09 نوفمبر 2024
حاشية في عيد "الجزيرة"
سمعنا، في حفل شبكة الجزيرة بعيدها الحادي والعشرين، أول من أمس الأربعاء، من مديرها العام بالوكالة، مصطفى سوّاق، أن القنوات الإخبارية للشبكة حاضرةٌ في مليون ونصف مليون غرفة فندقية في العالم. ولمّا كانت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين شرعت، منذ الصيف الماضي، في منع الفنادق فيها من بثّ "الجزيرة" في غرفها، فإن سؤالا يطرأ على البال، بشأن ما إذا كان هذا العدد يشمل (أو لا يشمل) غرف فنادق الدول المذكورة. والمشهور أن السلطات المختصة في هذه الدول جنحت إلى حظر مشاهدة نزلاء الفنادق في بلادها أخبار "الجزيرة" وبرامجها، قبل سنواتٍ من بيان "5 يونيو" الذي أعلنت فيه إجراءات حصار قطر ومقاطعتها. والمرجّح أن هذه السلطات ما فعلت هذا إلا حرصا منها على أن يتمتّع زوارها وضيوفُها في الفنادق (وغيرها) بطيب الإقامة، ما يستدعي حمايتهم من ضلالات "الجزيرة" وافتراءاتها، فلا يكونون عرضةً لأن تنطلي عليهم مزاعم هذه القناة التي يقول أساطينُ في مصر والإمارات والبحرين والسعودية إنها كانت محطةً إخباريةً جيدة، قبل أن تتأخون، وتنعطف إلى محاباة الإرهابيين، ما أوجب على المسؤولين في البلدان الأربعة، بموجب ما تقتضيه وظائفهم، أن يعملوا على تحصين مواطنيهم ورعاياهم، والزوّار بين ظهرانيهم أيضا، من شرور ما تمارسه "الجزيرة" من لعب بالعقول، وعبث بها.
ليس غير السخرية الهازئة أصلح من "التعامل" مع قصة الفنادق هذه، بل مع بؤس حال دول عربيةٍ، كبرى وصغرى، تطلب، علنا، إغلاق "الجزيرة"، وزميلاتها من فضائياتٍ وصحفٍ ومواقع إلكترونية تدعمها قطر. ولم يتزيّد مدير القناة الإخبارية، ياسر أبو هلالة، لمّا قال، في حفل العيد الحادي والعشرين، إن "التاريخ سيدوّن أن هذه الواقعة ستكون فصلا من مسرحية ساخرة". وإذ قال رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، إن "الجزيرة لن تغير مبادئها أو خطوطها التحريرية"، فذلك يجيز القول إنه صحيحٌ تماما قول أبو هلالة إن احتفال أول من أمس يشبه احتفال الشبكة بعيد التأسيس الأول، إذ هي "أمام لحظة ميلادٍ جديدة". يسنُد هذا الأمر أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يحضر الحفل بعد أيام من تأكيده عدم إغلاق قناة الجزيرة، تعزيزا منه هذا المشروع المهني الذي صحّت البديهية الذائعة بشأنه، إن الإعلام العربي بعده ليس كما قبله.
لا بأس من إعادة النصيحة لأولئك (ولغيرهم)، والتي كتبها صاحب هذه الكلمات (وغيره) مراتٍ، وموجزها أن من لا تعجبه "الجزيرة" فليصنع أحسن منها. ولدى دول بيان "5 يونيو" القدرات المالية، وكذا القدرة على استقطاب الكفاءات الإعلامية والإدارية والفنية، من أجل مناطحة هذه القناة التي تتعبهم، ببناء فضائياتٍ أفضل وأكثر مهنية. ولكن، يحسن أن نعترف، الآن، نحن أصحاب هذا الكلام أنه كلام فارغ، إذ يعصى على التصور أن هؤلاء، وحالتهم على ما نعرف ونرى من أداء كارثي وشديد التفاهة في صحافاتهم وتلفزاتهم، يمكن أن يبادروا إلى رهانٍ كهذا، أي إلى منافسة "الجزيرة" بشاشاتٍ أكثر جاذبيةً، وبمحتوى إعلامي أقدر على شد الناس إليه، وقبل ذلك وبعده، أكثر انحيازا إلى الحقائق، أو أقله إلى مقادير عالية منها. لا، لا مطرح لنصيحتنا تلك، ربما كتبناها وردّدناها مراتٍ، ونحن على شيء من السذاجة، ومن حسن الظن بأن ثمّة ما هو ممكنٌ مما نقول. إن بلدا عربيا يعتزّ أبناؤه بأنه عرف الحضارة قبل سبعة آلاف سنة من العار على المسؤولين فيه أن ينقطعوا إلى حجب مواقع صحف قطر ومؤسساتها الإعلامية، فيما المواطنون والمقيمون (والزوار) في قطر التي لم تعرف الحضارة قبل سبعة آلاف سنة يطالعون سخافات إعلام ذلك البلد، الإلكتروني وغيره، من دون أي ارتجافٍ، وإنما بكثير من الازدراء والاحتقار، ومن دون أي منعٍ أو حظر.
