01 نوفمبر 2024
بوَّابات إلكترونية لسيادة الاحتلال على الأقصى
بات من المُكرَّر أنَّ الاحتلال الإسرائيلي يستهدف المسجد الأقصى، لتحقيق ما تعلنه جماعاتٌ يهودية متطرِّفة، كأمناء جبل الهيكل وغيرها، وهو إعادة بناء الهيكل المزعوم، (في إسرائيل وخارجها أزْيَد من 15 جماعة يهودية متطرِّفة تهدف إلى بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى). والاحتلال إذ يتبنَّى هذا الهدف، مُطلِقًا على المسجد الأقصى اسمَ "جبل الهيكل"، ويستند، بالتالي، إلى تلك المرجعية الدينية، غير الخاضعة للتفكير، أو للواقع، بل للحقائق التي أقرّت بها (مِن ضمن مَن أقرّوا) منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في قرار لها أخيرا، وهو الأمر الذي أمعن في تكذيب قادة إسرائيل، وتركَهم منفردين في تلك المزاعم، إلى حدِّ حملَهم على وصف القرار بأنه "يرقى إلى درجة نكران التاريخ اليهودي".
وجاء في نصِّ القرار الذي تُجدِّده الدولُ الأعضاء في "اليونسكو"، دوريا، "أنَّ المسجد الأقصى/ الحرم الشريف موقع إسلامي مقدَّس مُخصَّص للعبادة للمسلمين، وأنَّ باب الرحمة، وطريق باب المغاربة، والحائط الغربي للمسجد الأقصى، وساحة البراق، جميعها أجزاء لا تتجزأ من المسجد الأقصى/ الحرم الشريف، وعلى إسرائيل تمكين الأوقاف الإسلامية الأردنية من صيانتها، وإعمارها حسب الوضع التاريخي القائم قبل الاحتلال عام 1967".
لم تعترف أيُّ دولةٍ بالسيادة الاحتلالية على المسجد الأقصى، حتى الولايات المتحدة الأكثر انحيازا لإسرائيل، مع أنها تتركها تمارس تلك الاعتداءات المتزايدة، إلا أن وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، جلعاد أردان، صرَّح إن السيادة على المسجد الأقصى لدولة إسرائيل، وليس مُهمَّا موقف الدول الأخرى، وذلك في معرض ردِّه على انتقادات وُجِّهت لإسرائيل بشأن إغلاق المسجد الأقصى، فالغرض من البوابات الإلكترونية سياسي وليس أمنيا.
ولا رابط منطقيا بين العملية الفدائية التي جرت أخيرا والنقلة الخطيرة التي أعلن عنها
الاحتلال. وكانت صحيفة هآرتس قد نقلت، في يوليو/ تموز عام 2015، عن مسؤول في ديوان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قوله إنّ "نقاشاتٍ تتركّز على إقامة نظامٍ يُتيح عمليةَ انتقاء عند دخول المساجد، والتي ستحُول دون دخول جهاتٍ مُحرّضة ومُتطرفة." وإنه وإنْ جاءت تلك النقاشات في سياق تنظيم دخول الإسرائيليين والسُّياح الأجانب إلى باحات الأقصى، إلا أن الفكرة قائمة؛ من أجل توظيفها لخدمة الغاية الكبرى، هنا، وهي فرْض كامل السيادة، والتحكُّم في المسجد الأقصى؛ اقترابا من بناء ما يُسمَّى جبل الهيكل مكانه.
وكما كان رئيس الوزراء الأسبق، أرئيل شارون، عندما اقتحم المسجد الأقصى عام 2000 مدفوعا باعتبارات حزبية (لا تتعارض مع الجوّ العام في إسرائيل)، تحسُّبا أيَّامها أن يهزمه نتنياهو، ويفوز بزعامة الليكود، فإن الأخير غير بعيد أيضا عن الاندفاع بأسباب خاصة؛ لصرف الأنظار عن الضرّر الذي لحق به على خلفية اتهامات له بالفساد، في قضية الغوَّاصات الألمانية.
ولكن لو قُدِّر لهذه البوابات أن تُنفَّذ فعلا، فلا بد أنَّ ذلك سيكون وسيلةً لتحجيم عدد المُصلِّين في المسجد الأقصى، وتقليص الحضور الفلسطيني والإسلامي فيه. وقد تعيد حكومةُ الاحتلال تقدير الموقف، في ضوء ردة الفعل غير الهيِّنة فلسطينيا، والرفض الأكيد للتعاطي مع البوَّابات الإلكترونية، والحرَج العربي الرسمي، من دولة كالأردن ذات الولاية الدينية على القدس، أو دولةٍ لها معاهدة سلام مع إسرائيل، وإشرافٍ على القضية الفلسطينية، وهي مصر، أو دولةٍ تتجه، بدرجةٍ لافتة، نحو تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، وهي السعودية.
