28 أكتوبر 2024
روسيا وأميركا.. وإدلب
حصل، في الأيام القليلة الماضية، تطوران مهمان متعلقان بمحافظة إدلب: انسحاب حركة أحرار الشام منها تحت ضربات هيئة تحرير الشام، وهو ما لم يكن بالإمكان حدوثه لولا إدراك الأخيرة أن مرحلة الحسم اقتربت، كما أن انسحاب "أحرار الشام" بهذه السهولة ما كان ليتم من دون تنسيقٍ مع تركيا. التطور الثاني هو البيان الذي أعلنه مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سورية، مايكل راتني، وأهميته ليست في توصيفه الواقع القائم في محافظة إدلب، ولا في النعوت التي وصف بها هيئة تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني، بقدر ما هي في التوقيت، وتحميله الجولاني المصير الذي ستؤول إليه المحافظة. والواضح أن البيان ليس سوى تمهيد سياسي لخطوات عسكرية أميركية في إدلب، لكن عملية عسكرية كهذه ليست أمرا سهلا، بسبب تعقيدات التحالفات المحلية والإقليمية والدولية وتشابكها، فبالنسبة لواشنطن لا يوجد لديها سوى قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ونواتها وحدات حماية الشعب (الكردية) التي ترى في إدلب تتويجا لصيرورتها العسكرية الممتدة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، على مقربة من مياه المتوسط. ومن هنا يمكن تفسير تلكؤ الأكراد في فتح الجبهة الجنوبية للحسكة، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور، فأولويتهم محافظة إدلب، خشية من وقوعها بيد القوى المدعومة من تركيا، وإن حدث ذلك سيصبح كانتون عفرين في خطر.
يلتقي النظام السوري، عند هذه النقطة، مع التوجه الأميركي من دون أن يعلن ذلك صراحة، فاستيلاء "قسد" على إدلب بالنسبة له أفضل بكثير من استيلاء فصائل المعارضة، بشقيها العلماني والإسلامي، حيث يمكن التفاهم مع "قسد"، كما جرى الأمر في بعض مناطق ريفي حلب، الشمالي والشرقي.
أما روسيا، فإنها تنظر إلى مستقبل إدلب ضمن حساباتها التنافسية مع الولايات المتحدة، وليس ضمن حسابات النظام المحلية، فهي لن تقبل بهيمنة أميركية مطلقة على الشمال السوري، تضعها على مقربة من قاعدتها العسكرية في حميميم في اللاذقية. وتبدو إيران أقرب إلى الطرح الروسي، فسيطرة "قسد" على إدلب تعني سيطرة الولايات المتحدة، وبالتالي تصبح إدلب خارج المفكّر فيه. أما سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا فهو أفضل لموسكو وطهران، حيث يسهل التفاهم مع أنقرة التي أصبحت أقرب إلى الطروحات الروسية. وقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أخيرا أن روسيا أكثر تفهما لموقف بلاده في شأن مخاوفها حيال "وحدات حماية الشعب" من الولايات المتحدة.
وقد دفع الموقف الأميركي الذي وضع نصب أعينه محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والتحالف مع "قسد"، تركيا والأردن، حليفي للولايات المتحدة، إلى البحث عن مساراتهما الخاصة. وهكذا فعل الأردن نهاية عام 2015 عندما قبل الطرح الروسي بوقف إطلاق النار في الجنوب، واضطر إلى التفاهم مع موسكو لمنع تفجير الجنوب. وهكذا فعلت تركيا فيما بعد، عندما وجدت في الاستراتيجية الأميركية تهديدا لمصالحها القومية، فاضطرت للانزياح قليلا نحو الشرق.
أمام هذا الوضع، تتجه الأنظار إلى تركيا التي تضع فيتو أمام أي تحرك لـ "قسد" نحو إدلب، في وقتٍ لا تستطيع بمفردها من فتح جبهة بمثل هذا الوزن، من دون عباءة سياسية وعسكرية روسية، ودعم بري يتجاوز فصائل المعارضة. وقد جاء تصريح الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، ليعكس التفاهمات الحاصلة بين بلاده وإيران، حين أعلن، قبل أيام، أن من المحتمل تنفيذ عملية مشتركة مع إيران ضد حزب العمال الكردستاني. ووفقا لوسائل إعلام تركية، مقرّبة من دائرة صنع القرار، ستشارك إيران، عبر حلفائها، في المعارك البرية من الجهة الجنوبية للمحافظة، على أن تترك للأتراك الجهة الشمالية.
