24 أكتوبر 2024
المرزوقي المُثير للجدل.. دائما
أثار مقطع قصير تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً ونقاشات حادة، على خلفية ما ورد في حوار الرئيس السابق المنصف المرزوقي في برنامج "المقابلة" الذي بثته قناة الجزيرة.
وعلى الرغم من أن الذين روّجوا المقطع بزعم إساءة المرزوقي للشعب التونسي كانوا يتعمّدون تشويه شخصية الرجل، حيث لم يكن نص الحوار مكتملاً، ولا يقدّم المعنى مستوفياً، إلا أن رد فعل الجمهور المتلقي، وبطبيعته المتسرعة، أثار جملة من الصراعات اللفظية، ودعوات من خصوم الرئيس السابق إلى سحب الجنسية منه.
وتثير تصريحات المرزوقي، في أكثر من مناسبة، جدلاً مفتعلاً في الساحة السياسية والإعلامية التونسية، خصوصاً عندما يتعمد خصومه، وهم في غالبيتهم من أنصار النظام السابق، إلى التلاعب بمحتوى التصريحات، وإعادة تركيبها، من أجل افتعال فوضى إعلامية، وسخط شعبي على المنصف المرزوقي. ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى حدث مشابه للحالة السابقة، عندما عمدت إحدى القنوات إلى نقل كلام محرّف نسبت فيه القول إلى الرئيس السابق دعوته إلى "حرق البلاد ونصب المشانق"، في محاضرة ألقاها في إطار فعاليات منتدى الدوحة الخامس عشر. وعلى الرغم من أن المحاضرة معلنة، ولا تتضمن هذا الخطاب التحريضي المسيء، إلا أن القناة المذكورة تمكّنت من إثارة حالةٍ من الفوضى والارتباك في الرأي العام، قبل أن تتراجع، خصوصاً بعد رفع دعوى ضدها أمام العدالة، وليتحول الموضوع من حالة انفلات إعلامي، تقوم على تشويه متعمّد للخصوم السياسيين، ليصبح الحديث متعلقاً برفض المرزوقي حرية الإعلام، ورغبته في مطاردة الصحافيين، في حالة من التلاعب بأصل المشكل، وجوهر الخلاف المتعلق بالتلاعب المقصود بما صرحت به شخصية سياسية وازنة في المشهد السياسي التونسي.
والمعروف أن المنصف المرزوقي يتميز بمواقف حادة وواضحة من أنصار النظام السابق والمنظومة الإعلامية التي خَلّفَها، واستمرت من بعده في تأثيرها وتلاعبها بالرأي العام، وكان صدور "الكتاب الأسود" الذي يتضمن أسماء الإعلاميين الذين استفادوا من نظام بن علي، وقاموا بتبييض صورته، مدخلاً لاندلاع موجةٍ من الانتقاد الذي يصل إلى حد القذف والسب العلني لشخصية المرزوقي.
وقد لعب الإعلام دوراً مهماً في شيطنة رموز الحكم الذين جاءت بهم الثورة، ومن بينهم المنصف المرزوقي. ويبدو أن الأمر يتعلق بأكثر من جانب، لتكتمل الصورة، فمن ناحيةٍ تم تجييش الإعلام التابع للنظام السابق لضرب الموقع الأدبي والنفسي للمرزوقي، سواء بالتشكيك في نضاليته، أو حتى نعته أحيانا بالجنون. وفي المقابل، فشل المرزوقي، في أثناء فترة حكمه وبعدها، في إيجاد إعلام بديل، يمكنه أن يردّ على الإعلام الآخر، فأزمة التواصل مع الرأي العام واضحة في الحضور السياسي للمرزوقي، وكل القوى المؤيدة للثورة، وهو الأمر الذي جعله يفقد نقاطاً كثيرةً لصالح خصومه السياسيين، وهو أمر تجلى في خسارته الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي. فالمرزوقي، وإن كان مناضلاً صلباً ومثقفاً عضوياً، لا يتقن لعبة الإعلام الضرورية لكل رجل سياسة، خصوصاً إذا كان يريد تصدّر المشهد، وتولي أعلى مناصب الدولة وأسماها، أعني منصب رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى حالة الضعف التواصلي، وغياب أجهزة إعلام مؤيدة. تتميز خطابات الرئيس السابق أحياناً بنوع من الحدّة الصادمة التي يجد فيها الخصوم مناسبةً لتشويهه والتشنيع عليه. وعلى الرغم من أن حالة الاضطراب في التصريحات، والضعف في الأداء الإعلامي، سمة مميزة لغالبية الناشطين السياسيين الذين لمعوا بعد الثورة في تونس، والتي يمكن تفسيرها بجملة من العوامل، أهمها غياب المؤسسة الحزبية التنافسية التي يمكن أن تتشكل من خلالها الشخصية القيادية للسياسي التونسي، حيث إن غالبية الزعامات الحاليين صنعتهم سنوات النضال والعمل السري، مع ما يعنيه هذا من غياب للاتصال المباشر مع الجمهور، أو الحضور الدوري في وسائل الإعلام. والقسم الثاني من السياسيين التونسيين البارزين حالياً هم من بقايا النظام السابق، وقد تربى هؤلاء في مناخٍ يقوم على الرأي الواحد، وعدم القدرة على تصوّر وجود صحافي يمكن أن يسأل من خارج الأسئلة المقررة عليه سلفاً، وهو ما جعل هؤلاء أضحوكةً في أثناء الندوات الصحافية. ولولا وجود إعلام مؤيد مثل هذه الشخصيات لخَفَتَ بريقها، وفقدت حضورها في الشارع السياسي منذ زمن.
