27 سبتمبر 2018
روسيا - إسرائيل وبالعكس
أظهر ردّ النظام السوري على القصف الإسرائيلي قافلة لحزب الله في منطقة تدمر تساؤلاً عن تغيّر في الوضع، خصوصاً بعد أن قامت روسيا بـ "الاحتجاج" لدى الدولة الصهيونية الذي ردّ عليه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالتأكيد على السياسة الصهيونية ضد حزب الله في سورية، وباستمرار القصف الصهيوني من دون ردّ سوري هذه المرة. أتى ذلك كله بعد تصريحات روسية أظهرت المعرفة والموافقة الروسية على هذا القصف، كما على التزام بإخراج حزب الله من سورية. فقد تكرّرت، أخيرا، تصريحات من مسؤولين روس حول إسرائيل، ودورها في سورية. حيث صرّح مسؤول لصحيفة صهيونية إن على حزب الله الانسحاب من سورية. تلاها بيان من مسؤول قاعدة حميميم يقول إن كل التطلعات الجوية الصهيونية في سورية تأتي بناء على إحداثياتٍ تعطى للروس لكيلا يقصفها هؤلاء. وعلى الرغم من أن مسؤولا روسيا صرّح بنفي ذلك، وحيث جرى سحب البيان من موقع القاعدة، لم يجرِ نفي الحديث الروسي عن طلب سحب حزب الله من سورية. على العكس، ذهب نتنياهو الى موسكو في زيارة لتثبيت مصالح الدولة الصهيونية في سورية.
ما كان "سرياً" في العلاقة بين روسيا والدولة الصهيونية بات يُطرح علناً، وربما لعبت الصحافة الصهيونية دوراً في كشف هذه العلاقة، لكن تواتر زيارات نتنياهو توضّح أكثر مدى التطور في العلاقات، ومدى التفاهم المتحقق بين البلدين. حيث من الواضح الميل الصهيوني إلى تحقيق تطور كبير في العلاقة مع روسيا، والحكومة الصهيونية تتحسّس تراخي الموقف الأميركي، وتخشى من تراجع كبير في السياسة الأميركية تجاهها، وهو الأمر الذي كان واضحاً طوال ولايتي الرئيس باراك أوباما، وعلى الرغم من تأييدها الشديد من دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية، فإن الدولة الصهيونية تعرف الفارق بين تصريحات الاستهلاك والسياسة العملية التي تفرضها "المؤسسة" في أميركا، وهي تعرف تراجع الميل الأميركي نحو "الشرق الأوسط". لهذا، تتمسّك بتعزيز هذه العلاقة مع روسيا، لكي تكون بديلاً ممكناً في وضع عالمي يشهد تحولات كبيرة.
ولا شك أيضاً أن روسيا تسعى إلى أنْ ترث كل مرتكزات القوة التي اعتمدتها أميركا في "الشرق الأوسط"، وهي تسعى إلى أن تهيمن عليه. وهي، كما أشرت مراراً، تعتبر أن وجود نسبة كبيرة من الروس (الذين ليسوا يهوداً) يساعدها على التحكّم بدولةٍ يمكن أن تكون مرتكزاً للهيمنة الإقليمية، وربما عنصراً مساعداً لوجودها العسكري في سورية، وهي تحلم بالسيطرة على "الشرق الأوسط". بالتالي، هي معنية بتطوير العلاقة مع الدولة الصهيونية، و"أخذ الأمن الإسرائيلي بعين الاعتبار". وهذا يعني وقف اللعب الإيراني بالورقة الفلسطينية وورقة "المقاومة" عبر حزب الله، وبالتالي تحجيم قدرات حزب الله، وربما السعي إلى تحويله إلى "حزب سياسي". ولكنه يعني كذلك إخراج إيران من سورية، وقطع الطريق الرابط بين إيران وحزب الله. وهنا، تكون السيطرة الروسية على سورية ضرورة إسرائيلية من أجل ذلك، وحاجة روسية لتعزيز العلاقة مع الدولة الصهيونية.
ولا شك في أن روسيا تستغلّ قوات حزب الله وإيران، من أجل فرض سيطرة "النظام" على الأرض بديلاً عن قواتٍ ترسلها، وهذه هي حاجتها الآن لكل منهما، وهي تكرّس سيطرتها على سورية. إنها تعتبر أن تلك القوات هي مرتزقة يخدمونها في سياستها للسيطرة على سورية، لكنها تعرف أن عليها التخلص منهم، خدمةً لمصالحها في سورية، وخدمةً لعلاقتها بالدولة الصهيونية. وسنجدها تعمل، في حال استطاعت السيطرة و"حسم الصراع"، على فرض "سلامٍ" بين الدولة الصهيونية وكل من سورية ولبنان، ربما أسوأ من "سلام" كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو.
