27 سبتمبر 2018
حين يلتقي اليسار مع اليمين
ربما أظهرت الانتخابات الفرنسية ما يجب التدقيق فيه. لا أقصد من نجح إلى الدورة الثانية، أي ماكرون ولوبان، حيث يبدو أن ماكرون هو الأوفر حظاً، لكنني أقصد كيف أن أقصى اليمين: مارين لوبان، واليسار: ميلونشون، يتخذان المواقف نفسها في السياسة الخارجية. ولأن السياسة الخارجية هي استمرار للسياسة الداخلية، يبدو الموقف ملتبساً، حيث المفترض أنهما على طرفي نقيض في السياسة الاقتصادية، والسياسة الداخلية عموماً.
حتى فيون يتوافق معهما. وهذا ما يظهر واضحاً في العلاقة مع روسيا، والتعلُّق الشديد بفلاديمير بوتين. وأيضاً دعم النظام السوري وبشار الأسد. توافق مدهشٌ لا شك في ذلك، وربما غريبٌ أيضاً، لكنه قائم، وظهر خلال الحملة الانتخابية، ومن خلال تصريحات الطرفين. ما هذه "المصادفة"؟
يميل اليمين المتطرف الفرنسي، منذ زمن طويل، إلى "الانغلاق القومي"، ويرفض المهاجرين واليورو، وكل الاتفاقات الدولية حول التجارة. وهو يحاول أن يعيد "المجد القومي" إلى فرنسا. بالتالي، لم يكن محباً لأميركا، ويميل إلى التخلص من سيطرتها. لهذا، كان طبيعياً أن يميل نحو بوتين، الرئيس الذي سعى إلى مجد روسيا القومي، ولتحرّرها من الهيمنة الأميركية بعد سنواتٍ من الانهيار، سمح بسيطرة "فئاتٍ تابعة"، وأفضى إلى دمار قدرات روسيا. ولقد عاد بوتين إلى الرئاسة، بعد أن "سلَّفها" لصديقه ميدفيديف دورة واحدة، معلناً التزامه بالدستور الذي يمنعه الترشح أكثر من دورتين، عاد وهو ينوي التوسع الخارجي، وكسر عصا الطاعة لأميركا، بعد أن شعر بضعفها على ضوء الأزمة المالية العويصة التي وقعت فيها سنة 2008. وقد جعلته هذه الوضعية مركز استقطاب. حيث وجد اليمين المتطرّف فيه حليفاً من أجل كسر عصا الطاعة لأميركا، والتحرّر من سياساتها "التحرّرية" التي فرضت تعميم العولمة وفتح الأسواق والحرية المطلقة لرأس المال. ووجد اليسار فيه حليفاً ضد الهيمنة الأميركية أيضاً. ومن الطبيعي أن يلتقي اليمين المتطرّف مع بوتين المتطرّف في اليمين، حيث يريد أن يعيد تشكل العالم على أسس "قومية"، ويدفع نحو سيطرة إمبريالية جديدة لدولٍ كان عبء السيطرة والقدرة الأميركيتين يمنعان ذلك. وهو شكل من العودة إلى سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث تعمل رأسمالية كل دولة من الدول الإمبريالية على تشكيل التحالفات التي تفرضها قوة مهيمنة. بالتالي، ينظر اليمين إلى بوتين حليفاً إمبريالياً في صراع بين إمبرياليات للهيمنة على العالم.
هذا هو جوهر طبيعة اليمين المتطرّف (أو الشعبوي). ونحن إزاء محاولة أطرافٍ من الرأسمالية لأن تعيد السيطرة، وتشكيل تحالفاتٍ عالمية، لكي تصبح قوة مهيمنة، حيث تميل هذه الأطراف إلى التشدّد (التعصب) والعدوانية على أمل تحقيق ذلك. لكن، ما موقع اليسار من ذلك كله؟ ولماذا "يحب" بوتين والنظام السوري؟
ربما هي نزعة الـ "أنتي أميركا" التي تجمع بينهما، وهذا ملفتٌ. فأن يتوافق اليمين المتطرّف مع اليسار في هذه المسألة يثير أسئلةً كثيرة. وبالتالي أن يكون الموقف واحداً في التعامل مع الوضع الدولي، يطرح الشك في موقف اليسار، لأن من الطبيعي أن يسعى اليمين المحتج على هيمنة أميركا إلى التقارب والتحالف من أجل كسر هذه الهيمنة. لكن، إلى ماذا يهدف اليسار من هذا التقارب أو التحالف؟ الوقوف مع إمبريالية ضد أخرى؟
هذه هي النتيجة العملية، حيث يتحالف مع الإمبريالية الروسية ضد الأميركية. لكن المأساة هي في منظور هذا اليسار للصراع العالمي، حيث يعتبر أن روسيا ليست إمبرياليةً، بل دولةً وطنيةً، تعمل على التحرر من القبضة الأميركية. والنظام السوري هو كذلك ليس خاضعاً للإمبريالية الأميركية، وهذه تتآمر عليه. وهو ما يقوده الى اتخاذ موقف اليمين المتطرّف بتبريرٍ أيديولوجي مختلف، مع فارق أن اليمين المتطرّف يعرف مصالحه جيداً، بينما هذا اليسار تائه، لهذا يخدم مصالح الرأسمال ذاته.
