"الإخوان" عملاء الأميركان!

02 فبراير 2017
+ الخط -
ماذا سيقول من يتبنى مقولة، إن الإخوان المسلمين عملاء للأميركان، بعد أن شرعت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بحث مشروع قرار تصنيفهم حركةً "إرهابية"؟
ربما يقولون، مثلاً، إن دورهم انتهى، وهو ليس كذلك فعلاً، ولذا وجب "التخلص" منهم. ينسى هؤلاء، قصداً أو سوء تقدير، أن "الإخوان" ليسوا حركة، ولا تنظيماً، ولا حزباً. سر قوتهم الحقيقية، حتى لو أزالوا لافتة الاسم، أنهم يعبرون، في غالب فكرهم، عن سواد المسلمين، فهم يكادون أن يكونوا الناطق باسم تيار المسلمين الوسطيين، المسلمين الذين يعيشون واقعهم بكل اندماج وتصالح، ويتطلعون، في الوقت نفسه، للنأي بأنفسهم عن أوساخ هذا الواقع، من دون تطرّف أو شطط أو تكفير. إنهم التيار العريض المليوني الذي ما دخل انتخاباتٍ نزيهة إلا وفاز بها، فهم يحظون بتعاطف الملايين من أبناء الأمة واحتضانها، ليس لسواد عيونهم، ولا لحنكتهم السياسية، ولا لعبقريتهم التنظيمية، بل لأن خطابهم الأقرب إلى روح الإسلام المتسامحة، ليس مع "الآخر" فحسب، بل مع الذات مهما بلغت ذنوبها. من هنا، ينشأ الخطر الداهم، فيما لو أقدمت إدارة ترامب على اتخاذ خطوة بمثل هذا الحمق.
يقولون، في "حقل" التحليلات السياسية والأخبار، إن خطوة كهذه، في حال تمت، من الممكن أن تخسر الولايات المتحدة أغلب حلفائها في المنطقة، فهناك أحزاب سياسية إسلامية على ارتباط بجماعة الإخوان في أندونيسيا وباكستان والمغرب وتونس والأردن والعراق والكويت واليمن وحتى تركيا، وبالتالي، فإن هذا القرار، في حال اتخاذه، قد تنجم عنه أضرار وعواقب وخيمة، قد تضرّ المصالح الأميركية، ويقولون أيضاً، إن مسؤولين أميركيين أيضاً يشعرون بالقلق من أن يؤدي أي إجراء أميركي لتصنيف "الإخوان" بالكامل منظمة إرهابية إلى تعقيد العلاقات مع تركيا، وهي حليفٌ رئيسي للولايات المتحدة في الحرب على "داعش". وكلنا يعرف أنه يتولى السلطة في تركيا حزب العدالة والتنمية، وهو ذو جذور إسلامية، ويرتبط بعلاقة وثيقة مع تنظيمات الإخوان، فكرةً وتنظيماً أيضاً.
كل هذا صحيح على صعيد علاقات الدول، والعلاقات الرسمية. لكن، ما لم يذكره المحللون
والكتاب أن قراراً كهذا لن يصيب بالعطب علاقات أميركا الرسمية، بل سيمتد العطب إلى الشعوب أيضاً، وستغدو تلك "الولايات المتحدة"، المكروهة أصلاً في بلاد المسلمين، عدواً بائن العداوة، بلا تأويلٍ في جميع الأوساط الشعبية، ليس انتصاراً للإخوان تنظيماً، بل انتصاراً لدينهم الذي يبدي ترامب عداوةً له غير قابلة للتأويل، فهو كمن يسرع إلى إعلان الحرب جهاراً نهاراً على المسلمين، ويجعل من أي رمز أميركي هدفاً مشروعاً للمسلمين، كونه بادرهم العداءَ على هذا النحو السافر.
وهنا، لنا إطلالة مع كنه موقف ترامب من الإسلام ديناً، بعد تصريحاته عن عزمه "استئصال" ما سمّاه الإسلام الراديكالي، كأن هذا الـ "إسلام" مجرّد زائدة دودية قابلة للإزالة والاستئصال، وليس ثمة ما هو أكثر صفاقةً وسطحيةً من كلام كهذا. صحيح أن المسلمين يعيشون، اليوم، في دركٍ مريع من الخذلان والضعف والاستقواء، لكن الإسلام كدين في قمة زهوه وانتشاره وألقه، ولعل هذا هو سبب الغيظ الذي تتميز به قلوبهم عليه وعلى أصحابه.
