09 نوفمبر 2024
أي طبخة فلسطينية في البحر الميت؟
عجيب أمر أحمد أبو الغيط.. يسترسل، غير مرة، في الحديث عن مشروع تسويةٍ في الموضوع الفلسطيني، ستخرج به قمة البحر الميت العربية بعد غد الأربعاء، يقوم على أفكار فلسطينية جديدة، ثم يلحس (أي أبو الغيط) كلامه، ويشيع أنه لم يقل هذا، وذلك بعد تصريحات مسؤولين فلسطينيين إنه لا شيء من هذا مطروح، كما تصريحات مسؤولين أردنيين تقول الكلام التقليدي المعهود إياه عن "حل الدولتين". ولكن، هل كان أمين عام جامعة الدول العربية يؤلف كلاماً من عنديّاته، وهو يزيد ويعيد في كلامه ذاك، بل ويضيف إليه إن رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، سيتولى نقل مشروع التسوية المستحدث إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأسبوع المقبل، أم إن ثمة "شيئا ما" وراء جرّنا، نحن الصحافيين، وراء تتبع أقوال أبو الغيط هذه، ثم نفيها الفلسطيني، ثم تبرؤ أبو الغيط نفسه منها، ثم قول مندوب الأردن في الجامعة، علي العايد، أمام نظرائه العرب، في اجتماعاتهم في منطقة البحر الميت، السبت الماضي، إن القمة العربية ستناقش القضية الفلسطينية، تحت سقف "حل الدولتين" على أساس خطوط 4 حزيران 1967.
لنفترض أن "وراء الأكمة ما وراءها" في كلام أبو الغيط، وأن كل النفي المتواتر له إجراءٌ لا بد منه، في موسم كلامي كالذي نتابعه قبيل قمة البحر الميت، ثم في أثنائها، فذلك يعني أن "طبخةً" يجري إعدادها، ربما يتوهم المؤتمرون في الأردن أن دونالد ترامب سيستمزج مذاقها، لعلها تعجبه، فيبني عليها تصوّرا، ثم يحيي ما كنا نسميها عقودا "عملية السلام". لا شيء غير هذا الاحتمال، لفهم قصة تصريحات أبو الغيط ونفيها، والبادي أن هذه "الطبخة" يريدها عبد الفتاح السيسي، أو يتحمّس لها أكثر من غيره، يريد أن يعبر بها إلى رعايةٍ خاصة يحتاجها لشخصه ونظامه من إدارة ترامب. وإلا، لماذا هو، وليس رئيس القمة العربية المقبل، الملك عبدالله الثاني، من سيحمل مشروع التسوية (الغامض) والذي سيتم طبخه (أو سلقه على الأرجح)؟
ولكن، من قال إن ترامب مكترثٌ بالقصة كلها، من أين جاء إلى السيسي، وزملائه من أصحاب الجلالة والفخامة العرب، الوهم أن هذا الرئيس الأميركي معنيٌّ أصلا بعملية السلام، أو بجثتها على الأصح. يهم هذا الرجل المقيم في البيت الأبيض أن يُشاهد علاقاتٍ عربية إسرائيلية، نشطة أو باردة أو بيْن بيْن، أن يرى تواصلا بين حكومات عربية وإسرائيل. والأمر ليس صعباً، لكن الأحوال التعيسة في سورية وليبيا واليمن والعراق لا تجعل أهل القمة في البحر الميت، أو في أي تظاهرةٍ كلاميةٍ لهم، ينشغلون بأمرٍ كهذا في ظروفٍ كهذه. وفي وسعهم أن يقولوا إنهم سبق أن قدّموا مبادرة السلام العربية قبل 15 عاما، وهي تتضمن استعدادا عربيا للتطبيع مع إسرائيل، إذا ما بادرت هذه إلى استحقاقاته، لكنها أهملت المبادرة، ولم تلقٍ بالا لأيّ أمرٍ فيها، بل إن أهل الحكم والقرار العرب واظبوا، منذ تلك البادرة التاريخية منهم، على إطلاق إشاراتٍ لم تتوقف عن استعدادهم لتعديلها، إذا استجدّ ما "يوجب" هذا، بل إن من بنود مؤتمرهم في البحر الميت، كما في مؤتمرات سابقة، "تفعيل مبادرة السلام العربية".
