06 نوفمبر 2024
أزمة الخليج تعود إلى الداخل
تشي الأزمات السياسية بين الدول العربية عن حجم الاحتقانات بينها، واتخاذ هذه الأزمات أرضيةً لصنع تحالفاتٍ وهمية، بدلاً من حلها سياسياً، إلا أن إيجابية هذه الأزمات المنفلتة تأكيدها الهوة الشاسعة بين توجهات الأنظمة السياسية العربية وحرص شعوبها على ما تبقى من مشترك عربي. في هذا السياق، تعبر الأزمة الخليجية الحالية، وتداعياتها السياسية والإعلامية، عن حدة الاحتقانات بين دولها، على الرغم من انضوائها في كيان سياسي واحد، ووجود ميثاقٍ ينظم العلاقات بين دولها. لكن، يبدو أن مجلس التعاون الخليجي لا يختلف عن كيانات عربية أخرى، ما لبثت أن أسقطتها العواصف السياسية، أو على الأقل عرّت وحدتها. فضلاً عن تداعيات الأزمة الخليجية الحالية، وانعكاساتها على شعوب المنطقة واستقرارها، فإن ما كشفته الأزمة من تحول خطير في الإدارة الأميركية لملف مكافحة الإرهاب، إضافة إلى تغير معادلات الصراع السني- الشيعي، وما ولدته الأزمة الخليجية من ارتداداتٍ سلبيةٍ، سوف تؤثر، في النهاية، على الشعوب التي تعيش حروبا وتنشط فيها دول الأزمة.
يمكن قراءة أسباب تخليق الأزمة الخليجية الحالية وتوقيتها باعتبارها نتيجةً مباشرة لسياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إدارة ملف الإرهاب، فخلافاً لعقيدة أوباما التي وصفت الصراع السني- الشيعي الذي تقوده العربية السعودية وإيران سبباً رئيسيا للعنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فإن ترامب الذي ظهر جابي ضرائب أكثر من كونه رئيس أقوى دولة قرّر نقل الخلاف بشأن أسباب الإرهاب الديني إلى الدول الخليجية التي تشتبه الإدارة الأميركية في إنتاجها وتمويلها الإرهاب في العالم، وبقدر ما يبدو ذلك تحولا خطيراً في إدارة أميركا ملف الإرهاب، فإنه سيؤدي إلى احتدام دورة عنفٍ أخرى في الشرق الأوسط، إلا أن ترامب،
بطبيعته في تخليق الأزمات والاستفادة منها، لا يمهّد، بسياسته هذه، لاستدراج دول الخليج بعضها بعضاً، بما فيها تبادل الاتهامات بينها، وإنما جعل ملف الإرهاب وسيلةً دائمة لابتزاز دول الخليج، حيث عقد صفقة القرن مع العربية السعودية. وعلى الرغم من النهج الابتزازي المكشوف لترامب، إلا أن المثير للسخرية سرعة امتصاص الدول الخليجية الطعم، إذ بدت اللائحة السعودية - الإماراتية لقوائم "الإرهابيين الذين تدعمهم دولة قطر" ابتزازاً سياسياً، الغرض منه ليس محاربة الإسلام السياسي المتطرّف، وإنما إبعاد أنفسهم عن مقصلة ترامب.
تقييم الأداء السياسي للسعودية في إدارة أزمتها مع دولة قطر لا بد من تحليله في ضوء أزماتها السياسية مع الدول الأخرى في المنطقة، إذ يبرز صراعها التقليدي مع إيران إطاراً لشخصيتها الوطنية، ومحور سياستها الخارجية، حيث حرصت السعودية على تقديم نفسها قائدة للعالم السني في مواجهة التمدّد الشيعي الذي ترعاه إيران، وبدلا من خوض حربها مباشرةً مع إيران، فإنها طالما تعمّدت الهروب من ذلك إلى خوض حربها في الدول الضعيفة كاليمن، وبدت محاربتها مليشيات الحوثي التي تمثل ذراع إيران سبباً للتدخل العسكري في اليمن، أكثر من إعادتها السلطة الشرعية في اليمن. وعلى الرغم من إدراك السعودية أن إيران لا ترى في الحوثيين حليفاً محلياً يستحق المجازفه، فإن السعودية استمرت في الهروب من استحقاق حربها المباشرة مع إيران، في تذكية صراعاتها في دول أخرى. وفي هذا السياق تظهر إيران مرة أخرى، في حربها الإعلامية ضد قطر الداعمة للإسلام السياسي، في توليفةٍ غريبة لجمع المتناقضات.