الإسلام هو الإسلام، واحد غير قابل للتصنيف والتقسيم و"التنْكيه"، فاسمه ومحتواه ونكهته وكنهه واحد، وثمّة حيلة خبيثة في عملية التصنيف ابتداء، وهي حيلة معاصرة، ابتدعتها مختبرات صناعة الاصطلاحات، التابعة لأجهزة الاستخبارات العالمية، بهدف ضرب المفهوم الواحد، وتمييع الدين. وأنّى لهم هذا، فهو دينٌ محفوظ بضمانة رب العالمين، ولم يزل، ولله الحمد، حياً نابضاً في قلوب الملايين، ولم يزل أيضاً الشغل الشاغل للأجهزة إياها، في محاولةٍ يائسةٍ لوقف تمدده وانتشاره، أو "تجميده" في قلوب المؤمنين به.
أما حكاية "الإسلام الراديكالي" فهي مهترئة، ولا ننظر إليها إلا باعتبارها حيلةً مبطنةً لاستهداف الإسلام من حيث هو إسلام محض. والاستهداف، في معناه المبطن، يستهدف المسلمين بالطبع. وغير بعيد عن لعبة المصطلحات تلك، تكمن لعبة أخرى تتحدث عن إسلام جهادي وإسلام غير جهادي (!). وفي الحقيقة لا يوجد إسلام جهادي وإسلام غير جهادي. الجهاد جزء من عقيدتنا الإسلامية، ولهذا نفهم أن أي حلف بين إسرائيل أو أميركا وبين أي دولة عربية أو إسلامية لشن حرب على "الإسلام الجهادي!" هو حرب على الإسلام من حيث المبدأ.
وقع في الفخ نفسه، عمداً أو جهلاً، مثقفون وكتاب عرب، حيث ألقوا رداء "داعش" و
"الراديكالية" على أي نشاط إسلامي، وبرع بعضهم في "دعوشة" كل الإسلام، باعتباره ديناً متطرفاً، ويحتاج لـ "إصلاح" جذري، ومراجعة كل ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة.
التحالف الشرير بين الصهاينة والأميركان وأي عربي، ضد الإسلام كمبادئ وبشر وتنظيمات، لا يؤثر على قوة التيار الوسطي الذي يهيمن على قلوب عامة المسلمين، بل يزيدهم تمسكاً بدينهم، بل يزيد هذا التحالف تطرف المتطرفين، ويعزز لديهم الاعتقاد السائد، أن المستهدف ليس التطرّف و"الإرهاب"، بل المسلم من حيث هو مسلم، لأنهم يريدون إسلاماً بلا إسلام، إسلاماً لا يعدو أن يكون طلاء خارجياً: من لحية وأذان وصلاة ودشاديش. أما ما يتعلق بكرامة المسلمين واستقلالهم وكبريائهم، وتحرير اقتصادهم وأرضهم، ومقدساتهم، وثرواتهم من أي استغلال أو هيمنة، أو تدنيس، فهو سلوك "إرهابي" يجب التعامل معه بسلاح الإخراج من دائرة "الشرعية" والملاحقة، وهذه السياسة وصفة مكثفة ليقظة المسلمين النائمين، إن لم تكن صناعة مزيد من "الدواعش" و"الراديكاليين" إن جاز التعبير.
على المديين، القريب والمتوسط، قد يخسر المسلمون، إخواناً كانوا أم غير إخوان، من قرارٍ كهذا، وقد تصبح حياتهم الصعبة أصلاً أكثر صعوبة. لكن، على المدى البعيد، هو في صالح الإسلام والمسلمين، فهو يوقد النار تحت مرجل الغضب الشعبي، ويزيده غلياناً، طلباً للخلاص، وتقريبَ لحظة الحقيقة الحاسمة.
ونختم بمقولة المفكر الأميركي، نعوم تشومسكي، حينما قال: التعريف الأميركي للإرهاب هو إرهاب فقط إذا ارتكبوه ضدنا، أما عندما نفعل بهم ما هو أفظع منه فليس إرهاباً.
A99D1147-B045-41D9-BF62-AB547E776D3E
حلمي الأسمر

كاتب وصحافي من الأردن