19 ابريل 2021
بين خيارين
ليس هناك ما هو أسوأ في أي ثورةٍ من الشعبوية: من السير وراء العفوية التي غالبا ما نتصّف بها نحن البشر، فتحركنا عواطفنا التي تملي علينا ردود أفعالٍ تعجز عن التعامل العقلاني والناجح مع مشكلاتنا. بدل أن تسير الكثرة وراء ما تضعه القلة من خطط برامج سياسية، تعبر عن مطالبها ومصالحها، يفضي الافتقار إلى الخطط والبرامج إلى هيمنة الكثرة على النخب التي يفترض بها امتلاك ما يكفي من معرفةٍ وخبرةٍ لتكون قائدة، وبالكثرة ما يكفي من حسٍّ سليمٍ تميّز بواسطته بين ما يقدّم لها من أفكار وتصوّرات، فتمنح ما تختاره قوة مادية تجعل تحقيقه ممكنا، وفي حالات كثيرة حتميا، كما قال فلاسفة عديدون.
ليس هذا التصنيف إدانة للحس السليم، على الرغم من أنه غالبا ما يكون متنوعا إلى درجة الانقسام والتعارض. لذلك، تؤكد الخبرات التي قدّمتها تجارب تاريخية متنوعة أن العفوية لا تصلح لوضع خطط وبناء نظم وقيادات ثورية، وأن سير من النخب وراءها يكون كارثةً تدمر أي ثورة، مهما كان اشتراك الشعب فيها كثيفا، وكانت رهاناته نبيلة ونزيهة. وقد أدّى هذا الوضع المقلوب إلى فشل ثوراتٍ كثيرة، من الضروري لنجاة الثورة السورية منه أن تمتلك أخيرا قيادة ذات صدقية، بدل أن تغرق معظم نخبها نفسها في التملق لما اعتقدوا أنه الشعب، بنتائج مأساوية، أهمها كثافة التضحيات التي على الشعب تقديمها، ما كان انتصار الثورة يتطلب جزءا منها، لو نجحت نخبها في بناء قيادةٍ، وقدّمت لشعبها برامج عمل وخططا تفيد من قدراته الهائلة التي لم تتعطل بغياب البرامج والخطط الضرورية لانتصار أي ثورة، بل أخضعت الشعب لمن دفعوه إلى الهاوية، وسط بحرٍ من دمائه، بزعم أن الثورة تتطلب ذلك، مع أنهم كانوا حرصوا على حياة الشعب، لو كانوا ثوريين حقا.
قال أحد الفلاسفة: تنتصر الثورة في الواقع بقدر ما تكون قد انتصرت في الوعي، وبقدر ما تنجو من العفوية والارتجال. هذا النقص في الثورة غطّى عليه تفاني الشعب الرائع في الصراع مع الأسدية. لكنه، وما أن وقع التراجع، خصوصا منذ سقوط حلب، حتى تبين أن غياب الثورة في الفكر كان سبب تراجعها في الواقع، وما وقع من خداع للمواطن العادي الذي منح ثقته لمن تملقوه، وخصوصا منهم الذين حوّلوا ثورته من أجل الحرية إلى ثورةٍ مذهبيةٍ معاديةٍ للحرية، ولوحدة السوريين شعبا، واستخدموا سلاحهم ضد أنصار الثورة الأولى ورهاناتها، وكتموا أنفاسهم باسم وعد اتضح، بكل جلاء بعد حين، أن تحقيقه مستحيل، هو إقامة دولة إسلامية، لم تخدم مطالبتهم بها، وخلافاتهم الدموية حولها، أحدا غير بشار الأسد وروسيا وإيران، كما قوّضت فرص انتصار ثورة الحرية، الأصلية والأصيلة.
واليوم، ليست الثورة السورية بخير، لأن هؤلاء يحاولون، من جديد، إحكام قبضتهم على يقظة جديدة في ما بقي من سوريين في الشمال السوري، الخارجة عن سيطرة الأسدية بدعم تركيا. لذلك تراهم يطعنون الثورة في الظهر، كما فعلوا في سنواتها السبع الماضية، عندما نظروا إلى وطننا ومجتمعنا بدلالة أحزابهم المذهبية، المؤدلجة والفاشلة، بدل أن يروا أحزابهم وأنفسهم بدلالة وطنهم وحريته، وحق شعبهم في العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
.. ولن يكون السوريون بخير، إذا لم يقاوموا هذا النهج الذي أجهز على ثورتهم الأولى، ويحاول اليوم خنق ما يبدو من إشاراتٍ إلى استعادة ثورة الحرية والشعب الواحد الأصلية، وإذا لم يرفضوا تغليب العداء بعضهم لبعض على العداء للنظام، قبل فوات الأوان، وتبديد الوقت القليل الباقي لهم.