يُضحكنا ما نسمع من أصدقاء ومعارف يقيمون في بلدان الحصار والمقاطعة الأربعة من حكايات حروب السلطات هناك ضد "الجزيرة"، في الفنادق والمقاهي مثلا، فنجرّب مشاهدة قنوات هذه البلدان وشاشاتها، عسانا نقع على ما ينفع ويُقنع، فيغشانا أسىً كثيرٌ من رداءة الهزل الحادث في كل هذه المسخرة، والتي لو تيسّر شيء من العقل وقليلٌ من الحكمة، لكانت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في منجاةٍ منها، ولكن... الله غالب.
ليس غير السخرية الهازئة أصلح من "التعامل" مع قصة الفنادق هذه، بل مع بؤس حال دول عربيةٍ، كبرى وصغرى، تطلب، علنا، إغلاق "الجزيرة"، وزميلاتها من فضائياتٍ وصحفٍ ومواقع إلكترونية تدعمها قطر. ولم يتزيّد مدير القناة الإخبارية، ياسر أبو هلالة، لمّا قال، في حفل العيد الحادي والعشرين، إن "التاريخ سيدوّن أن هذه الواقعة ستكون فصلا من مسرحية ساخرة". وإذ قال رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، إن "الجزيرة لن تغير مبادئها أو خطوطها التحريرية"، فذلك يجيز القول إنه صحيحٌ تماما قول أبو هلالة إن احتفال أول من أمس يشبه احتفال الشبكة بعيد التأسيس الأول، إذ هي "أمام لحظة ميلادٍ جديدة". يسنُد هذا الأمر أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يحضر الحفل بعد أيام من تأكيده عدم إغلاق قناة الجزيرة، تعزيزا منه هذا المشروع المهني الذي صحّت البديهية الذائعة بشأنه، إن الإعلام العربي بعده ليس كما قبله.
لا بأس من إعادة النصيحة لأولئك (ولغيرهم)، والتي كتبها صاحب هذه الكلمات (وغيره) مراتٍ، وموجزها أن من لا تعجبه "الجزيرة" فليصنع أحسن منها. ولدى دول بيان "5 يونيو" القدرات المالية، وكذا القدرة على استقطاب الكفاءات الإعلامية والإدارية والفنية، من أجل مناطحة هذه القناة التي تتعبهم، ببناء فضائياتٍ أفضل وأكثر مهنية. ولكن، يحسن أن نعترف، الآن، نحن أصحاب هذا الكلام أنه كلام فارغ، إذ يعصى على التصور أن هؤلاء، وحالتهم على ما نعرف ونرى من أداء كارثي وشديد التفاهة في صحافاتهم وتلفزاتهم، يمكن أن يبادروا إلى رهانٍ كهذا، أي إلى منافسة "الجزيرة" بشاشاتٍ أكثر جاذبيةً، وبمحتوى إعلامي أقدر على شد الناس إليه، وقبل ذلك وبعده، أكثر انحيازا إلى الحقائق، أو أقله إلى مقادير عالية منها. لا، لا مطرح لنصيحتنا تلك، ربما كتبناها وردّدناها مراتٍ، ونحن على شيء من السذاجة، ومن حسن الظن بأن ثمّة ما هو ممكنٌ مما نقول. إن بلدا عربيا يعتزّ أبناؤه بأنه عرف الحضارة قبل سبعة آلاف سنة من العار على المسؤولين فيه أن ينقطعوا إلى حجب مواقع صحف قطر ومؤسساتها الإعلامية، فيما المواطنون والمقيمون (والزوار) في قطر التي لم تعرف الحضارة قبل سبعة آلاف سنة يطالعون سخافات إعلام ذلك البلد، الإلكتروني وغيره، من دون أي ارتجافٍ، وإنما بكثير من الازدراء والاحتقار، ومن دون أي منعٍ أو حظر.
يُضحكنا ما نسمع من أصدقاء ومعارف يقيمون في بلدان الحصار والمقاطعة الأربعة من حكايات حروب السلطات هناك ضد "الجزيرة"، في الفنادق والمقاهي مثلا، فنجرّب مشاهدة قنوات هذه البلدان وشاشاتها، عسانا نقع على ما ينفع ويُقنع، فيغشانا أسىً كثيرٌ من رداءة الهزل الحادث في كل هذه المسخرة، والتي لو تيسّر شيء من العقل وقليلٌ من الحكمة، لكانت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في منجاةٍ منها، ولكن... الله غالب.