26 سبتمبر 2023
اضحك مع انتخابات الجزائر
في جرعة زائدة من الكوميديا السياسية العربية المعهودة، جرت الانتخابات التشريعية الجزائرية في الرابع من مايو/ أيار الجاري، لتمنح للأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري الذي قاطع تلك الانتخابات بنسبة 62% (17 مليون صوت مقاطع ورافض من أصل 23 مليون مسجل) الفرصة لأن تضحك، بدل أن تمارس حقها في الاختيار الحر والنزيه، وأن تتجاوز الواقع المرير من خلال البحث في تناقضاته الصاخبة، وأن تعانق أرقى أنواع السخرية، بدل أن تمارس الديمقراطية.
وبغض النظر عن النتائج المستنسخة عن المناسبات الانتخابية السابقة، والتي كرّست المشهد البليد نفسه، عن هيمنة حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، على البرلمان الجديد، مع منح بعض الفتات للإسلاميين والديمقراطيين، فإن الكوميديا السياسية التي تفتقت عنها عبقرية المنخرطين في هذه الانتخابات من أحزاب موالاة ومعارضة تسير، بشكل أو بآخر، وفق أوامر مشغليها، كانت وبامتياز أهم إنجازٍ سيبقى راسخا في أذهان الجماهير التي تابعت كل ما جرى بمشاعر ممزوجة بالدهشة والاستغراب والسخرية، كما لو أن الأمر يتعلق بجلسة سمر إخوانية، وليس بمصير أمةٍ، ولا بتقرير مصير شعب.
تصوّروا كيف أن رئيس حكومة أكبر دولة أفريقيةٍ يخاطب في تجمع نسائي، غداة انتهاء الحملة الانتحابية، جموع النسوة المنجذبات لبرنامج الرقص الشرقي، ليطالبهن بكركرة (جرجرة) رجالهن يوم الاقتراع جرّا ! وفي حال رفض أزواجهن التصويت، ما عليهن، كما أضاف المسؤول، سوى أن يمنعن قهوة الصباح على أولئك الرجال، بل وضربهم بالعصا إذا لزم الأمر! كانت هذه دعوة رسمية، ولم تكن نكتة سياسية، وحين تناقل الجزائريون هذه الدعوة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان لا بد من إخراج مخزون السخرية العربية من عقالها، لتنتج نكتا قاسيةً على ما كانت تعرف بـ "الرجلة الجزائرية السائرة في طريق الانقراض"، وكيف صار الجزائري، المعروف بشهامته وأنفته، مادة للاستهزاء عبر كم هائل من الرسومات الكاريكاتورية والتعليقات المؤلمة التي تذكّر بحالة من الإخصاء الجماعي التي تعيشها الأمة العربية، ليس فقط في مواجهة التغوّل الاسرائيلي ومخططات التفتيت، بل وفي مواجهة الزوجات في البيوت العربية كلها.
