06 نوفمبر 2024
عن كردستان وكتالونيا
في وقت متزامن تقريباً، أجرى إقليما شمال العراق وكتالونيا في إسبانيا استفتاء على تقرير المصير، تبدّى خلالهما تشابه سلوك أطراف الأزمة، إذ أصر دعاة الانفصال على إجراء الاستفتاء تحت شعار حق تقرير المصير، وصوّت أكثر من 90% من المستجوبين لصالح الاستقلال، ورفضت الحكومة المركزية النتائج، وتدخلت لإبطال مفاعيلها، في شمال العراق عبر فرض حصار على الإقليم، وفي كتالوينا عبر تدخل السلطات لمنع الاستفتاء. وقد شجعت هذه الصورة على إجراء مقارنة بين الحالتين، لتأكيد أوجه الشبه بينهما.
هناك أوجه تماثل عديدة بين كتالونيا وإقليم شمال العراق، وهناك أوجه اختلاف، فالشعب الكتالوني، كما الكردي، من الشعوب القديمة التي حافظت على هويتها القومية وتمايزها اللغوي والثقافي، وقاومت الذوبان عبر العصور، وكلاهما يعيش في إقليمين جغرافيين متمايزين، ويسعيان إلى إنشاء كيان مستقل. في شمال العراق، يحاول الأكراد منذ اتفاقية سيفر (1920) إنشاء دولة مستقلة، فيما يستأنف الكتلان اليوم جهود الانفصال التي بدأها زعيمهم القومي فرانسيسكو ماسيا عام 1922، عندما أنشأ حركة استقلال كتالونيا، وأعلن عن قيام جمهورية مستقلة فيها عام 1931، لكن الجنرال فرانكو ألغى مع نهاية الحرب الأهلية (1936-1938) كل مفاعيل الاستقلال الكتلاني، ورفض إعطاءهم حتى الحكم الذاتي الذي كانوا قبلوا به. بعد وفاة فرانكو وعودة الملكية عام 1975، شكل الكتلان أحزابا سياسية، دعت جميعها إلى حكم ذاتي. لكن الأمور اختلفت عام 2006، بعد أن رفضت المحكمة الدستورية العليا اتفاقية توصلت إليها الحكومة المركزية مع القوميين الكتلان لمنح الإقليم حكما ذاتيا، ما دعاهم إلى التصعيد والمطالبة بالاستقلال.
على النقيض من ذلك، كان العراق الدولة الوحيدة من بين كل دول المنطقة، حيث تعيش أقليات كردية كبيرة (تركيا وإيران وإلى حد أقل سورية) التي تمنح الأكراد حكماً ذاتياً موسعا عام 1970، وتسمح لهم باستخدام لغاتهم القومية وتدريسها. مع ذلك، ظل الأكراد يعملون ضد حكومة بغداد بدعم إيراني، اتضحت أهميته عندما انهارت البشمركة الكردية سريعا، بعد أن قبض شاه إيران ثمن التخلي عنها شط العرب الذي تنازل عنه العراق في اتفاقية الجزائر عام 1975.
خلا اختلاف الحالتين الكردية والكتلانية في موضوع استخدام العنف ضد الحكومة المركزية، والدخول في لعبة التحالفات الإقليمية والسياسة الدولية، هناك فرق جوهري آخر لجهة الانسجام الداخلي، والقدرة على التواصل مع العالم الخارجي، وإنشاء دولة قادرة على إعالة نفسها. فكتالونيا التي مساحتها نحو 32 ألف كلم مربع وسكانها نحو ثمانية ملايين نسمة، تتألف من أربع مقاطعات رئيسة، برشلونة وجيرونا وليديا وطرخونة، تتكلم جميعها الكتالونية، وجماعاتها السياسية منسجمة، ولا ارتباطات خارجية لها. فوق ذلك، للإقليم شواطئ طويلة على البحر المتوسط، ومن ثم هي قادرة على التواصل مباشرة مع العالم الخارجي. أما ناتجها الإجمالي القومي فيزيد عن 300 مليار دولار سنويا، ويصل دخل الفرد فيها إلى 35 ألف دولار في السنة، ويعد الأعلى على مستوى الأقاليم الإسبانية، وهو من ثم يمول الحكومة المركزية، وليس العكس.
في المقابل، يبدو إقليم شمال العراق الذي مساحته نحو 42 ألف كلم مربع، وعدد سكانه خمسة ملايين نسمة تقريباً، عاجزاً عن توفير الموارد للقيام بدولة مستقلة، إلا إذا استولى على مناطق غنية بالموارد الطبيعية خارج حدوده السياسية، وليس للإقليم منفذ على البحر. لذلك سيكون دائما تحت رحمة جيرانه، ويعاني فوق ذلك من حالة تشرذم شديدة. ليس فقط أن الأكراد يتكلمون لغاتٍ مختلفة، بل إن القوى السياسية الكردية موزعة الولاءات والارتباطات الخارجية، بعضها يتبع إيران (الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني ويتخذ من السليمانية مقراً) وبعضها يتبع تركيا (الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني ويتخذ من أربيل مقرا). لذلك يبدو محتملاً جدا أن تتلو الانفصال عن العراق، إذا تم، انفصالات أخرى. هذا لا يعني أن للكتلان الحق في دولة ولا حق للأكراد (فرص الأكراد في إنشاء دولة تبدو أكبر من فرص الكتلان الأكثر تجانساً والأكثر غنىً)، بل يعني أن الانفصال قد لا يكون بالضرورة حلاً أمثل لمشكلات أي مجتمع فشل في إبقاء أبنائه جزءاً منه.
