01 أكتوبر 2024
"أونروا".. وتصفية القضية الفلسطينية عربياً
تشتدّ المساعي الإسرائيلية المدعومة من سياسيِّين في الكونغرس الأميركي، في استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بوصفها تمثّل البُعْدَ الدوليَّ المُعترِف، قانونيا وعمليا، بقضية اللاجئين وحقوقِهم المُؤجَّلة، ولكون اللاجئين يقفون، بهذا المفهوم، عقبةً أمام استفراد الاحتلال الإسرائيلي بفلسطين، وقضمها شيئا فشيئا، لا أرضًا فقط، ومواردَ، ومقدَّساتٍ، انتهاءً إلى ضمِّ الضفة الغربية إلى إسرائيل، وترحيل الفلسطينيين، بل بطمسها قضيةً إنسانية عادلة، تمتدّ آثارُها واستحقاقاتُها إلى شعبها المُشتَّت والمَنفيِّ، في الشتات البعيد والقريب.
ولم تكن للمطامح الإسرائيلية والأميركية لتصفية القضية الفلسطينية أنْ تصل إلى هذا الحدّ، لولا أنّ المُعطيات العربية، ومنها الفلسطينية، قد فرشت لها تلك التوطئات، ولم يكن لنا أن نبالغ في الكشف عن انحياز دول غربية كبرى، في مقدمها الولايات المتحدة، ونحن نجد نُظُما وشخصياتٍ عربيةً نافذة، تُغري دولةَ الاحتلال، بالفعل والقول، بالذهاب بعيدا في طَمْس الحقوق الفلسطينية، حتى وصل الأمر إلى اللاجئين الفلسطينيين، وهم الأكثر تجسيدا للمأساة الفلسطينية الماثلة، بل حتى وصل إلى محاولة صرف مُتنفَّس دوليٍّ، هو الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، عن تفعيل (وتظهير) صورة إسرائيل المحتلة والعنصرية، والمنتهِكة للحقوق الفلسطينية، "وسط الإعلان أنَّ الولايات المتحدة لن تقبل بمواصلة هذا الأمر، ولو اقتضى ذلك تعديل دستور المجلس المذكور وصلاحياته المختلفة"، مترافقا مع ضغوط تمارسها إدارةُ الرئيس دونالد ترامب على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لتخفيف حدّة خطابه المنتظَر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتوازي عن حديث التسهيلات الاحتلالية للفلسطينيين (!) من قبيل منطقة صناعية، وتخفيف الإجراءات على الحواجز والمعابر؛ بهدف تحسين
الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في الضفة الغربية، وما إلى ذلك من أمور مُعرَّضة للتذبذُب، وغير جوهرية في حياة الفلسطينيين على المدى البعيد، في ظل تغلُّب، بل سُعار فاعلية الاحتلال والاستيطان.
ونعود إلى المُعطيات العربية المُشجِّعة، على هذا الانتقاص الدولي المستمر، لفلسطين. بعض تلك العوامل فاعلٌ بالسلب، بالانتفاء، وبعضها بالإيجاب والمبادرة إلى التنازل، أمّا السلب في أوضاعنا العربية فلا يخفى، بعد إفشال محاولات الشعوب العادلة، بثورات مضادَّة، كما في دول الربيع العربي عموما، وبخذلان أليم، وتوظيف إقليمي، سافر، كما في سورية، في حين كان حراك تلك الشعوب بارقةَ أمل لحضورها، بعد الغياب، ولمشاركتها، بعد استلاب قرارها، في نصرة قضية فلسطين، بالانطلاق من أرضيّة سويّة، تتصالح فيها الشعوب مع حكّامها، وتكون أكثر انسجاما، وتمثيلا، مع نظمها. ولم تكن يوما قضية فلسطين هامشيَّة عند تلك الشعوب، حتى وهي منهمكة، في عزّ تحدّياتها الحيوية، ومتطلَّبات حياتها المُلحَّة، اقتصاديا، ومعيشيا.
