02 أكتوبر 2024
المعارضة السورية بين مؤتمري الرياض
لم يأتِ مؤتمر الرياض الأول للمعارضة السورية، في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2015، تتويجاً لنهوض سياسي لدى هذه المعارضة وداعميها الإقليميين، بقدر ما كان محاولةً لتشكيل كتلة سياسية موحدة ومتماسكة، من أجل الحد من الانحدار الذي أصاب المعارضة العسكرية عقب التدخل الروسي في 30 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، والحد من الانحدار الذي ضرب المعارضة السياسية عقب تفاهمات "فيينا 1" في 30 أكتوبر/ تشرين الأول و"فيينا 2" في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، ومن ثم القرار الدولي الذي شكل تراجعاً واضحاً عن بيان "جنيف 1" الداعي إلى تشكيل هيئة حكم ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.
اليوم وبعد مرور نحو عامين على مؤتمر "الرياض 1" يجري التحضير لعقد مؤتمر "الرياض 2"، ولأسباب انعقاد المؤتمر الأول نفسها، يحاول المؤتمر المرتقب الحد من الانحدار الحاصل في صفوف المعارضة، بشقيها العسكري والسياسي، عبر توسيع مروحة الهيئة العليا للمفاوضات يما يتلاءم مع التغيرات العسكرية على الأرض والتطورات السياسية الدولية المعنية بالشأن السوري.
الفرق بين المؤتمرين كبير جداً، فقد كان الأول بمثابة الجبهة السياسية المتمرّدة على المتغيرات العسكرية ـ السياسية الحاصلة. ولذلك، جاء خطابه السياسي آنذاك متشدّداً، لجهة طبيعة المرحلة الانتقالية ومصير الأسد أولاً، ولجهة إدخال منصتي القاهرة وموسكو في الهيئة العليا للمفاوضات ثانياً، ولجهة اعتبار "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" ضمن المنظمات الإرهابية ثالثاً.
باختصار، كان هدف مؤتمر الرياض الأول الاتفاق على مرجعية سياسية ـ عسكرية للحل في
سورية، تعكس مطالب المعارضة الفاعلة، بشقيها السياسي والعسكري، بحيث تكون هذه المرجعية الأساس المتين للحل في مواجهة الصيغة الرخوة التي خرج بها اجتماعا فيينا الأول والثاني.
أما مؤتمر الرياض الثاني الذي يجري الترتيب له، فهو أقرب إلى الواقعية السياسية منه إلى الدوغماتية السياسية، وهذا التغير جاء بعيد انزياحاتٍ تركيةٍ تجسّدت بسلوكها مسلكاً سياسياً وفق إطار فن الممكن، والنظر إلى السياسة من باب الربح والخسارة. كما يأتي المؤتمر بعيد تفاهمات روسية ـ أميركية شكلت عباءة سياسية على الأطراف الإقليمية الفاعلة من الطرفين للانضواء تحتها. وعليه يمكن القول إن المؤتمر المنتظر بمثابة التحول الذي يهدف إلى المحافظة على المكتسبات السياسية، وتطويعها بما ينسجم مع التفاهمات الدولية، إذ سيعني رفض السعودية الاستجابة للمتغيرات الحاصلة سحب بساط المعارضة من أيديها، وهو أمر ستكون له تكلفة سياسية كبيرة للمملكة في الملف السوري. لكن الرياض وأنقرة لا تريدان في المقابل الاستسلام للمطالب الروسية، ومن ثم الأميركية بشكل مطلق، وهذا ما بدا واضحاً في عملية الاتفاق على عقد المؤتمر الذي يبدو أنه يتم عبر تفاهم سعودي ـ تركي بالدرجة الأولى، فقد رفضت منصتا القاهرة وموسكو عقد الاجتماع في الرياض، ما يعني أن التحضير للمؤتمر لم يتم بتفاهم إقليمي ـ دولي.
الغاية السعودية من المؤتمر إبعاد أطراف محلية محسوبة على أطراف إقليمية من الهيئة العليا للمفاوضات، لإدخال أطراف محلية مدعومة من أطراف إقليمية ودولية أخرى، تكون منسجمة مع مطالب الهيئة العليا للمفاوضات. هنا العقدة، ذلك أن إدخال منصّتي القاهرة وموسكو في الهيئة سيعني، بالضرورة، حدوث انزياحات سياسية لا تريدها السعودية، فيما يتعلق بشكل المرحلة الانتقالية ومضمونها ومصير الأسد، وعدم إجراء تعديلاتٍ سياسية في خطاب الهيئة سيدفع المنصّتين إلى عدم المشاركة في المؤتمر. وبالتالي، سحب الاعتراف الدولي بالهيئة، وهو ما لا تريد الرياض الوصول إليه.
الخلاف كبير بين الهيئة العليا للمفاوضات ومنصتي القاهرة وموسكو، ففي حين تتمسّك الأولى
بمخرجات "جنيف 1" المتعلقة بهيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، ولا وجود للأسد في المرحلة الانتقالية. تجاوزت منصتا القاهرة وموسكو القضيتين، فهيئة حكم مطلقةٍ لم تعد تنسجم مع الواقع الحالي للأزمة السورية، وإبعاد الأسد من المرحلة الانتقالية تم تجاوزه دولياً.
حتى داخل الهيئة العليا للمفاوضات توجد خلافات حول هذه المسائل، وإن كانت المرحلة السابقة لم تبرز هذا التباين، بسبب هيمنة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على الهيئة، فهيئة التنسيق، ومستقلون كثيرون داخل الهيئة، هم أقرب إلى طرح منصّتي القاهرة وموسكو.
