11 نوفمبر 2024
عن جمال خاشقجي
يُغبط المعلق والصحافي والمثقف السعودي، جمال خاشقجي (59 عاما)، على حيويته النشطة، في إعلان آرائه بشأن الجاري في بلاده، كاتبا منتظما في "واشنطن بوست" و"دير شبيغل"، ومشاركا في ندواتٍ وملتقياتٍ في الولايات المتحدة، حيث يقيم منذ يوليو/ تموز الماضي، ومن ذلك أخيرا حديثُه في فرع المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في واشنطن، وكذلك إطلالاته على شاشاتٍ عربية وأميركية وغربية، ومنها "الجزيرة" وتلفزيون العربي قبل أيام. وثمّة تغريداتُه الدؤوبةُ في منصّة "تويتر". ولا تزيّد في الزّعم هنا إن متابعة خاشقجي، متّعه الله بالصحة، بالغة الأهمية حاليا، بالنظر إلى ما صار يمثله صوتُه من قيمةٍ خاصةٍ في غضون تسارع مستجدّات الشأن السعودي الداخلي وظلاله الخارجية، وبالنظر أيضا إلى الاعتدال الظاهر في اللغة الإصلاحية، الشجاعة والجريئة التي يتحدّث بها زميلنا المعروف، إذ لا يصدر في انتقاداته، اليومية تقريبا، لكيفيات اتخاذ القرار في بلاده حاليا من موقع المعارض للحكم، وللملك وولي عهده. لا إطلاقا، بل من موقع الموالاة التي يحرص خاشقجي على تأكيدها خيارا أساسيا لديه، بينما لا يتوقف عن التعبير عن سروره بالحرية التي يتمتع بها، في مقامه في الولايات المتحدة، في التعبير عن نفسه، وهي الحرية التي يقول صراحة إنها غائبةٌ في المملكة، ولا يضمنها لنفسه إذا عاد، ولا يضمن عدم اعتقاله. وفي الوقت نفسه، ليس مستغربا أن يردّ خاشقجي على سؤال "الجزيرة" له عمّا إذا كان يرى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الشخص المناسب لمحاربة الفساد في المملكة، بالإيجاب، بل وبتأكيد ذلك "من دون شك"، طالما أنه الذي يفعل ذلك الآن.
مؤدّى القول هنا إن جمال خاشقجي ليس عدميا في خياره الراهن، وربما لا تجوز عليه صفة المعارض. إنه ناصحٌ، أشبه بالداعية السياسي، إصلاحي، ولكن بشجاعةٍ مشهودةٍ بالنظر إلى حسابات الحكم الماثل في السعودية، فلا يحتمل ولي العهد عدم تطبيل وعاظٍ ومشايخ ومثقفين، مثل سلمان العودة وعوض القرني وعصام الزامل، له، ولا يروقُه صمتُهم عن مباركة كل ما يفعل، بالصوت العالي المطلوب، فيودعهم السجون. فيما صحيحٌ تماما قول خاشقجي إن محمد بن سلمان كان سيجد هؤلاء في مقدمة داعمي حملته على الفساد التي يأمل زميلنا الذي نحترم أن تتّبع كل المقتضيات الإجرائية والقانونية الواجبة، ويقول صادقا، عن درايةٍ، إن الفساد في المملكة تاريخيا هو القاعدة، ويتورّط فيها أمراء وأبناء ملوك عديدون.
لا يتنكّر جمال خاشقجي لتجربته السابقة صحافيا سعوديا كان قريبا من أمراء ورجال بارزين في السلطة، وتولّى مسؤولياتٍ متقدمة في بعض الصحافة المحلية والسعودية الدولية، وإنْ ضويق عليه غير مرة. وللحق، لم يكن الرجل زمّارا كيفما اتفق، وإنما كان يجتهد في الإفادة من مساحاتٍ محدودةٍ متاحةٍ في نقد أداءٍ للسلطة في شأنٍ هنا وآخر هناك، وفي الوقت نفسه ظل أحد الأصوات البارزة في الدفاع، في منابر عربية وأجنبية، عن خيارات المملكة السياسية في غير ملف، صدورا عن قناعته بها. وما زال في المطرح نفسه، مناوئا للمشروع الإيراني، ومساندا التصدّي السعودي له، وإنْ بات يرى اختلالا في أداء المملكة في هذا الخصوص، ويعلن ذلك بوضوح، فلا تُعجبه الحيرة السعودية في سورية، ويرفض استهداف دولة قطر بالحصار الجاري، ولا يقتنع بمبرّراته المعلنة، ويرى أنه يعود إلى الخلاف بشأن الإسلام السياسي. وفيما تطالب دول الحصار بإغلاق فضائياتٍ ومؤسساتٍ تدعمها الدوحة، فإنه يطل على شاشاتها ومنابرها، ويدعو فيها، وفي غيرها، محمد بن سلمان إلى التحرّر من التحسّس الذي يقيم عليه تجاه "الإخوان المسلمين".
لا شطط في الزّعم إن خسارة الحكم الراهن في العربية السعودية مثقفا وإعلاميا، اسمه جمال خاشقجي، واحدةٌ من حماقاتٍ ظاهرةٍ في خيارات هذا الحكم، عندما يرى السجون الأمكنة الأصلح للمثقفين وأصحاب الرأي، بل ويجيز لأقلامٍ سخيفةٍ، في صحفٍ سعوديةٍ، أن تتمادى في وضاعتها ضد هذا الصحافي المحب بلاده، وتهتدي في ذلك بانحطاط منابر غير قليلة من الإعلام المصري الذي تعوّذ خاشقجي من أن يصبح الإعلام السعودي مثله. لنتابع زميلنا المهذّب، ما أسعفنا الوقت (!)، في نشاطه في "تويتر" وغيره، لنسمعه ونقرأه، ولنختلف ونتفق معه في هذا الرأي وذاك، ففي ذلك إفادةٌ ثمينة، في غضون الحالة السعودية المقلقة.