في مصر، مثلا، وكانت ذات يوم، تحمل ثقلا مهما، ودورا رئيسا، اتَّخذ المسار، ولا سيما بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي، اتجاها خطيرا، يرمي، في النهاية، إلى إضعاف تلك الروابط المتينة والعميقة التي تربط المصريِّين بفلسطين، وبوجه آخر، التي تقلِّل من العداء تجاه دولة الاحتلال، على احتلالها الذي لم يزل، وعلى خطرها على أمن مصر القومي التي لم تزل تمثل أكبر تهديدٍ له، بحسب الاعتقاد المصري الخبير.
وكانت حركة حماس خيال مآته، وكانت شيطنتُها المدخلَ الانتهازيَّ إلى التحلُّل من الارتباط المصري المعهود بالقضية الفلسطينية، والتقدمة النفسية/ السياسية إلى علاقات أوثق، وأكثر ليونة وتملُّقا لإسرائيل، مفتاح القبول لدى واشنطن، بحسب تقديرات الحكام الجدُد الباحثين عن شرعيَّةٍ، وغطاء دولي .
ومن مصر، بالإضافة إلى الإمارات، جاء تلميع محمد دحلان، القيادي الفتحاوي المفصول، ومحاولات إعادته إلى غزة، على مركب المعاناة المتأزِّمة في القطاع، وعلى خلفيَّة استعصاء المصالحة مع سلطة رام الله، وهو الوجه الأكثر قربا من قادة إسرائيليِّين نافذين، يرونه أقرب إلى المرحلة المقبلة، حيث لا تفكير في حلول نهائية، إنما الحضور للأمنيِّ والمَعيشيّ.
وعلى الجانب الآخر، تتقدَّم دعاوَى التطبيع العربية مع دولة الاحتلال، وهي في ذروة تصعيدها، ضدَّ الوجود الفلسطيني، وضدَّ مرتكزات صموده، كما في الحملة على وكالة أونروا، وخدماتها الصحيَّة والتعليمية (كما في استهداف مستشفى وكالة الغوث في قلقليلة الذي اتَّخذت الوكالة قرارا بتقليص تقديم الخدمات في أقسامه، وهو الذي يخدم 750 ألف لاجئ في الضفة الغربية، اعتبارا من 21-8-2017، من دون تحديد سقفٍ زمنيٍّ للقرار)، بالتوازي مع أخبار عن مساعٍ إسرائيلية، وبالعمل مع جهاتٍ في الكونغرس الأميركي، تهدف إلى تعديل كتاب التفويض الأصلي لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بتحويلها، أو توحيدها مع وكالات إغاثة دولية أخرى تابعة للأمم المتحدة، بغرض الوصول إلى محاولة إلغاء توارُث صفة لاجئ لأحفاد اللاجئين الفلسطينيين، وجعل هذه المكانة مقتصرة على من تبقَّى من الجيل الأول للاجئين؛ فيما لا يزال موقف أوروبا رافضا للمساس ب "أونروا"، وفي جديد المواقف ما قالته مُفوَّض الاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية، كارينا كريتو، إن "أونروا"
أُنشئت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لمساعدة لاجئي فلسطين، إلى حين إيجاد حلٍّ عادل لقضيتهم، وأن الاتحاد سيستمر في دعم الوكالة جزءا من التزام أوروبا بحلِّ الدولتين. وتفضي هذه المساعي الإسرائيلية التي تجد تأييدا أميركيا لها إلى إغلاق هذا الملف مع الزمن؛ بغية شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وفرض الرؤية الإسرائيلية، واقعيا، من دون انتظار التفاوض والحلول، وهو شأنها في التعامل مع سائر ملفات التفاوض النهائي، من الأراضي والحدود والقدس، فهي حاليا في كامل استدارتها عن استحقاقات اتفاقات السلام التي وقّعتها، بل عن توفير الظروف المعقولة لأيِّ عملية تفاوضية (ذات مغزى) على رأي كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات.
وأضحى الهدف معروفا، من حملات التطبيع العربية تلك، أنَّه قبول تلك الدول بإسرائيل، بوضعها الحالي، وتصديق توقُّعات (أو مطالب) رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بأنَّ السلام مع الدول العربية، والتطبيع معها، هو الذي مِن شأنه أن يُحقِّق السلام مع الفلسطينيين، وبالطبع، يحقِّق، لكن (سلاما) إسرائيليا، محكوما بسقف عربيّ منخفض، وأوراق ضغط عربي معدومة، ودولة الاحتلال تعلم مساحات الاتفاق، مع ما تُسمِّيها دول الاعتدال السنّي، في مقابل المخاوف المشتركة من إيران.
