19 ابريل 2021
تخبّط أم خداع؟
لست ممن يصدّقون أن أميركا فاشلة إلى الحد الذي حال، نيفا وستة أعوام، بينها وبين انتهاج سياساتٍ تخدم مصالحها في سورية. ولا أصدّق أن الرئيس السابق، باراك أوباما، نجح في فرض سياساته الشخصية على مؤسسة بلاده العسكرية، ودهاقنة برلماني كونغرسها، وأساتذة جامعات ومراكز التفكير والبحث فيها، التي تستشار عادة قبل أي قرار، وتشارك فيه عند اتخاذه. لو كانت سياسات أميركا محكومةً بالقدر الذي يتحدث بعضنا عنه من الفشل والعجز حيال منطقةٍ هي الأهم استراتيجيا، والأغنى نفطيا وماليا في العالم، لما كانت الدولة الأعظم، ولما أمسكت، منذ قرن ونصف القرن، بمفاتيح السياسات والمصالح الدولية، وألزمت بقية العالم باحترام الأطر، التي تحدد أوضاع دوله المختلفة.
إذا كانت خطط واشنطن في سورية قد استهدفت تحويل ثورتها إلى بؤرة استقطابٍ واقتتالٍ ينخرط فيها خصومها الروس والإيرانيون، ومرتزقتهم والإرهابيون، وكانت قد حققت ما هدفت إليه، هل تكون خططها فاشلةً وسياساتها متخبطة؟. وإذا كانت قد قرّرت إطالة أمد الحرب إلى أن يتلاشى النظام العربي، ويفقد تماسكه ماديا ومعنويا، ليسهل تفكيك دوله، وإعادة تركيبها في صيغ جديدة، تنفيذاً لاستراتيجية "الفوضي الخلاقة" التي أعلنتها وزيرة خارجية بوش الابن، كوندوليزا رايس، عام 2003، وإذا كانت الحرب قد طالت بالفعل، وأدت إلى تفككٍ خطير في كيانات العرب المجتمعية والدولية في طول منطقتنا وعرضها، هل نعتبرها فاشلة، كما دأبنا على وصفها خلال عهد أوباما؟. وإذا كانت قد رسمت خطوطا حمراء ألزمت مختلف القوى بالامتناع عن لعب دورٍ يتعارض معها في سورية، وحظرت تزويد الجيش الحر بأي سلاح، يمكنه حسم الصراع من جهة، وتقييد أدوار من تورّطوا في المستنقع السوري من جهة أخرى، أين يكون فشلها وضعفها وتخبطها؟. هل تجرأ طرفٌ ما وأرسل أو أوصل صاروخا واحدا مضادا للطائرات إلى أي مقاتل من أي فصيل يحارب النظام وإيران وروسيا؟
يعترف اليوم من بيدهم القرار الأميركي في إدارة الرئيس دونالد ترامب بأن أوباما "حفر حفرة عميقة" لن يكون من السهل على من سيليه في الرئاسة الخروج منها، في كل ما يخص الشأن
السوري، أو إحداث تبدّل جدّي في سياسات واشنطن السورية. إذا كان هذا صحيحاً، هل نكون هنا أيضاً إزاء تخبط وفشل؟ وهل ما تقوم به العسكرتاريا الأميركية في شمال سورية والعراق، وما أقامه أوباما من علاقات تعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) وقواته، وأشرف على تنفيذه في الأسابيع الأخيرة من ولايته، وأسس بواسطته قاعدة استراتيجية أميركية قوية في الشمال السوري، يسوّغ اتهامه بالفشل والتخبط وفقدان الاتجاه؟ إذا كان هدف سياسة واشنطن في شمال سورية والعراق يركز أساسا على حضور طويل الأمد يعوّضها عن فشلها في احتلال العراق، إبان عهد جورج بوش الابن، هل يكون أوباما الذي أسس هذا الحضور، وحول الصراع في سورية إلى فرصةٍ أمسك بقوة بها، أوصلت المنطقة إلى الهاوية التي تجد نفسها فيها، ونقلتها إلى طورٍ أخرج مصيرها من أيدي دولها وأبنائها، وشرع يهدّد كياناتها ويفتتها على أسس طائفية وفئوية، يعتمدها النظام الأسدي وإيران وحزب الله، وكذلك داعش وجبهة النصرة، أين يكون التخبط والضعف في سياسات البيت الأبيض الأوبامي؟.
ثمّة ثوابت لم تحد واشنطن عنها قيد أنملة، طوال فترة الصراع السوري. وقد حققت في كل واحدةٍ منها نجاحاتٍ مفصلية، يتوّجها اليوم حضور عسكري مباشر، يزداد كثافةً وديناميةً في الجغرافيا السورية، يتجاهله، على الرغم من ذلك، من يصرّون على خرافةٍ ترى أن أميركا تهمل الشأن السوري، وتتركه لروسيا، وعلى عدم الاهتمام بما يقوله جنرالاتها بشأن تصميمهم على إبقاء قواتهم عشرين إلى ثلاثين عاما في سورية والعراق، وهي فترة استبعد أن يستمر الصراع السوري الراهن خلالها.
