09 نوفمبر 2024
هؤلاء يحبّون عصام زهر الدين
من قال إن الضابط في الجيش السوري، عصام زهر الدين، الذي انقتل قبل أيام، كان مجرما وقاتلا؟ كيف تأتّى لكم أن تقولوا هذا عنه؟ ظلمتموه، وعليكم أن تعتذروا. بل عليكم أن تمحضوه ما يستحق من صفات الشجاعة والبسالة. كيف لا، وقد ارتقى شهيدا، وهو في ميدان البطولة ضد المتآمرين على بلده، الإرهابيين الوهابيين وغيرهم، بين جنودِه وناسه السوريين الشرفاء. هو الآن بين الصدّيقين الأبرار، مخلدٌ هناك كما كل شهداء سورية الذين بذلوا الدم الغالي من أجل صمود وطنهم قدّام الغزاة والمتآمرين. هذا هو القائد "أبو يعرب". هو لا يريد من أحدٍ إطراءً أو مديحا، لأنه بنفسه من أقدم على محاربة الأعداء في ساحات الوغى مقاتلا مُهابا، من أجل سورية، لا من أجل أحد.
.. هذا إيجازٌ شديد الاقتضاب، وبالمفردات نفسها، من كثيرٍ كتبه مولعون بالقاتل المجرم، عصام زهر الدين. ليس الحديث هنا عن شبّيحةٍ في مليشيات بشار الأسد، ولا عن ممانعين يلهجون بانتسابهم إلى ما يصنعه الأسد من انتصاراتٍ، ضد قوى التآمر والإرهاب، بعون حلفائه الروس والإيرانيين الصناديد. وليس الحديث أبدا عن ناسٍ من العموم العريض. إنه عن كتّاب أدب، شعراء، قصّاصين، فنانين.. عن هؤلاء فقط، ولا أحد معهم. أي عن أفرادٍ ليسوا مثقفين فحسب، وإنما أيضا هم من أهل الإبداع الأدبي والفني، ينجزون قصائد ورواياتٍ وقصصا ومسرحيات. أي أنهم، بأيِّ تعريفٍ اخترناه للفنون والآداب، مشغولون بالجمال. دعك من الحرية والعدالة والديمقراطية، هذه شواغلُ أولى لأهل الفكر والناشطين. أما الجمال، والتجديد في صنعه، والإنجاز المبتكر فيه، فهو مما يقيم في أنفس الأدباء والفنانين، وفي أرواحهم ووجدانهم. .. يصلح هذا الكلام الكلاسيكي شديد العادية في مسألتنا هنا مع أولئك، بشأن قاتل السوريين في دوما وعين ترما، وفي دير الزور ودرعا وبابا عمرو، وفي مطارح أخرى، عصام زهر الدين.
شاعر سوري، معروفٌ وذو إسهام طيب في التجربة الشعرية في بلده منذ أزيد من أربعين عاما، يرى زهر الدين نجما جديدا يشرق زاهيا في سماء الوطن. ويعطي لذكراه الوضّاءة وروحه الطاهرة عطر الكلمة وسدرة الخلود. ويكتب إن أبناء سورية الأوفياء فُجعوا برحيل زهر الدين، مشعل النور هذا، فلهم جميل الصبر والعزاء. قاصٌّ وروائيٌّ أردني، له اسمه المحترم في الكتابة السردية في بلده، يرفع الطوبى للقائد الشجاع، الذي قضى شهيدا في الميدان، وهو يقاتل الإرهابيين والوهابيين الظلاميين، ويرفع المجد والخلود لذكراه العطرة. روائيٌّ وقاصٌّ فلسطيني معروف، مخضرمٌ أطال الله عمره، يخلع على عصام زهر الدين صفة البطل الأسطوري العروبي، ويكتب إن اسم هذا الرجل ارتبط بالصمود، وقد رفعه أبطال الجيش العربي السوري عاليا على أكفّهم، وهم يهزجون للشهادة والبطولة.
ثمّة كتّاب أدب، سوريون وفلسطينيون وأردنيون، غير هؤلاء، شاركوا في المناحة التي أُغدق، في أثنائها، على مجرم الحرب المشهود، من الشمائل والسجايا ما قد تجعلك تظن أنهم يتحدّثون عن واحدٍ من مغاوير الفداء التي لا تجود بها الأزمنة إلا بين قرون وقرون، وأن سورية محظوظةُ بهذا المقدام، ما يجعل على شعبها أن يغتبط بنعمة رب العزة أنه وهبهم إياه. ويكون من مكارم شعوب الأرض أن تحسُد السوريين على ما تفضّلت به الأقدار عليهم، لمّا أودع الله فيهم هذا المخلوق، وأناط به حمايتهم، وصيّرهم في أنفةٍ وسؤددٍ وفخار. هذا بالضبط ما أوحت به قرائح أصحابنا أولئك، وهم ينثرون على اسم عصام زهر الدين ما أبدعوه من رفيع الكلام، وجميل الإنشاء. وقد بزّوا، في صنيعهم هذا، محبين آخرين لهذا الرجل، لم ييسّر لهم خالق الأكوان والأرضين موهبة الأدب، ممن كتبوا في حيطانهم في "فيسبوك" وفي جرائد سورية، عن الحناجر التي غصّت، والعيون التي ذبلت، لما ارتفع زهر الدين إلى العلا بطلا هُماما، غضنفر استحقّ من نائب أردني (مثلا) دمعاتٍ حرّى، وسكب نظراءُ له لبنانيون مثيلاتٍ لها مدرارا.
قصارى القول، هنا، إن الفضيحة المشهودة التي أسقط فيها أنفسَهم مثقفون عرب، كتّابُ أدبٍ ورأي مثلا، من ضفاف اليسار والهوى القومي وغيرهما، منذ هتاف التونسيين ضد بن علي، قبل ست سنوات، هذه الفضيحة عرفت واحدةً من تنويعاتها المخزية في واقعة قتل عصام زهر الدين، إلى جهنم حطبا.