03 أكتوبر 2024
المغرب... انتهى الكلام
أعلن رئيس الحكومة المغربية المكلف، عبد الإله بنكيران، في بيانٍ له، وقف المفاوضات التي يقودها مع رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، معتبراً أن ''الكلام انتهى''. وجاء البيان ردّاً على بيان آخر، أصدره "التجمع" إلى جانب الحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاتحاد الدستوري، حيث أبدت الأحزاب الأربعة ''رغبتها في الالتحاق بالتحالف الحكومي، مع حرصها على تشكيل أغلبية حكومية قوية ومتماسكة''.
بصرف النظر عما يثيره بيان بنكيران من أسئلةٍ بشأن مآلات ''البلوكاج ''السياسي الذي يعرفه المغرب منذ ثلاثة أشهر، فقد تضمن رسائل دالة، خصوصاً في اتجاه حزب التجمع الذي يحاول زجّ حزبي الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري في مشاورات تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه لم يوجه لهما أي عرض للمشاركة في التحالف الحكومي. هذا فضلاً عن أسئلة أخرى يطرحها دخول حزب الاتحاد الدستوري على الخط، وهو الحزب الذي انتهت صلاحيته السياسية منذ سنوات. هل فشل حزب الأصالة والمعاصرة في أداء ما كان منتظراً منه بشأن مواجهة "العدالة والتنمية"؟ هل يعكس الإحياء السياسي للاتحاد الدستوري رغبة الدولة العميقة في أن يشكل، إلى جانب "التجمع"، عنصر توازن إزاء النفوذ المتنامي للإسلاميين؟
يبدو بيان بنكيران رداً دالاً على ما تضمنه بيان الأحزاب الأربعة من مناوراتٍ تستهدف إضعاف موقعه التفاوضي، وبالتالي، التقليل من أهمية تصدّر حزبه انتخابات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، ودفعه إلى خياراتٍ وبدائل لا تمت بصلة لنتائج هذه الانتخابات وامتداداتها. بلغت هذه المناورات ذروتها، قبل أيام، على خلفية تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، بشأن موريتانيا، الأمر الذي شكل فرصة أخرى لأخنوش لابتزاز بن كيران الذي ظل متمسكاً بإشراك حزب الاستقلال في الحكومة إلى آخر لحظة، غير أن قرار الأخير بمساندة الحكومة ودعمها، حتى من دون أن يشارك فيها، بعثر أوراق أخنوش، وأربك حساباته، قبل أن تعيد إليه الجهة التي تقف خلفه ترتيبَ أوراقه من خلال بيان الأحزاب الأربعة.
يتعلق الأمر فعلاً بمسلسل إنهاك ممنهج يتعرّض له حزب العدالة والتنمية، إنهاك سياسي وتنظيمي، بغاية جعل الإسلاميين يقدمون تنازلاتٍ تفضي بهم إلى تشكيل حكومةٍ تذكّر المغاربة بواقع السياسة في بلادهم، سواء تعلق الأمر بالأحزاب التي يفتقد معظمها الاستقلالية والجرأة، أو بالثوابت البنيوية التي تحكم هذه السياسة، وتوجه سيروراتها ودينامياتها.
لا ندافع هنا عن إسلاميي المغرب، ولا عن منطلقاتهم الفكرية والإيديولوجية أو مشروعهم المجتمعي المحافظ، لكن هؤلاء، وإعمالاً لمقتضيات الديمقراطية تصدّروا نتائج الانتخابات، وحازوا أصوات فئاتٍ واسعة من الطبقة الوسطى في المدن والحواضر الكبرى. ولذلك، يفرض المنطق والعقل والعبر المستخلصة من التجارب العربية الأخرى فهماً أكثر نضجاً لهذا المتغير في الحقل الحزبي والسياسي في المغرب، والذي لا يجب الالتفاف عليه بأساليب قد تكون في المحصلة مكلفة للغاية.
فمنذ انتخابات سنة 1997، وحزب العدالة والتنمية يراكم حضوره السياسي بثقافة تنظيمية مختلفة عن باقي الأحزاب، حتى بات جزءاً من معادلة الحياة السياسية على ما فيها من أعطاب وشوائب. ولسنا نبالغ، إذا قلنا إنه الآن في طور المرور من قوةٍ حزبيةٍ إلى قوةٍ سياسية، وهذا ما يزعج بعض مواقع صنع القرار، وجهاتٍ متنفذةً في السلطة، وجماعات مصالح، وقوى اجتماعية تتوزّع على الإدارة والاقتصاد والإعلام وحتى الشارع.
تدرك السلطة في المغرب جيداً أن "العدالة والتنمية" حزب محافظ وموال للقصر وبراغماتي. على الرغم من ذلك، باتت قوته الانتخابية والسياسية المتصاعدة مقلقة في بلدٍ غير مستعد لمغادرة المنطقة الرمادية، وإنجاز تحول ديمقراطي حقيقي بخريطة طريق واضحة. لهذا، ترى هذه السلطة أن تطويق هذه القوة ومحاصرتها كفيلٌ بالتحكم في هندسة الحقل السياسي ومخرجاته، بمعنى الإشراف على هذا الحقل، وهيكلته وإعادة إنتاجه، ليتكيّف مع التحولات الإقليمية المفاجئة، ويحد من فاعلية عائداتها السياسية المحتملة، من خلال إعادة تحديد مواقع النخب الحزبية وأدوارها المرسومة لها سلفاً.
