأن ذلك مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
لا يبدو أن السلطة تريد الدنو من أي تغيير إيجابي في الوقت الراهن، فهي ما زالت تفضل العمل الأمني على العمل السياسي. ولكن، هل يُعد ذلك كافيا، وحال الاقتصاد الذي يُعد صمام الأمان لأي سلطة لا يبرح الاتّكاء على ما تجود به آبار النفط وحقول الغاز دون غيرها، كما أن الحديث عن الفساد في تسيير المال العام يكاد يزكم الأنوف المتعبة أصلاً من موجات بردٍ قاسيةٍ تضرب البلاد هذا الشتاء.
اللافت في الأشهر الثلاثة الماضية تبنّي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي عملية اغتيال ضابط شرطة في مدينة قسنطينة، ما يعيد طرح السؤال عن وجود هذا التنظيم من عدمه في الجزائر. فعلى الرغم من تصنيف معظم التقارير الأمنية العالمية الجزائر ضمن أقلّ الدول تهديداً بالإرهاب، وآخرها تقرير الحكومة الألمانية الذي وصف الجزائر آمنة، إلا أن "داعش" يحاول، بشتى الطرق، الدخول إلى أرض الجزائر، وتأسيس إمارة فيها.
خلال الأعوام الماضية، خصوصاً بعد اندلاع الثورات العربية، شددت الجزائر أكثر من قبضتها الأمنية، خصوصاً عبر حدودها الشرقية التي تعرف حركةً نشيطةً لمسلحين، يحاولون تهريب الأسلحة، بمختلف أنواعها، من ليبيا إلى الجزائر. كما أن حادثة اقتحام قاعدة تيقنتورين البترولية كانت قد دقّت ناقوس الخطر الداهم عبر الحدود مع مالي، والتي كانت قد شهدت حركة واسعة لتجارة السلاح، ناهيك عن تأسيس جماعة محلية، انشقت عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في خريف 2014، والتي أطلقت على نفسها "جند الخلافة"، وبايعت زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي، إلا أن الجيش الجزائري استطاع القضاء على بعض أعضاء هذه الجماعة، والحد من نشاطها، على الرغم من تبنيها عملية إرهابية، ذهب ضحيتها مواطن فرنسي اختطف وقتل في سبتمبر/أيلول 2015 شرقي العاصمة الجزائر.
ما انفكّ تنظيم الدولة الإسلامية يغازل بعض المتطرفين وتجنيدهم لصالحه، حيث أظهرت عملية
صحيح أن قوات الجيش الجزائري وأسلاك الشرطة والدرك المختلفة لم تقطع عملها في محاربة العناصر المنفلتة منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أن المجموعة التي ظهرت، أخيراً، في ولاية جيجل جعلت الأمر لا يقتصر على ما تسميها الأوساط الإعلامية الجزائرية الذئاب الضالة. تضاف إليها أنشطةٌ مشبوهةٌ لشبكة كانت مهمتها محاولة تجنيد شباب لصالح التنظيم، كشفت عنها أجهزة الأمن في مدينة عنابة في أقصى الشرق الجزائري.
عَكّرَ مسلسل أميركي اسمه "الناجي المُعَيَّن"، بثته قناة أي بي سي الأميركية، صفو مزاج الجزائريين الذين يقولون إن سنوات الجمر في التسعينيات حصّنتهم من السقوط في غواية الفتنة مرة أخرى. وقد ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بردود فعل غاضبة من المسلسل الذي يسرد قصة هجوم إرهابي، يذهب ضحيته الرئيس الأميركي وأعضاء الكونغرس، وتتهم الجزائر بتسترها على الإرهابيين. ورفع المجتمع المدني صوته احتجاجا على هذا الاتهام الافتراضي في المسلسل لبلده، فاضطُرت سفيرة واشنطن في الجزائر إلى التعليق بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خيال فني، غير أن الناشطين في المجتمع المدني اعتبروا ذلك تشويهاً متعمداً لصورة الجزائر لدى المواطن الأميركي، ولدى عامة المشاهدين الذين لا يعرفون الكثير عن بلداننا العربية سوى الكليشيهات السلبية التي تسوّقها الأفلام والمسلسلات الغربية.
قد يبدو منسوب المناعة الأمنية الذي اكتسبه الجزائريون في سنوات التسعينيات عالياً. ولكن، هل يكفي ذلك الشعور وحده في تجنيب الجزائر عثراتٍ أخرى، وهل يلبي عمل الجيش والوحدات الأمنية المختلفة متطلبات حفظ الاستقرار واستتباب الأمن؟
يأخذك الجواب إلى مضارب السياسة والاقتصاد، فالمراهنة على تدجين السياسيين وشراء ذممهم الذي يُلاعب النظام به أحزاب الموالاة والمعارضة، على حد سواء، لا يُبشر بأفق إيجابي
تسود العتمة الأفق السياسي الجزائري، مع تماهي معظم الأحزاب في موالاةٍ لا تبحث إلا عن اقتطاع جزء من كعكة السلطة. أما فعل التغيير فمؤجلٌ بإرادة سلطوية عليا، لا ترى أن النظام في أزمة، ولا تريد أي تعديلٍ من شأنه أن يعكّر مزاجها. ولكن، مع تنكيس اقتصاد الريع رأسه، وتراجعه في شراء السلم الاجتماعي الذي صُرفت من أجله مليارات الدولارات، يطرح السؤال عن حاجة البلاد إلى عمل كبير على صعيد السياسة والعدالة الاجتماعية، إذ من شأن ذلك مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
لا يبدو أن السلطة تريد الدنو من أي تغيير إيجابي في الوقت الراهن، فهي ما زالت تفضل العمل الأمني على العمل السياسي. ولكن، هل يُعد ذلك كافيا، وحال الاقتصاد الذي يُعد صمام الأمان لأي سلطة لا يبرح الاتّكاء على ما تجود به آبار النفط وحقول الغاز دون غيرها، كما أن الحديث عن الفساد في تسيير المال العام يكاد يزكم الأنوف المتعبة أصلاً من موجات بردٍ قاسيةٍ تضرب البلاد هذا الشتاء.