19 ابريل 2021
في الحاجة إلى مراجعة نقدية
بين أبرز أسباب تلاشي الثورة في سورية الانتفاء شبه التام لذلك النوع من النقد الذي يمليه الانتماء إليها، ويتم في الإطار الذي يخدمها، بواسطة القوى التي لعبت دورا كبيرا في إعدادها، وتلعب دورا تقريريا في قيادتها، تطبيقا لمبدأ يُلزم الثوري برؤية عمله بعين النقص، وليس بعين الكمال، مثلما يفعل الذين يتصدّون لتمثيل الثورة خلال سنواتها المجيدة بدور الشعب، العجاف بدورهم.
بازدواجية أهداف الثورة التي بدأت بسيطرة المذهبية على القطاع العسكري، ومرّت بإزاحة "الجيش السوري الحر" الذي اعترض مؤسّسه، المقدم محمود هرموش، على تسليح المدنيين، ثم مرّت بتهميش دور ائتلاف قوى الثورة والمعارضة في الداخل السوري، وتفتيت حاضنة الثورة الشعبية التي طالبت بحرية شعب سورية، واستبدالها بثورة نسبتها إلى "أهل السنة والجماعة"، أخذت نصف السوريين إلى حضن الأسد.
أسقطت هذه التطورات السياسة ومؤسساتها، وأدت إلى رفض تطبيق القرارات الدولية، باعتباره مشروع خيانة يجب منع تحقيقه تفاوضيا، لأن إسقاط الأسد مسألة وقت، والحل السياسي يمنعه.
ذهبت هذه التطورات في اتجاه فصل البندقية عن السياسة، وحال دون تكامل قطاعي المعارضة، ورهن مصير الثورة ببندقيةٍ يرفض معظم حملتها الحرية ووحدة الشعب السوري، ويرى أن ما يجري في سورية هو حرب بين السنة كأغلبية وأقليات تلتف حول سلطة علوية، ستحسم بالسلاح.
بتهافت السياسة، ودورانها في حلقات كلامية عديمة الفاعلية في "الائتلاف"، انتفت الحاجة إلى نقدٍ يصحّح مسار ثورةٍ تفتقر الى برامج وخطط وقيادة موحدة، تحفل بنواقص وعيوب يرفض العسكر تصحيحها، ومثلهم الساسة، لاعتقادهم أن النقد سيطاولهم، وقد يزيحهم عن مواقعهم. بما أن الافتقار إلى البرامج والخطط حال دون وجود معايير يُقاس العمل بها، فإن مبدأ النقد اعتبر خيانة "للثورة"، تضعف قواها ويفيد منها الأسد وروسيا وإيران. وقد أسهم في غياب نقد الثورة الذاتي أن مؤسّساتها لم تكن ثورية، وأن ما مورس فيها من نقد أخذ صيغة خلافاتٍ ومهاترات افتقرت غالبا إلى الموضوعية، قوّضت ما كان قد تراكم من إيجابيات قليلة في علاقات أطرافها. لا عجب في أن غياب النقد الذاتي الثوري أسهم في مزيد من الفرقة داخل قطاعي العسكر والساسة وبينهما، وسمّم علاقات جهاتها التي اعتبرت كل واحدةٍ منها الخطأ لدى غيره، وليس عنده، واعتبره غير جدير بالانتماء إلى "الائتلاف" أو الثورة.
لم تمارس الثورة النقد الذاتي، ولذلك لم تصوب مسارها، فكان بديله نقدا تخريبيا، فاقم انشقاقات المعارضة وضخّم انقساماتها، وربما كان من المصلحة لو أنه لا يحدث، على الرغم مما أورده من اقتراحات، وقدمه من مشاريع، قدمت إلى جهةٍ ترى في النقد تخريبا، وفي نقادها خدما لأعداء الثورة.
افتقر تمرد المجتمع السوري الهائل إلى المؤونة الفكرية، الضرورية لترقيته إلى مصافّ ثورة مكتملة الأركان. بغياب هذه الترقية، لعبت الفصائلية بنهجها المعادي السياسة دورا إحباطيا احتوى الشعب كوارثه بتضحياته، منذ تحويلها من ثورةٍ للحرية إلى اقتتال مذهبي/ طائفي بين سوريين.
واليوم، لن يكون هناك، من الآن فصاعدا، أي مهمة تعلو على دراسة ما جرى خلال السنوات السبع الماضية نقديا، بالمعنى الأشمل والأعمق، الذي لا يكتفي بإظهار ما أدّى إلى احتجاز الثورة وتراجعها الذي لا تستطيع الفصائل وقفه، وإنما يبادر إلى تقديم الرؤى والبرامج والخطط الكفيلة بالاستمرار في مواجهة الأسدية، وبالمحافظة على روح التمرّد لدى السوريين، وتحقيق ثورة الحرية في الوعي تمهيدا لتحقيقها في الواقع، في مستقبلٍ غير بعيد، إن فاتنا بناؤه لتمرّدنا العظيم الراهن، أتحناه لثورة حرية وعدالة ومساواة وكرامة إنسانية آتية حتما، لن تنجح إن غدرت بها المذهبية مرة أخرى.
