06 نوفمبر 2024
أسئلة الأزمة الكورية
مع بدء طائرات "بي 1 بي" الأميركية القاذفة الثقيلة التحليق على مقربة من سواحل كوريا الشمالية، يبدو أن الأزمة في شبه الجزيرة الكورية انتقلت من مرحلة التهديدات المتبادلة إلى مرحلة استعراض القوة، والإيحاء بالاستعداد لاستخدامها. هذا يعني أن استراتيجية كوريا الشمالية، القائمة على ردع الولايات المتحدة عن مهاجمتها، من خلال امتلاك قنبلة نووية، وتطوير وسائل إطلاقها قد تؤدي عكس المرجو منها، أي وقوع الحرب بدلاً من منعها. وعلى الرغم من أن احتمال المواجهة يبقى بعيداً في الظروف الراهنة، إلا أن كثيرين، وفي مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، باتوا يتخوفون من نتائج لعبة حافة الهاوية التي يمارسها الطرفان، خصوصاً أن حالة الردع بينهما غير مكتملة، ونتائجها غير مضمونة.
والردع هو أحد أهم المفاهيم العسكرية التي طورها المفكر الاستراتيجي الألماني فون كارل كلاوزفيتز في كتابه الشهير "عن الحرب". وقد برز المفهوم على الساحة الأوروبية خلال حروب القرنين الثامن والتاسع عشر، بالتوازي مع صعود مفهوم "ميزان القوى"، لكنه كان يفشل كل مرة في منع وقوع الحرب، إما لعدم اكتمال شروطه، أو لخطأ في حسابات أطرافه. المرة الوحيدة التي نجح فيها الردع في منع وقوع صدام عسكري كبير كانت خلال الحرب الباردة، وكان السبب امتلاك طرفي المعادلة القطبية الدولية أسلحة الدمار الشامل التي أسست لما أصبح يُعرف بـ "توازن الرعب" الذي نشأ عنه لاحقاً مفهوم "التدمير المتبادل الأكيد"، أو ما يشار إليه باللغة الإنكليزية اختصاراً بـ (MAD).
تتمحور فكرة الردع أساساً حول وضع عسكري، يمتنع خلاله طرفا الصراع عن القيام بأي عمل عدواني، عندما يتبين لكل منهما أن الخسائر المترتبة على المواجهة تفوق بكثير مكاسبها. وتنشأ عن ذلك حالة تُسمَّى العطالة أو الشلل الاستراتيجي، تتبلور عندما يطلق الطرف الذي يتوقع التعرّض لهجومٍ تهديدات ذات مصداقية بأن الاعتداء عليه سوف يكلف المعتدي ثمناً باهظاً. وحتى ينجح الردع، يجب أن تتوفر له جملة شروط أهمها: أن يتمتع طرفا الصراع بصفة العقلانية، بمعنى أن يكونا مدركين معنى الربح والخسارة، وأن تتأثر حساباتهما بفعل التهديد، وأن تكون لديهما القدرة على الرد بقوة، في حال التعرّض لهجوم.
وكلما تقاربت موازين القوى بين أطراف الصراع ارتفع احتمال نجاح الردع، وكلما ازداد الفرق في القدرات والإمكانات العسكرية والتكنولوجية ازداد احتمال وقوع الحرب، لأن فائض القوة يغري مالكها باستخدامها. وأبرز مثال قريب على فشل الردع في منع حصول صدام عسكري هو حالة العراق في مناسبتين: الأولى عام 1991 والثانية عام 2003. خلال أزمة غزو الكويت، حاول الرئيس صدام حسين ردع هجوم أميركي ضده، من خلال التهديد بضرب إسرائيل وتدمير آبار النفط في الخليج، لإحداث أزمة طاقة عالمية، لكن الحرب وقعت مع ذلك، ليس فقط لأن الفرق في القدرات بين الطرفين كان كبيراً، بل لأن الولايات المتحدة كانت قادرة أيضاً على تحمل كلفة الرد العراقي. في عام 2003 حاول صدام، مرة أخرى، ردع الأميركيين عن مهاجمته، من خلال التلويح بحجم المقاومة التي أعد لها دفاعاً عن المدن العراقية، لكنه فشل كذلك.
طبعاً، هناك فرق كبير في القدرات والإمكانات بين العراق وكوريا الشمالية التي تمتلك سلاحاً نووياً، ولديها القدرة على استخدامه ضد كوريا الجنوبية واليابان. وبالتالي، فان إمكانية نجاح الردع هنا أكبر بكثير، لكنها ليست حتمية، بل مرتبطة بسؤالين: الأول بشأن استعداد الولايات المتحدة لتحمل سقوط آلاف الكوريين الجنوبيين، وربما اليابانيين أيضاً. وطالما أن هؤلاء ليسوا أميركيين، لن نتمكّن من الإجابة على هذا السؤال بصورة قطعية. الثاني: هل تفاضل الولايات المتحدة بين مواجهةٍ تقع الآن ويسقط فيها كوريون ويابانيون أم تنتظر حتى تمتلك كوريا الشمالية القدرة على ضربها، ويغدو القتلى أميركيين. هذه أسئلة مهمة ينبغي على رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، أن يفكر بها، لمعرفة ما إذا كان يمنع هجوماً أميركياً ضده أم يشجع عليه.
