19 ابريل 2021
لماذا يتنازل الأسد؟
وصل الوفد "التفاوضي" لبشار الأسد إلى جنيف متأخرا أكثر من أربع وعشرين ساعة عن الموعد الذي حدّدته الأمم المتحدة لوصوله. واعتبرت هذه الخطوة نجاحا للمساعي الدولية التي أقنعته بالقدوم، على الرغم من أن رئيس الوفد المذكور، بشار الجعفري، رفض طلب المبعوث الأممي، استيفان دي ميستورا، بالانخراط في مفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة، ورفض البقاء في جنيف لإعطاء التفاوض مدى زمنيا كافيا، ورفض جدول الأعمال الذي قدّمته الأمم المتحدة، وذاك الذي اقترحته المعارضة. مع ذلك، احتفلت وسائل الإعلام الغربية بما سمته "بدء المفاوضات العملية في جنيف"، ولم تقل، هي أو أي أحد من الرسميين الدوليين، إن الوفد الأسدي عطل المفاوضات قبل قدومه إلى جنيف، وقدم إليها ليستمر في تعطيلها، وإن سلوك نظامه يلغي عمليا القرارات الدولية التي رسمت خريطة طريق واضحة للحل السياسي الدولي، بنصوصٍ لا تحتمل تفسيرات متعدّدة، أو مجافية لمعناها النصي، وللآليات التي تقترحها لبلوغ السلام.
لم يدن أحد إلى اليوم سلوك الأسد الذي يعطل مؤسسات النظام الدولي الشرعية، ويتعامل معها بقدر من الازدراء، يشبه الذي أبدته الهتلرية تجاه "عصبة الأمم"، قبل الحرب العالمية الثانية. وبدل أن يقابل الجعفري والعصابة التي ترافقه بالرفض والاستهجان، نرى دي ميستورا يرسم ابتسامةً سعادةٍ عريضةٍ على وجهه، ويمد يده إلى مسافة عشرة أمتار، ليتشرف بمصافحة الجعفري وعصابته الملطخة أيديها بدماء مئات آلاف السوريين. إذا كان قتلةٌ يُعاملون بهذا الحرص، بربكم لماذا يتنازلون، وينصاعون للقرارات الدولية، ويقلعون عن قتل السوريين، الذين لم يطبق أي قرار من سبعةٍ قيل إنها اتخذت لضمان حقهم في لقمة خبز، ومقعد دراسي، وحبة دواء، وسقف آمن، وحقهم في الحياة الذي يعتبره حتى دستور الولايات المتحدة الأميركية مقدّسا! أعلن الروس أن الاتفاقيات ستعيد، أخيرا، الأمن والسلام ورغيف الخبز والسقف الآمن إلى أهالي الغوطة الشرقية، وأن شرطتهم العسكرية ستضمن أن يوقف النظام قصفها ومهاجمتها، لكن الأسد الذي وقع الاتفاقية بأريحية كان على مذهب آخر، فلم يوقف القصف دقيقة، وبعد أن كان يهاجم الغوطة من محور واحد، بدأ يهاجمها بعد "التهدئة" من ثلاثة محاور، ويستخدم ضدها قنابل يكاد غبار انفجاراتها يصل إلى أنوف شاغلي مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
مع ذلك، لا ترى موسكو ما يجري، ونسيت أنها ضامن خفض التصعيد، ولم تخجل من تقديم اقتراحٍ بعقد هدنةٍ تدوم يومين، ولم يحمرّ وجهها وهي تشطب ضمانتها اتفاقية عقدت بمشاركتها، أعلنت مقدمتها انضواءها في إطار وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، وأنها بالتالي اتفاقية دولية ترعاها الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وتعتبر جزءا من عملية السلام. نسيت موسكو هذا، وها هو الكرملين يبدي امتنانه، لأن وفد النظام وصل إلى جنيف، لكي يعطل التفاوض، والأسد قبل هدنة في منطقة خفض تصعيد وتوتر، كان الرئيس فلاديمير بوتين قد دقّ على صدره، وتعهد أن يمنع القتال فيها. وغدا، ستنتهي الهدنة التي ألغت الاتفاقية، وستقصف الغوطة من جديد وسيقتل أطفالها الذين ارتفعت نسبة المهدّدين بالموت جوعا منهم إلى 12%، بعد أن كانت قرابة 2% قبل التهدئة.
إذا كانت موسكو قد اقترحت الهدنة، وهي تعلم أنها تلغي اتفاقية وقف التصعيد التي كانت عرّابها، لماذا يتقيّد النظام بهما: الهدنة اليوم والاتفاقية أبدا؟ ولماذا يتنازل الأسد عن حقه المضمون، روسيا ودوليا، بمواصلة حربه ضد السوريين، وبإفشال عملية تفاوض دولية من أجل السلام، واتفاقية دولية قالت موسكو إنها لخفض التصعيد، وها هي تقترح إلغاءها؟ وهل تناست أنها اتفاقيه دولية وتخدم السلام؟ ثم، ألا يلاحظ العالم التلازم بين النتائج التي ستترتب على هدنةٍ روسيةٍ تلغي اتفاقية روسية؟ ألا يلاحظ ما تفعله عصابة السياسيين الأسدية التي تعطل التفاوض على حل سياسي استجابة لقرارات دولية، واستقبلت، على الرغم من ذلك، بترحاب أممي، مكافأة لها على قبولها تحمل مشقات السفر بالطائرة إلى جنيف، في الوقت الذي قرّرته، وللفترة الضرورية للتعبير عن تأفّفها من العالم، واحتقارها مؤسساته وقراراته؟
قال بوتين قبل أسبوعين: جميع مستلزمات السلام صارت متوفرة.. والدليل ما يفعله النظام في جنيف والغوطة، بدعم روسي وصمت دولي.
