31 أكتوبر 2024
معركة اليونسكو.. الثقافة تخضع للسياسة
قبل أن أبدأ بكتابة مقالي الذي نويت أن يكون عن انتخاب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، وتداعياته العربية على الأقل، عنّ لي أن أعود إلى مقال كان قد كتبه ونشره أول وأشهر مرشح عربي للمنصب، الوزير والسفير السعودي الراحل، الشاعر غازي القصيبي، إثر هزيمة ثاني أشهر مرشح عربي، وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني. وأشار القصيبي الذي خسر أولى فرص العرب في المنصب إلى توقعه خسارة حسني مسبقا، في مقال عنوانه "معركة يونسكو.. هل يخسر العرب الفرصة الثانية؟"، لكن القصيبي قال إنه لم ينشر ذلك المقال، حتى لا يفسر تفسيرا مثبطا يؤدي إلى إحباط الفريق العربي. أما وقد خسر العرب تلك الفرصة من دون إحباط مسبق، فقد وجد القصيبي نفسه في حلٍّ من خشية التفسير المثبط، فعاد إلى مقاله، ونشره مزيّدا ومنقحا، وبالأدلة الطازجة هذه المرة.
ذهب القصيبي إلى رحمة الله، وذهب فاروق حسني إلى دائرة النسيان، وجاءت الهزيمة العربية الثالثة في مضارب بني يونسكو قبل أيام. أما الأسباب، فمعظمها نفسها التي ذكرها القصيبي، في مقاله المليء بدروس المعركة التي استفاضت حتى أصبحت مادة لكتاب ممتع، نشره القصيبي بعنوان "دنسكو". وفي العنوان ما يختصر المرارة، ويوجز الإحباط، ويدل على الأسباب، في بلاغةٍ لافتةٍ من بلاغات القصيبي الكثيرة.
قال القصيبي، في بعض مقاله، "بعد الحدث، يصبح كل الناس، حتى أكثرهم غباء، حكماء. والهزيمة طفل يتيم، أما الانتصار فيدّعيه ألف أب وأب. أحاول وأنا أكتب هذه السطور أن أتجنب الوقوع في مزلق الحكمة المتأخرة، أو فخ الهزيمة اليتيمة، وأحاول أن أبعد مشاعر الغيظ والإحباط التي انتابتني إثر إعلان النتيجة النهائية لانتخابات يونسكو. أحاول بقدر ما يمكنني من التجرّد أن أقرأ ما حدث قراءةً لا تستند إلى العواطف، ولا تشتعل بالانفعال. كان من المفروض أن يزور الأستاذ فاروق حسني المرشح العربي في المملكة العربية السعودية قبل الانتخابات، وأن يلتقي بي، إلا أن ظروف العزل في شهر رمضان المبارك، وغيابي في إجازتي السنوية خارج المملكة، لم تسمح بأن تتم الزيارة. كنت أتطلع إلى لقاء المرشح العربي، لأبلغه، وجهاً لوجه، الدرسين الأساسيين اللذين استخلصتهما من تجربتي مع يونسكو. الدرس الأول هو لا تصدّق ما تسمع من وعود، والدرس الثاني هو أن المعركة الحقيقية لا تبدأ مع انطلاق الحملة، بل مع ميلاد كل ترشيح بعبارة أقل دبلوماسية، يعني الدرس الأول أن الدول عادة لا يهمها من هو المرشح، ولا ما هي مؤهلاته، بقدر ما يهمها أن تحمي مصالحها الوطنية الضيقة، وإذا ما ألقت بها هذه المصالح في اتجاه معين فسوف تتبعه، وتذهب كل الوعود المعسولة أدراج الرياح".
حسناً.. هل سيضيف المرشح القطري، حمد بن عبدالعزيز الكواري، الذي خسر للتو منصبا كان بين يديه إلا قليلا، دروسا أخرى، لو فكّر باستكمال الدروس العربية المستخلصة من منافسات يونسكو العالمية؟ لعله سيفعل، وعندها ستكون الدروس، هذه المرة، من النوع الأشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند. خصوصا إذا ما استذكر ما فعله بعض ذوي القربى لتغيير النتيجة في ما يصب لصالح غير الثقافة العربية التي حُرمت، مرة أخرى، من أن تكون في بؤرة الاهتمام العالمي، بسبب ما يمكن تسميتها الأنانية السياسية، والتي غلبت مصالح اللحظات الآنية وحسابات الخصومة السياسية ضد الاستحقاق القومي.