ولأن ثمّة تقديرات تَستبعِد أنْ يستجيب الفلسطينيون، هكذا ببساطة، إلى هذا التحجيم، والتقليص، فقد انبثق الجدل إسرائيليا بشأن مدى الواقعية والمعقولية لهذا البوّابات والإجراءات المقترحة، كالتفتيش اليدوي، مع توفر الدلائل الواقعية على عمق التعلُّق بالمسجد الأقصى، وتوسُّع نطاقه.
وفي هذا السياق، يتبادر إلى الأذهان والألسُن، كثيرا، الربطُ بين ما افتعله الاحتلال في الحرم الإبراهيمي الشريف، في الخليل، ومصير المسجد الأقصى، إذ من الممكن، والاحتلال معروف باستنساخ خططه وأساليبه، أن يُقسِّم الأقصى، كما قَسّم الحرم الإبراهيمي، ومع أن جزءا من ذلك حدث، وتحديدا التحكُّم الزماني، إلا أن مِن غير المبالغة القولُ إنّ ما مرّ في الحرم الإبراهيمي لا يُفترض أن يمرّ على المسجد الأقصى؛ فمكانة الأقصى أعمق، وما يثيره من مشاعر بالغُ الحدّة والعاطفية الدينية والوجدانية.. وفي التاريخ الذي سبق هذا الاحتلال، وفي حقبته أيضا، ما هو مشتهر عن كيفية التعاطي إسلاميا وعربيا وفلسطينيا، مع مُهدِّدات المسجد الأقصى.
وفي بدايات الصراع على فلسطين، كانت ثورة البراق في العام 1929، وكان سببها ادِّعاء اليهود ملكية الحائط الغربي للمسجد الأقصى. وبعد عقودٍ، يَخرُج علينا مَن يتبرّع بما يضادّ ما أقرَّته عصبة الأمم (1930) بأنَّ "ملكية الحائط الغربي تعود للمسلمين وحدهم، ولهم الحقُّ وحدهم فيه؛ لأنه يؤلف جزءاً من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف"، قبل تراجعه؛ جرَّاء قوة ردة الفعل الرافضة لموقفه، والمندِّدة بهذه المواقف المجانية الانفرادية.
ولو لم تنجح إسرائيل في هذه المحاولة، أو المنازلة، فإنها لا شكَّ ستبقى تحاول المحاولة تلو المحاولة؛ بغية إضعاف الإرادة الجمعية، وسط تعويلٍ على الحالة العربية المُشجِّعة، فقد يُتوصَّل إلى حل وسط آخر (!) بعد أن قُبلَت، رسميا عمليا، اقتحامات المستوطنين المتطرّفين يوميا للمسجد الأقصى. وذلك كله هو في الحقيقة خطوات تتسع، وخناق احتلاليٌّ يضيق حول المسجد الأقصى والقدس.
وهذا القبول الإسرائيلي، بما تُلحّ عليه نظُم وحكومات عربية بقبوله؛ لتجنُّب التصعيد الاستفزازي، والنقلات غير المنسجمة مع ظروف تلك النُّظُم الراهنة، يتوقف تحقُّقه على اعتباراتٍ إسرائيليةٍ احتلالية، أزيد مما هو يراعي هواجس تلك النُّظُم، لا سيما والليكود اليميني والأحزابُ اليمينية التي تزاود عليه في التطرُّف والعنصرية، تُقدِّم مخططات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس على شواغلها، أو آمالها العربية والإقليمية، بالطبع، وَفْق درجات الخطورة الوجودية على إسرائيل. لكن، في سياق السياسة المبادِرة، والمطامع الداخلية مُقدَّمة عندهم، في حال التعارض، وفي حال تقديراتهم أنَّ الظروف ناضجة لمثل هذه الاختراقات، أو الاجتيازات. فإذا أرادت إسرائيل تفجير الأوضاع في الضفة الغربية والقدس والتصعيد مع قطاع غزة، وحركات المقاومة، فلن تجد أسرع، أو أذكى لنيران الصراع من المسجد الأقصى، كما كان حين اقتحمه شارون، بحجة زيارة "جبل الهيكل". وعلى إثر ذلك، اندلعت "انتفاضة الأقصى" سنة 2000. حينها تلقَّى رئيسُ الوزراء إيهود باراك، وَفق كتاب "الراعي، قصة حياة آرييل شارون"، تأليف الصحفيَّين نير حيفتس وغادي بلوم، تطمينات من الشاباك (جهاز الأمن الداخلي) بأن "الزيارة" ستمر بسلام، و"لن تتسبَّب في اندلاع أعمال عنفٍ تتعدَّى موقع الحدث".
