24 أكتوبر 2024
تونس وجدل الجهاديين العائدين
يدور في تونس، هذه الأيام، جدل واسع متعلق بحق العودة للعناصر التي شاركت في أعمال قتالية خارج البلاد، خصوصاً الذين انضموا إلى تنظيماتٍ مسلحة في سورية والعراق، وذلك على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، إن "خطورة الجهاديين باتت من الماضي، والعديد منهم يرغبون في العودة، ولا يمكننا منع تونسي من العودة إلى بلاده، هذا يكفله الدستور. لكن بديهي أننا لن نستقبلهم بالأحضان.. وسنكون يقظين". وأضاف "لن نضعهم جميعا في السجون، لأننا إن فعلنا ذلك لن يكون لدينا ما يكفي من السجون، بل سنتخذ الإجراءات الضرورية لتحييدهم، ونحن نراقبهم". وقد صدرت مواقف غير مرحبة بهذه التصريحات، وصولاً إلى مطالبة أحزاب (الجبهة الشعبية ومشروع تونس) بمنع عودتهم وسحب الجنسية التونسية منهم، ما جعل رئاسة الجمهورية تصدر توضيحاً أكّد "أن العودة إلى الوطن حق دستوري، ولا يمكن منع أي مواطن من العودة إليه، مهما كان السبب"، وأنه سيتم اتخاذ إجراءات مناسبة أمنيا وسياسيا لتحييد خطر التونسيين العائدين من بؤر التوتر، وفقا للقانون المتعلق بمكافحة الإرهاب وغسل الأموال. وقد تماثل موقف رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، مع تصريحات رئيس الجمهورية، حيث اعتبر أنه يجب تعامل الأطراف كافة، القضاء والسلطات الأمنية والإعلام، بجدية مع عودة الإرهابيين، وأن تونس لا تفرض بقاء مواطنيها على أراضي البلدان الأخرى.
وعلى الرغم من أن هذه المواقف تتوافق مع نصوص الدستور التونسي، وتحاول التعامل مع ظاهرة العائدين من بؤر التوتر بواقعية وعقلانية، يفترضهما الواقع السياسي والاجتماعي في تونس، إلا أن حالات المزايدة السياسية أصبحت تحكم المشهد العام إعلامياً وحزبياً، من خلال إصرار بعض الناشطين على تصوير هذه المواقف "ترحيبا" بعودة الإرهاب، وتفتح الباب أمام تطبيع وضع جماعات العنف في المجتمع التونسي. والغريب أن نواباً من حزب نداء تونس، وهو حزب رئيسي الجمهورية والحكومة، اتخذوا موقفاً مغايراً لما يقتضيه امتثالهم للتمشي العام للسياسة الرسمية التي يمثلها رئيس الدولة، وانخرطوا في جوقة الدعاية المضادة، والمطالبة
بمنع عودة المتورطين في أعمال عنف خارج البلاد. ويمكن مقاربة هذا الموقف من ناحيتين: أولاً، بوصفه مخالفا للنصوص الدستورية، حيث ينص الفصل 25 منه: "يحجّر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن". وأي محاولة لخرق الدستور يفتح الباب أمام التلاعب به بشكلٍ قد يهدد المسار العام للتحول الديمقراطي. ثانيا، يوجد في تونس قانون أساسي، يفصل التعامل مع مثل هذه الظاهرة (أي جرائم الإرهاب)، ويضع لها العقوبات المناسبة في حال ثبوتها، وقد تم إحداث قطب قضائي مُناط به متابعة هذه القضايا، والفصل فيها بما يحدّده القانون، وبشكل يكرّس علوية القضاء واستقلاله عن كل أشكال التأثير السياسي والحزبي.
وبعيدا عن منطق ردود الأفعال المبالغ فيها، يندرج تركيز الإعلام على ما تسمى مشكلة "العائدين من بؤر التوتر" ضمن المناكفات السياسية أكثر مما يطرح أزمةً فعليةً تعانيها الدولة التونسية لسببن: أولهما أن آليات التعامل مع الظاهرة قانونياً وقضائياً موجودة فعلياً، وأن العائدين بصورة معلنة من مواقع الصراع هم ممن يرغبون فعلياً في حل مشكلتهم، وتطبيع وضعهم القانوني. أما المنخرطون في لعبة الإرهاب الدولي والساعون إلى إحداث الفوضى فلن يعودوا عبر المطارات أو البوابات القانونية، وإنما عبر وسائلهم الخاصة، وهم في هذا ليسوا بحاجة إلى قانونٍ للتوبة، بقدر ما ينبغي على الدولة التونسية أن تجد الوسائل الأمنية الكافية لتحييدهم، والحد من خطورتهم، وهو ما يحصل فعلا. وما يمكن ملاحظته، في هذا السياق، من تضارب للمواقف في شأن هذه المسألة وتصاعد الضجيج الإعلامي حولها جعلها تتحوّل إلى ما يشبه الفزاعة التي يتم استخدامها للتخويف، وللتغطية على الفشل السياسي للأحزاب السياسية، سواء التي في الحكم، أو في المعارضة، في معالجة القضايا الملحة والعاجلة، وفي مقدمتها مشكلات التفاوت بين الجهات والفقر والتهميش، وقبلها جميعا مشكلة البطالة.