كان خطاب الوزير الأول، عبد المالك سلال ذاك، مشهدا اختزل كل شيء، ليفتح المجال أمام جميع الفاعلين السياسيين في الجزائر تقريبا، لكي يشاركوا بما تفتقت عنه عبقريتهم في إنتاج الضحك الممزوج للأسف، في أحيانٍ كثيرة، بالبلادة، كأن يتطوع زعيم الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، الدكتور ولد عباس، بالإعلان أن القائد الاسلامي الكبير عقبة بن نافع كان ينتمي لحزبه، وأن زعيم المقاومة الشعبية في بداية احتلال فرنسا الجزائر، الأمير عبد القادر، كان من أنصار الجبهة. وعليه، فقد وجد أن من حق الجبهة التي برأيه حرّرت الجزائر من الاستعمار أن تحكم البلاد خلال المائة سنة المقبلة (!). وعلى هذا النسق، دخل هذا المعترك الهزلي رؤساء أحزاب أخرى كثيرون، فكان أن خطب أحدهم في الجماهير مؤكدا أن قوائم حزبه تضم مرشحين "ملائكة"، وأن رقم حزبه 19 جاء بعناية إلهية، استنادا للآية الكريمة "عليها تسعة عشر"! وفضل مرشح آخر رفع شعار "الرجل الذي لا يغلق هاتفه". وللغرابة، فإن كل الاتصالات التي حاولت الوصول إليه حتى من رجال الإعلام باءت بالفشل، لكون هاتف المرشح الهمام مغلقاً على طول.. ووجد عدد من رؤساء الأحزاب في وضعيات حرجة، عندما حجزوا قاعاتٍ للحشد الشعبي، وجهّزوها بالكامل، لكنهم وجدوا أنفسهم في قاعاتٍ فارغة، لم تسعفهم حتى للانسحاب بشرف، في حين حجز الحزب الثاني في البلاد، الذي يقوده مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، ظهور بعض الشباب البطال، ليضع فوقها لافتاتٍ دعائيةً للحزب، تجوب الأحياء والشوارع، ووجدت أحزابٌ أخرى نفسها في غاية الإحراج، بعد أن ظهرت بعض قوائمها الانتخابية بصور أشباح، هي لنساءٍ رفضن وضع صورهن على الملصقات. وللغرابة أيضا، أن جل هذه الحالات كانت داخل الأحزاب العلمانية، وليس الإسلامية. ومن باب الانتقام من الرجال، لجأ رئيس حزب معروف إلى تشكيل قائمة انتخابية من النساء فقط، مستغلا ثغرةً في القانون الذي يمنع تشكيل قوائم انتخابية من الرجال فقط.
ولأن المنافسة الانتخابية، هذه المرة، لم تكن أبدا بين الأحزاب، ولا البرامج السياسية، بقدر ما كانت ضد المقاطعة والمقاطعين، وصلت حمى المقاطعة إلى المشاركين في هذه الانتخابات أنفسهم، حيث أعلنت السلطات المشرفة على العملية أن 50% من المترشحين غابوا عن تسجيل تدخلاتهم في الإذاعة والتلفزيون، وقاطعوا أنفسهم بأنفسهم، وعلى الرغم من أن الحملة الرسمية انطلقت بشعار "سمّع صوتك" الذي تخللته فضيحة صورة امرأة من جامعة إسرائيلية خضعت لعملية "الفوتوشوب"، وهي تحمل بطاقة الناخب الجزائرية، إلا أن المقاطعين عارضوها بشعار "طلع سروالك"، تزامنا وإعلان السلطات إنجاز مصنع كبير لصناعة سراويل الجينز.
ومن أكثر الطرائف في هذه الانتخابات أن ترسانة الدعاية الانتخابية، بقصد المشاركة الشعبية، والتي صرفت عليها الدولة والموالون مليارات الدنانير، حطمها في دقائق معدودة اثنان من الفنانين الشباب، الأول كان اليوتوبر شمس الدين عمراني، المعروف باسم شميسو ديزاد جوكر، بمقطع رهيب على "يوتيوب" بعنوان "مانصوطيش"، فقد وصل أعداد متابعيه إلى حوالي خمسة ملايين متابع على "يوتيوب"، جعلته محط أنظار القنوات العالمية. وإلى جانبه الشاب الفنان أنس تينا، الذي أبدع مقطعا يحاكي فيه فيلم "الرسالة" الشهير، يسخر فيه من الانتخابات ومن يشارك فيها، ولقي بدوره متابعة كبيرة بقرابة أربعة ملايين متابعة، الأمر الذي أحدث زلزالا في أوساط السلطة. والمثير أن السلطة لم تجد من يردّ على هؤلاء الشباب الذين هم في العشرينات من العمر، غير وزير الشؤون الدينية والأوقاف بجلال قدره، وعظيم منزلته، خصوصا أن الوزارة المعنية كانت وراء دعوة الأئمة إلى إلقاء خطبة جمعة موحدة لدعوة قرابة 15 مليون مصلٍّ للمشاركة في الانتخابات، باعتبارها كما قال الوزير "إحدى سنن الرسول الكريم"، فكان الرد، لأول مرة في البلاد، بدعوات مضادّة، وصلت إلى حد التهديد بمقاطعة الصلاة نفسها.