لم تخسر دولة قطر هذا المنصب الثقافي العالمي الرفيع، بقدر ما خسرناه جميعا نحن العرب، وكذا الثقافة عربية. والأسوأ من هذه الخسارة أننا، من خلالها، ومن خلال ما صاحبها من لغط، قدمنا صورةً غير لائقةٍ عن علاقاتنا العربية الراهنة، والتي خضعت مرة أخرى لاشتراطات السياسة المتغيرة.. مع الأسف الشديد.
ذهب القصيبي إلى رحمة الله، وذهب فاروق حسني إلى دائرة النسيان، وجاءت الهزيمة العربية الثالثة في مضارب بني يونسكو قبل أيام. أما الأسباب، فمعظمها نفسها التي ذكرها القصيبي، في مقاله المليء بدروس المعركة التي استفاضت حتى أصبحت مادة لكتاب ممتع، نشره القصيبي بعنوان "دنسكو". وفي العنوان ما يختصر المرارة، ويوجز الإحباط، ويدل على الأسباب، في بلاغةٍ لافتةٍ من بلاغات القصيبي الكثيرة.
قال القصيبي، في بعض مقاله، "بعد الحدث، يصبح كل الناس، حتى أكثرهم غباء، حكماء. والهزيمة طفل يتيم، أما الانتصار فيدّعيه ألف أب وأب. أحاول وأنا أكتب هذه السطور أن أتجنب الوقوع في مزلق الحكمة المتأخرة، أو فخ الهزيمة اليتيمة، وأحاول أن أبعد مشاعر الغيظ والإحباط التي انتابتني إثر إعلان النتيجة النهائية لانتخابات يونسكو. أحاول بقدر ما يمكنني من التجرّد أن أقرأ ما حدث قراءةً لا تستند إلى العواطف، ولا تشتعل بالانفعال. كان من المفروض أن يزور الأستاذ فاروق حسني المرشح العربي في المملكة العربية السعودية قبل الانتخابات، وأن يلتقي بي، إلا أن ظروف العزل في شهر رمضان المبارك، وغيابي في إجازتي السنوية خارج المملكة، لم تسمح بأن تتم الزيارة. كنت أتطلع إلى لقاء المرشح العربي، لأبلغه، وجهاً لوجه، الدرسين الأساسيين اللذين استخلصتهما من تجربتي مع يونسكو. الدرس الأول هو لا تصدّق ما تسمع من وعود، والدرس الثاني هو أن المعركة الحقيقية لا تبدأ مع انطلاق الحملة، بل مع ميلاد كل ترشيح بعبارة أقل دبلوماسية، يعني الدرس الأول أن الدول عادة لا يهمها من هو المرشح، ولا ما هي مؤهلاته، بقدر ما يهمها أن تحمي مصالحها الوطنية الضيقة، وإذا ما ألقت بها هذه المصالح في اتجاه معين فسوف تتبعه، وتذهب كل الوعود المعسولة أدراج الرياح".
حسناً.. هل سيضيف المرشح القطري، حمد بن عبدالعزيز الكواري، الذي خسر للتو منصبا كان بين يديه إلا قليلا، دروسا أخرى، لو فكّر باستكمال الدروس العربية المستخلصة من منافسات يونسكو العالمية؟ لعله سيفعل، وعندها ستكون الدروس، هذه المرة، من النوع الأشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند. خصوصا إذا ما استذكر ما فعله بعض ذوي القربى لتغيير النتيجة في ما يصب لصالح غير الثقافة العربية التي حُرمت، مرة أخرى، من أن تكون في بؤرة الاهتمام العالمي، بسبب ما يمكن تسميتها الأنانية السياسية، والتي غلبت مصالح اللحظات الآنية وحسابات الخصومة السياسية ضد الاستحقاق القومي.
لم تخسر دولة قطر هذا المنصب الثقافي العالمي الرفيع، بقدر ما خسرناه جميعا نحن العرب، وكذا الثقافة عربية. والأسوأ من هذه الخسارة أننا، من خلالها، ومن خلال ما صاحبها من لغط، قدمنا صورةً غير لائقةٍ عن علاقاتنا العربية الراهنة، والتي خضعت مرة أخرى لاشتراطات السياسة المتغيرة.. مع الأسف الشديد.