من يدري (؟!)، قد يقع سوء التقدير، على فرَض انتفاء الرغبة الاحتلالية بتصعيد خطير، أو
ربما تتحقَّق مفاجآتُ العوامل العقدية العاطفية؛ ولا سيما والإحباط ممَّا تسمَّى العملية السياسية التفاوضية بلغ حدًّا غير مسبوق؛ ما يعيد خربطة الأوراق، والترسيمات الجارية في المحيط المجاور، وهي غير المستندة إلى معطيات موضوعية، بقدر ما هي استغلالٌ للأزمة، وللتمزُّقات والمخاوف المتعدّدة من المُكوِّنات المتباينة، والمتناقضة.
وعلى الرغم من فداحة الخطر، خضع هذا الموضوع للتوظيف السياسي، وفق ما نُقِل عن "تدخُّل شخصي" من ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، وحصوله من نتنياهو على "تعهُّداتٍ بعدم تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى"، فيما لا تزال قوّات الاحتلال فعليا، حتى كتابة هذه السطور، على إصرارها بإلزام المصلِّين المرورَ من البوَّابات الإلكترونية، وإخضاعهم إلى إجراءات تفتيشٍ شخصيّ يدوي.
والحقُّ أنَّ المسجد الأقصى، ومجمل القضية الفلسطينية، لا يجدان القدر الكافي والمناسب من الاهتمام، عربيا وإسلاميا، لا على مستوى الدول المثقلة بارتباطها وأزماتها، ولا على مستوى الهيئات الرسمية، كجامعة الدول العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو على الأقل ما تسمَّى لجنة القدس.
ولكن ما يُعدّ، على نحو أوضح، وأكثر إيلاما تغاضيا سلبيا مُشجِّعا لإسرائيل استمرار الاتصالات العميقة والإستراتيجية مع كيان الاحتلال، والمُضيّ في مشروعاتٍ حيويةٍ تعود عليه بالنفع الأكيد، لا على مستوى المنافع الملموسة اقتصاديا، كمشروع قناة البحرين التي تربط بين البحرين، الأحمر والميت، وتشترك فيها بالإضافة إسرائيل الأردنُ والسلطةُ الفلسطينية، حيث الفائدة الكبرى من حصص المياه للاحتلال، واستدامة هذا الاحتلال، ولكن ما يتجاوز المنافع الاقتصادية المتسقة مع ما يُسمَّى "السلام الاقتصادي" إلى القبول بإسرائيل كيانا طبيعيا منخرطا في صُلْب المنطقة جيوسياسيا، حتى قبل أن ينهي احتلاله ما هو في عُرْف العالم أراضٍ فلسطينية محتلة، بل حتى وهو في مرحلةٍ خطيرةٍ ومتقدمةٍ من وتيرة استهداف أكثر القضايا رمزيةً، وهي القدس والمسجد الأقصى، والتي إنْ سلّم الفلسطينيون والعرب فيها، سيسهل عليهم، ولن يكون في مقدورهم، كما قيل، أن يُحقِّقوا انتصاراتٍ في قضايا نِزاعيَّة أخرى.
وجاء في نصِّ القرار الذي تُجدِّده الدولُ الأعضاء في "اليونسكو"، دوريا، "أنَّ المسجد الأقصى/ الحرم الشريف موقع إسلامي مقدَّس مُخصَّص للعبادة للمسلمين، وأنَّ باب الرحمة، وطريق باب المغاربة، والحائط الغربي للمسجد الأقصى، وساحة البراق، جميعها أجزاء لا تتجزأ من المسجد الأقصى/ الحرم الشريف، وعلى إسرائيل تمكين الأوقاف الإسلامية الأردنية من صيانتها، وإعمارها حسب الوضع التاريخي القائم قبل الاحتلال عام 1967".
لم تعترف أيُّ دولةٍ بالسيادة الاحتلالية على المسجد الأقصى، حتى الولايات المتحدة الأكثر انحيازا لإسرائيل، مع أنها تتركها تمارس تلك الاعتداءات المتزايدة، إلا أن وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، جلعاد أردان، صرَّح إن السيادة على المسجد الأقصى لدولة إسرائيل، وليس مُهمَّا موقف الدول الأخرى، وذلك في معرض ردِّه على انتقادات وُجِّهت لإسرائيل بشأن إغلاق المسجد الأقصى، فالغرض من البوابات الإلكترونية سياسي وليس أمنيا.