وربما تكون دعوة أنقرة إلى إجراء اجتماع لأعضاء "الائتلاف" تحركاً تركياً مكملاً للتحرّك السعودي، ضمن إطار إقناع "الائتلاف" بضرورة تعديل خطابه السياسي.
تبدو السعودية ضد أي انزياح سياسي في خطاب الهيئة، وهو ما عبر عنه بيان الحكومة السعودية الذي قال إن الحل في سورية يقوم على مبادئ إعلان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ولكن، في المضمون يبدو أن السعودية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من القبول بإجراء انزياحاتٍ سياسيةٍ أصبحت بمثابة التابوهات الدولية غير المسموح لأطراف إقليمية بمواجهتها.
اليوم وبعد مرور نحو عامين على مؤتمر "الرياض 1" يجري التحضير لعقد مؤتمر "الرياض 2"، ولأسباب انعقاد المؤتمر الأول نفسها، يحاول المؤتمر المرتقب الحد من الانحدار الحاصل في صفوف المعارضة، بشقيها العسكري والسياسي، عبر توسيع مروحة الهيئة العليا للمفاوضات يما يتلاءم مع التغيرات العسكرية على الأرض والتطورات السياسية الدولية المعنية بالشأن السوري.
الفرق بين المؤتمرين كبير جداً، فقد كان الأول بمثابة الجبهة السياسية المتمرّدة على المتغيرات العسكرية ـ السياسية الحاصلة. ولذلك، جاء خطابه السياسي آنذاك متشدّداً، لجهة طبيعة المرحلة الانتقالية ومصير الأسد أولاً، ولجهة إدخال منصتي القاهرة وموسكو في الهيئة العليا للمفاوضات ثانياً، ولجهة اعتبار "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" ضمن المنظمات الإرهابية ثالثاً.
باختصار، كان هدف مؤتمر الرياض الأول الاتفاق على مرجعية سياسية ـ عسكرية للحل في
أما مؤتمر الرياض الثاني الذي يجري الترتيب له، فهو أقرب إلى الواقعية السياسية منه إلى الدوغماتية السياسية، وهذا التغير جاء بعيد انزياحاتٍ تركيةٍ تجسّدت بسلوكها مسلكاً سياسياً وفق إطار فن الممكن، والنظر إلى السياسة من باب الربح والخسارة. كما يأتي المؤتمر بعيد تفاهمات روسية ـ أميركية شكلت عباءة سياسية على الأطراف الإقليمية الفاعلة من الطرفين للانضواء تحتها. وعليه يمكن القول إن المؤتمر المنتظر بمثابة التحول الذي يهدف إلى المحافظة على المكتسبات السياسية، وتطويعها بما ينسجم مع التفاهمات الدولية، إذ سيعني رفض السعودية الاستجابة للمتغيرات الحاصلة سحب بساط المعارضة من أيديها، وهو أمر ستكون له تكلفة سياسية كبيرة للمملكة في الملف السوري. لكن الرياض وأنقرة لا تريدان في المقابل الاستسلام للمطالب الروسية، ومن ثم الأميركية بشكل مطلق، وهذا ما بدا واضحاً في عملية الاتفاق على عقد المؤتمر الذي يبدو أنه يتم عبر تفاهم سعودي ـ تركي بالدرجة الأولى، فقد رفضت منصتا القاهرة وموسكو عقد الاجتماع في الرياض، ما يعني أن التحضير للمؤتمر لم يتم بتفاهم إقليمي ـ دولي.
الغاية السعودية من المؤتمر إبعاد أطراف محلية محسوبة على أطراف إقليمية من الهيئة العليا للمفاوضات، لإدخال أطراف محلية مدعومة من أطراف إقليمية ودولية أخرى، تكون منسجمة مع مطالب الهيئة العليا للمفاوضات. هنا العقدة، ذلك أن إدخال منصّتي القاهرة وموسكو في الهيئة سيعني، بالضرورة، حدوث انزياحات سياسية لا تريدها السعودية، فيما يتعلق بشكل المرحلة الانتقالية ومضمونها ومصير الأسد، وعدم إجراء تعديلاتٍ سياسية في خطاب الهيئة سيدفع المنصّتين إلى عدم المشاركة في المؤتمر. وبالتالي، سحب الاعتراف الدولي بالهيئة، وهو ما لا تريد الرياض الوصول إليه.
الخلاف كبير بين الهيئة العليا للمفاوضات ومنصتي القاهرة وموسكو، ففي حين تتمسّك الأولى
حتى داخل الهيئة العليا للمفاوضات توجد خلافات حول هذه المسائل، وإن كانت المرحلة السابقة لم تبرز هذا التباين، بسبب هيمنة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على الهيئة، فهيئة التنسيق، ومستقلون كثيرون داخل الهيئة، هم أقرب إلى طرح منصّتي القاهرة وموسكو.
وربما تكون دعوة أنقرة إلى إجراء اجتماع لأعضاء "الائتلاف" تحركاً تركياً مكملاً للتحرّك السعودي، ضمن إطار إقناع "الائتلاف" بضرورة تعديل خطابه السياسي.
تبدو السعودية ضد أي انزياح سياسي في خطاب الهيئة، وهو ما عبر عنه بيان الحكومة السعودية الذي قال إن الحل في سورية يقوم على مبادئ إعلان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ولكن، في المضمون يبدو أن السعودية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من القبول بإجراء انزياحاتٍ سياسيةٍ أصبحت بمثابة التابوهات الدولية غير المسموح لأطراف إقليمية بمواجهتها.