07 نوفمبر 2024
الاحتلال الروسي والدستور السوري
قراءة التطورات السورية بعيداً عن الاحتلال الروسي لسورية خاطئة بالتأكيد؛ فسورية الآن دولة فيها احتلالات متعددة مع هيمنة روسية فرضت شروطها على "الاحتلال" التركي لبعض البلدات السورية، وهناك مشاوراتٌ وصداماتٌ مع الائتلاف الدولي لمحاربة "داعش" والمدار من الولايات المتحدة الأميركية. الدولة التي تحاول رفض الهيمنة الروسية هي إيران بالتحديد. ولهذا، هناك ملامح تباعدٍ بين الدولتين؛ فقد كانت العلاقات قوية وتاريخية بين روسيا وإيران، والآن هناك صداماتٌ على الأرض السورية، عدا أن المتغيرات الأميركية تدفع بتقاربٍ مع الروس. وبالتالي، هناك احتمال كبير لتحجيم إيران، ولا سيما أن الخطر الحقيقي أمام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأميركا هي الصين، ولا بد من استقطاب روسيا التي احتلت سورية، وبقواعد عسكرية برية وبحرية، وبحرب طاحنة ضد المدن وضد الفصائل المسلحة، وباتفاقيةٍ طويلة الأمد، وبحماية كاملة لجنودها على الأرض السورية. أقول روسيا هذه حاربت ضد الثورة، وتحالفت مع إيران، حينما كان هناك اختلاف مصالح مع تركيا، والآن وقد تفتّتت الفصائل، وحصل تقاسم نفوذ بين الدولتين في سورية، فإن الخطوة التالية هي الحل السياسي، وتحجيم إيران وإخراج مليشياتها، وإعادة تشكيل الدولة السورية، ومنها مسألة الدستور.
بعد اجتماع أستانة، والذي كان لتثبيت إيقاف النار وإيجاد آلية لمراقبته، طرح الروس دستوراً للسوريين، ومواعيدَ متغيرةً لاجتماع جنيف، لإكمال النقاش بخصوص الحل السياسي. طرح مسألة الدستور مسألة أساسية، فليس من حلٍ ممكنٍ، من دون أن يرتكن لدستورٍ محددٍ، أو إعلانٍ دستوريٍّ، وبالتالي، يأتي الدستور في سياق صحيح، أي سياق الاحتلال الروسي والحل السياسي وتدجين المعارضة، ولإقرار العالم لروسيا باحتلال سورية.
لا يمكن لسوريٍّ لم يفقد عقله بعد، أن يقبلَ الاحتلال، وكذلك كل ما يأتي منه، ومنه الدستور. ولكن أيضاً لا يمكن لسوريٍّ أن يتجاهل الوقائع على الأرض، والتعاطي معها؛ فروسيا دولة
محتلة الآن، ولولا تدخلها لسقط النظام، إذاً لا بد من التحاور معها، والتدقيق في أهداف احتلالها، والعمل على انتقال سورية من حالة حربٍ عبثيةٍ، إلى حالةٍ سياسيّة، وبالتأكيد رفض الاحتلال الروسي وكل الاتفاقيات التي عقدها مع النظام، كون الاحتلال جاء لمنع سقوط النظام وإفشال الثورة.
رفض تشكيل الدستور هو تأكيدٌ على الهوية الوطنية، ولنقل تأكيد على دور السوريين في صياغة هويتهم، وهذا متعذّر من أية دولة احتلالية أو جماعة فئوية أو منظمات غير وطنية. الدستور الذي وُزِعَ على المعارضة والنظام وتناقله السوريون مرفوضٌ للاعتبار السابق أولاً، ولاعتبار آخر، وهو تسييس الهويّات الدينيّة وجعلها طائفيّةً عبر الدستور، أي عبر المواد القانونيّة الناظمة للدولة حاضراً ومستقبلاً. لا يمكن مقارنة الدستور الروسي بدستور 2012، ولا بأيِّ دستورٍ سوريٍّ سابقٍ، فهو مرفوضٌ لأن السوريين لم يصيغوه هم بأنفسهم، ومرفوضٌ لأنّه، ولأوّل مرّة، يُؤسس سورية طائفيّاً وعرقيّاً.
