09 سبتمبر 2024
خفض التصعيد دولياً لا سورياً
يبدو أن سورية مقدمة على مرحلة جديدة ما بعد التطبيق العملي لاتفاق خفض التصعيد، على الرغم من انتهاكات النظام السوري العديدة في غوطة دمشق، إذ المسار العام الطاغي اليوم هو مسار تكريس الاتفاق عملياً، بداية من الاتفاق الروسي الأميركي الأردني حول الجنوب، مروراً بالرعاية المصرية لاتفاقي حمص والغوطة الشرقية، وليس انتهاءً بالحديث الدائر اليوم بشأن إمكانات تطبيق الاتفاق في إدلب ومحيطها. فمن الواضح نجاح روسيا في فرض هيمنتها ونفوذها على المسألة السورية إقليمياً ودولياً، ما شكل الأرضية الحقيقية التي تستند إليها الاتفاقات المتفرقة الحالية، والتي تشهد تكريساً لتحييد السوريين عن الاتفاق، وتحييد إرادتهم ورؤيتهم، معارضين كانوا أم موالين. وعليه، يمكن الحديث عن هامشية التأثير السوري على نجاح الاتفاق أو فشله، لصالح فاعلية مطلقة للدورين الإقليمي والدولي.
وتعزى هامشية الدور السوري إلى جملة من العوامل، في مقدمتها تفتيت المجتمع السوري نتيجة سياسة التهجير والتشريد الممارسة منذ بداية الثورة، ونتيجة جذرية حالة الاستقطاب الشعبية بين معسكري النظام والمعارضة، والتي طمست أهمية العمل السياسي التحريضي والاستقطابي الذي يستهدف انتزاع شرائح اجتماعية جديدة لصالح الحركة الثورية، كان جزء منها وما يزال يرفض الاصطفاف في أي من القطبين الاجتماعيين السائدين، متعذراً بالحرب الدولية الحاصلة، وبضبابية سياسة المعارضة، لنصبح أمام واقع يقوم على إلغاء جزء كبير من المجتمع السوري، بدلاً من العمل على استقطابه وتأطيره ضمن بنى وبرامج ثورية تلبي احتياجات السوريين وآمالهم في مجتمع تسوده العدالة والحرية والمساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أدى اعتماد كل من النظام والمعارضة على القوى الخارجية، والتسليم الكامل لها، إلى تهميش الإرادة السورية اليوم، فالمعلوم أن عجز النظام عن مواجهة الثورة دفعه إلى المسارعة في الاستعانة بالخارج، عبر تدخل حزب الله والحرس الثوري الإيراني سراً، ومن ثم علناً بعد زيادة حجم المليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية والأفغانية ودورها، وصولاً إلى الدور الروسي العسكري العلني والمباشر، والمبني على اتفاقٍ بين الحكومتين، الروسية والسورية، يشرعن الاحتلال الروسي، وفقاً لما تم الإعلان عنه من بنود الاتفاق. وكما يقال شعبياً، فإن ما خفي أعظم. وفي المقابل، بنت المعارضة السورية جل سياستها على تحجيم المكوّن الثوري الشعبي، على الرغم من مركزية دوره وفاعليته وقدرته على ضرب حصون النظام السياسية والأمنية، عبر جميع الأشكال الاحتجاجية والثورية التي ابتدعها وطوّرها الشعب السوري، وخصوصاً في الأشهر الأولى من الثورة، والتي عجزت القوى المحتلة لسورية اليوم عن القضاء عليها كلياً، تحجيمه لصالح سياسة التبعية والتعويل على الخارج التي بنيت على أوهام نقل الحكم والسلطة لصالح المعارضة السورية، عبر التدخل العسكري الدولي. لتتحول المسألة السورية وفقاً لسياسة وممارسة النظام الإجرامية، ووفقاً لسياسة المعارضة إلى صراع دولي حول سورية وعليها، مباشر وغير مباشر عبر المليشيات والكتائب المسلحة، مطلقة التبعية للداعمين والممولين، ما فرض تهميش قوى الثورة وكامل قوى الشعب السوري، لتتحول سورية إلى لعبةٍ دولية تتقاذفها الأيدي، من دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية السورية ولمصلحة السوريين كذلك.