واضح أنّ ثمَّة محاولاتٍ لتغييب الوعي الضروري بشأن المخاطر الحقيقية التي يُفترَض أن تستنهض الروحَ الجماعية العميقة، لكن ما يجري هو توسيع الأرضيَّة (بمحاولة مدّها إلى المثقفين والشعوب) التي تسمح لتلك المخاطر أن تُغيَّب، من دون أن تَغيب، ولا مفرَّ من تَكرار القول إنَّ التخلِّي العربي الرسمي الغالب لا يساعد في لجْم تلك المساعي الإسرائيلية على المسرح الدولي، وفي المحافل الدولية، في وقت لم يعد ثمة استغراب من تقدُّم المواقف الأوروبية، مثلا، رسميا وشعبيا، على مواقف عربية رسمية لا تنفكّ تدعِّي الحرص على فلسطين، ومصيرها.
ولم تكن للمطامح الإسرائيلية والأميركية لتصفية القضية الفلسطينية أنْ تصل إلى هذا الحدّ، لولا أنّ المُعطيات العربية، ومنها الفلسطينية، قد فرشت لها تلك التوطئات، ولم يكن لنا أن نبالغ في الكشف عن انحياز دول غربية كبرى، في مقدمها الولايات المتحدة، ونحن نجد نُظُما وشخصياتٍ عربيةً نافذة، تُغري دولةَ الاحتلال، بالفعل والقول، بالذهاب بعيدا في طَمْس الحقوق الفلسطينية، حتى وصل الأمر إلى اللاجئين الفلسطينيين، وهم الأكثر تجسيدا للمأساة الفلسطينية الماثلة، بل حتى وصل إلى محاولة صرف مُتنفَّس دوليٍّ، هو الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، عن تفعيل (وتظهير) صورة إسرائيل المحتلة والعنصرية، والمنتهِكة للحقوق الفلسطينية، "وسط الإعلان أنَّ الولايات المتحدة لن تقبل بمواصلة هذا الأمر، ولو اقتضى ذلك تعديل دستور المجلس المذكور وصلاحياته المختلفة"، مترافقا مع ضغوط تمارسها إدارةُ الرئيس دونالد ترامب على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لتخفيف حدّة خطابه المنتظَر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتوازي عن حديث التسهيلات الاحتلالية للفلسطينيين (!) من قبيل منطقة صناعية، وتخفيف الإجراءات على الحواجز والمعابر؛ بهدف تحسين
ونعود إلى المُعطيات العربية المُشجِّعة، على هذا الانتقاص الدولي المستمر، لفلسطين. بعض تلك العوامل فاعلٌ بالسلب، بالانتفاء، وبعضها بالإيجاب والمبادرة إلى التنازل، أمّا السلب في أوضاعنا العربية فلا يخفى، بعد إفشال محاولات الشعوب العادلة، بثورات مضادَّة، كما في دول الربيع العربي عموما، وبخذلان أليم، وتوظيف إقليمي، سافر، كما في سورية، في حين كان حراك تلك الشعوب بارقةَ أمل لحضورها، بعد الغياب، ولمشاركتها، بعد استلاب قرارها، في نصرة قضية فلسطين، بالانطلاق من أرضيّة سويّة، تتصالح فيها الشعوب مع حكّامها، وتكون أكثر انسجاما، وتمثيلا، مع نظمها. ولم تكن يوما قضية فلسطين هامشيَّة عند تلك الشعوب، حتى وهي منهمكة، في عزّ تحدّياتها الحيوية، ومتطلَّبات حياتها المُلحَّة، اقتصاديا، ومعيشيا.
في مصر، مثلا، وكانت ذات يوم، تحمل ثقلا مهما، ودورا رئيسا، اتَّخذ المسار، ولا سيما بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي، اتجاها خطيرا، يرمي، في النهاية، إلى إضعاف تلك الروابط المتينة والعميقة التي تربط المصريِّين بفلسطين، وبوجه آخر، التي تقلِّل من العداء تجاه دولة الاحتلال، على احتلالها الذي لم يزل، وعلى خطرها على أمن مصر القومي التي لم تزل تمثل أكبر تهديدٍ له، بحسب الاعتقاد المصري الخبير.
