31 أكتوبر 2024
عربي بما فيه الكفاية
في الوقت الذي يتوسّل معظم الشعراء الجدد إعجاب الجمهور الإلكتروني، عبر أزرار الإعجاب وإعادات التغريدة في وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال النكوص بالقصيدة العربية إلى مرحلةٍ تقليديةٍ، موغلة في جمودها، تبرز أسماء نادرة في المشهد الشعري العربي بوهج حقيقي، بعيدا عن ضوضاء الجماهير المسمّرين أمام الشاشات الإلكترونية للهواتف الذكية.
الشاعر آدم يوسف أحد هؤلاء الذين تمسّكوا بخيار الابتكار الشعري، والتجريب الابداعي المستمر، متحاشيا بإصرار عجيب إغراء الجماهيرية الجديدة، وصخبها الذي غالبا ما يفضي إلى الجوائز والمهرجانات الكبرى!
في إصداره الشعري الجديد، يبدو الشاعر التشادي، ذو الثقافة العربية الخالصة، وقد نجح في عبور البرزخ نحو القصيدة الحديثة بثقة عاليا، ففي ذلك الإصدار المعنون "ليس هو يومك المعتاد"، والصادر عن منشورات ضفاف في بيروت، ثلاث وعشرون قصيدة، بدا في كل واحدة منها وكأنه يعيد اكتشاف الشعر وفقا لمنظوره الخاص، مخلصا لموهبته الطاغية ولذاته الشاعرة.
عرفت آدم يوسف منذ سنوات طويلا زميلا لي في العمل في صحيفة القبس الكويتية، ودهشت عندما علمت أنه من تشاد، لكنه نشأ في السعودية كواحد من أبنائها، قبل أن ينتقل إلى الدراسة والإقامة والعمل في الكويت لاحقا. كان عربيا في اللغة والثقافة والانتماء، وحتى في روح المعيشة وطرائقها ضمن مجتمع خليجي متشابه في يومياته إلى حد كبير. كان آدم قد احتفظ بلهجته السعودية الأصيلة طوال إقامته في الكويت، ويمكن لقارئ مجموعته الشعرية التي صدرت قبل أيام أن يجزم أنه بقي محتفظا بكل شيء تشرّبته روحه في الرياض. حتى وهو يصرخ بما يشبه الاعتراف الخفي، في واحدةٍ من قصائد المجموعة، بأنه ليس عربيا بالضبط، على الرغم من أن من يعرفه عن قرب، ويتابع ما يكتبه، يكتشف أنه عربي بما يكفي، ويزيد أيضا في الوجع والخيبة والأسئلة المرة.
يقول آدم يوسف، في قصيدته "متفرنج قليلا"؛ "لستُ عربياً/ لست مواطناً عربياً/ لم تَلفحني تلك الرمال/ ولم أسقط من فرع نخلة باسقة/ لك أن تبرز في وجه النسور مخالبك/ أن تنفضني كما تشاء/ أن تطوّح بأحلامي عالياً/ حينها.../ ستغنم وثيقة سفرٍ بالية/ وصوراً عتيقة لامرأة مسنّة/ وفتية يرتعون في حضن السماء/ لستُ عربياً بالضّبط/ متفرنجٌ قليلاً/ وبي سُحنة مما يشبه المساء/ تتوسّل بقلبٍ ضَحوك/ وعينين تغوران في عمق السماء!"، وهو هنا كما يبدو يقدّم للمتلقي المفتاح السري لقصيدته الموغلة في أطياف النشأة الأولى بين أحياء مدينة الرياض، في تناقضات المبنى والمعنى.
وفي بقية قصائد المجموعة، يتجوّل المتلقي بين تلك الأحياء القديمة والشوارع التقليدية للرياض، عبر عيون الشاعر الذي عاشها كوطن حقيقي. ففي "خيالات المشتهى الأول"، على سبيل المثال، يتذكّر آدم يوسف كيف "تأخذك الرياض إلى حيث تشتهي/ خلفك رمضاء الربوة، وأمامك الملز يبسط كفيه للريح".. ويستمر الشاعر في تفسير ما لا يفسر بعلاقته في المكان؛ "منذ عهد مضى، وأنت تغرس شرايينك هنا/ منذ بياض الضحكة المجلجلة/ وبلور الشتاء.."!
طغت على المجموعة كلها هواجس خفية تحتفي بذاكرة الطفولة، وتحاول، من خلال استدراجها إلى الحاضر، أن تجيب على الأسئلة القاسية التي يعيشها الشاعر في انتماء واحد بجغرافيات متعددة. وعلى الرغم من هذا، ينجح بمهارة في الاتكاء على سور اللغة العربي الوثيق، لتكون هي الهوية الأولى والأخيرة أيضا، وربما يجد فيها الملاذ والمأوى الأخير. يقول مستعينا بعنوان لمحمود درويش؛ "في الرحلة القادمة / سأترك سرير الغريبة/ وأبحث عن مأوىً جديد/ للعصافير وللشعر/ والكتب المحمّلة بالظنون".