لذا، وعلى الرغم من سقف الطموحات العالي لهذا الاتفاق أو الاتفاقات، وخصوصاً على صعيد تقليص حدة الصراع الجاري على سورية اليوم وإجراميته ودمويته، أو على صعيد تحسّنٍ ولو طفيف في إزالة المعوقات أمام حركة السلع الضرورية لحياة السوريين، وخصوصاً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفقاً لنصوص الاتفاقات نفسها التي تنص على تنظيم حركة السلع التجارية الغذائية والطبية والضرورية لعملية إعادة الحياة الطبيعية وإعادة الإعمار من المناطق المتفق عليها وإليها، غير أننا نلمس، وبسهولة، تجاهل هذه الاتفاقات آمالاً كثيرة طبيعية وسياسية للسوريين، مثل تجاهلها ملف الأسرى والمعتقلين المدنيين في سجون النظام، ولدى بعض القوى المعارضة، وحصرها فقط بعمليات تقوم على تبادل المعتقلين والأسرى، من دون العمل جدياً على حل هذا الملف، وبشكل كامل. فضلاً عن إهمالها المقصود في محاسبة المسؤولين عن جميع الانتهاكات بحق السوريين، سواء أكانو من معسكر النظام المسؤول قانونياً وسياسياً وأخلاقياً عن غالبية الجرائم المرتكبة في سورية أخيراً، أو من أطراف محسوبة على المعارضة، وخصوصاً العسكرية، ما يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق الوفاق الوطني السوري في مقبل الأيام، كما تتجاهل هذه الآلية الدولية جوهر القضية السورية الرئيسي، أي بحث الشعب السوري عن إقامة حكم وطني، يعبر عن طموحات (وغايات) جميع السوريين، من دون تمييز على أسس عرقية أو إثنية أو طائفية، وبما يكفل في المستقبل القريب بناء هياكل ومؤسسات لدولة العدالة والمساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المنشودة شعبياً.
من الجلي أن الغرض الحقيقي من الاتفاق يقوم على تكريس الاحتلال الروسي لسورية، وتنصيبه الحاكم والمدير الوحيد لها، ولمصالح سائر القوى الدولية والإقليمية المحتلة لبعض
المناطق السورية، ما يحد من صدامات هذه القوى مختلفة الغايات، لصالح البدء في عملية قطف ثمار التدخل أو الصراع على سورية، وخصوصاً اقتصادياً، بذريعة إعادة الإعمار التي سوف تشكل أولى ثمار الإدارة الروسية للملف السوري، فضلاً عن بدء قوى الاحتلال في تنفيذ بعض مشاريعها الاقتصادية التي لا تتطلب بنية تحتية متطورة وواضحة المعالم، لتنحصر الحاجة لبدء هذه المشاريع في خفض مناطق التصعيد العسكري فقط، مثل عمليات توريد البضائع باتجاه المناطق السورية، وعمليات نهب الخيرات الطبيعية.
لكن، وعلى الرغم من أن الاتفاق هو عملية تنظيم روسية لمختلف قوى الاحتلال على الأرض السورية، إلا أنه لا يلغي احتمالات تصارعها لاحقاً عند أي متغير دولي، طمعاً في زيادة حصة هذا الاحتلال أو ذاك، فالاتفاق يعكس الحاجة الدولية لجني ثمار الصراع أكثر من أنه يعكس هزيمة هذه القوى أو تلك. بينما وعلى صعيد المصلحة الوطنية السورية، لا بد من محاولة البناء، ومنذ اليوم، لآليات المواجهة الشعبية لقوى الاحتلال المتعدّدة والمختلفة، والقائمة على رفض الانخراط في صالح أيٍّ من الأطراف المحتلة لسورية عند أي صدام متوقع بينها لاحقاً، كما تجدر الإشارة إلى زيادة المعوقات التي تحول دون تحقيق الحركة الثورية السورية لأهدافها الوطنية المنشودة، نتيجة اضطرارها مستقبلاً إلى الصدام مع مخلفات الاتفاق الاحتلالية التي أصبحت قوىً وسلطات استبدادية ومافيوية متعدّدة تستنزف السوريين.