وكانت حركة حماس خيال مآته، وكانت شيطنتُها المدخلَ الانتهازيَّ إلى التحلُّل من الارتباط المصري المعهود بالقضية الفلسطينية، والتقدمة النفسية/ السياسية إلى علاقات أوثق، وأكثر ليونة وتملُّقا لإسرائيل، مفتاح القبول لدى واشنطن، بحسب تقديرات الحكام الجدُد الباحثين عن شرعيَّةٍ، وغطاء دولي .
ومن مصر، بالإضافة إلى الإمارات، جاء تلميع محمد دحلان، القيادي الفتحاوي المفصول، ومحاولات إعادته إلى غزة، على مركب المعاناة المتأزِّمة في القطاع، وعلى خلفيَّة استعصاء المصالحة مع سلطة رام الله، وهو الوجه الأكثر قربا من قادة إسرائيليِّين نافذين، يرونه أقرب إلى المرحلة المقبلة، حيث لا تفكير في حلول نهائية، إنما الحضور للأمنيِّ والمَعيشيّ.
وعلى الجانب الآخر، تتقدَّم دعاوَى التطبيع العربية مع دولة الاحتلال، وهي في ذروة تصعيدها، ضدَّ الوجود الفلسطيني، وضدَّ مرتكزات صموده، كما في الحملة على وكالة أونروا، وخدماتها الصحيَّة والتعليمية (كما في استهداف مستشفى وكالة الغوث في قلقليلة الذي اتَّخذت الوكالة قرارا بتقليص تقديم الخدمات في أقسامه، وهو الذي يخدم 750 ألف لاجئ في الضفة الغربية، اعتبارا من 21-8-2017، من دون تحديد سقفٍ زمنيٍّ للقرار)، بالتوازي مع أخبار عن مساعٍ إسرائيلية، وبالعمل مع جهاتٍ في الكونغرس الأميركي، تهدف إلى تعديل كتاب التفويض الأصلي لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بتحويلها، أو توحيدها مع وكالات إغاثة دولية أخرى تابعة للأمم المتحدة، بغرض الوصول إلى محاولة إلغاء توارُث صفة لاجئ لأحفاد اللاجئين الفلسطينيين، وجعل هذه المكانة مقتصرة على من تبقَّى من الجيل الأول للاجئين؛ فيما لا يزال موقف أوروبا رافضا للمساس ب "أونروا"، وفي جديد المواقف ما قالته مُفوَّض الاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية، كارينا كريتو، إن "أونروا"
وأضحى الهدف معروفا، من حملات التطبيع العربية تلك، أنَّه قبول تلك الدول بإسرائيل، بوضعها الحالي، وتصديق توقُّعات (أو مطالب) رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بأنَّ السلام مع الدول العربية، والتطبيع معها، هو الذي مِن شأنه أن يُحقِّق السلام مع الفلسطينيين، وبالطبع، يحقِّق، لكن (سلاما) إسرائيليا، محكوما بسقف عربيّ منخفض، وأوراق ضغط عربي معدومة، ودولة الاحتلال تعلم مساحات الاتفاق، مع ما تُسمِّيها دول الاعتدال السنّي، في مقابل المخاوف المشتركة من إيران.
واضح أنّ ثمَّة محاولاتٍ لتغييب الوعي الضروري بشأن المخاطر الحقيقية التي يُفترَض أن تستنهض الروحَ الجماعية العميقة، لكن ما يجري هو توسيع الأرضيَّة (بمحاولة مدّها إلى المثقفين والشعوب) التي تسمح لتلك المخاطر أن تُغيَّب، من دون أن تَغيب، ولا مفرَّ من تَكرار القول إنَّ التخلِّي العربي الرسمي الغالب لا يساعد في لجْم تلك المساعي الإسرائيلية على المسرح الدولي، وفي المحافل الدولية، في وقت لم يعد ثمة استغراب من تقدُّم المواقف الأوروبية، مثلا، رسميا وشعبيا، على مواقف عربية رسمية لا تنفكّ تدعِّي الحرص على فلسطين، ومصيرها.
مقالات أخرى
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024
12 اغسطس 2024