الدستور الممكن للسوريين يقوم على المواطنة بالتحديد، ويُعرّفُ السوريين أفراداً، ويُلغي كل مادة تشير إلى الطائفة أو الدين أو العائلة؛ فهذه قضايا اجتماعيّة ودينيّة، ولا علاقة لها بالحقوق والقوانين الحديثة، والحياة كلها تقوم على أفكار وسياساتٍ وعلوم وبرامج وضعيّة بامتياز. وكل ما هو أدنى من المواطنة يُميّز بين الأفراد وفقاً للعائلة أو الطائفة أو القبيلة، وبالتالي، وكي ينتهي الجدل التاريخي والقديم، حول الحقوق، أوَضعيّةً أم إلهيّةً، فالحقوق وضعيّة بامتياز، وكونيّة بالضرورة. وبالتالي، لا محيدَ عن المواطنة وحقوق الإنسان والمطالبة بتوسيع الحقوق، للوصول إلى التساوي الفعلي بين المواطنين، وليس التساوي الصوري. وهذا غير ممكن، إلا عبر مفهوم المواطنة بالتحديد.
سيكون هناك جدلٌ كبيرٌ بين السوريين، ويخص مسألة الدستور، وإذ نتجاوز رفض النظام الدستور الروسي، نظراً إلى ما فيه من تقييد لسلطات الرئيس الشمولية، ويرفضه الأكراد نظراً لتحجيم طموحاتهم، ويرفضه الإسلاميّون لأنّه لم يشر إلى أن الدين مرجعية للقوانين بشكل واضح ومحدّد، ويرفضه آخرون لاعتباراتٍ أخرى، فإن مسألة الدستور ستكون مسألة إشكاليّة وتتطلب حسماً ورفض أيّة تنازلاتِ تُلغم الهوية الوطنيّة بالهويات ما قبل الوطنيّة.
يجب ألا يخضع الحديث عن الدستور لموازين القوى أو الطوائف، وألّا يكون مجالاً للتقاذف
السياسي والطائفي، وأن يُطرح بعد نقاشاتٍ مجتمعيّةٍ واسعة، نظراً للمخاطر من فرض دستورٍ غير وطنيٍّ، وتوضيح تلك المسائل، ولا سيما ما جرى في لبنان والعراق، وكارثية أي دستور طائفي على الحياة؛ المشكلة أن الوعي السوري ما زال تقليدياً، وليس طائفياً بأي حال، ولكنه قد يتم تطييفه بسهولة، ولفترات صغيرة. وحينها، يمكن تمرير مشاريعٍ طائفيٍّة تُسهل السيطرة على السوريين، وتوصلهم إلى طلب الاحتلال ذاته، للتخلص من سوريين آخرين. جرى الأمر في العراق وفي لبنان، وهكذا.
فشل المعارضة في التوافق على وثائق واحدةٍ ومشتركة، ولا سيما بعد إفشال وثائق 2012 في القاهرة، وحدّة الانقسامات المجتمعيّة والحرب بين النظام والشعب، والتدخل الدوليّ والإقليمي، كلها عناصر تقول بتعقيد كبير للشأن السوري. الدستور من هذه المسائل وكذلك بقية القضايا. الروس، كما الأميركان، كما الدول المحيطة بسورية، بما فيها إسرائيل، كُلُّها تُريد لسورية أن تُحكم بنظامٍ طائفيٍّ واستبداديٍّ من جديد. ولهذا، حولوا الثورة إلى مجزرة، وأنقذوا النظام من السقوط تباعاً، وصمتوا عن التدخل الإيراني، على الرغم من أن كل هذه الدول متضرّرة من إيران؟
سورية الآن محتلة، وربما يكون إعلان دستوري مقتضب، يُنظم العملية السياسية والحياة بعامةٍ هو الضروري حالياً، ولاحقاً وحينما تعود الحياة إلى السوريين، ويبدأ الاستقرار السياسي، أقول ربما، حينها يمكن طرح دستورٍ يناسب السوريين، ويُستفتون عليه، ويشاركون بصياغته بعيداً عن الاستقطاب الطائفي والإقليمي والدولي.
بعد اجتماع أستانة، والذي كان لتثبيت إيقاف النار وإيجاد آلية لمراقبته، طرح الروس دستوراً للسوريين، ومواعيدَ متغيرةً لاجتماع جنيف، لإكمال النقاش بخصوص الحل السياسي. طرح مسألة الدستور مسألة أساسية، فليس من حلٍ ممكنٍ، من دون أن يرتكن لدستورٍ محددٍ، أو إعلانٍ دستوريٍّ، وبالتالي، يأتي الدستور في سياق صحيح، أي سياق الاحتلال الروسي والحل السياسي وتدجين المعارضة، ولإقرار العالم لروسيا باحتلال سورية.