من هنا، على كل ناشط سياسي يتعامل مع الجيل الجديد من التونسيين أن يتقن اللعبة الخطابية، بما تتضمنه من تقنيات التأثير والإقناع وسرعة البديهة، والقدرة على تبليغ الفكرة، من دون الوقوع في سوء الفهم. ومن جهة أخرى، من الضروري السعي إلى إيجاد وسائل إعلام موازية لتلك التي يحتكرها الحزب الحاكم (نداء تونس) ومشتقاته، من أجل تحرير الساحة الإعلامية من مشكل الصوت الواحد المهيمن على الأقل على القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف الورقية. وتبقى أدوات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني المتنفس الوحيد لهؤلاء الذين لا يجدون متنفساً مناسباً في الساحة الإعلامية في صورتها التقليدية.
لا يعود الجدل المفتعل الذي تتم إثارته، في أحيان كثيرة، بشأن تصريحات المنصف المرزوقي، فقط لشخصيته الخلافية والحاسمة، وإنما أيضا لحالة من الاستهداف الممنهج والتشويه المتعمد الذي يتعرض له من قوى محدّدة. وبغض النظر عن رغبة المرزوقي في إعادة الترشح للرئاسيات المقبلة، فمن الأكيد أن أداءه الحالي، من الناحية الإعلامية، قد لا يؤهله للفوز، حتى وإن كان مرشحاً جدياً ومؤثراً، ما لم يراجع نمط ممارساته الإعلامية التي تثير أحياناً ضده حتى الحلفاء المفترضين (لاحظ رد فعل أنصار التيار الإسلامي حول قوله إن الإسلاميين خارج التاريخ)، وربما هو لم يقصد استهداف حركة النهضة أو التيار الإسلامي العريض. ولكن، يبقى هذا من باب التأويلات، والسياسي الناجح هو القادر على تقديم موقفه، من دون أن يتورّط في صراع التأويلات، أو في تقديم التوضيحات.
وعلى الرغم من أن الذين روّجوا المقطع بزعم إساءة المرزوقي للشعب التونسي كانوا يتعمّدون تشويه شخصية الرجل، حيث لم يكن نص الحوار مكتملاً، ولا يقدّم المعنى مستوفياً، إلا أن رد فعل الجمهور المتلقي، وبطبيعته المتسرعة، أثار جملة من الصراعات اللفظية، ودعوات من خصوم الرئيس السابق إلى سحب الجنسية منه.
وتثير تصريحات المرزوقي، في أكثر من مناسبة، جدلاً مفتعلاً في الساحة السياسية والإعلامية التونسية، خصوصاً عندما يتعمد خصومه، وهم في غالبيتهم من أنصار النظام السابق، إلى التلاعب بمحتوى التصريحات، وإعادة تركيبها، من أجل افتعال فوضى إعلامية، وسخط شعبي على المنصف المرزوقي. ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى حدث مشابه للحالة السابقة، عندما عمدت إحدى القنوات إلى نقل كلام محرّف نسبت فيه القول إلى الرئيس السابق دعوته إلى "حرق البلاد ونصب المشانق"، في محاضرة ألقاها في إطار فعاليات منتدى الدوحة الخامس عشر. وعلى الرغم من أن المحاضرة معلنة، ولا تتضمن هذا الخطاب التحريضي المسيء، إلا أن القناة المذكورة تمكّنت من إثارة حالةٍ من الفوضى والارتباك في الرأي العام، قبل أن تتراجع، خصوصاً بعد رفع دعوى ضدها أمام العدالة، وليتحول الموضوع من حالة انفلات إعلامي، تقوم على تشويه متعمّد للخصوم السياسيين، ليصبح الحديث متعلقاً برفض المرزوقي حرية الإعلام، ورغبته في مطاردة الصحافيين، في حالة من التلاعب بأصل المشكل، وجوهر الخلاف المتعلق بالتلاعب المقصود بما صرحت به شخصية سياسية وازنة في المشهد السياسي التونسي.
والمعروف أن المنصف المرزوقي يتميز بمواقف حادة وواضحة من أنصار النظام السابق والمنظومة الإعلامية التي خَلّفَها، واستمرت من بعده في تأثيرها وتلاعبها بالرأي العام، وكان صدور "الكتاب الأسود" الذي يتضمن أسماء الإعلاميين الذين استفادوا من نظام بن علي، وقاموا بتبييض صورته، مدخلاً لاندلاع موجةٍ من الانتقاد الذي يصل إلى حد القذف والسب العلني لشخصية المرزوقي.