ما يُكشف في هذا الوقت يُظهر مدى تطور العلاقة بينهما، وحرص كل منهما على هذه العلاقة، وعلى تطويرها. وكذلك يكشف مدى اهتمام روسيا بـ "مصالح" إسرائيل في "الجبهة الشمالية". هذا أمر أظن أنه بات أكثر من واضح، حيث أولوية روسيا هي التحالف مع الدولة الصهيونية، وأنها كذلك معنيةٌ بالسيطرة على سورية، وتحقيق مصالحها فيها. وفي هذا الإطار، تجد إيران منافساً، لهذا تتوافق مصالحها مع مصالح الدولة الصهيونية. وروسيا تريد إنهاء الصراع في "الجبهة الشمالية". وبالتالي، لا تريد اللعب بورقة المقاومة. وسنلمس كيف ستسعى إلى فرض حلّ على هذه الجبهة، سواء سوري إسرائيلي أو لبناني إسرائيلي. بمعنى أن روسيا سوف تكمل ما بدأته أميركا في إخضاع الدول العربية لـ "السلام الصهيوني"، فروسيا ليست معنية بـ "المقاومة"، ولا بـ "تحرير فلسطين"، بل أنها معنيةٌ بأن تصبح الدولة الصهيونية قوة مركزية في "الشرق الأوسط" تحت هيمنتها، وهي تسعى إلى الهيمنة على "الشرق الأوسط". روسيا "تُقلِّد" أميركا، كانت وما زالت، ولا يبدو أن لديها خيالا يسمح بأن تلعب بطريقة أخرى غير تلك الطريقة التي لعبت بها أميركا.
ماذا نقول لقوى "الممانعة" التي تنتصر بروسيا على الشعب السوري، وتسهّل للدولة الصهيونية قصف سلاح حزب الله؟ ألا يقود التعصّب لنظام إلى الوقوع في أحضان العدو؟ هذا ما يحدث بالضبط، حيث أنها تجد ذاتها في صفّ العدو الذي تقول إنها تقاتله. هنا الفارق بين الكلاملوجيا والواقع، أو بين الشعارات والواقع، فالشعارات تُستخدم هنا للتغطية على واقع مأساوي، يفيد بأن الممانعة، ومن أجل الدفاع عن النظام السوري، تقع في شرك التحوّل إلى أداة بيد إمبريالية، تريد السيطرة وتكريس العدو الصهيوني. إنها تشتم الإمبريالية، والاحتلال الصهيوني، وترفض التطبيع، وتريد تحرير كل فلسطين، لكنها تحت هذه الشعارات الكبيرة تعمل تحت قيادة دولة إمبريالية، تريد تكريس الدولة الصهيونية ونهب سورية، بعد أن شاركت في تدميرها، وتسعى إلى إكمال فرض "السلام" الصهيوني على المنطقة.
روسيا دولة إمبريالية تحاول وراثة الإمبريالية الأميركية، بما في ذلك دور الدولة الصهيونية قاعدة للسيطرة الإمبريالية. واليسار الممانع يعتبرها حليفاً موثوقاً ضد "الإمبريالية"، بعد أن "استقلت" عنها، وأخذت تنشط لدعم الشعوب، والدفاع عن "النظم الوطنية". هذا الوهم المرَضي الذي يؤشّر على جهل مُطْبِق يؤدي إلى سياسة معاكسة للشعارات المرفوعة.
ما كان "سرياً" في العلاقة بين روسيا والدولة الصهيونية بات يُطرح علناً، وربما لعبت الصحافة الصهيونية دوراً في كشف هذه العلاقة، لكن تواتر زيارات نتنياهو توضّح أكثر مدى التطور في العلاقات، ومدى التفاهم المتحقق بين البلدين. حيث من الواضح الميل الصهيوني إلى تحقيق تطور كبير في العلاقة مع روسيا، والحكومة الصهيونية تتحسّس تراخي الموقف الأميركي، وتخشى من تراجع كبير في السياسة الأميركية تجاهها، وهو الأمر الذي كان واضحاً طوال ولايتي الرئيس باراك أوباما، وعلى الرغم من تأييدها الشديد من دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية، فإن الدولة الصهيونية تعرف الفارق بين تصريحات الاستهلاك والسياسة العملية التي تفرضها "المؤسسة" في أميركا، وهي تعرف تراجع الميل الأميركي نحو "الشرق الأوسط". لهذا، تتمسّك بتعزيز هذه العلاقة مع روسيا، لكي تكون بديلاً ممكناً في وضع عالمي يشهد تحولات كبيرة.
