08 نوفمبر 2024
سورية.. أي مسارات؟
صار واقعاً طغيانُ الغلبة في موضوع مسارات التفاوض من أجل إيجاد حل سلمي للحرب في سورية، حيث بدا واضحاً رجحان مسار أستانة التفاوضي، بين المعارضة السورية والنظام، على مسار جنيف، علاوة على ملامح مسارٍ جديد، يبدو الآن في الأفق. وما كان ذلك ليتحقّق إلا بسبب خروج الأول بإجراءاتٍ ملموسة، أهمها مناطق خفض التصعيد التي ربما تصبُّ في مصلحة الحل السلمي، على الرغم من تحفظات المعارضة السورية، غير المستندة إلى أسسٍ توفِّر لها إمكانية جعل تحفظها فاعلاً. ومع أن الاتفاق على منطقة خفض تصعيدٍ في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة هو ثمرة اتفاق أميركي - روسي، إلا أنها تعد نسخاً لتلك التي خرج بها مسار أستانة، ما يُكسبه رصيداً من القوة، افتقر لها جنيف.
ولكن، ليس موضوع غلبة مسارٍ على آخر هو ما يجب التركيز عليه، بقدر ما يجب إيلاء موضوع إيجاد حلٍّ لهذا الستاتيكو السوري، يوقف الحرب، ويحقّق للشعب السوري الذي ضحّى كثيراً ست سنوات، بعضاً مما طمح أن تثمر عنه التضحيات التي قدّمها، فإن كان الاتفاق الأميركي - الروسي، الأول من نوعه، والذي تمخض عن لقاء الرئيسين الأميركي، دونالد ترامب، والروسي، فلاديمير بوتين، على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ، في 7 يوليو/ تموز الجاري، هو اعتراف روسي بالدور الأميركي الجديد في سورية، بعد تفرّد الروس فيها، وبروز دورهم إثر تدخلهم العسكري، في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، وإضعافهم الدور الإيراني، نتيجة مباشرة لهذا التدخل، فهنا تكمن الخشية من أن يكون الاتفاق على منطقة خفض التصعيد، الأخير، هو بداية لتطبيق الخطة الأميركية (ب)، أي خطة التقسيم التي تحدَّثَ وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في فبراير/ شباط 2016، عن إمكانية تنفيذها، إن فشلت مفاوضات إيجاد حلٍّ سلمي للحرب الدائرة في البلاد، هذا الحل الذي يراه الأميركيون متمثلاً في مسار جنيف، القاصر، حتى الآن، عن وضع أي صيغةٍ للحل.
لكن، ووفق المعطيات الحالية، فإن تعديلاً ربما أدخله الأميركيون على خطتهم تلك، يقضي
بتدخلهم على الأرض، ومحاولتهم تكوين دور لهم، يقطع مع غيابهم الذي وَسَمَ فترة حكم الرئيس السابق، باراك أوباما. وقد يغيّر هذا التدخل قليلاً من واقع الحال على الأرض، يبقي على الأمر الواقع في مناطق سيطرة النظام، ويكرِّس قوىً صاعدة، مثل الكرد، ويحدّ من سيطرة قوىً متجذرة، بإبعاد الطرف الإيراني، الموجود بقوة وبأشكال شتى، وقطع الطريق على الطرف التركي الذي يطمح بدور قوي، وهو ما يمكن استنتاجه من اقتصار التوقيع على اتفاق منطقة خفض التصعيد، في الجنوب السوري، على أميركا وروسيا فحسب، من دون الأطراف الفاعلة الأخرى.
