01 نوفمبر 2024
غزة رمزيَّةُ القضيَّةِ الفلسطينيَّة
يعود التوتُّر إلى قطاع غزة، بعد دفْعِ جيش الاحتلال قوَّاتٍ إضافيةً على طول الحدود مع القطاع، إِثْرَ تجدُّد الزَّخَم في مسيرات العودة، إذ التقديرات مشاركة عشرين ألف متظاهر، في الجمعة الفائتة، (استشهد ثلاثة، وفاقَ عددُ الجرحى 120)، وفي ضوء مزايدات داخل حكومة الاحتلال، سيما من وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرِّف، تجاه وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، ووسط دلائل حرَجٍ في أوساط جيش الاحتلال، بعد نجاح متظاهرين فلسطينيين، في اختراقات على السياج الفاصل، وزيادة التهديد لمستوطنات غلاف غزة؛ ما يعزِّز الحاجة عندهم إلى "ردع" حركة حماس، وقادتها، مع أنَّ أقوال قائد حماس، يحيى السِّنوار، أخيرا لا تصبُّ في التصعيد، بقدر ما توحي بالرغبة في التهدئة، لكن الأرضية التي ليست هامشية، هنا، هي الموقف السياسي، المتعلق بملفِّ المصالحة، إذ لم تنجح الجهودُ المصرية، حتى الآن، في الفصل بين مساعي التهدئة بين حماس وحكومة الاحتلال، وبين مسار المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح من جهة، وحكومة حماس، في الجهة المقابلة.
ومع أنَّ رهان الأطراف المشاركة في الحصار على فكِّ الارتباط بين حكومة حماس وجماهير القطاع لا يزال قائما، وذلك لاستمرار الظروف الصعبة في القطاع، الناجمة عن الحصار، والتضييق، على تلبية الحاجيات الأساسية والحيوية للفلسطيني الغَزِّيّ، إلا أنَّ تلك الآمال لم تُتوَّج، حتى الآن، بعزل حركة حماس، وعلامةُ ذلك استمرارُ الاستجابة القوية، للتظاهر، كلّ جمعة، مع التعرُّض لخطر القتل والاستشهاد، أو الإصابات الحرِجة، والمتسبِّبة في إعاقاتٍ لعدد غير قليل من الشباب والفتيان. وقد استشهد، منذ بدأت المسيرات، في نهاية مارس/ آذار من العام الجاري، ما يقارب المئتين، وجُرِح ما يزيد على عشرين ألفًا.
ولا تمانع دولة الاحتلال، وهي تطوي صفحة الحلول النهائية مع الفلسطينيين، في إبرام اتفاق
تهدئة مع "حماس"، سبق أن أبْرَمت مثله، وإن كان الحديث، هذه المرَّة، يجري، عن تهدئةٍ طويلة، قد تستمر سنوات، وإن كانت بعض الأصوات تحذِّر من أنْ تصبَّ تلك التهدئة، وذلك الاتفاق مع حماس، ولو عبر وسطاء، في تقوية حماس، باعتراف ضمنيٍّ بها، وبسُلْطتها، على قطاع غزة، في مقابل إضعاف السلطة الفلسطينية، وخطّها المعتدل، غير المتوقف، حتى في أحرج الظروف، والانسدادات السياسية الكبرى، عن التنسيق والتعاون الأمني، مع دولة الاحتلال؛ ما يترك رسالةً سلبيةً عند الفلسطينيين؛ عن الخيار السلمي التفاوضي الذي لا يُجدي مع إسرائيل، وقناعةً إيجابية لديهم، بخيار المقاومة، من دون اعتراف بدولة الاحتلال الذي يثمر اتِّفاقًا رفَعَ الحصار عن غزة، ويجنِّبها دفْعَ أثمانٍ باهظة، سياسيا، وأمنيا، حتى من دون أن تضطر إلى التخلِّي عن سلاحها، أو من دون التعهُّد بذلك.