لا يمكن لسوريٍّ لم يفقد عقله بعد، أن يقبلَ الاحتلال، وكذلك كل ما يأتي منه، ومنه الدستور. ولكن أيضاً لا يمكن لسوريٍّ أن يتجاهل الوقائع على الأرض، والتعاطي معها؛ فروسيا دولة
رفض تشكيل الدستور هو تأكيدٌ على الهوية الوطنية، ولنقل تأكيد على دور السوريين في صياغة هويتهم، وهذا متعذّر من أية دولة احتلالية أو جماعة فئوية أو منظمات غير وطنية. الدستور الذي وُزِعَ على المعارضة والنظام وتناقله السوريون مرفوضٌ للاعتبار السابق أولاً، ولاعتبار آخر، وهو تسييس الهويّات الدينيّة وجعلها طائفيّةً عبر الدستور، أي عبر المواد القانونيّة الناظمة للدولة حاضراً ومستقبلاً. لا يمكن مقارنة الدستور الروسي بدستور 2012، ولا بأيِّ دستورٍ سوريٍّ سابقٍ، فهو مرفوضٌ لأن السوريين لم يصيغوه هم بأنفسهم، ومرفوضٌ لأنّه، ولأوّل مرّة، يُؤسس سورية طائفيّاً وعرقيّاً.
الدستور الممكن للسوريين يقوم على المواطنة بالتحديد، ويُعرّفُ السوريين أفراداً، ويُلغي كل مادة تشير إلى الطائفة أو الدين أو العائلة؛ فهذه قضايا اجتماعيّة ودينيّة، ولا علاقة لها بالحقوق والقوانين الحديثة، والحياة كلها تقوم على أفكار وسياساتٍ وعلوم وبرامج وضعيّة بامتياز. وكل ما هو أدنى من المواطنة يُميّز بين الأفراد وفقاً للعائلة أو الطائفة أو القبيلة، وبالتالي، وكي ينتهي الجدل التاريخي والقديم، حول الحقوق، أوَضعيّةً أم إلهيّةً، فالحقوق وضعيّة بامتياز، وكونيّة بالضرورة. وبالتالي، لا محيدَ عن المواطنة وحقوق الإنسان والمطالبة بتوسيع الحقوق، للوصول إلى التساوي الفعلي بين المواطنين، وليس التساوي الصوري. وهذا غير ممكن، إلا عبر مفهوم المواطنة بالتحديد.
سيكون هناك جدلٌ كبيرٌ بين السوريين، ويخص مسألة الدستور، وإذ نتجاوز رفض النظام الدستور الروسي، نظراً إلى ما فيه من تقييد لسلطات الرئيس الشمولية، ويرفضه الأكراد نظراً لتحجيم طموحاتهم، ويرفضه الإسلاميّون لأنّه لم يشر إلى أن الدين مرجعية للقوانين بشكل واضح ومحدّد، ويرفضه آخرون لاعتباراتٍ أخرى، فإن مسألة الدستور ستكون مسألة إشكاليّة وتتطلب حسماً ورفض أيّة تنازلاتِ تُلغم الهوية الوطنيّة بالهويات ما قبل الوطنيّة.
يجب ألا يخضع الحديث عن الدستور لموازين القوى أو الطوائف، وألّا يكون مجالاً للتقاذف
فشل المعارضة في التوافق على وثائق واحدةٍ ومشتركة، ولا سيما بعد إفشال وثائق 2012 في القاهرة، وحدّة الانقسامات المجتمعيّة والحرب بين النظام والشعب، والتدخل الدوليّ والإقليمي، كلها عناصر تقول بتعقيد كبير للشأن السوري. الدستور من هذه المسائل وكذلك بقية القضايا. الروس، كما الأميركان، كما الدول المحيطة بسورية، بما فيها إسرائيل، كُلُّها تُريد لسورية أن تُحكم بنظامٍ طائفيٍّ واستبداديٍّ من جديد. ولهذا، حولوا الثورة إلى مجزرة، وأنقذوا النظام من السقوط تباعاً، وصمتوا عن التدخل الإيراني، على الرغم من أن كل هذه الدول متضرّرة من إيران؟
سورية الآن محتلة، وربما يكون إعلان دستوري مقتضب، يُنظم العملية السياسية والحياة بعامةٍ هو الضروري حالياً، ولاحقاً وحينما تعود الحياة إلى السوريين، ويبدأ الاستقرار السياسي، أقول ربما، حينها يمكن طرح دستورٍ يناسب السوريين، ويُستفتون عليه، ويشاركون بصياغته بعيداً عن الاستقطاب الطائفي والإقليمي والدولي.