ولا شك، فإن عملية التوصل إلى عقد اتفاق مشترك بين أميركا وروسيا حيال سورية، هي اعتراف متبادل بدور كل طرفٍ في هذه البلاد. كما أنه ربما يكرّس قطعاً مع الخطاب الغربي، دائم التباين، حيال النظام ومستقبل الأسد، هذا الخطاب الذي استمر بالمراوحة بين التصريحات بشأن عدم القبول بدور له في مستقبل سورية، وتصريحاتٍ عن استحالة محاربة الإرهاب في سورية من دونه. وهذا، بحد ذاته، يعد تأسيساً لمسارٍ جديد، يبني على ما حققه المساران السابقان، تمهيداً لإلغائهما، حيث لم يكن مصادفة عدم خروج الجولة الخامسة من مفاوضات أستانة التي عقدت بداية شهر يوليو/ تموز الجاري، بأي نتيجةٍ لافتة، وهو ما تكرّر في الجولة السابعة من مفاوضات جنيف التي انتهت قبل أيام.
من الطبيعي أن تنظر إيران إلى الاتفاق الأميركي – الروسي بعين الريبة، ومن الطبيعي أنها تلقت الإشارات التي تفيد باستفراد الفريقين بالقرار في سورية من دونها. وفي حين أنها غضَّت النظر، مرغمةً، عن التدخل الروسي، أو ربما استجدّته، كما رأى محللون، لإنقاذ الموقف الذي عجزت عنه يومها، يصعب عليها غضّ النظر عن مرامي التدخل الأميركي الذي ما فتئ يردّد مخططوه لازمة ضرورة العمل على إخراج إيران ومليشياتها من سورية. وبعد كل ما فعلته من أجل إسناد النظام ومنعه من السقوط، وأنفقت المليارات في هذا المضمار، فإنها لن تولي الخطط الأميركية بالاً، وستستمر في سعيها تنفيذ أجندتها، وهو ما قد يترتّب عليه شكل من أشكال المواجهة بينها وبين الطرف الأميركي في سورية.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا التي يتعاظم عندها التوجس من تطورات التدخل الأميركي الذي
ظهر وسط المشهد، بدخوله من الباب الكردي. وهي إذ دعمت بعض الفصائل السورية المقاتلة، وأرسلت قواتها إلى الداخل السوري لمقاتلة تنظيم داعش، وتحملت عبء استضافة مئات آلاف اللاجئين السوريين داخل أراضيها، فلن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الاستفراد المستجدّ على الساحة السورية، والذي تعوِّل أميركا على استقامته بتوظيف العامل الكردي رافعاً له.
من المحتمل، والحال هذه، أن يسرِّع الاتفاق الأميركي – الروسي وتيرة سعي إيران وتركيا إلى تكريس وجودهما على الأرض، وكذلك على الورق عبر اتفاقاتٍ ومبادراتٍ يكونان طرفاً فيها، أسوة بهذا الاتفاق. وعلى هذا المنوال، قد يجري التراضي بين الأطراف الأربعة لفرض نوعٍ من الإدارة أو الوصاية في منطقة سيطرة كل طرفٍ، خصوصا مع طموح الجميع بدور في مشاريع إعادة الإعمار التي أخذت تطرح في الآونة الأخيرة، وهي الكعكة الكبيرة التي تحاول جميع القوى الدولية الحصول على حصة منها. ومستجداتٌ كهذه، لن تتمخض، في مجملها، سوى عن خسارة للشعب السوري الذي قدم تضحيات من أجل غدٍ أفضل للبلاد وأبنائها، فرآها تقترب من مرحلة تقاسمها حصصاً، لا حول له ولا قوة في منعها أو التقليل من آلام مباضع مقتسميها.
ولكن، ليس موضوع غلبة مسارٍ على آخر هو ما يجب التركيز عليه، بقدر ما يجب إيلاء موضوع إيجاد حلٍّ لهذا الستاتيكو السوري، يوقف الحرب، ويحقّق للشعب السوري الذي ضحّى كثيراً ست سنوات، بعضاً مما طمح أن تثمر عنه التضحيات التي قدّمها، فإن كان الاتفاق الأميركي - الروسي، الأول من نوعه، والذي تمخض عن لقاء الرئيسين الأميركي، دونالد ترامب، والروسي، فلاديمير بوتين، على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ، في 7 يوليو/ تموز الجاري، هو اعتراف روسي بالدور الأميركي الجديد في سورية، بعد تفرّد الروس فيها، وبروز دورهم إثر تدخلهم العسكري، في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، وإضعافهم الدور الإيراني، نتيجة مباشرة لهذا التدخل، فهنا تكمن الخشية من أن يكون الاتفاق على منطقة خفض التصعيد، الأخير، هو بداية لتطبيق الخطة الأميركية (ب)، أي خطة التقسيم التي تحدَّثَ وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في فبراير/ شباط 2016، عن إمكانية تنفيذها، إن فشلت مفاوضات إيجاد حلٍّ سلمي للحرب الدائرة في البلاد، هذا الحل الذي يراه الأميركيون متمثلاً في مسار جنيف، القاصر، حتى الآن، عن وضع أي صيغةٍ للحل.