قطاع غزة المشتمل على قرابة مليوني فلسطيني، 66.2% منهم مِن اللاجئين، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام الحالي (2018)، وهو ما يجعل القطاع أكثر تضرُّرًا بتدنّي خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أضحى يختزل القضية الفلسطينية، في أبعادها المتعدِّدة، قضية اللاجئين، وقضية المقاومة، والتناقض الأساسي مع دولة الاحتلال، في أساسيات الصراع، من شروط نجحت إسرائيل في تكريسها دوليًّا، عبر شروط الرباعية الدولية التي يتضمن أهمّها الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، ورفض التحريض، في مقابل الموقف الفلسطيني الذي صار لا بد من التبلور حوله، وهو رفض الاعتراف بها، ولا سيما، وذاك الاعتراف الذي بذلته منظمة التحرير الفلسطينية، عبر اتفاقات أوسلو، صار أكثر اتجاها نحو أن يكون أداة لصالح دولة الاحتلال التي لم تعد تكتفي به، بل فاقمته، على يد رئيس وزرائها، نتنياهو، واليمين المتطرِّف، إلى المطالبة باعتراف بيهودية الدولة، وأنَّ فلسطين كلَّها ملك لـ "الشعب اليهودي"، فقط، وهو وحده، وذلك بموجب قانون القومية الذي حظي بصفة
قانون أساس، وهذا الاتجاه لمَّح إليه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في خطابه أخيرا على منبر الأمم المتحدة في اجتماع الجمعية العامة الذي تساءل فيه عن "دولة إسرائيل"؛ كيف تمّ الاعتراف؟ وكيف يستمر بدولةٍ لا يعرف لها حدود واضحة أو نهائية؟! قال: "وقد اتخذ البرلمان قرارات مهمة تلزمني بإعادة النظر في الاتفاقات الموقَّعة مع الحكومة الإسرائيلية، السياسية والاقتصادية والأمنية، على حدٍّ سواء، وفي مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت من دون سلطة، كما طالبني بتعليق الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل إلى حين اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين، على حدود الرابع من حزيران، عام 1967." (بغض النظر عن فرص تحوُّل هذه التهديدات إلى واقع فعلي)
وكذلك فعَل أبو مازن، في خطابه في القمة الطارئة لمؤتمر العالم الإسلامي، في إسطنبول، أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2017، حين قال:" القانون الدولي يقول إنه لا بدَّ من أن تتوفر في الدولة ثلاثة شروط، السلطة والسكان والحدود، لكن الشرط الثالث غير متوفر في إسرائيل، وأتحدَّاها أن تقول أين حدودُها، وهذا يقود إلى أنَّ الاعتراف بها باطل." فهنا مربط الفرس، وحجر الزاوية وليس المناكفات، مثلا، بشأن ما قاله يحيى السِّنوار، في مقابلة مع الصحافية الإيطالية، فرانشيسكا بوري.
ويبقي الوضعُ الساخن على حدود القطاع الذي أمكن، في مرَّات سابقة، تفادِي انجراره نحو عدوانٍ وحرب واسعة رابعة، يبقي القطاع معرّضا لمثل هذا الاستدراج بالأحداث التي قد تتصاعد، ولكن تبقى أيضا سيناريوهات تلك الحرب، أو خيارات العدوان الإسرائيلي، أيضا ليست سهلة؛ ذلك أنَّ الذهاب بالأمور إلى نهايتها قد يُحوِج إلى إعادة احتلال القطاع، وهو ما لا تحبِّذه إسرائيل، أو إلى إعادة سياسة الاغتيال، وهو ما قد يستدعي تصعيدا فلسطينيا مقابلا، في هذه المرحلة التي قد تكون سابقةً لانتخابات مبكِّرة في إسرائيل، تزداد فيها حمَّى المزايدات والتوظيفات الحزبية.
