13 فبراير 2022
عن اصطفافات "الحرب على الإرهاب"
باتت مقولة "الحرب على الإرهاب" أداة ابتزاز سياسي بامتياز، تستخدمها الدول، شرقاً وغرباً، في صراعاتها من أجل تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية، وأحياناً اقتصادية ومالية، من هذا الطرف أو ذاك. وهي، كغيرها من المقولات الكبرى، تم تصنيعها في سياقات تاريخية وثقافية معينة، ونقلها خارج أطرها الجغرافية، كي تصبح مقولة عالمية، يجري استخدامها من دون قيد أو شرط. وهي مقولةٌ توفر غطاء سياسيا، وأحيانا أخلاقياً، يمكّن من يستخدمها من تجاوز كل الخطوط الحمراء بذريعة محاربة الإرهاب. رأينا ذلك بعد أحداث "11 سبتمبر" في 2001 التي كانت سبباً في خروج مقولة "الحرب العالمية على الإرهاب" وتكريسها مستوى جديدا للصراع على الساحة الدولية، وكيف استخدم المحافظون الجدد هذه الحرب، لتبرير جرائم سياسية وقانونية ارتكبوها، ليس فقط خارج حدودهم، وإنما أيضا داخل بلدانهم، وبغطاء من الكونغرس الأميركي الذي أصدر القانون الوطني لمكافحة الإرهاب Patriot Act، وأعطى السلطة التنفيذية وأجهزتها صلاحياتٍ واسعة على حساب المواطنين.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت مقولة "الحرب على الإرهاب" من خبز السياسة والصحافة اليومي في الولايات المتحدة، فلن تجد سياسياً أو معلقاً تلفزيونياً إلا ويستخدم هذا الشعار، عندما يأتي الحديث على مسائل الإنفاق وتمويل الجيوش وشراء الأسلحة. فقبل يومين، ألقى الرئيس
الأميركي، دونالد ترامب، كلمة في مدينة نورفولك في ولاية فرجينيا، بمناسبة إطلاق ناقلة الطائرات الجديدة "جيرالد فورد"، والتي تعد من أحدث الناقلات الحربية التي استغرق بناؤها حوالي 12 عاماً. وفي خطابه، استحضر ترامب قائمة المخاطر "والأعداء" الذين تواجههم الولايات المتحدة، وأهمها "الحرب العالمية علي الإرهاب". كما طالب الجمهور بالضغط علي أعضاء الكونغرس، من أجل تمرير الميزانية الجديدة، والتي يصل نصيب القوات المسلحة فيها إلى حوالي 640 مليار دولار.
وفي منطقتنا، تتواصل ماكينة الحرب على الإرهاب، لا لمحاربته، وإنما لاستغلاله غطاء فعّالا لكل أنواع الاستبداد والقمع والإفساد، والهروب من استحقاقات التغيير والإصلاح. ولن تجد حكومةً عربيةً ترفع شعار "الحرب على الإرهاب"، إلا وهي تخفي شيئاً ما تحت أكمة هذا الشعار الخادع، إما هربا من استحقاقاتٍ سياسية، أو تجنباً لمطالباتٍ اجتماعيةٍ واقتصادية، أو رغبةً في تحقيق مصالح نخبوية. في حين يهرب الجميع من القيام بما هو مطلوب فعلياً لمحاربة الإرهاب، والقضاء عليه من جذوره. في مصر مثلاً، يقوم الجنرال عبد الفتاح السيسي بتصفية خصومه السياسيين قتلاً من دون محاكمة تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، ويعطي القضاء المصري أحكام إعدامات بالجملة لمعارضين سياسيين، متلحفاً بالشعار نفسه، وتشوّه الأذرع الإعلامية التي تديرها أجهزة الأمن والمخابرات كل من يختلف معهم، وتتهمه بأنه "إرهابي". وهكذا أصبح الجميع إرهابيين من وجهة نظر السيسي ورجاله. ولا يخجل مثقفوه ومنظّروه من ادّعاء أن "مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم". وفي سورية، يقوم بشار الأسد بوصم الثورة السورية بالإرهاب، واعتبار كل من شارك فيها إرهابياً يجب قتله، واستجلب إيران ومليشياتها وروسيا وأسلحتها من أجل محاربة هذا "الإرهاب". وفي ليبيا، يضرب الجنرال خليفة حفتر خصومه بالمدافع والطيران، مستخدماً الشعار نفسه، ومقدّماً نفسه للعالم، باعتباره "المنقذ" لليبيا من الجماعات الإرهابية. في حين تقوم دول خليجية، كالإمارات والسعودية، غارقة حتى أذنيها في صناعة التطرف والإرهاب، باتهام غيرها بدعم الإرهاب وتمويله، كما هي الحال في أزمتها مع قطر.