هي ذاتها أوهام اليسار خلال الحرب العالمية الأولى تتكرّر.
حتى فيون يتوافق معهما. وهذا ما يظهر واضحاً في العلاقة مع روسيا، والتعلُّق الشديد بفلاديمير بوتين. وأيضاً دعم النظام السوري وبشار الأسد. توافق مدهشٌ لا شك في ذلك، وربما غريبٌ أيضاً، لكنه قائم، وظهر خلال الحملة الانتخابية، ومن خلال تصريحات الطرفين. ما هذه "المصادفة"؟
يميل اليمين المتطرف الفرنسي، منذ زمن طويل، إلى "الانغلاق القومي"، ويرفض المهاجرين واليورو، وكل الاتفاقات الدولية حول التجارة. وهو يحاول أن يعيد "المجد القومي" إلى فرنسا. بالتالي، لم يكن محباً لأميركا، ويميل إلى التخلص من سيطرتها. لهذا، كان طبيعياً أن يميل نحو بوتين، الرئيس الذي سعى إلى مجد روسيا القومي، ولتحرّرها من الهيمنة الأميركية بعد سنواتٍ من الانهيار، سمح بسيطرة "فئاتٍ تابعة"، وأفضى إلى دمار قدرات روسيا. ولقد عاد بوتين إلى الرئاسة، بعد أن "سلَّفها" لصديقه ميدفيديف دورة واحدة، معلناً التزامه بالدستور الذي يمنعه الترشح أكثر من دورتين، عاد وهو ينوي التوسع الخارجي، وكسر عصا الطاعة لأميركا، بعد أن شعر بضعفها على ضوء الأزمة المالية العويصة التي وقعت فيها سنة 2008. وقد جعلته هذه الوضعية مركز استقطاب. حيث وجد اليمين المتطرّف فيه حليفاً من أجل كسر عصا الطاعة لأميركا، والتحرّر من سياساتها "التحرّرية" التي فرضت تعميم العولمة وفتح الأسواق والحرية المطلقة لرأس المال. ووجد اليسار فيه حليفاً ضد الهيمنة الأميركية أيضاً. ومن الطبيعي أن يلتقي اليمين المتطرّف مع بوتين المتطرّف في اليمين، حيث يريد أن يعيد تشكل العالم على أسس "قومية"، ويدفع نحو سيطرة إمبريالية جديدة لدولٍ كان عبء السيطرة والقدرة الأميركيتين يمنعان ذلك. وهو شكل من العودة إلى سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث تعمل رأسمالية كل دولة من الدول الإمبريالية على تشكيل التحالفات التي تفرضها قوة مهيمنة. بالتالي، ينظر اليمين إلى بوتين حليفاً إمبريالياً في صراع بين إمبرياليات للهيمنة على العالم.
هذا هو جوهر طبيعة اليمين المتطرّف (أو الشعبوي). ونحن إزاء محاولة أطرافٍ من الرأسمالية لأن تعيد السيطرة، وتشكيل تحالفاتٍ عالمية، لكي تصبح قوة مهيمنة، حيث تميل هذه الأطراف إلى التشدّد (التعصب) والعدوانية على أمل تحقيق ذلك. لكن، ما موقع اليسار من ذلك كله؟ ولماذا "يحب" بوتين والنظام السوري؟
ربما هي نزعة الـ "أنتي أميركا" التي تجمع بينهما، وهذا ملفتٌ. فأن يتوافق اليمين المتطرّف مع اليسار في هذه المسألة يثير أسئلةً كثيرة. وبالتالي أن يكون الموقف واحداً في التعامل مع الوضع الدولي، يطرح الشك في موقف اليسار، لأن من الطبيعي أن يسعى اليمين المحتج على هيمنة أميركا إلى التقارب والتحالف من أجل كسر هذه الهيمنة. لكن، إلى ماذا يهدف اليسار من هذا التقارب أو التحالف؟ الوقوف مع إمبريالية ضد أخرى؟
هذه هي النتيجة العملية، حيث يتحالف مع الإمبريالية الروسية ضد الأميركية. لكن المأساة هي في منظور هذا اليسار للصراع العالمي، حيث يعتبر أن روسيا ليست إمبرياليةً، بل دولةً وطنيةً، تعمل على التحرر من القبضة الأميركية. والنظام السوري هو كذلك ليس خاضعاً للإمبريالية الأميركية، وهذه تتآمر عليه. وهو ما يقوده الى اتخاذ موقف اليمين المتطرّف بتبريرٍ أيديولوجي مختلف، مع فارق أن اليمين المتطرّف يعرف مصالحه جيداً، بينما هذا اليسار تائه، لهذا يخدم مصالح الرأسمال ذاته.
هي ذاتها أوهام اليسار خلال الحرب العالمية الأولى تتكرّر.