لكن، ووفق المعطيات الحالية، فإن تعديلاً ربما أدخله الأميركيون على خطتهم تلك، يقضي
ولا شك، فإن عملية التوصل إلى عقد اتفاق مشترك بين أميركا وروسيا حيال سورية، هي اعتراف متبادل بدور كل طرفٍ في هذه البلاد. كما أنه ربما يكرّس قطعاً مع الخطاب الغربي، دائم التباين، حيال النظام ومستقبل الأسد، هذا الخطاب الذي استمر بالمراوحة بين التصريحات بشأن عدم القبول بدور له في مستقبل سورية، وتصريحاتٍ عن استحالة محاربة الإرهاب في سورية من دونه. وهذا، بحد ذاته، يعد تأسيساً لمسارٍ جديد، يبني على ما حققه المساران السابقان، تمهيداً لإلغائهما، حيث لم يكن مصادفة عدم خروج الجولة الخامسة من مفاوضات أستانة التي عقدت بداية شهر يوليو/ تموز الجاري، بأي نتيجةٍ لافتة، وهو ما تكرّر في الجولة السابعة من مفاوضات جنيف التي انتهت قبل أيام.
من الطبيعي أن تنظر إيران إلى الاتفاق الأميركي – الروسي بعين الريبة، ومن الطبيعي أنها تلقت الإشارات التي تفيد باستفراد الفريقين بالقرار في سورية من دونها. وفي حين أنها غضَّت النظر، مرغمةً، عن التدخل الروسي، أو ربما استجدّته، كما رأى محللون، لإنقاذ الموقف الذي عجزت عنه يومها، يصعب عليها غضّ النظر عن مرامي التدخل الأميركي الذي ما فتئ يردّد مخططوه لازمة ضرورة العمل على إخراج إيران ومليشياتها من سورية. وبعد كل ما فعلته من أجل إسناد النظام ومنعه من السقوط، وأنفقت المليارات في هذا المضمار، فإنها لن تولي الخطط الأميركية بالاً، وستستمر في سعيها تنفيذ أجندتها، وهو ما قد يترتّب عليه شكل من أشكال المواجهة بينها وبين الطرف الأميركي في سورية.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا التي يتعاظم عندها التوجس من تطورات التدخل الأميركي الذي
من المحتمل، والحال هذه، أن يسرِّع الاتفاق الأميركي – الروسي وتيرة سعي إيران وتركيا إلى تكريس وجودهما على الأرض، وكذلك على الورق عبر اتفاقاتٍ ومبادراتٍ يكونان طرفاً فيها، أسوة بهذا الاتفاق. وعلى هذا المنوال، قد يجري التراضي بين الأطراف الأربعة لفرض نوعٍ من الإدارة أو الوصاية في منطقة سيطرة كل طرفٍ، خصوصا مع طموح الجميع بدور في مشاريع إعادة الإعمار التي أخذت تطرح في الآونة الأخيرة، وهي الكعكة الكبيرة التي تحاول جميع القوى الدولية الحصول على حصة منها. ومستجداتٌ كهذه، لن تتمخض، في مجملها، سوى عن خسارة للشعب السوري الذي قدم تضحيات من أجل غدٍ أفضل للبلاد وأبنائها، فرآها تقترب من مرحلة تقاسمها حصصاً، لا حول له ولا قوة في منعها أو التقليل من آلام مباضع مقتسميها.