لم يدن أحد إلى اليوم سلوك الأسد الذي يعطل مؤسسات النظام الدولي الشرعية، ويتعامل معها بقدر من الازدراء، يشبه الذي أبدته الهتلرية تجاه "عصبة الأمم"، قبل الحرب العالمية الثانية. وبدل أن يقابل الجعفري والعصابة التي ترافقه بالرفض والاستهجان، نرى دي ميستورا يرسم ابتسامةً سعادةٍ عريضةٍ على وجهه، ويمد يده إلى مسافة عشرة أمتار، ليتشرف بمصافحة الجعفري وعصابته الملطخة أيديها بدماء مئات آلاف السوريين. إذا كان قتلةٌ يُعاملون بهذا الحرص، بربكم لماذا يتنازلون، وينصاعون للقرارات الدولية، ويقلعون عن قتل السوريين، الذين لم يطبق أي قرار من سبعةٍ قيل إنها اتخذت لضمان حقهم في لقمة خبز، ومقعد دراسي، وحبة دواء، وسقف آمن، وحقهم في الحياة الذي يعتبره حتى دستور الولايات المتحدة الأميركية مقدّسا! أعلن الروس أن الاتفاقيات ستعيد، أخيرا، الأمن والسلام ورغيف الخبز والسقف الآمن إلى أهالي الغوطة الشرقية، وأن شرطتهم العسكرية ستضمن أن يوقف النظام قصفها ومهاجمتها، لكن الأسد الذي وقع الاتفاقية بأريحية كان على مذهب آخر، فلم يوقف القصف دقيقة، وبعد أن كان يهاجم الغوطة من محور واحد، بدأ يهاجمها بعد "التهدئة" من ثلاثة محاور، ويستخدم ضدها قنابل يكاد غبار انفجاراتها يصل إلى أنوف شاغلي مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
مع ذلك، لا ترى موسكو ما يجري، ونسيت أنها ضامن خفض التصعيد، ولم تخجل من تقديم اقتراحٍ بعقد هدنةٍ تدوم يومين، ولم يحمرّ وجهها وهي تشطب ضمانتها اتفاقية عقدت بمشاركتها، أعلنت مقدمتها انضواءها في إطار وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، وأنها بالتالي اتفاقية دولية ترعاها الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وتعتبر جزءا من عملية السلام. نسيت موسكو هذا، وها هو الكرملين يبدي امتنانه، لأن وفد النظام وصل إلى جنيف، لكي يعطل التفاوض، والأسد قبل هدنة في منطقة خفض تصعيد وتوتر، كان الرئيس فلاديمير بوتين قد دقّ على صدره، وتعهد أن يمنع القتال فيها. وغدا، ستنتهي الهدنة التي ألغت الاتفاقية، وستقصف الغوطة من جديد وسيقتل أطفالها الذين ارتفعت نسبة المهدّدين بالموت جوعا منهم إلى 12%، بعد أن كانت قرابة 2% قبل التهدئة.
إذا كانت موسكو قد اقترحت الهدنة، وهي تعلم أنها تلغي اتفاقية وقف التصعيد التي كانت عرّابها، لماذا يتقيّد النظام بهما: الهدنة اليوم والاتفاقية أبدا؟ ولماذا يتنازل الأسد عن حقه المضمون، روسيا ودوليا، بمواصلة حربه ضد السوريين، وبإفشال عملية تفاوض دولية من أجل السلام، واتفاقية دولية قالت موسكو إنها لخفض التصعيد، وها هي تقترح إلغاءها؟ وهل تناست أنها اتفاقيه دولية وتخدم السلام؟ ثم، ألا يلاحظ العالم التلازم بين النتائج التي ستترتب على هدنةٍ روسيةٍ تلغي اتفاقية روسية؟ ألا يلاحظ ما تفعله عصابة السياسيين الأسدية التي تعطل التفاوض على حل سياسي استجابة لقرارات دولية، واستقبلت، على الرغم من ذلك، بترحاب أممي، مكافأة لها على قبولها تحمل مشقات السفر بالطائرة إلى جنيف، في الوقت الذي قرّرته، وللفترة الضرورية للتعبير عن تأفّفها من العالم، واحتقارها مؤسساته وقراراته؟
قال بوتين قبل أسبوعين: جميع مستلزمات السلام صارت متوفرة.. والدليل ما يفعله النظام في جنيف والغوطة، بدعم روسي وصمت دولي.