ولا رابط منطقيا بين العملية الفدائية التي جرت أخيرا والنقلة الخطيرة التي أعلن عنها
وكما كان رئيس الوزراء الأسبق، أرئيل شارون، عندما اقتحم المسجد الأقصى عام 2000 مدفوعا باعتبارات حزبية (لا تتعارض مع الجوّ العام في إسرائيل)، تحسُّبا أيَّامها أن يهزمه نتنياهو، ويفوز بزعامة الليكود، فإن الأخير غير بعيد أيضا عن الاندفاع بأسباب خاصة؛ لصرف الأنظار عن الضرّر الذي لحق به على خلفية اتهامات له بالفساد، في قضية الغوَّاصات الألمانية.
ولكن لو قُدِّر لهذه البوابات أن تُنفَّذ فعلا، فلا بد أنَّ ذلك سيكون وسيلةً لتحجيم عدد المُصلِّين في المسجد الأقصى، وتقليص الحضور الفلسطيني والإسلامي فيه. وقد تعيد حكومةُ الاحتلال تقدير الموقف، في ضوء ردة الفعل غير الهيِّنة فلسطينيا، والرفض الأكيد للتعاطي مع البوَّابات الإلكترونية، والحرَج العربي الرسمي، من دولة كالأردن ذات الولاية الدينية على القدس، أو دولةٍ لها معاهدة سلام مع إسرائيل، وإشرافٍ على القضية الفلسطينية، وهي مصر، أو دولةٍ تتجه، بدرجةٍ لافتة، نحو تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، وهي السعودية.
ولأن ثمّة تقديرات تَستبعِد أنْ يستجيب الفلسطينيون، هكذا ببساطة، إلى هذا التحجيم، والتقليص، فقد انبثق الجدل إسرائيليا بشأن مدى الواقعية والمعقولية لهذا البوّابات والإجراءات المقترحة، كالتفتيش اليدوي، مع توفر الدلائل الواقعية على عمق التعلُّق بالمسجد الأقصى، وتوسُّع نطاقه.
وفي هذا السياق، يتبادر إلى الأذهان والألسُن، كثيرا، الربطُ بين ما افتعله الاحتلال في الحرم الإبراهيمي الشريف، في الخليل، ومصير المسجد الأقصى، إذ من الممكن، والاحتلال معروف باستنساخ خططه وأساليبه، أن يُقسِّم الأقصى، كما قَسّم الحرم الإبراهيمي، ومع أن جزءا من ذلك حدث، وتحديدا التحكُّم الزماني، إلا أن مِن غير المبالغة القولُ إنّ ما مرّ في الحرم الإبراهيمي لا يُفترض أن يمرّ على المسجد الأقصى؛ فمكانة الأقصى أعمق، وما يثيره من مشاعر بالغُ الحدّة والعاطفية الدينية والوجدانية.. وفي التاريخ الذي سبق هذا الاحتلال، وفي حقبته أيضا، ما هو مشتهر عن كيفية التعاطي إسلاميا وعربيا وفلسطينيا، مع مُهدِّدات المسجد الأقصى.
وفي بدايات الصراع على فلسطين، كانت ثورة البراق في العام 1929، وكان سببها ادِّعاء اليهود ملكية الحائط الغربي للمسجد الأقصى. وبعد عقودٍ، يَخرُج علينا مَن يتبرّع بما يضادّ ما أقرَّته عصبة الأمم (1930) بأنَّ "ملكية الحائط الغربي تعود للمسلمين وحدهم، ولهم الحقُّ وحدهم فيه؛ لأنه يؤلف جزءاً من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف"، قبل تراجعه؛ جرَّاء قوة ردة الفعل الرافضة لموقفه، والمندِّدة بهذه المواقف المجانية الانفرادية.
ولو لم تنجح إسرائيل في هذه المحاولة، أو المنازلة، فإنها لا شكَّ ستبقى تحاول المحاولة تلو المحاولة؛ بغية إضعاف الإرادة الجمعية، وسط تعويلٍ على الحالة العربية المُشجِّعة، فقد يُتوصَّل إلى حل وسط آخر (!) بعد أن قُبلَت، رسميا عمليا، اقتحامات المستوطنين المتطرّفين يوميا للمسجد الأقصى. وذلك كله هو في الحقيقة خطوات تتسع، وخناق احتلاليٌّ يضيق حول المسجد الأقصى والقدس.
