04 نوفمبر 2024
مُخيَّمات لبنان ومحاذير الانفجار
ليست الاشتباكات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان جديدة، فهي تندلع وتهدأ بين الفينة والأخرى. لكن الاشتباك الذي وقع يوم 26 فبراير/شباط الماضي، في مخيم عين الحلوة في صيدا، يعد استثنائياً في توقيته، إذ جاء بعد يوم من مغادرة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لبنان، مختتماً زيارة استغرقت ثلاثة أيام. وتساءل مسؤولون فلسطينيون، ومراقبون، إن كان عباس قد أعطى الضوء الأخضر لعملٍ عسكريٍّ ما بالتنسيق مع السلطة اللبنانية. وهو ما يمكن أن تكون له انعكاسات خطيرة على أبناء المخيمات وعلى لبنان ككل، أقلها، إن لم ينفجر الوضع، إعادة طرح الجدار العازل حول المخيم، أو ربما تكرار مأساة نهر البارد.
وهنالك وقائع، يرى محللون أنها مؤشّرات على أن زيارة عباس كانت ذات طابعٍ أمنيٍّ بحت، فعلى غير العادة لدى استقبال الرؤساء، حضر اللقاء الذي جمع الرئيسين، اللبناني ميشيل عون والفلسطيني محمود عباس، المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، ومدير المخابرات في الجيش اللبناني، العميد كميل ضاهر، ما يفيد بأن الطابع الأمني غلب على زيارة عباس. وفي هذا السياق، فإن موضوع سلاح المخيمات، وما يتردَّد عن اتخاذ مجموعات متطرّفة مخيم عين الحلوة مقراً لها، كان موضوع النقاش في هذا اللقاء. وجرى الحديث عن استعداد السلطة الفلسطينية تسليم قرار أمن المخيمات للجيش اللبناني، ما يعني نزح سلاح الفصائل فيه، بصفته قرارا استباقيا، حيث يُعتقد أن المجموعات المتطرّفة تعد للسيطرة عليه، بعد طرد حركة فتح منه. وهذا الأمر ربما استشعرته حركة حماس، فدعت إلى إعادة تشكيل اللجنة الأمنية العليا للحفاظ على أمن المخيم.
يعد الحرمان جوهر مشكلات سكان مخيم عين الحلوة (80 ألف نسمة)، كما غيره من
من جهة أخرى، وعند كل مواجهةٍ أو اشتباكٍ بين عناصر الفصائل الفلسطينية المختلفة في مخيم عين الحلوة، يبدأ طرح مسألة هذه المخيمات على طاولة السلطة اللبنانية، لإيجاد حلول لهذه الإشكالات، من دون البحث في مسبباتها أو جذورها. وعلى الخط الموازي، تعود أصوات اليمين اللبناني إلى الخروج من جديد، مطالبةً بحلولٍ لهذه المسألة، ليس أقلها تكرار تجربة مخيم نهر البارد، مُسبغين على الوجود الفلسطيني في لبنان صفة الشر الذي يعد مصدر كل توتر يشهده البلد. وكانت أبرز هذه الدعوات تهديد زعيم حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أوائل سنة 2012، بإمكانية تكرار تلك التجربة على خلفية مطالبته بتوقيف مسؤول في إحدى شبكات القاعدة، قيل يومها إنه موجود في المخيم. وهي التجربة التي شهدت هجوم الجيش اللبناني على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد، شمال لبنان، سنة 2007، واندلاع مواجهات بينه وبين تنظيم فتح الإسلام استمرت ثلاثة أشهر، أدت إلى نزوح سكانه ودمار 95% من مبانيه وبنيته التحتية، حسب ما قالته منظمة أونروا يومها.
يعد نزع سلاح المخيمات أحد أهم القضايا التي ينادي رموز الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بتنفيذها. ففي حين يرون فيه خطورةً على استقرار بلدهم، يرى فلسطينيون كثيرون أن هذا
ومن التبعات الأخرى التي قد تنتج عن الاشتباكات في المخيم وازدياد حدتها عودة الحكومة اللبنانية إلى طرح إقامة جدار عازل حول "عين الحلوة"، بعد أن أقلعت عنه بفعل المطالبة الفلسطينية بوقف بنائه، ومعارضة ناشطين لبنانيين له، معتبرين أنه جدارٌ عنصري آخر، يماثل الجدار الإسرائيلي العازل في الضفة الغربية المحتلة.
إن كان تسليم سلاح المخيمات للجيش اللبناني، واضطلاع هذا الجيش بمهمة أمنها، وخصوصا مخيم عين الحلوة، هو دافع زيارة عباس، فإننا قد نشهد تطوراتٍ كثيرة في هذا المجال في الأيام المقبلة. واستخدام القوة لتنفيذ هذا الأمر، سيحدث انفجاراً يتعدّى المخيم ليطاول المحيط، وربما بقية المخيمات. ولا شك أن ناراً من هذا القبيل ستُدخِل لبنان الذي يعيش سلماً أهلياً هشَّاً، في دوامة حربٍ جديدة، تبدو جهات لبنانية كثيرة مستعدة لها، وجاهزة للانخراط فيها.