الشاعر آدم يوسف أحد هؤلاء الذين تمسّكوا بخيار الابتكار الشعري، والتجريب الابداعي المستمر، متحاشيا بإصرار عجيب إغراء الجماهيرية الجديدة، وصخبها الذي غالبا ما يفضي إلى الجوائز والمهرجانات الكبرى!
في إصداره الشعري الجديد، يبدو الشاعر التشادي، ذو الثقافة العربية الخالصة، وقد نجح في عبور البرزخ نحو القصيدة الحديثة بثقة عاليا، ففي ذلك الإصدار المعنون "ليس هو يومك المعتاد"، والصادر عن منشورات ضفاف في بيروت، ثلاث وعشرون قصيدة، بدا في كل واحدة منها وكأنه يعيد اكتشاف الشعر وفقا لمنظوره الخاص، مخلصا لموهبته الطاغية ولذاته الشاعرة.
عرفت آدم يوسف منذ سنوات طويلا زميلا لي في العمل في صحيفة القبس الكويتية، ودهشت عندما علمت أنه من تشاد، لكنه نشأ في السعودية كواحد من أبنائها، قبل أن ينتقل إلى الدراسة والإقامة والعمل في الكويت لاحقا. كان عربيا في اللغة والثقافة والانتماء، وحتى في روح المعيشة وطرائقها ضمن مجتمع خليجي متشابه في يومياته إلى حد كبير. كان آدم قد احتفظ بلهجته السعودية الأصيلة طوال إقامته في الكويت، ويمكن لقارئ مجموعته الشعرية التي صدرت قبل أيام أن يجزم أنه بقي محتفظا بكل شيء تشرّبته روحه في الرياض. حتى وهو يصرخ بما يشبه الاعتراف الخفي، في واحدةٍ من قصائد المجموعة، بأنه ليس عربيا بالضبط، على الرغم من أن من يعرفه عن قرب، ويتابع ما يكتبه، يكتشف أنه عربي بما يكفي، ويزيد أيضا في الوجع والخيبة والأسئلة المرة.
يقول آدم يوسف، في قصيدته "متفرنج قليلا"؛ "لستُ عربياً/ لست مواطناً عربياً/ لم تَلفحني تلك الرمال/ ولم أسقط من فرع نخلة باسقة/ لك أن تبرز في وجه النسور مخالبك/ أن تنفضني كما تشاء/ أن تطوّح بأحلامي عالياً/ حينها.../ ستغنم وثيقة سفرٍ بالية/ وصوراً عتيقة لامرأة مسنّة/ وفتية يرتعون في حضن السماء/ لستُ عربياً بالضّبط/ متفرنجٌ قليلاً/ وبي سُحنة مما يشبه المساء/ تتوسّل بقلبٍ ضَحوك/ وعينين تغوران في عمق السماء!"، وهو هنا كما يبدو يقدّم للمتلقي المفتاح السري لقصيدته الموغلة في أطياف النشأة الأولى بين أحياء مدينة الرياض، في تناقضات المبنى والمعنى.
وفي بقية قصائد المجموعة، يتجوّل المتلقي بين تلك الأحياء القديمة والشوارع التقليدية للرياض، عبر عيون الشاعر الذي عاشها كوطن حقيقي. ففي "خيالات المشتهى الأول"، على سبيل المثال، يتذكّر آدم يوسف كيف "تأخذك الرياض إلى حيث تشتهي/ خلفك رمضاء الربوة، وأمامك الملز يبسط كفيه للريح".. ويستمر الشاعر في تفسير ما لا يفسر بعلاقته في المكان؛ "منذ عهد مضى، وأنت تغرس شرايينك هنا/ منذ بياض الضحكة المجلجلة/ وبلور الشتاء.."!
طغت على المجموعة كلها هواجس خفية تحتفي بذاكرة الطفولة، وتحاول، من خلال استدراجها إلى الحاضر، أن تجيب على الأسئلة القاسية التي يعيشها الشاعر في انتماء واحد بجغرافيات متعددة. وعلى الرغم من هذا، ينجح بمهارة في الاتكاء على سور اللغة العربي الوثيق، لتكون هي الهوية الأولى والأخيرة أيضا، وربما يجد فيها الملاذ والمأوى الأخير. يقول مستعينا بعنوان لمحمود درويش؛ "في الرحلة القادمة / سأترك سرير الغريبة/ وأبحث عن مأوىً جديد/ للعصافير وللشعر/ والكتب المحمّلة بالظنون".