هناك أوجه تماثل عديدة بين كتالونيا وإقليم شمال العراق، وهناك أوجه اختلاف، فالشعب الكتالوني، كما الكردي، من الشعوب القديمة التي حافظت على هويتها القومية وتمايزها اللغوي والثقافي، وقاومت الذوبان عبر العصور، وكلاهما يعيش في إقليمين جغرافيين متمايزين، ويسعيان إلى إنشاء كيان مستقل. في شمال العراق، يحاول الأكراد منذ اتفاقية سيفر (1920) إنشاء دولة مستقلة، فيما يستأنف الكتلان اليوم جهود الانفصال التي بدأها زعيمهم القومي فرانسيسكو ماسيا عام 1922، عندما أنشأ حركة استقلال كتالونيا، وأعلن عن قيام جمهورية مستقلة فيها عام 1931، لكن الجنرال فرانكو ألغى مع نهاية الحرب الأهلية (1936-1938) كل مفاعيل الاستقلال الكتلاني، ورفض إعطاءهم حتى الحكم الذاتي الذي كانوا قبلوا به. بعد وفاة فرانكو وعودة الملكية عام 1975، شكل الكتلان أحزابا سياسية، دعت جميعها إلى حكم ذاتي. لكن الأمور اختلفت عام 2006، بعد أن رفضت المحكمة الدستورية العليا اتفاقية توصلت إليها الحكومة المركزية مع القوميين الكتلان لمنح الإقليم حكما ذاتيا، ما دعاهم إلى التصعيد والمطالبة بالاستقلال.
على النقيض من ذلك، كان العراق الدولة الوحيدة من بين كل دول المنطقة، حيث تعيش أقليات كردية كبيرة (تركيا وإيران وإلى حد أقل سورية) التي تمنح الأكراد حكماً ذاتياً موسعا عام 1970، وتسمح لهم باستخدام لغاتهم القومية وتدريسها. مع ذلك، ظل الأكراد يعملون ضد حكومة بغداد بدعم إيراني، اتضحت أهميته عندما انهارت البشمركة الكردية سريعا، بعد أن قبض شاه إيران ثمن التخلي عنها شط العرب الذي تنازل عنه العراق في اتفاقية الجزائر عام 1975.
خلا اختلاف الحالتين الكردية والكتلانية في موضوع استخدام العنف ضد الحكومة المركزية، والدخول في لعبة التحالفات الإقليمية والسياسة الدولية، هناك فرق جوهري آخر لجهة الانسجام الداخلي، والقدرة على التواصل مع العالم الخارجي، وإنشاء دولة قادرة على إعالة نفسها. فكتالونيا التي مساحتها نحو 32 ألف كلم مربع وسكانها نحو ثمانية ملايين نسمة، تتألف من أربع مقاطعات رئيسة، برشلونة وجيرونا وليديا وطرخونة، تتكلم جميعها الكتالونية، وجماعاتها السياسية منسجمة، ولا ارتباطات خارجية لها. فوق ذلك، للإقليم شواطئ طويلة على البحر المتوسط، ومن ثم هي قادرة على التواصل مباشرة مع العالم الخارجي. أما ناتجها الإجمالي القومي فيزيد عن 300 مليار دولار سنويا، ويصل دخل الفرد فيها إلى 35 ألف دولار في السنة، ويعد الأعلى على مستوى الأقاليم الإسبانية، وهو من ثم يمول الحكومة المركزية، وليس العكس.
في المقابل، يبدو إقليم شمال العراق الذي مساحته نحو 42 ألف كلم مربع، وعدد سكانه خمسة ملايين نسمة تقريباً، عاجزاً عن توفير الموارد للقيام بدولة مستقلة، إلا إذا استولى على مناطق غنية بالموارد الطبيعية خارج حدوده السياسية، وليس للإقليم منفذ على البحر. لذلك سيكون دائما تحت رحمة جيرانه، ويعاني فوق ذلك من حالة تشرذم شديدة. ليس فقط أن الأكراد يتكلمون لغاتٍ مختلفة، بل إن القوى السياسية الكردية موزعة الولاءات والارتباطات الخارجية، بعضها يتبع إيران (الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني ويتخذ من السليمانية مقراً) وبعضها يتبع تركيا (الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني ويتخذ من أربيل مقرا). لذلك يبدو محتملاً جدا أن تتلو الانفصال عن العراق، إذا تم، انفصالات أخرى. هذا لا يعني أن للكتلان الحق في دولة ولا حق للأكراد (فرص الأكراد في إنشاء دولة تبدو أكبر من فرص الكتلان الأكثر تجانساً والأكثر غنىً)، بل يعني أن الانفصال قد لا يكون بالضرورة حلاً أمثل لمشكلات أي مجتمع فشل في إبقاء أبنائه جزءاً منه.