كان من المحال لأي دولةٍ، غير أميركا، تحويل ثورة داخلية ومحلية ضد نظام استبدادي إلى
بؤرة تستقطب وتكثف صراعات دولية وإقليمية وعربية وسورية، لم يكن أحد غير دهاقنتها يستطيع تحقيقه وإدامته، وصولا إلى إغراق إيران وروسيا والإرهاب الدولي في لججها، وقلبها إلى نقلة نوعية على طريق اقتتال شيعي/ سني متعاظم، بدأت ترعاه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتخلق صراعا دولياً جديداً ضد العالم الإسلامي، عبر عنه كبار كتابها واستراتيجييها، ما لبثت أن فجّرته وأدارته باسم بلدان الشمال المتقدمة، ليس من المحتم أن تنخرط مباشرةً فيه، كي تتحكّم به وتجني منافعه بالشروط التي ستحدّدها له، وأهمها تحوله إلى فوضى دموية كالتي تعيشها سورية: الساحة الراهنة لهذه السياسة وضحيتها.
لا يتخبط الأميركيون ولا يخادعون. إنهم ينتهجون استراتيجيات تتخطى سورية، نجحت في قلب ثورة شعب صغير ضد نظامه إلى بؤرةٍ كونيةٍ لصراعاتٍ جرّت إليه القوى الأخرى. إذا كان هذا هو الفشل، فكيف يكون النجاح؟. وكيف نخرج من محرقةٍ نجد أنفسنا فيها، لن نتخطّاها إطلاقا إذا ما واصلنا التجاهل بعد الصراع، الكوني ومتعدّد المستويات والجوانب، الدائر في بلادنا، ولا دور لنا فيه غير فشلنا في تخطّي متاهات غيابنا عن وعيه، في حين تخترق خيوطه منذ نيف وستة أعوام العالم كله، بقوةٍ لا مثيل لها، سنبقى ضحاياها ما دمنا عاجزين عن تخطي أوضاعنا الراهنة؟.
إذا كانت خطط واشنطن في سورية قد استهدفت تحويل ثورتها إلى بؤرة استقطابٍ واقتتالٍ ينخرط فيها خصومها الروس والإيرانيون، ومرتزقتهم والإرهابيون، وكانت قد حققت ما هدفت إليه، هل تكون خططها فاشلةً وسياساتها متخبطة؟. وإذا كانت قد قرّرت إطالة أمد الحرب إلى أن يتلاشى النظام العربي، ويفقد تماسكه ماديا ومعنويا، ليسهل تفكيك دوله، وإعادة تركيبها في صيغ جديدة، تنفيذاً لاستراتيجية "الفوضي الخلاقة" التي أعلنتها وزيرة خارجية بوش الابن، كوندوليزا رايس، عام 2003، وإذا كانت الحرب قد طالت بالفعل، وأدت إلى تفككٍ خطير في كيانات العرب المجتمعية والدولية في طول منطقتنا وعرضها، هل نعتبرها فاشلة، كما دأبنا على وصفها خلال عهد أوباما؟. وإذا كانت قد رسمت خطوطا حمراء ألزمت مختلف القوى بالامتناع عن لعب دورٍ يتعارض معها في سورية، وحظرت تزويد الجيش الحر بأي سلاح، يمكنه حسم الصراع من جهة، وتقييد أدوار من تورّطوا في المستنقع السوري من جهة أخرى، أين يكون فشلها وضعفها وتخبطها؟. هل تجرأ طرفٌ ما وأرسل أو أوصل صاروخا واحدا مضادا للطائرات إلى أي مقاتل من أي فصيل يحارب النظام وإيران وروسيا؟
يعترف اليوم من بيدهم القرار الأميركي في إدارة الرئيس دونالد ترامب بأن أوباما "حفر حفرة عميقة" لن يكون من السهل على من سيليه في الرئاسة الخروج منها، في كل ما يخص الشأن
ثمّة ثوابت لم تحد واشنطن عنها قيد أنملة، طوال فترة الصراع السوري. وقد حققت في كل واحدةٍ منها نجاحاتٍ مفصلية، يتوّجها اليوم حضور عسكري مباشر، يزداد كثافةً وديناميةً في الجغرافيا السورية، يتجاهله، على الرغم من ذلك، من يصرّون على خرافةٍ ترى أن أميركا تهمل الشأن السوري، وتتركه لروسيا، وعلى عدم الاهتمام بما يقوله جنرالاتها بشأن تصميمهم على إبقاء قواتهم عشرين إلى ثلاثين عاما في سورية والعراق، وهي فترة استبعد أن يستمر الصراع السوري الراهن خلالها.
كان من المحال لأي دولةٍ، غير أميركا، تحويل ثورة داخلية ومحلية ضد نظام استبدادي إلى
لا يتخبط الأميركيون ولا يخادعون. إنهم ينتهجون استراتيجيات تتخطى سورية، نجحت في قلب ثورة شعب صغير ضد نظامه إلى بؤرةٍ كونيةٍ لصراعاتٍ جرّت إليه القوى الأخرى. إذا كان هذا هو الفشل، فكيف يكون النجاح؟. وكيف نخرج من محرقةٍ نجد أنفسنا فيها، لن نتخطّاها إطلاقا إذا ما واصلنا التجاهل بعد الصراع، الكوني ومتعدّد المستويات والجوانب، الدائر في بلادنا، ولا دور لنا فيه غير فشلنا في تخطّي متاهات غيابنا عن وعيه، في حين تخترق خيوطه منذ نيف وستة أعوام العالم كله، بقوةٍ لا مثيل لها، سنبقى ضحاياها ما دمنا عاجزين عن تخطي أوضاعنا الراهنة؟.