من سيحسم الأمر روسيا التي ستجد نفسها مضطرّة إلى الاختيار بين توجهات النظام في دمشق والتوجهات التركية، وقد تجد نفسها أميل إلى الطروحات التركية، لكن الأمر يتطلب تفاهمات إقليمية ـ محلية دقيقة، فموسكو، على سبيل المثال، رفضت منذ فترة طلب النظام وإيران فتح معركة إدلب، لاعتبارات عسكرية وطائفية وسياسية. لا تريد موسكو منح النظام وإيران انتصارات عسكرية واسعة، توصلهما إلى مرحلة الحسم العسكري، وتجعلهما بغير حاجة إليها. وفي المقابل، لا تريد موسكو منح تركيا مساحات جغرافية واسعة، تضعها في موقعٍ لا تكون فيه بحاجة إليها.
يلتقي النظام السوري، عند هذه النقطة، مع التوجه الأميركي من دون أن يعلن ذلك صراحة، فاستيلاء "قسد" على إدلب بالنسبة له أفضل بكثير من استيلاء فصائل المعارضة، بشقيها العلماني والإسلامي، حيث يمكن التفاهم مع "قسد"، كما جرى الأمر في بعض مناطق ريفي حلب، الشمالي والشرقي.
أما روسيا، فإنها تنظر إلى مستقبل إدلب ضمن حساباتها التنافسية مع الولايات المتحدة، وليس ضمن حسابات النظام المحلية، فهي لن تقبل بهيمنة أميركية مطلقة على الشمال السوري، تضعها على مقربة من قاعدتها العسكرية في حميميم في اللاذقية. وتبدو إيران أقرب إلى الطرح الروسي، فسيطرة "قسد" على إدلب تعني سيطرة الولايات المتحدة، وبالتالي تصبح إدلب خارج المفكّر فيه. أما سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا فهو أفضل لموسكو وطهران، حيث يسهل التفاهم مع أنقرة التي أصبحت أقرب إلى الطروحات الروسية. وقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أخيرا أن روسيا أكثر تفهما لموقف بلاده في شأن مخاوفها حيال "وحدات حماية الشعب" من الولايات المتحدة.
وقد دفع الموقف الأميركي الذي وضع نصب أعينه محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والتحالف مع "قسد"، تركيا والأردن، حليفي للولايات المتحدة، إلى البحث عن مساراتهما الخاصة. وهكذا فعل الأردن نهاية عام 2015 عندما قبل الطرح الروسي بوقف إطلاق النار في الجنوب، واضطر إلى التفاهم مع موسكو لمنع تفجير الجنوب. وهكذا فعلت تركيا فيما بعد، عندما وجدت في الاستراتيجية الأميركية تهديدا لمصالحها القومية، فاضطرت للانزياح قليلا نحو الشرق.
أمام هذا الوضع، تتجه الأنظار إلى تركيا التي تضع فيتو أمام أي تحرك لـ "قسد" نحو إدلب، في وقتٍ لا تستطيع بمفردها من فتح جبهة بمثل هذا الوزن، من دون عباءة سياسية وعسكرية روسية، ودعم بري يتجاوز فصائل المعارضة. وقد جاء تصريح الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، ليعكس التفاهمات الحاصلة بين بلاده وإيران، حين أعلن، قبل أيام، أن من المحتمل تنفيذ عملية مشتركة مع إيران ضد حزب العمال الكردستاني. ووفقا لوسائل إعلام تركية، مقرّبة من دائرة صنع القرار، ستشارك إيران، عبر حلفائها، في المعارك البرية من الجهة الجنوبية للمحافظة، على أن تترك للأتراك الجهة الشمالية.
من سيحسم الأمر روسيا التي ستجد نفسها مضطرّة إلى الاختيار بين توجهات النظام في دمشق والتوجهات التركية، وقد تجد نفسها أميل إلى الطروحات التركية، لكن الأمر يتطلب تفاهمات إقليمية ـ محلية دقيقة، فموسكو، على سبيل المثال، رفضت منذ فترة طلب النظام وإيران فتح معركة إدلب، لاعتبارات عسكرية وطائفية وسياسية. لا تريد موسكو منح النظام وإيران انتصارات عسكرية واسعة، توصلهما إلى مرحلة الحسم العسكري، وتجعلهما بغير حاجة إليها. وفي المقابل، لا تريد موسكو منح تركيا مساحات جغرافية واسعة، تضعها في موقعٍ لا تكون فيه بحاجة إليها.