وهذا القبول الإسرائيلي، بما تُلحّ عليه نظُم وحكومات عربية بقبوله؛ لتجنُّب التصعيد الاستفزازي، والنقلات غير المنسجمة مع ظروف تلك النُّظُم الراهنة، يتوقف تحقُّقه على اعتباراتٍ إسرائيليةٍ احتلالية، أزيد مما هو يراعي هواجس تلك النُّظُم، لا سيما والليكود اليميني والأحزابُ اليمينية التي تزاود عليه في التطرُّف والعنصرية، تُقدِّم مخططات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس على شواغلها، أو آمالها العربية والإقليمية، بالطبع، وَفْق درجات الخطورة الوجودية على إسرائيل. لكن، في سياق السياسة المبادِرة، والمطامع الداخلية مُقدَّمة عندهم، في حال التعارض، وفي حال تقديراتهم أنَّ الظروف ناضجة لمثل هذه الاختراقات، أو الاجتيازات. فإذا أرادت إسرائيل تفجير الأوضاع في الضفة الغربية والقدس والتصعيد مع قطاع غزة، وحركات المقاومة، فلن تجد أسرع، أو أذكى لنيران الصراع من المسجد الأقصى، كما كان حين اقتحمه شارون، بحجة زيارة "جبل الهيكل". وعلى إثر ذلك، اندلعت "انتفاضة الأقصى" سنة 2000. حينها تلقَّى رئيسُ الوزراء إيهود باراك، وَفق كتاب "الراعي، قصة حياة آرييل شارون"، تأليف الصحفيَّين نير حيفتس وغادي بلوم، تطمينات من الشاباك (جهاز الأمن الداخلي) بأن "الزيارة" ستمر بسلام، و"لن تتسبَّب في اندلاع أعمال عنفٍ تتعدَّى موقع الحدث".
من يدري (؟!)، قد يقع سوء التقدير، على فرَض انتفاء الرغبة الاحتلالية بتصعيد خطير، أو
وعلى الرغم من فداحة الخطر، خضع هذا الموضوع للتوظيف السياسي، وفق ما نُقِل عن "تدخُّل شخصي" من ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، وحصوله من نتنياهو على "تعهُّداتٍ بعدم تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى"، فيما لا تزال قوّات الاحتلال فعليا، حتى كتابة هذه السطور، على إصرارها بإلزام المصلِّين المرورَ من البوَّابات الإلكترونية، وإخضاعهم إلى إجراءات تفتيشٍ شخصيّ يدوي.
والحقُّ أنَّ المسجد الأقصى، ومجمل القضية الفلسطينية، لا يجدان القدر الكافي والمناسب من الاهتمام، عربيا وإسلاميا، لا على مستوى الدول المثقلة بارتباطها وأزماتها، ولا على مستوى الهيئات الرسمية، كجامعة الدول العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو على الأقل ما تسمَّى لجنة القدس.
ولكن ما يُعدّ، على نحو أوضح، وأكثر إيلاما تغاضيا سلبيا مُشجِّعا لإسرائيل استمرار الاتصالات العميقة والإستراتيجية مع كيان الاحتلال، والمُضيّ في مشروعاتٍ حيويةٍ تعود عليه بالنفع الأكيد، لا على مستوى المنافع الملموسة اقتصاديا، كمشروع قناة البحرين التي تربط بين البحرين، الأحمر والميت، وتشترك فيها بالإضافة إسرائيل الأردنُ والسلطةُ الفلسطينية، حيث الفائدة الكبرى من حصص المياه للاحتلال، واستدامة هذا الاحتلال، ولكن ما يتجاوز المنافع الاقتصادية المتسقة مع ما يُسمَّى "السلام الاقتصادي" إلى القبول بإسرائيل كيانا طبيعيا منخرطا في صُلْب المنطقة جيوسياسيا، حتى قبل أن ينهي احتلاله ما هو في عُرْف العالم أراضٍ فلسطينية محتلة، بل حتى وهو في مرحلةٍ خطيرةٍ ومتقدمةٍ من وتيرة استهداف أكثر القضايا رمزيةً، وهي القدس والمسجد الأقصى، والتي إنْ سلّم الفلسطينيون والعرب فيها، سيسهل عليهم، ولن يكون في مقدورهم، كما قيل، أن يُحقِّقوا انتصاراتٍ في قضايا نِزاعيَّة أخرى.
دلالات
مقالات أخرى
01 أكتوبر 2024
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024