وفي النتيجة، فإن هذه الانتخابات الهزلية التي ترشح لها 12 ألف مترشح، نصفهم لا يمتلكون أي مؤهل علمي أو ثقافي، كما ترشّحت لها أصناف عجيبة وغريبة من الكائنات، على غرار ترشح خريجات بيوت الدعارة كما حصل مع مرشحة، قد أفرزت نتائج لا تقل سخريةً، وقد نجح من بين الناجحين أميون وبطالون وبقارة (تعبير جزائري تعني بائعي البقر)، وأصحاب ورشات نجارة وحدادة، وقابلات في مستشفيات الولادة، بل وأصحاب سوابق عدلية ومتابعون قضائيا بتهم خطيرة، كالقتل وغيره، وطبعا ولاستكمال فصول الكوميديا هذه، فاز أيضا نجوم كوميديا من فناني الدرجة الثانية.
كانت انتخابات الجزائر، الأسبوع الماضي، بالفعل مناسبة كبرى للضحك، على الذات وعلى الوضع برمته، ليس لأن برلمان الجزائر، على تعاقب المنتمين إليه، لم يغير فاصلة واحدة من مشاريع الحكومة، ولا أسقط يوما حكومةً أو حتى وزيرا، ولا حظي بزيارة واحدة لرئيس الجمهورية، وقد تحوّل عمليا بفعل فاعلٍ إلى غرفةٍ للتسجيل والمصادقة، وإنما لأن هذه الانتخابات تحديدا كانت بحق أقل من مهزلة، وأكبر قليلا من العار. والمدهش هنا هو كيف تختلط الكوميديا بالتراجيديا، والمأساة بأوضاع هزليةٍ كهذه؟ هل سيضحك الجزائريون كثيرا وطويلا أيضا وفي عيونهم الدمع؟ أيّ تعبيرٍ بشريٍّ يمكن أن يصف صورة شعبٍ يقاوم القهر بالتنكيت؟ أليست هذه تشبه مصر وضحك كالبكا يحاصرها، أم كم ذا في الجزائر من مضحكات، ولكن..؟!
وبغض النظر عن النتائج المستنسخة عن المناسبات الانتخابية السابقة، والتي كرّست المشهد البليد نفسه، عن هيمنة حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، على البرلمان الجديد، مع منح بعض الفتات للإسلاميين والديمقراطيين، فإن الكوميديا السياسية التي تفتقت عنها عبقرية المنخرطين في هذه الانتخابات من أحزاب موالاة ومعارضة تسير، بشكل أو بآخر، وفق أوامر مشغليها، كانت وبامتياز أهم إنجازٍ سيبقى راسخا في أذهان الجماهير التي تابعت كل ما جرى بمشاعر ممزوجة بالدهشة والاستغراب والسخرية، كما لو أن الأمر يتعلق بجلسة سمر إخوانية، وليس بمصير أمةٍ، ولا بتقرير مصير شعب.
تصوّروا كيف أن رئيس حكومة أكبر دولة أفريقيةٍ يخاطب في تجمع نسائي، غداة انتهاء الحملة الانتحابية، جموع النسوة المنجذبات لبرنامج الرقص الشرقي، ليطالبهن بكركرة (جرجرة) رجالهن يوم الاقتراع جرّا ! وفي حال رفض أزواجهن التصويت، ما عليهن، كما أضاف المسؤول، سوى أن يمنعن قهوة الصباح على أولئك الرجال، بل وضربهم بالعصا إذا لزم الأمر! كانت هذه دعوة رسمية، ولم تكن نكتة سياسية، وحين تناقل الجزائريون هذه الدعوة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان لا بد من إخراج مخزون السخرية العربية من عقالها، لتنتج نكتا قاسيةً على ما كانت تعرف بـ "الرجلة الجزائرية السائرة في طريق الانقراض"، وكيف صار الجزائري، المعروف بشهامته وأنفته، مادة للاستهزاء عبر كم هائل من الرسومات الكاريكاتورية والتعليقات المؤلمة التي تذكّر بحالة من الإخصاء الجماعي التي تعيشها الأمة العربية، ليس فقط في مواجهة التغوّل الاسرائيلي ومخططات التفتيت، بل وفي مواجهة الزوجات في البيوت العربية كلها.