بازدواجية أهداف الثورة التي بدأت بسيطرة المذهبية على القطاع العسكري، ومرّت بإزاحة "الجيش السوري الحر" الذي اعترض مؤسّسه، المقدم محمود هرموش، على تسليح المدنيين، ثم مرّت بتهميش دور ائتلاف قوى الثورة والمعارضة في الداخل السوري، وتفتيت حاضنة الثورة الشعبية التي طالبت بحرية شعب سورية، واستبدالها بثورة نسبتها إلى "أهل السنة والجماعة"، أخذت نصف السوريين إلى حضن الأسد.
أسقطت هذه التطورات السياسة ومؤسساتها، وأدت إلى رفض تطبيق القرارات الدولية، باعتباره مشروع خيانة يجب منع تحقيقه تفاوضيا، لأن إسقاط الأسد مسألة وقت، والحل السياسي يمنعه.
ذهبت هذه التطورات في اتجاه فصل البندقية عن السياسة، وحال دون تكامل قطاعي المعارضة، ورهن مصير الثورة ببندقيةٍ يرفض معظم حملتها الحرية ووحدة الشعب السوري، ويرى أن ما يجري في سورية هو حرب بين السنة كأغلبية وأقليات تلتف حول سلطة علوية، ستحسم بالسلاح.
بتهافت السياسة، ودورانها في حلقات كلامية عديمة الفاعلية في "الائتلاف"، انتفت الحاجة إلى نقدٍ يصحّح مسار ثورةٍ تفتقر الى برامج وخطط وقيادة موحدة، تحفل بنواقص وعيوب يرفض العسكر تصحيحها، ومثلهم الساسة، لاعتقادهم أن النقد سيطاولهم، وقد يزيحهم عن مواقعهم. بما أن الافتقار إلى البرامج والخطط حال دون وجود معايير يُقاس العمل بها، فإن مبدأ النقد اعتبر خيانة "للثورة"، تضعف قواها ويفيد منها الأسد وروسيا وإيران. وقد أسهم في غياب نقد الثورة الذاتي أن مؤسّساتها لم تكن ثورية، وأن ما مورس فيها من نقد أخذ صيغة خلافاتٍ ومهاترات افتقرت غالبا إلى الموضوعية، قوّضت ما كان قد تراكم من إيجابيات قليلة في علاقات أطرافها. لا عجب في أن غياب النقد الذاتي الثوري أسهم في مزيد من الفرقة داخل قطاعي العسكر والساسة وبينهما، وسمّم علاقات جهاتها التي اعتبرت كل واحدةٍ منها الخطأ لدى غيره، وليس عنده، واعتبره غير جدير بالانتماء إلى "الائتلاف" أو الثورة.
لم تمارس الثورة النقد الذاتي، ولذلك لم تصوب مسارها، فكان بديله نقدا تخريبيا، فاقم انشقاقات المعارضة وضخّم انقساماتها، وربما كان من المصلحة لو أنه لا يحدث، على الرغم مما أورده من اقتراحات، وقدمه من مشاريع، قدمت إلى جهةٍ ترى في النقد تخريبا، وفي نقادها خدما لأعداء الثورة.
افتقر تمرد المجتمع السوري الهائل إلى المؤونة الفكرية، الضرورية لترقيته إلى مصافّ ثورة مكتملة الأركان. بغياب هذه الترقية، لعبت الفصائلية بنهجها المعادي السياسة دورا إحباطيا احتوى الشعب كوارثه بتضحياته، منذ تحويلها من ثورةٍ للحرية إلى اقتتال مذهبي/ طائفي بين سوريين.
واليوم، لن يكون هناك، من الآن فصاعدا، أي مهمة تعلو على دراسة ما جرى خلال السنوات السبع الماضية نقديا، بالمعنى الأشمل والأعمق، الذي لا يكتفي بإظهار ما أدّى إلى احتجاز الثورة وتراجعها الذي لا تستطيع الفصائل وقفه، وإنما يبادر إلى تقديم الرؤى والبرامج والخطط الكفيلة بالاستمرار في مواجهة الأسدية، وبالمحافظة على روح التمرّد لدى السوريين، وتحقيق ثورة الحرية في الوعي تمهيدا لتحقيقها في الواقع، في مستقبلٍ غير بعيد، إن فاتنا بناؤه لتمرّدنا العظيم الراهن، أتحناه لثورة حرية وعدالة ومساواة وكرامة إنسانية آتية حتما، لن تنجح إن غدرت بها المذهبية مرة أخرى.