09 نوفمبر 2024
يحدث في الأردن الآن
إذا كنت مواطناً أردنياً، وواظبت على متابعة "السوشيال ميديا"، فإن أرطالاً من الكآبة ستغشاك، وبحدّة، ولن يكون في وسعك دفعها، وذلك من فرْط مقادير اليأس والقنوط والإحباط فيها بشأن بلدك وأحواله. ولا يعود ذلك إلى غرام الأردنيين بالكشْرة والوجوم والنكد، على ما يروج عنهم عن غير حق، وإنما لأن الأخبار التي تتوالى في بلدهم يعصى عليك أن تصادف فيها ما يبعث على الدعة وهناءة البال. وتزوّدك قراءتك الصحف والمواقع الإلكترونية المحلية بذخيرةٍ وفيرةٍ من أسباب التطيّر والتحسّب والتعوّذ من الشيطان الرجيم. يكفي، مثلاً، أن تعرّفك هذه بأن 39 حادثة انتحار وقعت في العام 2011 فيما 117 محاولة جرت في 2016، ويؤشر هذا الارتفاع القياسي في خمس سنوات إلى تسارع مضطرد في استرخاص الحياة. وستعرفك قراءتك تلك بارتفاع نسبة الجريمة في البلاد، وبالقبض على 87 تاجر مخدرات في غضون أسبوعين. أما النّزق الواسع، وذيوع لغة العنف، وانحسار التباسط والبساطة بين الناس، فذلك مما قد يساعد في تفسيره أن 57% من عيّنة استطلاع للرأي العام أنجزه، أخيراً، مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، قالوا إن أوضاع أسرهم صارت أسوأ مما كانت عليه في الإثني عشر شهراً الماضية، وإن 43% يتوقعون ذلك لأوضاعهم في الإثني عشر شهراً المقبلة.
ترفع الحكومة، وبشكل مفزع، أسعار الكنافة ولبن الجميد (من لوازم المنسف) والمحروقات والبطاطا والبيض وسلع أخرى، ورسوم نقل ملكية المركبات واستخراج جواز السفر، وغير ذلك من خدمات. وتختبر، في الأثناء، ردود الفعل، وعندما ترى أن المسألة لا تتعدّى بعض الزعل والغضب وإطلاق كلامٍ فالت في "فيسبوك" وغيره، فإنها تتيقن من أن الشعب ناضج، ولا يريد غير الستر، ويخشى على بلده من أن يصير كما سورية والعراق، كما أنه واقعي، ومتفهم أن أبغض الحلال عند الحكومة رفع الأسعار، من أجل تفادي إجراءاتٍ أخرى، تتطلبها معالجة اختلالات الموازنة العامة، وكذا الوفاء بمتطلبات الإصلاح الاقتصادي التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي. والبادي أن ثمّة رهاناً مزمناً ومتوطّناً لدى حكومة هاني الملقي، كالذي استطابته سابقتها، حكومة عبدالله النسور، على مخاوف الأردنيين على بلدهم من أي اهتزازٍ أو فلتان، إذا ما تجاوزوا في غضبهم الخطوط المعلومة، وانصرفوا إلى الشوارع، بحنقهم وبضيقهم من "النهب المنظم" لجيوبهم. وهذه النصائح تتوالى إلى الملقي وحكومته، يقول أصحابها إنهم يوجّهونها قبل "أن تقع الفأس في الرأس"، بأن تتشكّل، مثلاً، خلية أزمة، تبحث البدائل الممكنة، والخيارات الأنفع من النوم في العسل، ومن الركون إلى حرص الأردنيين على الأمن والأمان والاستقرار، قبل كل شيء.
ولكن مسيرة الغضب التي شهدتها الكرك، أول من أمس السبت، وبمشاركةٍ واسعةٍ، تُنذر بأن الكيْل قد يطفح، وأن رفع الحد الأدنى لبعض الأجور، والذي بادرت إليه الحكومة قبل أيام، ليس مسكّناً نافعاً، وأن تمرير قرارات الحكومة في البرلمان لا يعني أن على جيوب الأردنيين أن تكون مستعدّة على الدوام لنصرة الموازنة ومصروفات الحكومة، وأن توقيف 25 موظفاً، أخيراً، في مديريتين حكوميتين متورّطين في الارتشاء لا يعني، بالضرورة، أن ثقة الأردنيين المفقودة تجاه الحكومة ستتعافى فوراً، وقد كشف استطلاع مركز الدراسات أن حكومة الملقي تحوز النسبة الأدنى في قائمة الحكومات الأقل شعبية. وإذا ما استجابت السلط ومدنٌ وبلداتٌ أخرى إلى النداءات المتواترة من أجل التظاهر ضد "حكومة الجباية"، كما يذيع اسمُها، بل من أجل إسقاطها، فذلك يفيد بأن التعبير العام عن الاحتقان الظاهر في الشارع لن يتم التنفيس عنه على حيطان "فيسبوك"، وفي الحكي كيفما اتفق في تجمّع هنا أو منتدى هناك، وإنما قد يتوسّل احتجاجات المسيرات العامة. وساعتها، فإن قصة الواقعية تلك ستكون أجدى في مقالات كتّاب التدخل السريع في هذه الصحيفة وذاك المنبر. ... تُرى، هل يستجدُّ جديد في الأردن، حماه الله ومتّع ناسه بدوام الخير وراحة البال؟