الظاهر أن معاوني ترامب، في ملفات الشرق الأوسط، ليسوا في وارد أن يضيّعوا وقتهم في هذا الكلام الكلاسيكي المتقادم، فالرجل قال، في أثناء زيارة بنيامين نتنياهو له، إنه ليس مهما حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة أو أي حل، وإنما أن يكون الإسرائيليون سعداء، وأن يكون الفلسطينيون سعداء... بمثل هذه البساطة والسذاجة يرى الرئيس الأميركي الراهن قصة فلسطين كلها، فيما عبد الفتاح السيسي، وبعض نظرائه العرب، متلهفون إلى طبخ شيء له، لعله يحيي العظام الرميم لمفاوضاتٍ فلسطينيةٍ عربية، تتسلى بها الخارجية الأميركية بتقديم مقترحاتٍ للدفع بها، فيما تظل الأشياء على حالها، ويتم تفسير الماء بالماء كل مرة، إلى أن تطرأ أي طوارئ، أو تحدث أي أقدار، أو تنتهي ولاية ترامب الأولى، بانتظار الثانية، أو يستجدّ خلف له، وهكذا دواليك.. ولذلك، لم يكن أحمد أبو الغيط يثرثر بما لا يعرف، وإنما طُلب منه أن يفتتح مسارا سمجا مثل هذا، معروف البدايات والنهايات.
لنفترض أن "وراء الأكمة ما وراءها" في كلام أبو الغيط، وأن كل النفي المتواتر له إجراءٌ لا بد منه، في موسم كلامي كالذي نتابعه قبيل قمة البحر الميت، ثم في أثنائها، فذلك يعني أن "طبخةً" يجري إعدادها، ربما يتوهم المؤتمرون في الأردن أن دونالد ترامب سيستمزج مذاقها، لعلها تعجبه، فيبني عليها تصوّرا، ثم يحيي ما كنا نسميها عقودا "عملية السلام". لا شيء غير هذا الاحتمال، لفهم قصة تصريحات أبو الغيط ونفيها، والبادي أن هذه "الطبخة" يريدها عبد الفتاح السيسي، أو يتحمّس لها أكثر من غيره، يريد أن يعبر بها إلى رعايةٍ خاصة يحتاجها لشخصه ونظامه من إدارة ترامب. وإلا، لماذا هو، وليس رئيس القمة العربية المقبل، الملك عبدالله الثاني، من سيحمل مشروع التسوية (الغامض) والذي سيتم طبخه (أو سلقه على الأرجح)؟
ولكن، من قال إن ترامب مكترثٌ بالقصة كلها، من أين جاء إلى السيسي، وزملائه من أصحاب الجلالة والفخامة العرب، الوهم أن هذا الرئيس الأميركي معنيٌّ أصلا بعملية السلام، أو بجثتها على الأصح. يهم هذا الرجل المقيم في البيت الأبيض أن يُشاهد علاقاتٍ عربية إسرائيلية، نشطة أو باردة أو بيْن بيْن، أن يرى تواصلا بين حكومات عربية وإسرائيل. والأمر ليس صعباً، لكن الأحوال التعيسة في سورية وليبيا واليمن والعراق لا تجعل أهل القمة في البحر الميت، أو في أي تظاهرةٍ كلاميةٍ لهم، ينشغلون بأمرٍ كهذا في ظروفٍ كهذه. وفي وسعهم أن يقولوا إنهم سبق أن قدّموا مبادرة السلام العربية قبل 15 عاما، وهي تتضمن استعدادا عربيا للتطبيع مع إسرائيل، إذا ما بادرت هذه إلى استحقاقاته، لكنها أهملت المبادرة، ولم تلقٍ بالا لأيّ أمرٍ فيها، بل إن أهل الحكم والقرار العرب واظبوا، منذ تلك البادرة التاريخية منهم، على إطلاق إشاراتٍ لم تتوقف عن استعدادهم لتعديلها، إذا استجدّ ما "يوجب" هذا، بل إن من بنود مؤتمرهم في البحر الميت، كما في مؤتمرات سابقة، "تفعيل مبادرة السلام العربية".
الظاهر أن معاوني ترامب، في ملفات الشرق الأوسط، ليسوا في وارد أن يضيّعوا وقتهم في هذا الكلام الكلاسيكي المتقادم، فالرجل قال، في أثناء زيارة بنيامين نتنياهو له، إنه ليس مهما حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة أو أي حل، وإنما أن يكون الإسرائيليون سعداء، وأن يكون الفلسطينيون سعداء... بمثل هذه البساطة والسذاجة يرى الرئيس الأميركي الراهن قصة فلسطين كلها، فيما عبد الفتاح السيسي، وبعض نظرائه العرب، متلهفون إلى طبخ شيء له، لعله يحيي العظام الرميم لمفاوضاتٍ فلسطينيةٍ عربية، تتسلى بها الخارجية الأميركية بتقديم مقترحاتٍ للدفع بها، فيما تظل الأشياء على حالها، ويتم تفسير الماء بالماء كل مرة، إلى أن تطرأ أي طوارئ، أو تحدث أي أقدار، أو تنتهي ولاية ترامب الأولى، بانتظار الثانية، أو يستجدّ خلف له، وهكذا دواليك.. ولذلك، لم يكن أحمد أبو الغيط يثرثر بما لا يعرف، وإنما طُلب منه أن يفتتح مسارا سمجا مثل هذا، معروف البدايات والنهايات.