ولا شك أيضاً أن روسيا تسعى إلى أنْ ترث كل مرتكزات القوة التي اعتمدتها أميركا في "الشرق الأوسط"، وهي تسعى إلى أن تهيمن عليه. وهي، كما أشرت مراراً، تعتبر أن وجود نسبة كبيرة من الروس (الذين ليسوا يهوداً) يساعدها على التحكّم بدولةٍ يمكن أن تكون مرتكزاً للهيمنة الإقليمية، وربما عنصراً مساعداً لوجودها العسكري في سورية، وهي تحلم بالسيطرة على "الشرق الأوسط". بالتالي، هي معنية بتطوير العلاقة مع الدولة الصهيونية، و"أخذ الأمن الإسرائيلي بعين الاعتبار". وهذا يعني وقف اللعب الإيراني بالورقة الفلسطينية وورقة "المقاومة" عبر حزب الله، وبالتالي تحجيم قدرات حزب الله، وربما السعي إلى تحويله إلى "حزب سياسي". ولكنه يعني كذلك إخراج إيران من سورية، وقطع الطريق الرابط بين إيران وحزب الله. وهنا، تكون السيطرة الروسية على سورية ضرورة إسرائيلية من أجل ذلك، وحاجة روسية لتعزيز العلاقة مع الدولة الصهيونية.
ولا شك في أن روسيا تستغلّ قوات حزب الله وإيران، من أجل فرض سيطرة "النظام" على الأرض بديلاً عن قواتٍ ترسلها، وهذه هي حاجتها الآن لكل منهما، وهي تكرّس سيطرتها على سورية. إنها تعتبر أن تلك القوات هي مرتزقة يخدمونها في سياستها للسيطرة على سورية، لكنها تعرف أن عليها التخلص منهم، خدمةً لمصالحها في سورية، وخدمةً لعلاقتها بالدولة الصهيونية. وسنجدها تعمل، في حال استطاعت السيطرة و"حسم الصراع"، على فرض "سلامٍ" بين الدولة الصهيونية وكل من سورية ولبنان، ربما أسوأ من "سلام" كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو.
ما يُكشف في هذا الوقت يُظهر مدى تطور العلاقة بينهما، وحرص كل منهما على هذه العلاقة، وعلى تطويرها. وكذلك يكشف مدى اهتمام روسيا بـ "مصالح" إسرائيل في "الجبهة الشمالية". هذا أمر أظن أنه بات أكثر من واضح، حيث أولوية روسيا هي التحالف مع الدولة الصهيونية، وأنها كذلك معنيةٌ بالسيطرة على سورية، وتحقيق مصالحها فيها. وفي هذا الإطار، تجد إيران منافساً، لهذا تتوافق مصالحها مع مصالح الدولة الصهيونية. وروسيا تريد إنهاء الصراع في "الجبهة الشمالية". وبالتالي، لا تريد اللعب بورقة المقاومة. وسنلمس كيف ستسعى إلى فرض حلّ على هذه الجبهة، سواء سوري إسرائيلي أو لبناني إسرائيلي. بمعنى أن روسيا سوف تكمل ما بدأته أميركا في إخضاع الدول العربية لـ "السلام الصهيوني"، فروسيا ليست معنية بـ "المقاومة"، ولا بـ "تحرير فلسطين"، بل أنها معنيةٌ بأن تصبح الدولة الصهيونية قوة مركزية في "الشرق الأوسط" تحت هيمنتها، وهي تسعى إلى الهيمنة على "الشرق الأوسط". روسيا "تُقلِّد" أميركا، كانت وما زالت، ولا يبدو أن لديها خيالا يسمح بأن تلعب بطريقة أخرى غير تلك الطريقة التي لعبت بها أميركا.
ماذا نقول لقوى "الممانعة" التي تنتصر بروسيا على الشعب السوري، وتسهّل للدولة الصهيونية قصف سلاح حزب الله؟ ألا يقود التعصّب لنظام إلى الوقوع في أحضان العدو؟ هذا ما يحدث بالضبط، حيث أنها تجد ذاتها في صفّ العدو الذي تقول إنها تقاتله. هنا الفارق بين الكلاملوجيا والواقع، أو بين الشعارات والواقع، فالشعارات تُستخدم هنا للتغطية على واقع مأساوي، يفيد بأن الممانعة، ومن أجل الدفاع عن النظام السوري، تقع في شرك التحوّل إلى أداة بيد إمبريالية، تريد السيطرة وتكريس العدو الصهيوني. إنها تشتم الإمبريالية، والاحتلال الصهيوني، وترفض التطبيع، وتريد تحرير كل فلسطين، لكنها تحت هذه الشعارات الكبيرة تعمل تحت قيادة دولة إمبريالية، تريد تكريس الدولة الصهيونية ونهب سورية، بعد أن شاركت في تدميرها، وتسعى إلى إكمال فرض "السلام" الصهيوني على المنطقة.
روسيا دولة إمبريالية تحاول وراثة الإمبريالية الأميركية، بما في ذلك دور الدولة الصهيونية قاعدة للسيطرة الإمبريالية. واليسار الممانع يعتبرها حليفاً موثوقاً ضد "الإمبريالية"، بعد أن "استقلت" عنها، وأخذت تنشط لدعم الشعوب، والدفاع عن "النظم الوطنية". هذا الوهم المرَضي الذي يؤشّر على جهل مُطْبِق يؤدي إلى سياسة معاكسة للشعارات المرفوعة.