31 أكتوبر 2024
تسمع بالمبدع.. المعيدي
إلى أي مدى ينبغي أن تعبّر كتابات مبدع ما في الشعر أو القصة أو الرواية عن شخصيته الحقيقية؟ هل على ما ينتجه من إبداع، أيا كان نوعه ومستواه، أن يكون مرآةً مستويةً تعكس صورته الحقيقية، كما يعيش بها في الواقع، أم أن من حقه أن يصنع لنفسه الشخصية المشتهاة التي يظهر بها أمام القارئ، من دون أن تعتبر مجرد قناع زائف ولا أخلاقيا؟ فإن اكتشفنا فرقا شاسعا بين ما نقرأ له، وما نلمسه من التعامل معه، إلى أي الصوبين نميل في التعرّف على حقيقته إن أردنا؟ وهل نجاح مبدعٍ ما في تلميع صورته الشخصية، عبر كتاباته الإبداعية، يعتبر إبداعا إضافيا يستحق التصفيق؟ أم أنه تزييف وخداع، ينبغي المساهمة في فضحهما؟
حكت لي قارئة شابة، قبل سنوات، عن صدمتها التي شعرت بها، بعد لقاء جمعها بكاتبتها المفضلة. وكيف أنها، على الرغم من مرور هذه الفترة الطويلة، ما زالت تشعر بغصّةٍ جعلتها تكره القراءة، لا قراءة كتب تلك الكاتبة وحسب، بل القراءة بشكل عام. والواضح أنه شعور مبالغ به، لكنه حقيقي جدا للأسف.
تقول تلك القارئة التي أرسلت لي حكايتها المريرة صوتيا، عبر تطبيق سناب، إنها كانت تعتبر الأديبة المرموقة مثلها الأعلى في الكتابة وفي الحياة، فهي قرأت كل كتبها ومقالاتها، وتحرص على حضور مقابلاتها التلفزيونية، حتى أصبحت تقلدها في اختيارها أزياءها وتسريحات شعرها. كانت تنظر لها نجمةً، لا كاتبة. وربما كان هذا هو الخلل الأساسي في العلاقة ما بين الكاتب والقارئ.
قالت لي القارئة إنها كانت دائما تحلم بلقاء كاتبتها المفضلة، ولأنها تعيش في بلد آخر غير الذي تعيش فيه تلك الكاتبة، فقد كان الأمر يبدو صعبا إلى حد ما، لكنه أصبح واقعا، عندما أعلن عن ندوةٍ تحاضر فيها الأديبة ضمن فعاليات معرض الكتاب في بلد القارئة. وهكذا، اقترب الحلم الجميل من التحقق، فحملت كل ما في مكتبتها من كتب لتلك الكاتبة، وتوجهت بها إلى مكان الندوة، على أمل أن تلتقي بها، وتطلب منها توقيعها على الكتب.
حدث اللقاء المرتقب، وحصلت القارئة على التوقيع، وعلى صورة "سيلفي" مع كاتبتها التي لم تعد المفضلة بالنسبة لها بعد هذا اللقاء أبدا، فقد اكتشفتها على حقيقتها المفارقة تماما لما تصوّرته عنها، وهي تقرأ لها. تقول تلك الفتاة: "كرهتها تماما.. كرهت كلماتها وعجرفتها، وغرورها في التعامل مع الحاضرين، وكرهت تعاليها على الحضور، وتنمّرها على أحدهم، لمجرّد أنه خالفها في الرأي عن جزئية في الندوة. بل لعلي كرهت حتى طريقتها في التحية التي بدت فيها كأنها تشعر بالقرف ممن حولها من البشر الذين حضروا لأجلها. ببساطة، ليست هذه المرأة هي التي كنت أقرأ لها".