صحيح أن هناك إرهابا وعنفا وإجراما تمارسه جماعات راديكالية متطرّفة، وصحيح أن هناك قتلا على الهوية والدين والمذهب، وصحيح أن هناك استحلالا للدماء، تحت غطاءات دينية
ومذهبية عصبوية، وصحيحٌ أن هناك آلاف القتلى من الأبرياء الذين يسقطون في كل بقاع المنطقة العربية نتيجة للإرهاب، لكن الصحيح أيضا أن ما تقوم به السلطويات العربية ليس محاربة للإرهاب، وإنما تصنيع ودعم ونشر له، وذلك بسياساتها وإرهابها وجرائمها التي تمارسها بحق مواطنيها، ولا يستطيع أحد محاسبتها عليه. والصحيح أيضا أن لدينا أنظمة مجرمة سياسياً، وفاشلة اقتصادياً، وساقطة أخلاقياً، تمارس كل أنواع القتل والعنف والقمع، لأسباب سياسية محضة، وأن لدينا نخبا سياسية، وأصواتا إعلامية، وأجهزة أمنية ومخابراتية، متخصّصة في صناعة العنف والإرهاب، من أجل تحقيق مكاسب تمكّنها من البقاء في السلطة، والحصول على مكاسب مادية على حساب الأبرياء أنفسهم الذين يسقطون في الصراع العبثي بين المتطرّفين وهذه الأنظمة ونخبها السياسية والإعلامية.
والأنكى أن تصطف دول عربية مع أخرى غربية تحت مظلة "الحرب على الإرهاب"، في حين لا يتحرّك لها ساكن، حين تمارس دولة محتلة كل أنواع الإرهاب ضد شعب أعزل، كما هي الحال في فلسطين. وهو اصطفافٌ يعكس ليس فقط ازدواجية هؤلاء في نظرتهم إلى الإرهاب، وإنما أيضا مأزقهم وبؤسهم الأخلاقي.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت مقولة "الحرب على الإرهاب" من خبز السياسة والصحافة اليومي في الولايات المتحدة، فلن تجد سياسياً أو معلقاً تلفزيونياً إلا ويستخدم هذا الشعار، عندما يأتي الحديث على مسائل الإنفاق وتمويل الجيوش وشراء الأسلحة. فقبل يومين، ألقى الرئيس
وفي منطقتنا، تتواصل ماكينة الحرب على الإرهاب، لا لمحاربته، وإنما لاستغلاله غطاء فعّالا لكل أنواع الاستبداد والقمع والإفساد، والهروب من استحقاقات التغيير والإصلاح. ولن تجد حكومةً عربيةً ترفع شعار "الحرب على الإرهاب"، إلا وهي تخفي شيئاً ما تحت أكمة هذا الشعار الخادع، إما هربا من استحقاقاتٍ سياسية، أو تجنباً لمطالباتٍ اجتماعيةٍ واقتصادية، أو رغبةً في تحقيق مصالح نخبوية. في حين يهرب الجميع من القيام بما هو مطلوب فعلياً لمحاربة الإرهاب، والقضاء عليه من جذوره. في مصر مثلاً، يقوم الجنرال عبد الفتاح السيسي بتصفية خصومه السياسيين قتلاً من دون محاكمة تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، ويعطي القضاء المصري أحكام إعدامات بالجملة لمعارضين سياسيين، متلحفاً بالشعار نفسه، وتشوّه الأذرع الإعلامية التي تديرها أجهزة الأمن والمخابرات كل من يختلف معهم، وتتهمه بأنه "إرهابي". وهكذا أصبح الجميع إرهابيين من وجهة نظر السيسي ورجاله. ولا يخجل مثقفوه ومنظّروه من ادّعاء أن "مصر تحارب الإرهاب نيابة عن العالم". وفي سورية، يقوم بشار الأسد بوصم الثورة السورية بالإرهاب، واعتبار كل من شارك فيها إرهابياً يجب قتله، واستجلب إيران ومليشياتها وروسيا وأسلحتها من أجل محاربة هذا "الإرهاب". وفي ليبيا، يضرب الجنرال خليفة حفتر خصومه بالمدافع والطيران، مستخدماً الشعار نفسه، ومقدّماً نفسه للعالم، باعتباره "المنقذ" لليبيا من الجماعات الإرهابية. في حين تقوم دول خليجية، كالإمارات والسعودية، غارقة حتى أذنيها في صناعة التطرف والإرهاب، باتهام غيرها بدعم الإرهاب وتمويله، كما هي الحال في أزمتها مع قطر.
صحيح أن هناك إرهابا وعنفا وإجراما تمارسه جماعات راديكالية متطرّفة، وصحيح أن هناك قتلا على الهوية والدين والمذهب، وصحيح أن هناك استحلالا للدماء، تحت غطاءات دينية
والأنكى أن تصطف دول عربية مع أخرى غربية تحت مظلة "الحرب على الإرهاب"، في حين لا يتحرّك لها ساكن، حين تمارس دولة محتلة كل أنواع الإرهاب ضد شعب أعزل، كما هي الحال في فلسطين. وهو اصطفافٌ يعكس ليس فقط ازدواجية هؤلاء في نظرتهم إلى الإرهاب، وإنما أيضا مأزقهم وبؤسهم الأخلاقي.