من جهة أخرى، تدرك السعودية، أكثر من غيرها، أن تأييد ترامب حملتها على قطر، باعتبارها داعمةً للإسلام السياسي، مقدمة لمكافحة الإرهاب تنطوي على خديعةٍ سياسيةٍ واضحة، إذ وصل ترامب إلى السلطة على خلفية مصادقة الكونغرس الأميركي على "قانون جاستا" الذين يدين السعودية، باعتبارها ممولةً هجمات "11 سبتمبر"، وهو ما يعني اتهامها بدعم السلفية الجهادية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، فضلاً عن تصريحات ترامب في أثناء برنامجه الانتخابي الذي تعهد فيه بإجبار السعودية على دفع كلفة تمويلها الجماعات المتشدّدة. وبدلاً من انتهاج السعودية سياسة حصيفة، تجنبها الابتزاز الأميركي باسم الإرهاب، إلا أنها، وبغباء، وجهت معركتها إلى قطر، متجاهلةً أنه، وبغض النظر عن المدى التي ستصل إليه الأزمة الحالية، فإنها مقدمة لاستدراجها في الحرب المقبلة على الإرهاب، والتي ستطاول السعودية مباشرةً، أما توقيتها فوفقا لإرادة الراعي الأميركي.
تتمحور السياسة الإماراتية في شغل دور إقليمي جديد يكرّسها قوة شابة، وذلك لتحقيق نفوذٍ يتجاوز حدودها الجغرافية في المعادلة الإقليمية والدولية. وبالتالي، بات العداء للإسلام
السياسي، وتحميله تبعات الإرهاب، رايةً مناسبةً للاستراتيجية الإماراتية الحالية، وهو ما يعني تقديم نفسها دولة ليبرالية في المنطقة من جهة، وإبعاد شبهة دعم الإرهاب عنها من جهة أخرى. فضلاً عن أنه ذريعة مناسبة لتبرير تدخلاتها السياسية في الدول الأخرى كاليمن، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة الأراضي اليمنية ومصالح اليمنيين، بما في ذلك تأجيج صراعاتٍ محلية بين القوى الداعمة لهم والقوى اليمنية الأخرى.
قصور الذهنية لبعض الدول الخليجية المؤجّجة للأزمة الحالية، ومحاولتها اليائسة دفع شبهة الإرهاب عن نفسها يفقدها إدراك مصلحتها الذاتية وأمنها القومي، فعلى الرغم من كل المآخذ الأيدولوجية والسياسية على تنظيمات الإسلام السياسية وأحزابها في المنطقة العربية، بما في ذلك حرصها على التمكين استحقاقاً إلهياً، إلا أن تجريف جماعات الإسلام السياسي، أو أي جماعةٍ على اختلاف أيدولوجياتها الدينية، سوف يؤدي إلى تعزيز النهج الراديكالي لدى هذه الجماعات، ما يهدّد الدول التي توجد فيها، كما أن السياسات الإقصائية والاستئصالية هي نهج الأنظمة الشمولية، ولا يمكن أن تنجح في مجتمعٍ عالميٍّ تتفاعل فيه الأفكار متجاوزة الأطر الجغرافية الضيقة، فضلاً على أن ضرب جماعات الإسلام السياسي وأحزابها سوف يعزّز من قوة السلفية الجهادية المسلحة التي تستقطب القاعدة الاجتماعية للمتدينين بشكل عام.
معضلة الشعوب العربية في أنها رهينة دائمة لحماقة سياسة دول مراهقة، لا تحترم أدب الجوار، تداري أزماتها الداخلية وانغلاقها السياسي، أو قصورها الإقليمي، باختلاق حروب وأزمات أخرى لاستعراض القوة، حتى لو أدى ذلك في النهاية إلى "دمار عشها".