والردع هو أحد أهم المفاهيم العسكرية التي طورها المفكر الاستراتيجي الألماني فون كارل كلاوزفيتز في كتابه الشهير "عن الحرب". وقد برز المفهوم على الساحة الأوروبية خلال حروب القرنين الثامن والتاسع عشر، بالتوازي مع صعود مفهوم "ميزان القوى"، لكنه كان يفشل كل مرة في منع وقوع الحرب، إما لعدم اكتمال شروطه، أو لخطأ في حسابات أطرافه. المرة الوحيدة التي نجح فيها الردع في منع وقوع صدام عسكري كبير كانت خلال الحرب الباردة، وكان السبب امتلاك طرفي المعادلة القطبية الدولية أسلحة الدمار الشامل التي أسست لما أصبح يُعرف بـ "توازن الرعب" الذي نشأ عنه لاحقاً مفهوم "التدمير المتبادل الأكيد"، أو ما يشار إليه باللغة الإنكليزية اختصاراً بـ (MAD).
تتمحور فكرة الردع أساساً حول وضع عسكري، يمتنع خلاله طرفا الصراع عن القيام بأي عمل عدواني، عندما يتبين لكل منهما أن الخسائر المترتبة على المواجهة تفوق بكثير مكاسبها. وتنشأ عن ذلك حالة تُسمَّى العطالة أو الشلل الاستراتيجي، تتبلور عندما يطلق الطرف الذي يتوقع التعرّض لهجومٍ تهديدات ذات مصداقية بأن الاعتداء عليه سوف يكلف المعتدي ثمناً باهظاً. وحتى ينجح الردع، يجب أن تتوفر له جملة شروط أهمها: أن يتمتع طرفا الصراع بصفة العقلانية، بمعنى أن يكونا مدركين معنى الربح والخسارة، وأن تتأثر حساباتهما بفعل التهديد، وأن تكون لديهما القدرة على الرد بقوة، في حال التعرّض لهجوم.
وكلما تقاربت موازين القوى بين أطراف الصراع ارتفع احتمال نجاح الردع، وكلما ازداد الفرق في القدرات والإمكانات العسكرية والتكنولوجية ازداد احتمال وقوع الحرب، لأن فائض القوة يغري مالكها باستخدامها. وأبرز مثال قريب على فشل الردع في منع حصول صدام عسكري هو حالة العراق في مناسبتين: الأولى عام 1991 والثانية عام 2003. خلال أزمة غزو الكويت، حاول الرئيس صدام حسين ردع هجوم أميركي ضده، من خلال التهديد بضرب إسرائيل وتدمير آبار النفط في الخليج، لإحداث أزمة طاقة عالمية، لكن الحرب وقعت مع ذلك، ليس فقط لأن الفرق في القدرات بين الطرفين كان كبيراً، بل لأن الولايات المتحدة كانت قادرة أيضاً على تحمل كلفة الرد العراقي. في عام 2003 حاول صدام، مرة أخرى، ردع الأميركيين عن مهاجمته، من خلال التلويح بحجم المقاومة التي أعد لها دفاعاً عن المدن العراقية، لكنه فشل كذلك.
طبعاً، هناك فرق كبير في القدرات والإمكانات بين العراق وكوريا الشمالية التي تمتلك سلاحاً نووياً، ولديها القدرة على استخدامه ضد كوريا الجنوبية واليابان. وبالتالي، فان إمكانية نجاح الردع هنا أكبر بكثير، لكنها ليست حتمية، بل مرتبطة بسؤالين: الأول بشأن استعداد الولايات المتحدة لتحمل سقوط آلاف الكوريين الجنوبيين، وربما اليابانيين أيضاً. وطالما أن هؤلاء ليسوا أميركيين، لن نتمكّن من الإجابة على هذا السؤال بصورة قطعية. الثاني: هل تفاضل الولايات المتحدة بين مواجهةٍ تقع الآن ويسقط فيها كوريون ويابانيون أم تنتظر حتى تمتلك كوريا الشمالية القدرة على ضربها، ويغدو القتلى أميركيين. هذه أسئلة مهمة ينبغي على رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، أن يفكر بها، لمعرفة ما إذا كان يمنع هجوماً أميركياً ضده أم يشجع عليه.