كان خطاب الوزير الأول، عبد المالك سلال ذاك، مشهدا اختزل كل شيء، ليفتح المجال أمام جميع الفاعلين السياسيين في الجزائر تقريبا، لكي يشاركوا بما تفتقت عنه عبقريتهم في إنتاج الضحك الممزوج للأسف، في أحيانٍ كثيرة، بالبلادة، كأن يتطوع زعيم الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، الدكتور ولد عباس، بالإعلان أن القائد الاسلامي الكبير عقبة بن نافع كان ينتمي لحزبه، وأن زعيم المقاومة الشعبية في بداية احتلال فرنسا الجزائر، الأمير عبد القادر، كان من أنصار الجبهة. وعليه، فقد وجد أن من حق الجبهة التي برأيه حرّرت الجزائر من الاستعمار أن تحكم البلاد خلال المائة سنة المقبلة (!). وعلى هذا النسق، دخل هذا المعترك الهزلي رؤساء أحزاب أخرى كثيرون، فكان أن خطب أحدهم في الجماهير مؤكدا أن قوائم حزبه تضم مرشحين "ملائكة"، وأن رقم حزبه 19 جاء بعناية إلهية، استنادا للآية الكريمة "عليها تسعة عشر"! وفضل مرشح آخر رفع شعار "الرجل الذي لا يغلق هاتفه". وللغرابة، فإن كل الاتصالات التي حاولت الوصول إليه حتى من رجال الإعلام باءت بالفشل، لكون هاتف المرشح الهمام مغلقاً على طول.. ووجد عدد من رؤساء الأحزاب في وضعيات حرجة، عندما حجزوا قاعاتٍ للحشد الشعبي، وجهّزوها بالكامل، لكنهم وجدوا أنفسهم في قاعاتٍ فارغة، لم تسعفهم حتى للانسحاب بشرف، في حين حجز الحزب الثاني في البلاد، الذي يقوده مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، ظهور بعض الشباب البطال، ليضع فوقها لافتاتٍ دعائيةً للحزب، تجوب الأحياء والشوارع، ووجدت أحزابٌ أخرى نفسها في غاية الإحراج، بعد أن ظهرت بعض قوائمها الانتخابية بصور أشباح، هي لنساءٍ رفضن وضع صورهن على الملصقات. وللغرابة أيضا، أن جل هذه الحالات كانت داخل الأحزاب العلمانية، وليس الإسلامية. ومن باب الانتقام من الرجال، لجأ رئيس حزب معروف إلى تشكيل قائمة انتخابية من النساء فقط، مستغلا ثغرةً في القانون الذي يمنع تشكيل قوائم انتخابية من الرجال فقط.
ولأن المنافسة الانتخابية، هذه المرة، لم تكن أبدا بين الأحزاب، ولا البرامج السياسية، بقدر ما كانت ضد المقاطعة والمقاطعين، وصلت حمى المقاطعة إلى المشاركين في هذه الانتخابات أنفسهم، حيث أعلنت السلطات المشرفة على العملية أن 50% من المترشحين غابوا عن تسجيل تدخلاتهم في الإذاعة والتلفزيون، وقاطعوا أنفسهم بأنفسهم، وعلى الرغم من أن الحملة الرسمية انطلقت بشعار "سمّع صوتك" الذي تخللته فضيحة صورة امرأة من جامعة إسرائيلية خضعت لعملية "الفوتوشوب"، وهي تحمل بطاقة الناخب الجزائرية، إلا أن المقاطعين عارضوها بشعار "طلع سروالك"، تزامنا وإعلان السلطات إنجاز مصنع كبير لصناعة سراويل الجينز.