وتعزى هامشية الدور السوري إلى جملة من العوامل، في مقدمتها تفتيت المجتمع السوري نتيجة سياسة التهجير والتشريد الممارسة منذ بداية الثورة، ونتيجة جذرية حالة الاستقطاب الشعبية بين معسكري النظام والمعارضة، والتي طمست أهمية العمل السياسي التحريضي والاستقطابي الذي يستهدف انتزاع شرائح اجتماعية جديدة لصالح الحركة الثورية، كان جزء منها وما يزال يرفض الاصطفاف في أي من القطبين الاجتماعيين السائدين، متعذراً بالحرب الدولية الحاصلة، وبضبابية سياسة المعارضة، لنصبح أمام واقع يقوم على إلغاء جزء كبير من المجتمع السوري، بدلاً من العمل على استقطابه وتأطيره ضمن بنى وبرامج ثورية تلبي احتياجات السوريين وآمالهم في مجتمع تسوده العدالة والحرية والمساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أدى اعتماد كل من النظام والمعارضة على القوى الخارجية، والتسليم الكامل لها، إلى تهميش الإرادة السورية اليوم، فالمعلوم أن عجز النظام عن مواجهة الثورة دفعه إلى المسارعة في الاستعانة بالخارج، عبر تدخل حزب الله والحرس الثوري الإيراني سراً، ومن ثم علناً بعد زيادة حجم المليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية والأفغانية ودورها، وصولاً إلى الدور الروسي العسكري العلني والمباشر، والمبني على اتفاقٍ بين الحكومتين، الروسية والسورية، يشرعن الاحتلال الروسي، وفقاً لما تم الإعلان عنه من بنود الاتفاق. وكما يقال شعبياً، فإن ما خفي أعظم. وفي المقابل، بنت المعارضة السورية جل سياستها على تحجيم المكوّن الثوري الشعبي، على الرغم من مركزية دوره وفاعليته وقدرته على ضرب حصون النظام السياسية والأمنية، عبر جميع الأشكال الاحتجاجية والثورية التي ابتدعها وطوّرها الشعب السوري، وخصوصاً في الأشهر الأولى من الثورة، والتي عجزت القوى المحتلة لسورية اليوم عن القضاء عليها كلياً، تحجيمه لصالح سياسة التبعية والتعويل على الخارج التي بنيت على أوهام نقل الحكم والسلطة لصالح المعارضة السورية، عبر التدخل العسكري الدولي. لتتحول المسألة السورية وفقاً لسياسة وممارسة النظام الإجرامية، ووفقاً لسياسة المعارضة إلى صراع دولي حول سورية وعليها، مباشر وغير مباشر عبر المليشيات والكتائب المسلحة، مطلقة التبعية للداعمين والممولين، ما فرض تهميش قوى الثورة وكامل قوى الشعب السوري، لتتحول سورية إلى لعبةٍ دولية تتقاذفها الأيدي، من دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية السورية ولمصلحة السوريين كذلك.
لذا، وعلى الرغم من سقف الطموحات العالي لهذا الاتفاق أو الاتفاقات، وخصوصاً على صعيد تقليص حدة الصراع الجاري على سورية اليوم وإجراميته ودمويته، أو على صعيد تحسّنٍ ولو طفيف في إزالة المعوقات أمام حركة السلع الضرورية لحياة السوريين، وخصوصاً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفقاً لنصوص الاتفاقات نفسها التي تنص على تنظيم حركة السلع التجارية الغذائية والطبية والضرورية لعملية إعادة الحياة الطبيعية وإعادة الإعمار من المناطق المتفق عليها وإليها، غير أننا نلمس، وبسهولة، تجاهل هذه الاتفاقات آمالاً كثيرة طبيعية وسياسية للسوريين، مثل تجاهلها ملف الأسرى والمعتقلين المدنيين في سجون النظام، ولدى بعض القوى المعارضة، وحصرها فقط بعمليات تقوم على تبادل المعتقلين والأسرى، من دون العمل جدياً على حل هذا الملف، وبشكل كامل. فضلاً عن إهمالها المقصود في محاسبة المسؤولين عن جميع الانتهاكات بحق السوريين، سواء أكانو من معسكر النظام المسؤول قانونياً وسياسياً وأخلاقياً عن غالبية الجرائم المرتكبة في سورية أخيراً، أو من أطراف محسوبة على المعارضة، وخصوصاً العسكرية، ما يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق الوفاق الوطني السوري في مقبل الأيام، كما تتجاهل هذه الآلية الدولية جوهر القضية السورية الرئيسي، أي بحث الشعب السوري عن إقامة حكم وطني، يعبر عن طموحات (وغايات) جميع السوريين، من دون تمييز على أسس عرقية أو إثنية أو طائفية، وبما يكفل في المستقبل القريب بناء هياكل ومؤسسات لدولة العدالة والمساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المنشودة شعبياً.
من الجلي أن الغرض الحقيقي من الاتفاق يقوم على تكريس الاحتلال الروسي لسورية، وتنصيبه الحاكم والمدير الوحيد لها، ولمصالح سائر القوى الدولية والإقليمية المحتلة لبعض
لكن، وعلى الرغم من أن الاتفاق هو عملية تنظيم روسية لمختلف قوى الاحتلال على الأرض السورية، إلا أنه لا يلغي احتمالات تصارعها لاحقاً عند أي متغير دولي، طمعاً في زيادة حصة هذا الاحتلال أو ذاك، فالاتفاق يعكس الحاجة الدولية لجني ثمار الصراع أكثر من أنه يعكس هزيمة هذه القوى أو تلك. بينما وعلى صعيد المصلحة الوطنية السورية، لا بد من محاولة البناء، ومنذ اليوم، لآليات المواجهة الشعبية لقوى الاحتلال المتعدّدة والمختلفة، والقائمة على رفض الانخراط في صالح أيٍّ من الأطراف المحتلة لسورية عند أي صدام متوقع بينها لاحقاً، كما تجدر الإشارة إلى زيادة المعوقات التي تحول دون تحقيق الحركة الثورية السورية لأهدافها الوطنية المنشودة، نتيجة اضطرارها مستقبلاً إلى الصدام مع مخلفات الاتفاق الاحتلالية التي أصبحت قوىً وسلطات استبدادية ومافيوية متعدّدة تستنزف السوريين.