18 أكتوبر 2024
عن خطابه الأخير
يكشف خطاب بشار الأسد الأخير حالة الفصام والتناقض التي يعيشها، مثل كل كلامه في السنين الست الماضية. كما يكشف مدى التصاعد في فاشيته، ومدى تأصلها في لاوعيه، بما يؤكد أن سلالة الفاشية والنازية لم تنقطع تاريخيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بل يبدو أنها مستمرة في سيرة حكام الأنظمة التوتاليتارية والعسكرية الأمنية. وما المجازر التي ارتكبت خلال سنوات حكم آل الأسد، والمستمرة، سوى دليل بسيط على هذه الفاشية، لاسيما في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت جليا الرغبة في التطهير الطائفي والطبقي لدى النظام. وربما ما جعل الجميع يتوقفون عند هذا الخطاب اعتبار بشار الأسد له، وترويجه من الإعلام الموالي، بوصفه خطاب النصر. من دون أن يشرح، على عادته، معنى كلمة النصر وما هو النصر في الحالة السورية، تاركا للمستمعين له أن يتساءلوا عن أي نصرٍ يتحدث، والبلاد محتلة من أطراف عدة، ومقسّمة ومهشّمة، والمدن ما زالت تدكّها طائرات غريبة، والموت يتنقل من مكان إلى آخر بفعل القذائف الصاروخية مجهولة المصدر، والسلاح ينتشر حتى في المدن الواقعة تحت سيطرته، مخلفا سلالاتٍ من عصابات الإجرام والقتل والخطف خارجة عن سيطرة الجيش والأمن وعن أية سيطرة أخرى، والفقر معمّم على الناس، والفاقة والغلاء والانهيار الإقتصادي وانهيار البنية التحيتة اللازمة لحياة البشر الطبيعين، من كهرباء ووقود وماء وغيرها.
ومازلنا هنا نتحدث عن المدن الواقعة تحت سيطرته، ولم نقترب من المدن الخارجة عن السيطرة بكل ما يحدث فيها، ولا عن ملايين المهجرين في الداخل والخارج، ولا عن المشرّدين وسكان المخيمات، ولا عن أكثر من مليون معاق أو مهدّد بالإعاقة، ولا عن ملايين الأطفال المحرومين من التعليم، ولا عن مدنٍ مدمرة بالكامل، ولا عن التراجع في الحياة المدنية السورية التي تحتاج إلى سنين طويلة لاستعادتها، ولا عن انهيار المجتمع السوري على جميع مستوياته، التشاركية والأخلاقية والنفسية.
سيتساءل المستمعون كثيرا قبل أن يصل إليهم الجواب، والمقصود بالمستمعين له هنا كل من يرى أن المنتصر الوحيد في سورية هو الخراب والدم والدمار، وأن ادّعاء أي طرف الانتصار محض افتراء على الحاضر والمستقبل، وعلى تاريخٍ يسجل ما يحصل ويتركه للأجيال القادمة. أما مؤيدوه من السوريين وغيرهم، فلا يمكن تسميتهم مستمعين، فهم يردّدون البله في كلامه بإعجاب، ويهللون للفاشية حين يتحدّث عنها، إذ كان مذهلا ترديدهم جملته "الاستثنائية" في خطابه: "خسرنا خيرة شباب سورية لكننا ربحنا مجتمعا متجانسا"، وكأنها قول عظيم! من دون أن ينتبهوا، وهم في غالبيتهم ينتمون إلى اليسار العربي أو إلى الأقليات الدينية، أو إلى العلمانيين من الأكثرية الدينية، أن المجتمع المتجانس فكرة فاشية وعنصرية أصلا، تقوم على نقاء النوع، وهي مضادّة للأممية التي يقوم عليها الفكر اليساري، ومعادية للأقليات الدينية التي اعتبرها هتلر، مؤسس النازية، سبب شقاء البشرية، ومعاكسة تماما لفكرة المواطنة التي تتأسّس على التنوع والاختلاف في المجتمعات، حيث لا يمكن تحقيق العلمانية إلا ببناء مواطنة حقيقية تقوم على مبادئ أساسية، أولها العدالة الاجتماعية والديمقراطية وسلطة القانون.