بصرف النظر عما يثيره بيان بنكيران من أسئلةٍ بشأن مآلات ''البلوكاج ''السياسي الذي يعرفه المغرب منذ ثلاثة أشهر، فقد تضمن رسائل دالة، خصوصاً في اتجاه حزب التجمع الذي يحاول زجّ حزبي الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري في مشاورات تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه لم يوجه لهما أي عرض للمشاركة في التحالف الحكومي. هذا فضلاً عن أسئلة أخرى يطرحها دخول حزب الاتحاد الدستوري على الخط، وهو الحزب الذي انتهت صلاحيته السياسية منذ سنوات. هل فشل حزب الأصالة والمعاصرة في أداء ما كان منتظراً منه بشأن مواجهة "العدالة والتنمية"؟ هل يعكس الإحياء السياسي للاتحاد الدستوري رغبة الدولة العميقة في أن يشكل، إلى جانب "التجمع"، عنصر توازن إزاء النفوذ المتنامي للإسلاميين؟
يبدو بيان بنكيران رداً دالاً على ما تضمنه بيان الأحزاب الأربعة من مناوراتٍ تستهدف إضعاف موقعه التفاوضي، وبالتالي، التقليل من أهمية تصدّر حزبه انتخابات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، ودفعه إلى خياراتٍ وبدائل لا تمت بصلة لنتائج هذه الانتخابات وامتداداتها. بلغت هذه المناورات ذروتها، قبل أيام، على خلفية تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، بشأن موريتانيا، الأمر الذي شكل فرصة أخرى لأخنوش لابتزاز بن كيران الذي ظل متمسكاً بإشراك حزب الاستقلال في الحكومة إلى آخر لحظة، غير أن قرار الأخير بمساندة الحكومة ودعمها، حتى من دون أن يشارك فيها، بعثر أوراق أخنوش، وأربك حساباته، قبل أن تعيد إليه الجهة التي تقف خلفه ترتيبَ أوراقه من خلال بيان الأحزاب الأربعة.
يتعلق الأمر فعلاً بمسلسل إنهاك ممنهج يتعرّض له حزب العدالة والتنمية، إنهاك سياسي وتنظيمي، بغاية جعل الإسلاميين يقدمون تنازلاتٍ تفضي بهم إلى تشكيل حكومةٍ تذكّر المغاربة بواقع السياسة في بلادهم، سواء تعلق الأمر بالأحزاب التي يفتقد معظمها الاستقلالية والجرأة، أو بالثوابت البنيوية التي تحكم هذه السياسة، وتوجه سيروراتها ودينامياتها.
لا ندافع هنا عن إسلاميي المغرب، ولا عن منطلقاتهم الفكرية والإيديولوجية أو مشروعهم المجتمعي المحافظ، لكن هؤلاء، وإعمالاً لمقتضيات الديمقراطية تصدّروا نتائج الانتخابات، وحازوا أصوات فئاتٍ واسعة من الطبقة الوسطى في المدن والحواضر الكبرى. ولذلك، يفرض المنطق والعقل والعبر المستخلصة من التجارب العربية الأخرى فهماً أكثر نضجاً لهذا المتغير في الحقل الحزبي والسياسي في المغرب، والذي لا يجب الالتفاف عليه بأساليب قد تكون في المحصلة مكلفة للغاية.
فمنذ انتخابات سنة 1997، وحزب العدالة والتنمية يراكم حضوره السياسي بثقافة تنظيمية مختلفة عن باقي الأحزاب، حتى بات جزءاً من معادلة الحياة السياسية على ما فيها من أعطاب وشوائب. ولسنا نبالغ، إذا قلنا إنه الآن في طور المرور من قوةٍ حزبيةٍ إلى قوةٍ سياسية، وهذا ما يزعج بعض مواقع صنع القرار، وجهاتٍ متنفذةً في السلطة، وجماعات مصالح، وقوى اجتماعية تتوزّع على الإدارة والاقتصاد والإعلام وحتى الشارع.
تدرك السلطة في المغرب جيداً أن "العدالة والتنمية" حزب محافظ وموال للقصر وبراغماتي. على الرغم من ذلك، باتت قوته الانتخابية والسياسية المتصاعدة مقلقة في بلدٍ غير مستعد لمغادرة المنطقة الرمادية، وإنجاز تحول ديمقراطي حقيقي بخريطة طريق واضحة. لهذا، ترى هذه السلطة أن تطويق هذه القوة ومحاصرتها كفيلٌ بالتحكم في هندسة الحقل السياسي ومخرجاته، بمعنى الإشراف على هذا الحقل، وهيكلته وإعادة إنتاجه، ليتكيّف مع التحولات الإقليمية المفاجئة، ويحد من فاعلية عائداتها السياسية المحتملة، من خلال إعادة تحديد مواقع النخب الحزبية وأدوارها المرسومة لها سلفاً.