والأغرب من هذا أن غالبية القوى السياسية تتجاهل، بشكلٍ يدعو إلى الاستغراب، الاستحقاق الانتخابي المؤجل منذ سنوات، أي الانتخابات المحلية والبلدية التي طال انتظارها، ويبدو أن لا أحد من السياسيين أو الإعلاميين يجد الوقت للحديث عنها، ما يعني أنه في غياب الفاعلية السياسية للأحزاب، وضعف حضورها في الشارع، وغياب البرامج الواقعية عن تصوراتها السياسية، هو ما يجعلها حريصةً أكثر على تصدير مشكلاتها الداخلية إلى الاهتمام بقضايا ذات دوي إعلامي أكثر من تطرقها إلى المشاغل اليومية للمواطنين.
لا تشكل قضية التونسيين العائدين من بؤر التوتر، على أهمية طرحها، أولوية ملحةً، بقدر ما هي قضية للمزايدة، وهي ليست من المستجدات في المشهد السياسي التونسي، فقد تعامل نظام بن علي سابقا مع العائدين من العراق بشكل أمني فجّ ولم يفلح في حل المشكل، وهو ما يطرح على النخبة السياسية التونسية، في ظل التحول الديمقراطي، أن تتعامل مع الموضوع بشكل أكثر عقلانيةً وحرصاً، من دون الوقوع في استعادة السياسات الفاشلة للنظام السابق.
وعلى الرغم من أن هذه المواقف تتوافق مع نصوص الدستور التونسي، وتحاول التعامل مع ظاهرة العائدين من بؤر التوتر بواقعية وعقلانية، يفترضهما الواقع السياسي والاجتماعي في تونس، إلا أن حالات المزايدة السياسية أصبحت تحكم المشهد العام إعلامياً وحزبياً، من خلال إصرار بعض الناشطين على تصوير هذه المواقف "ترحيبا" بعودة الإرهاب، وتفتح الباب أمام تطبيع وضع جماعات العنف في المجتمع التونسي. والغريب أن نواباً من حزب نداء تونس، وهو حزب رئيسي الجمهورية والحكومة، اتخذوا موقفاً مغايراً لما يقتضيه امتثالهم للتمشي العام للسياسة الرسمية التي يمثلها رئيس الدولة، وانخرطوا في جوقة الدعاية المضادة، والمطالبة
وبعيدا عن منطق ردود الأفعال المبالغ فيها، يندرج تركيز الإعلام على ما تسمى مشكلة "العائدين من بؤر التوتر" ضمن المناكفات السياسية أكثر مما يطرح أزمةً فعليةً تعانيها الدولة التونسية لسببن: أولهما أن آليات التعامل مع الظاهرة قانونياً وقضائياً موجودة فعلياً، وأن العائدين بصورة معلنة من مواقع الصراع هم ممن يرغبون فعلياً في حل مشكلتهم، وتطبيع وضعهم القانوني. أما المنخرطون في لعبة الإرهاب الدولي والساعون إلى إحداث الفوضى فلن يعودوا عبر المطارات أو البوابات القانونية، وإنما عبر وسائلهم الخاصة، وهم في هذا ليسوا بحاجة إلى قانونٍ للتوبة، بقدر ما ينبغي على الدولة التونسية أن تجد الوسائل الأمنية الكافية لتحييدهم، والحد من خطورتهم، وهو ما يحصل فعلا. وما يمكن ملاحظته، في هذا السياق، من تضارب للمواقف في شأن هذه المسألة وتصاعد الضجيج الإعلامي حولها جعلها تتحوّل إلى ما يشبه الفزاعة التي يتم استخدامها للتخويف، وللتغطية على الفشل السياسي للأحزاب السياسية، سواء التي في الحكم، أو في المعارضة، في معالجة القضايا الملحة والعاجلة، وفي مقدمتها مشكلات التفاوت بين الجهات والفقر والتهميش، وقبلها جميعا مشكلة البطالة.
والأغرب من هذا أن غالبية القوى السياسية تتجاهل، بشكلٍ يدعو إلى الاستغراب، الاستحقاق الانتخابي المؤجل منذ سنوات، أي الانتخابات المحلية والبلدية التي طال انتظارها، ويبدو أن لا أحد من السياسيين أو الإعلاميين يجد الوقت للحديث عنها، ما يعني أنه في غياب الفاعلية السياسية للأحزاب، وضعف حضورها في الشارع، وغياب البرامج الواقعية عن تصوراتها السياسية، هو ما يجعلها حريصةً أكثر على تصدير مشكلاتها الداخلية إلى الاهتمام بقضايا ذات دوي إعلامي أكثر من تطرقها إلى المشاغل اليومية للمواطنين.
لا تشكل قضية التونسيين العائدين من بؤر التوتر، على أهمية طرحها، أولوية ملحةً، بقدر ما هي قضية للمزايدة، وهي ليست من المستجدات في المشهد السياسي التونسي، فقد تعامل نظام بن علي سابقا مع العائدين من العراق بشكل أمني فجّ ولم يفلح في حل المشكل، وهو ما يطرح على النخبة السياسية التونسية، في ظل التحول الديمقراطي، أن تتعامل مع الموضوع بشكل أكثر عقلانيةً وحرصاً، من دون الوقوع في استعادة السياسات الفاشلة للنظام السابق.