أمام النصف الأول من جملته، وهي خسارة خيرة شباب سورية، كأن مؤيديه غير معنيين بها، فإن كانت سورية قد خسرت خيرة شبابها، وهو أمر حقيقي وليس مجرد كلام يقوله في خطابه، فسورية فقدت، خلال الحرب التي أسس نظام الأسد لها، جيلا كاملا من خيرة شبابها من مختلف الطوائف والمذاهب، فما هو شكل هذا المجتمع المتجانس الذي فقد خيرة شبابه؟ وما هو هذا التجانس الحاصل، والبلد مقسم ومدمر، ولم يعد فيه جيل شاب يمكن التعويل عليه لمستقبله؟ هل فكر مؤيدو الأسد بهذا التجانس الذي يهللون له؟ هل فكّروا فعلا بحجم الكارثة التي تعيشها سورية بفضل نظامها؟ أما بشأن معارضين استهزأوا بمصطلح التجانس، فلنا فيما اشتغلوا عليه من طائفية وتهميش لدور الشباب والمرأة في العمل السياسي السوري خير دليل على (التنوع) الذي تغمرنا به مؤسسات المعارضة، يوما وراء يوم.
ومازلنا هنا نتحدث عن المدن الواقعة تحت سيطرته، ولم نقترب من المدن الخارجة عن السيطرة بكل ما يحدث فيها، ولا عن ملايين المهجرين في الداخل والخارج، ولا عن المشرّدين وسكان المخيمات، ولا عن أكثر من مليون معاق أو مهدّد بالإعاقة، ولا عن ملايين الأطفال المحرومين من التعليم، ولا عن مدنٍ مدمرة بالكامل، ولا عن التراجع في الحياة المدنية السورية التي تحتاج إلى سنين طويلة لاستعادتها، ولا عن انهيار المجتمع السوري على جميع مستوياته، التشاركية والأخلاقية والنفسية.
سيتساءل المستمعون كثيرا قبل أن يصل إليهم الجواب، والمقصود بالمستمعين له هنا كل من يرى أن المنتصر الوحيد في سورية هو الخراب والدم والدمار، وأن ادّعاء أي طرف الانتصار محض افتراء على الحاضر والمستقبل، وعلى تاريخٍ يسجل ما يحصل ويتركه للأجيال القادمة. أما مؤيدوه من السوريين وغيرهم، فلا يمكن تسميتهم مستمعين، فهم يردّدون البله في كلامه بإعجاب، ويهللون للفاشية حين يتحدّث عنها، إذ كان مذهلا ترديدهم جملته "الاستثنائية" في خطابه: "خسرنا خيرة شباب سورية لكننا ربحنا مجتمعا متجانسا"، وكأنها قول عظيم! من دون أن ينتبهوا، وهم في غالبيتهم ينتمون إلى اليسار العربي أو إلى الأقليات الدينية، أو إلى العلمانيين من الأكثرية الدينية، أن المجتمع المتجانس فكرة فاشية وعنصرية أصلا، تقوم على نقاء النوع، وهي مضادّة للأممية التي يقوم عليها الفكر اليساري، ومعادية للأقليات الدينية التي اعتبرها هتلر، مؤسس النازية، سبب شقاء البشرية، ومعاكسة تماما لفكرة المواطنة التي تتأسّس على التنوع والاختلاف في المجتمعات، حيث لا يمكن تحقيق العلمانية إلا ببناء مواطنة حقيقية تقوم على مبادئ أساسية، أولها العدالة الاجتماعية والديمقراطية وسلطة القانون.
أمام النصف الأول من جملته، وهي خسارة خيرة شباب سورية، كأن مؤيديه غير معنيين بها، فإن كانت سورية قد خسرت خيرة شبابها، وهو أمر حقيقي وليس مجرد كلام يقوله في خطابه، فسورية فقدت، خلال الحرب التي أسس نظام الأسد لها، جيلا كاملا من خيرة شبابها من مختلف الطوائف والمذاهب، فما هو شكل هذا المجتمع المتجانس الذي فقد خيرة شبابه؟ وما هو هذا التجانس الحاصل، والبلد مقسم ومدمر، ولم يعد فيه جيل شاب يمكن التعويل عليه لمستقبله؟ هل فكر مؤيدو الأسد بهذا التجانس الذي يهللون له؟ هل فكّروا فعلا بحجم الكارثة التي تعيشها سورية بفضل نظامها؟ أما بشأن معارضين استهزأوا بمصطلح التجانس، فلنا فيما اشتغلوا عليه من طائفية وتهميش لدور الشباب والمرأة في العمل السياسي السوري خير دليل على (التنوع) الذي تغمرنا به مؤسسات المعارضة، يوما وراء يوم.