وقد لعب الإعلام دوراً مهماً في شيطنة رموز الحكم الذين جاءت بهم الثورة، ومن بينهم المنصف المرزوقي. ويبدو أن الأمر يتعلق بأكثر من جانب، لتكتمل الصورة، فمن ناحيةٍ تم تجييش الإعلام التابع للنظام السابق لضرب الموقع الأدبي والنفسي للمرزوقي، سواء بالتشكيك في نضاليته، أو حتى نعته أحيانا بالجنون. وفي المقابل، فشل المرزوقي، في أثناء فترة حكمه وبعدها، في إيجاد إعلام بديل، يمكنه أن يردّ على الإعلام الآخر، فأزمة التواصل مع الرأي العام واضحة في الحضور السياسي للمرزوقي، وكل القوى المؤيدة للثورة، وهو الأمر الذي جعله يفقد نقاطاً كثيرةً لصالح خصومه السياسيين، وهو أمر تجلى في خسارته الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي. فالمرزوقي، وإن كان مناضلاً صلباً ومثقفاً عضوياً، لا يتقن لعبة الإعلام الضرورية لكل رجل سياسة، خصوصاً إذا كان يريد تصدّر المشهد، وتولي أعلى مناصب الدولة وأسماها، أعني منصب رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى حالة الضعف التواصلي، وغياب أجهزة إعلام مؤيدة. تتميز خطابات الرئيس السابق أحياناً بنوع من الحدّة الصادمة التي يجد فيها الخصوم مناسبةً لتشويهه والتشنيع عليه. وعلى الرغم من أن حالة الاضطراب في التصريحات، والضعف في الأداء الإعلامي، سمة مميزة لغالبية الناشطين السياسيين الذين لمعوا بعد الثورة في تونس، والتي يمكن تفسيرها بجملة من العوامل، أهمها غياب المؤسسة الحزبية التنافسية التي يمكن أن تتشكل من خلالها الشخصية القيادية للسياسي التونسي، حيث إن غالبية الزعامات الحاليين صنعتهم سنوات النضال والعمل السري، مع ما يعنيه هذا من غياب للاتصال المباشر مع الجمهور، أو الحضور الدوري في وسائل الإعلام. والقسم الثاني من السياسيين التونسيين البارزين حالياً هم من بقايا النظام السابق، وقد تربى هؤلاء في مناخٍ يقوم على الرأي الواحد، وعدم القدرة على تصوّر وجود صحافي يمكن أن يسأل من خارج الأسئلة المقررة عليه سلفاً، وهو ما جعل هؤلاء أضحوكةً في أثناء الندوات الصحافية. ولولا وجود إعلام مؤيد مثل هذه الشخصيات لخَفَتَ بريقها، وفقدت حضورها في الشارع السياسي منذ زمن.
من هنا، على كل ناشط سياسي يتعامل مع الجيل الجديد من التونسيين أن يتقن اللعبة الخطابية، بما تتضمنه من تقنيات التأثير والإقناع وسرعة البديهة، والقدرة على تبليغ الفكرة، من دون الوقوع في سوء الفهم. ومن جهة أخرى، من الضروري السعي إلى إيجاد وسائل إعلام موازية لتلك التي يحتكرها الحزب الحاكم (نداء تونس) ومشتقاته، من أجل تحرير الساحة الإعلامية من مشكل الصوت الواحد المهيمن على الأقل على القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف الورقية. وتبقى أدوات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني المتنفس الوحيد لهؤلاء الذين لا يجدون متنفساً مناسباً في الساحة الإعلامية في صورتها التقليدية.
لا يعود الجدل المفتعل الذي تتم إثارته، في أحيان كثيرة، بشأن تصريحات المنصف المرزوقي، فقط لشخصيته الخلافية والحاسمة، وإنما أيضا لحالة من الاستهداف الممنهج والتشويه المتعمد الذي يتعرض له من قوى محدّدة. وبغض النظر عن رغبة المرزوقي في إعادة الترشح للرئاسيات المقبلة، فمن الأكيد أن أداءه الحالي، من الناحية الإعلامية، قد لا يؤهله للفوز، حتى وإن كان مرشحاً جدياً ومؤثراً، ما لم يراجع نمط ممارساته الإعلامية التي تثير أحياناً ضده حتى الحلفاء المفترضين (لاحظ رد فعل أنصار التيار الإسلامي حول قوله إن الإسلاميين خارج التاريخ)، وربما هو لم يقصد استهداف حركة النهضة أو التيار الإسلامي العريض. ولكن، يبقى هذا من باب التأويلات، والسياسي الناجح هو القادر على تقديم موقفه، من دون أن يتورّط في صراع التأويلات، أو في تقديم التوضيحات.