25 اغسطس 2024
وصية رفعت الأسد
كلما تحدثتُ عن سيادة الدكتور رفعت الأسد، الرئيس السابق لسرايا الدفاع، ترتسم الابتساماتُ على وجوه أصدقائي، لاعتقادهم أنني سأتحدث بشيء من السخرية والتهكّم عن ذلك القرار الغريب الذي أصدره الدكتور حسين جمعة في سنة 2011، ويتضمن طَرْدَنَا، أنا وهو، من عضوية اتحاد الكتاب العرب، بقرارٍ واحد؛ فوقتها فوجئ الجميع بأن الدكتور رفعت الأسد متعدد المواهب، و(يُذاكر من ورانا) إلى درجة أنه عضو أصيل في اتحاد الكتاب العرب، مثل حنا مينه وهاني الراهب وفايز خضور وكوليت الخوري وناديا خوست ونضال الصالح وعبدو محمد!
أريد أن أقول لأولئك الأصدقاء إن الموضوع الآن لا يحتمل ابتساماتٍ وضحكاتٍ وأخذاً ورداً، فقد وقع الفأسُ، كما يقولُ المثل الشعبي، في الرأس، ففي غمرة قصف النظام السوري المدنيينَ بالكيماوي، والضربة الأميركية لمطار الشعيرات، داهمت الشرطة الإسبانية منزلَ الدكتور رفعت، وحجزت على أمواله البالغة ستمئة وواحداً وتسعين مليون يورو، بناء على تقرير من محكمة فرنسية، يتحدث عن الغش والتدليس واختلاس الأموال العامة وغسيلها، علماً أن التقرير نفسه يقول إن شقيقَه الرئيسَ الراحل حافظ الأسد قد أعطاه، في سنة 1984، ثلاثمئة مليون دولار، فقط. وهذا صحيحٌ بالفعل، ونحن نعرف تتمة الرواية، وهي أن حافظاً أوصل شقيقه إلى مطار دمشق الدولي، وهناك ناوله كيس النقود، وربت على كتفه، وقال له: يا أخي، و"شَكيكي"، هذه الأموال أموالك، إنها حصتك الإرثية بحسب شرع الله ورسوله، وإن شاء الله تعالى تصرفها بالهناء والشفاء وعَرَق العافية. ولأن الراحل حافظ الأسد لا يبكي عادةً، فقد استعاض عن دموع الفراق بأن قَرَصَ رفعت من خده، وقال له: إياك أن تصرفها على الملذّات الشخصية رفعت، أنا أعرفك! فدلّى الأخ الأصغر رأسه، وقال بتهذيب جم: أمرك يا خي حافظ.
ولا شك أن القائد رفعت قد عمل في البلاد الفرنسية، خلال هاتيك العقود، بكل شرفٍ وإخلاص، بدليل أن المبلغ الصغير 300 مليون دولار استغرق 33 سنة حتى أصبح 691 مليون يورو، وهذا ينفي عنه أية تهمة لها علاقة بالاختلاس وغسيل الأموال. ويدل، منطقياً، على أن الرجل عمل، وكدح، واستثمر، وغامر، وحصل على ما يسمى في عُرف التجارة "الربح الحلال" الذي تقل نسبته السنوية عن خمسة بالمئة.
تقول الأخبار التي لا ندري مدى صحتها إن القائد رفعت الذي تلقى نبأ الحجز على أملاكه، وهو في سن التاسعة والسبعين، قد سارع إلى كتابة وصيته، وبدا خلالها نادماً على ما فعل، إذ يذكر أنه كان أحمق متهوراً، إذ رضي بهذا المبلغ التافه (300 مليون دولار) وغادر سورية الأسد، بينما حصل شقيقه الأوسط، جميل، على مغانم لا تعد ولا تحصى، أولُها العيش في ربوع الوطن وعدم التعرّض لذل الاغتراب، وثانيها استنشاق هواء الجبال والوديان المحمّل بروائح النعنع البري، وثالثها الحصول على أملاك وأطيان ثابتة، يمكنه أن يورثها لأبنائه، بدليل أن ثروته، قُدِّرَتْ، يومَ رحيله إلى الدنيا الفانية، بخمسة مليارات دولار، هذا مع أنه، أعني جميلاً، لم يفعل عِشْرَ معشار ما فعله رفعت، فهو لم يقتل، ولم يضرب، ولم يَقصف سجن تدمر، وطلع بين الناس ببياض الوجه.