خطر في بالي أن الفتاة تبالغ كثيرا في توصيف شعورها بالصدمة، بعد أن اكتشفت الفرق، خلال دقائق من اللقاء المباشر فقط، ما بين الشخصية الحقيقية للمبدعة والشخصية المتخيلة، اتكاء على قراءة نتاجها الإبداعي، لولا أنني استحضرت موقفا شبيها، عشته في بداية عملي الصحافي مع كاتب كبير، اعتبرته يوما أحد كتّابي المفضلين، قبل أن ألتقيه في ندوة كان يحاضر فيها، فكانت النتيجة أن تخلصت من عقدة المثل الأعلى إلى الأبد. ومن يومها، وأنا أتردّد كثيرا في التعرّف على أي كاتبٍ من كتابي المفضلين، حتى لا أسترجع شعوري بالصدمة، فأن تسمع بالمبدع المعيدي.. خيرٌ من أن تراه.
حكت لي قارئة شابة، قبل سنوات، عن صدمتها التي شعرت بها، بعد لقاء جمعها بكاتبتها المفضلة. وكيف أنها، على الرغم من مرور هذه الفترة الطويلة، ما زالت تشعر بغصّةٍ جعلتها تكره القراءة، لا قراءة كتب تلك الكاتبة وحسب، بل القراءة بشكل عام. والواضح أنه شعور مبالغ به، لكنه حقيقي جدا للأسف.
تقول تلك القارئة التي أرسلت لي حكايتها المريرة صوتيا، عبر تطبيق سناب، إنها كانت تعتبر الأديبة المرموقة مثلها الأعلى في الكتابة وفي الحياة، فهي قرأت كل كتبها ومقالاتها، وتحرص على حضور مقابلاتها التلفزيونية، حتى أصبحت تقلدها في اختيارها أزياءها وتسريحات شعرها. كانت تنظر لها نجمةً، لا كاتبة. وربما كان هذا هو الخلل الأساسي في العلاقة ما بين الكاتب والقارئ.
قالت لي القارئة إنها كانت دائما تحلم بلقاء كاتبتها المفضلة، ولأنها تعيش في بلد آخر غير الذي تعيش فيه تلك الكاتبة، فقد كان الأمر يبدو صعبا إلى حد ما، لكنه أصبح واقعا، عندما أعلن عن ندوةٍ تحاضر فيها الأديبة ضمن فعاليات معرض الكتاب في بلد القارئة. وهكذا، اقترب الحلم الجميل من التحقق، فحملت كل ما في مكتبتها من كتب لتلك الكاتبة، وتوجهت بها إلى مكان الندوة، على أمل أن تلتقي بها، وتطلب منها توقيعها على الكتب.
حدث اللقاء المرتقب، وحصلت القارئة على التوقيع، وعلى صورة "سيلفي" مع كاتبتها التي لم تعد المفضلة بالنسبة لها بعد هذا اللقاء أبدا، فقد اكتشفتها على حقيقتها المفارقة تماما لما تصوّرته عنها، وهي تقرأ لها. تقول تلك الفتاة: "كرهتها تماما.. كرهت كلماتها وعجرفتها، وغرورها في التعامل مع الحاضرين، وكرهت تعاليها على الحضور، وتنمّرها على أحدهم، لمجرّد أنه خالفها في الرأي عن جزئية في الندوة. بل لعلي كرهت حتى طريقتها في التحية التي بدت فيها كأنها تشعر بالقرف ممن حولها من البشر الذين حضروا لأجلها. ببساطة، ليست هذه المرأة هي التي كنت أقرأ لها".
خطر في بالي أن الفتاة تبالغ كثيرا في توصيف شعورها بالصدمة، بعد أن اكتشفت الفرق، خلال دقائق من اللقاء المباشر فقط، ما بين الشخصية الحقيقية للمبدعة والشخصية المتخيلة، اتكاء على قراءة نتاجها الإبداعي، لولا أنني استحضرت موقفا شبيها، عشته في بداية عملي الصحافي مع كاتب كبير، اعتبرته يوما أحد كتّابي المفضلين، قبل أن ألتقيه في ندوة كان يحاضر فيها، فكانت النتيجة أن تخلصت من عقدة المثل الأعلى إلى الأبد. ومن يومها، وأنا أتردّد كثيرا في التعرّف على أي كاتبٍ من كتابي المفضلين، حتى لا أسترجع شعوري بالصدمة، فأن تسمع بالمبدع المعيدي.. خيرٌ من أن تراه.