ليس هذا التصنيف إدانة للحس السليم، على الرغم من أنه غالبا ما يكون متنوعا إلى درجة الانقسام والتعارض. لذلك، تؤكد الخبرات التي قدّمتها تجارب تاريخية متنوعة أن العفوية لا تصلح لوضع خطط وبناء نظم وقيادات ثورية، وأن سير من النخب وراءها يكون كارثةً تدمر أي ثورة، مهما كان اشتراك الشعب فيها كثيفا، وكانت رهاناته نبيلة ونزيهة. وقد أدّى هذا الوضع المقلوب إلى فشل ثوراتٍ كثيرة، من الضروري لنجاة الثورة السورية منه أن تمتلك أخيرا قيادة ذات صدقية، بدل أن تغرق معظم نخبها نفسها في التملق لما اعتقدوا أنه الشعب، بنتائج مأساوية، أهمها كثافة التضحيات التي على الشعب تقديمها، ما كان انتصار الثورة يتطلب جزءا منها، لو نجحت نخبها في بناء قيادةٍ، وقدّمت لشعبها برامج عمل وخططا تفيد من قدراته الهائلة التي لم تتعطل بغياب البرامج والخطط الضرورية لانتصار أي ثورة، بل أخضعت الشعب لمن دفعوه إلى الهاوية، وسط بحرٍ من دمائه، بزعم أن الثورة تتطلب ذلك، مع أنهم كانوا حرصوا على حياة الشعب، لو كانوا ثوريين حقا.
قال أحد الفلاسفة: تنتصر الثورة في الواقع بقدر ما تكون قد انتصرت في الوعي، وبقدر ما تنجو من العفوية والارتجال. هذا النقص في الثورة غطّى عليه تفاني الشعب الرائع في الصراع مع الأسدية. لكنه، وما أن وقع التراجع، خصوصا منذ سقوط حلب، حتى تبين أن غياب الثورة في الفكر كان سبب تراجعها في الواقع، وما وقع من خداع للمواطن العادي الذي منح ثقته لمن تملقوه، وخصوصا منهم الذين حوّلوا ثورته من أجل الحرية إلى ثورةٍ مذهبيةٍ معاديةٍ للحرية، ولوحدة السوريين شعبا، واستخدموا سلاحهم ضد أنصار الثورة الأولى ورهاناتها، وكتموا أنفاسهم باسم وعد اتضح، بكل جلاء بعد حين، أن تحقيقه مستحيل، هو إقامة دولة إسلامية، لم تخدم مطالبتهم بها، وخلافاتهم الدموية حولها، أحدا غير بشار الأسد وروسيا وإيران، كما قوّضت فرص انتصار ثورة الحرية، الأصلية والأصيلة.
واليوم، ليست الثورة السورية بخير، لأن هؤلاء يحاولون، من جديد، إحكام قبضتهم على يقظة جديدة في ما بقي من سوريين في الشمال السوري، الخارجة عن سيطرة الأسدية بدعم تركيا. لذلك تراهم يطعنون الثورة في الظهر، كما فعلوا في سنواتها السبع الماضية، عندما نظروا إلى وطننا ومجتمعنا بدلالة أحزابهم المذهبية، المؤدلجة والفاشلة، بدل أن يروا أحزابهم وأنفسهم بدلالة وطنهم وحريته، وحق شعبهم في العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
.. ولن يكون السوريون بخير، إذا لم يقاوموا هذا النهج الذي أجهز على ثورتهم الأولى، ويحاول اليوم خنق ما يبدو من إشاراتٍ إلى استعادة ثورة الحرية والشعب الواحد الأصلية، وإذا لم يرفضوا تغليب العداء بعضهم لبعض على العداء للنظام، قبل فوات الأوان، وتبديد الوقت القليل الباقي لهم.