الاكتشاف المتأخر الثاني الذي توصل إليه الزميل المفصول من اتحاد الكتاب العرب رفعت هو أن فرنسا، والدول الاستعمارية بشكل عام، لا يُؤْمَنُ جانبها، فهي تعطي القادمَ إليها من طرف اللسان حلاوةً، وتروغ منه كما يروغ الثعلبُ. لذلك فهو ينصح كل إنسان يأخذ حصته من ميراث أبيه أن يذهب فوراً إلى إيران أو فنزويلا أو كوريا الشمالية، فتلك بلاد المناضلين التي تعرف قيمة المناضلين، وتقدّرهم حق قدرهم.
وا أسفاه عليك، يا زميل رفعت، لقد دفعتَ ثمن براءتك وطيبة قلبك.
أريد أن أقول لأولئك الأصدقاء إن الموضوع الآن لا يحتمل ابتساماتٍ وضحكاتٍ وأخذاً ورداً، فقد وقع الفأسُ، كما يقولُ المثل الشعبي، في الرأس، ففي غمرة قصف النظام السوري المدنيينَ بالكيماوي، والضربة الأميركية لمطار الشعيرات، داهمت الشرطة الإسبانية منزلَ الدكتور رفعت، وحجزت على أمواله البالغة ستمئة وواحداً وتسعين مليون يورو، بناء على تقرير من محكمة فرنسية، يتحدث عن الغش والتدليس واختلاس الأموال العامة وغسيلها، علماً أن التقرير نفسه يقول إن شقيقَه الرئيسَ الراحل حافظ الأسد قد أعطاه، في سنة 1984، ثلاثمئة مليون دولار، فقط. وهذا صحيحٌ بالفعل، ونحن نعرف تتمة الرواية، وهي أن حافظاً أوصل شقيقه إلى مطار دمشق الدولي، وهناك ناوله كيس النقود، وربت على كتفه، وقال له: يا أخي، و"شَكيكي"، هذه الأموال أموالك، إنها حصتك الإرثية بحسب شرع الله ورسوله، وإن شاء الله تعالى تصرفها بالهناء والشفاء وعَرَق العافية. ولأن الراحل حافظ الأسد لا يبكي عادةً، فقد استعاض عن دموع الفراق بأن قَرَصَ رفعت من خده، وقال له: إياك أن تصرفها على الملذّات الشخصية رفعت، أنا أعرفك! فدلّى الأخ الأصغر رأسه، وقال بتهذيب جم: أمرك يا خي حافظ.
ولا شك أن القائد رفعت قد عمل في البلاد الفرنسية، خلال هاتيك العقود، بكل شرفٍ وإخلاص، بدليل أن المبلغ الصغير 300 مليون دولار استغرق 33 سنة حتى أصبح 691 مليون يورو، وهذا ينفي عنه أية تهمة لها علاقة بالاختلاس وغسيل الأموال. ويدل، منطقياً، على أن الرجل عمل، وكدح، واستثمر، وغامر، وحصل على ما يسمى في عُرف التجارة "الربح الحلال" الذي تقل نسبته السنوية عن خمسة بالمئة.
تقول الأخبار التي لا ندري مدى صحتها إن القائد رفعت الذي تلقى نبأ الحجز على أملاكه، وهو في سن التاسعة والسبعين، قد سارع إلى كتابة وصيته، وبدا خلالها نادماً على ما فعل، إذ يذكر أنه كان أحمق متهوراً، إذ رضي بهذا المبلغ التافه (300 مليون دولار) وغادر سورية الأسد، بينما حصل شقيقه الأوسط، جميل، على مغانم لا تعد ولا تحصى، أولُها العيش في ربوع الوطن وعدم التعرّض لذل الاغتراب، وثانيها استنشاق هواء الجبال والوديان المحمّل بروائح النعنع البري، وثالثها الحصول على أملاك وأطيان ثابتة، يمكنه أن يورثها لأبنائه، بدليل أن ثروته، قُدِّرَتْ، يومَ رحيله إلى الدنيا الفانية، بخمسة مليارات دولار، هذا مع أنه، أعني جميلاً، لم يفعل عِشْرَ معشار ما فعله رفعت، فهو لم يقتل، ولم يضرب، ولم يَقصف سجن تدمر، وطلع بين الناس ببياض الوجه.
الاكتشاف المتأخر الثاني الذي توصل إليه الزميل المفصول من اتحاد الكتاب العرب رفعت هو أن فرنسا، والدول الاستعمارية بشكل عام، لا يُؤْمَنُ جانبها، فهي تعطي القادمَ إليها من طرف اللسان حلاوةً، وتروغ منه كما يروغ الثعلبُ. لذلك فهو ينصح كل إنسان يأخذ حصته من ميراث أبيه أن يذهب فوراً إلى إيران أو فنزويلا أو كوريا الشمالية، فتلك بلاد المناضلين التي تعرف قيمة المناضلين، وتقدّرهم حق قدرهم.
وا أسفاه عليك، يا زميل رفعت، لقد دفعتَ ثمن براءتك وطيبة قلبك.