يمكن قراءة أسباب تخليق الأزمة الخليجية الحالية وتوقيتها باعتبارها نتيجةً مباشرة لسياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إدارة ملف الإرهاب، فخلافاً لعقيدة أوباما التي وصفت الصراع السني- الشيعي الذي تقوده العربية السعودية وإيران سبباً رئيسيا للعنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فإن ترامب الذي ظهر جابي ضرائب أكثر من كونه رئيس أقوى دولة قرّر نقل الخلاف بشأن أسباب الإرهاب الديني إلى الدول الخليجية التي تشتبه الإدارة الأميركية في إنتاجها وتمويلها الإرهاب في العالم، وبقدر ما يبدو ذلك تحولا خطيراً في إدارة أميركا ملف الإرهاب، فإنه سيؤدي إلى احتدام دورة عنفٍ أخرى في الشرق الأوسط، إلا أن ترامب،
تقييم الأداء السياسي للسعودية في إدارة أزمتها مع دولة قطر لا بد من تحليله في ضوء أزماتها السياسية مع الدول الأخرى في المنطقة، إذ يبرز صراعها التقليدي مع إيران إطاراً لشخصيتها الوطنية، ومحور سياستها الخارجية، حيث حرصت السعودية على تقديم نفسها قائدة للعالم السني في مواجهة التمدّد الشيعي الذي ترعاه إيران، وبدلا من خوض حربها مباشرةً مع إيران، فإنها طالما تعمّدت الهروب من ذلك إلى خوض حربها في الدول الضعيفة كاليمن، وبدت محاربتها مليشيات الحوثي التي تمثل ذراع إيران سبباً للتدخل العسكري في اليمن، أكثر من إعادتها السلطة الشرعية في اليمن. وعلى الرغم من إدراك السعودية أن إيران لا ترى في الحوثيين حليفاً محلياً يستحق المجازفه، فإن السعودية استمرت في الهروب من استحقاق حربها المباشرة مع إيران، في تذكية صراعاتها في دول أخرى. وفي هذا السياق تظهر إيران مرة أخرى، في حربها الإعلامية ضد قطر الداعمة للإسلام السياسي، في توليفةٍ غريبة لجمع المتناقضات.
من جهة أخرى، تدرك السعودية، أكثر من غيرها، أن تأييد ترامب حملتها على قطر، باعتبارها داعمةً للإسلام السياسي، مقدمة لمكافحة الإرهاب تنطوي على خديعةٍ سياسيةٍ واضحة، إذ وصل ترامب إلى السلطة على خلفية مصادقة الكونغرس الأميركي على "قانون جاستا" الذين يدين السعودية، باعتبارها ممولةً هجمات "11 سبتمبر"، وهو ما يعني اتهامها بدعم السلفية الجهادية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، فضلاً عن تصريحات ترامب في أثناء برنامجه الانتخابي الذي تعهد فيه بإجبار السعودية على دفع كلفة تمويلها الجماعات المتشدّدة. وبدلاً من انتهاج السعودية سياسة حصيفة، تجنبها الابتزاز الأميركي باسم الإرهاب، إلا أنها، وبغباء، وجهت معركتها إلى قطر، متجاهلةً أنه، وبغض النظر عن المدى التي ستصل إليه الأزمة الحالية، فإنها مقدمة لاستدراجها في الحرب المقبلة على الإرهاب، والتي ستطاول السعودية مباشرةً، أما توقيتها فوفقا لإرادة الراعي الأميركي.
تتمحور السياسة الإماراتية في شغل دور إقليمي جديد يكرّسها قوة شابة، وذلك لتحقيق نفوذٍ يتجاوز حدودها الجغرافية في المعادلة الإقليمية والدولية. وبالتالي، بات العداء للإسلام
قصور الذهنية لبعض الدول الخليجية المؤجّجة للأزمة الحالية، ومحاولتها اليائسة دفع شبهة الإرهاب عن نفسها يفقدها إدراك مصلحتها الذاتية وأمنها القومي، فعلى الرغم من كل المآخذ الأيدولوجية والسياسية على تنظيمات الإسلام السياسية وأحزابها في المنطقة العربية، بما في ذلك حرصها على التمكين استحقاقاً إلهياً، إلا أن تجريف جماعات الإسلام السياسي، أو أي جماعةٍ على اختلاف أيدولوجياتها الدينية، سوف يؤدي إلى تعزيز النهج الراديكالي لدى هذه الجماعات، ما يهدّد الدول التي توجد فيها، كما أن السياسات الإقصائية والاستئصالية هي نهج الأنظمة الشمولية، ولا يمكن أن تنجح في مجتمعٍ عالميٍّ تتفاعل فيه الأفكار متجاوزة الأطر الجغرافية الضيقة، فضلاً على أن ضرب جماعات الإسلام السياسي وأحزابها سوف يعزّز من قوة السلفية الجهادية المسلحة التي تستقطب القاعدة الاجتماعية للمتدينين بشكل عام.
معضلة الشعوب العربية في أنها رهينة دائمة لحماقة سياسة دول مراهقة، لا تحترم أدب الجوار، تداري أزماتها الداخلية وانغلاقها السياسي، أو قصورها الإقليمي، باختلاق حروب وأزمات أخرى لاستعراض القوة، حتى لو أدى ذلك في النهاية إلى "دمار عشها".