ومن أكثر الطرائف في هذه الانتخابات أن ترسانة الدعاية الانتخابية، بقصد المشاركة الشعبية، والتي صرفت عليها الدولة والموالون مليارات الدنانير، حطمها في دقائق معدودة اثنان من الفنانين الشباب، الأول كان اليوتوبر شمس الدين عمراني، المعروف باسم شميسو ديزاد جوكر، بمقطع رهيب على "يوتيوب" بعنوان "مانصوطيش"، فقد وصل أعداد متابعيه إلى حوالي خمسة ملايين متابع على "يوتيوب"، جعلته محط أنظار القنوات العالمية. وإلى جانبه الشاب الفنان أنس تينا، الذي أبدع مقطعا يحاكي فيه فيلم "الرسالة" الشهير، يسخر فيه من الانتخابات ومن يشارك فيها، ولقي بدوره متابعة كبيرة بقرابة أربعة ملايين متابعة، الأمر الذي أحدث زلزالا في أوساط السلطة. والمثير أن السلطة لم تجد من يردّ على هؤلاء الشباب الذين هم في العشرينات من العمر، غير وزير الشؤون الدينية والأوقاف بجلال قدره، وعظيم منزلته، خصوصا أن الوزارة المعنية كانت وراء دعوة الأئمة إلى إلقاء خطبة جمعة موحدة لدعوة قرابة 15 مليون مصلٍّ للمشاركة في الانتخابات، باعتبارها كما قال الوزير "إحدى سنن الرسول الكريم"، فكان الرد، لأول مرة في البلاد، بدعوات مضادّة، وصلت إلى حد التهديد بمقاطعة الصلاة نفسها.
وفي النتيجة، فإن هذه الانتخابات الهزلية التي ترشح لها 12 ألف مترشح، نصفهم لا يمتلكون أي مؤهل علمي أو ثقافي، كما ترشّحت لها أصناف عجيبة وغريبة من الكائنات، على غرار ترشح خريجات بيوت الدعارة كما حصل مع مرشحة، قد أفرزت نتائج لا تقل سخريةً، وقد نجح من بين الناجحين أميون وبطالون وبقارة (تعبير جزائري تعني بائعي البقر)، وأصحاب ورشات نجارة وحدادة، وقابلات في مستشفيات الولادة، بل وأصحاب سوابق عدلية ومتابعون قضائيا بتهم خطيرة، كالقتل وغيره، وطبعا ولاستكمال فصول الكوميديا هذه، فاز أيضا نجوم كوميديا من فناني الدرجة الثانية.
كانت انتخابات الجزائر، الأسبوع الماضي، بالفعل مناسبة كبرى للضحك، على الذات وعلى الوضع برمته، ليس لأن برلمان الجزائر، على تعاقب المنتمين إليه، لم يغير فاصلة واحدة من مشاريع الحكومة، ولا أسقط يوما حكومةً أو حتى وزيرا، ولا حظي بزيارة واحدة لرئيس الجمهورية، وقد تحوّل عمليا بفعل فاعلٍ إلى غرفةٍ للتسجيل والمصادقة، وإنما لأن هذه الانتخابات تحديدا كانت بحق أقل من مهزلة، وأكبر قليلا من العار. والمدهش هنا هو كيف تختلط الكوميديا بالتراجيديا، والمأساة بأوضاع هزليةٍ كهذه؟ هل سيضحك الجزائريون كثيرا وطويلا أيضا وفي عيونهم الدمع؟ أيّ تعبيرٍ بشريٍّ يمكن أن يصف صورة شعبٍ يقاوم القهر بالتنكيت؟ أليست هذه تشبه مصر وضحك كالبكا يحاصرها، أم كم ذا في الجزائر من مضحكات، ولكن..؟!