ومع أنَّ رهان الأطراف المشاركة في الحصار على فكِّ الارتباط بين حكومة حماس وجماهير القطاع لا يزال قائما، وذلك لاستمرار الظروف الصعبة في القطاع، الناجمة عن الحصار، والتضييق، على تلبية الحاجيات الأساسية والحيوية للفلسطيني الغَزِّيّ، إلا أنَّ تلك الآمال لم تُتوَّج، حتى الآن، بعزل حركة حماس، وعلامةُ ذلك استمرارُ الاستجابة القوية، للتظاهر، كلّ جمعة، مع التعرُّض لخطر القتل والاستشهاد، أو الإصابات الحرِجة، والمتسبِّبة في إعاقاتٍ لعدد غير قليل من الشباب والفتيان. وقد استشهد، منذ بدأت المسيرات، في نهاية مارس/ آذار من العام الجاري، ما يقارب المئتين، وجُرِح ما يزيد على عشرين ألفًا.
ولا تمانع دولة الاحتلال، وهي تطوي صفحة الحلول النهائية مع الفلسطينيين، في إبرام اتفاق
قطاع غزة المشتمل على قرابة مليوني فلسطيني، 66.2% منهم مِن اللاجئين، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام الحالي (2018)، وهو ما يجعل القطاع أكثر تضرُّرًا بتدنّي خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أضحى يختزل القضية الفلسطينية، في أبعادها المتعدِّدة، قضية اللاجئين، وقضية المقاومة، والتناقض الأساسي مع دولة الاحتلال، في أساسيات الصراع، من شروط نجحت إسرائيل في تكريسها دوليًّا، عبر شروط الرباعية الدولية التي يتضمن أهمّها الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، ورفض التحريض، في مقابل الموقف الفلسطيني الذي صار لا بد من التبلور حوله، وهو رفض الاعتراف بها، ولا سيما، وذاك الاعتراف الذي بذلته منظمة التحرير الفلسطينية، عبر اتفاقات أوسلو، صار أكثر اتجاها نحو أن يكون أداة لصالح دولة الاحتلال التي لم تعد تكتفي به، بل فاقمته، على يد رئيس وزرائها، نتنياهو، واليمين المتطرِّف، إلى المطالبة باعتراف بيهودية الدولة، وأنَّ فلسطين كلَّها ملك لـ "الشعب اليهودي"، فقط، وهو وحده، وذلك بموجب قانون القومية الذي حظي بصفة
وكذلك فعَل أبو مازن، في خطابه في القمة الطارئة لمؤتمر العالم الإسلامي، في إسطنبول، أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2017، حين قال:" القانون الدولي يقول إنه لا بدَّ من أن تتوفر في الدولة ثلاثة شروط، السلطة والسكان والحدود، لكن الشرط الثالث غير متوفر في إسرائيل، وأتحدَّاها أن تقول أين حدودُها، وهذا يقود إلى أنَّ الاعتراف بها باطل." فهنا مربط الفرس، وحجر الزاوية وليس المناكفات، مثلا، بشأن ما قاله يحيى السِّنوار، في مقابلة مع الصحافية الإيطالية، فرانشيسكا بوري.
ويبقي الوضعُ الساخن على حدود القطاع الذي أمكن، في مرَّات سابقة، تفادِي انجراره نحو عدوانٍ وحرب واسعة رابعة، يبقي القطاع معرّضا لمثل هذا الاستدراج بالأحداث التي قد تتصاعد، ولكن تبقى أيضا سيناريوهات تلك الحرب، أو خيارات العدوان الإسرائيلي، أيضا ليست سهلة؛ ذلك أنَّ الذهاب بالأمور إلى نهايتها قد يُحوِج إلى إعادة احتلال القطاع، وهو ما لا تحبِّذه إسرائيل، أو إلى إعادة سياسة الاغتيال، وهو ما قد يستدعي تصعيدا فلسطينيا مقابلا، في هذه المرحلة التي قد تكون سابقةً لانتخابات مبكِّرة في إسرائيل، تزداد فيها حمَّى المزايدات والتوظيفات الحزبية.
مقالات أخرى
01 أكتوبر 2024
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024