06 نوفمبر 2024
عن الدور الفرنسي
أسباب كثيرة، بعضها مرتبط بعوامل داخلية، وبعضها مرتبط بالعلاقة مع روسيا (تحوّلت هي أيضاً إلى قضية داخلية في الولايات المتحدة وبريطانيا) دفعت قادة دول التحالف الثلاثي إلى الاتفاق على توجيه ضربة عسكرية لقواعد ومقار تابعة للنظام السوري، بعد استخدام السلاح الكيميائي في دوما، غير أن سبباً آخر، تبرّع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بكشفه، أو إبرازه من دون غيره، هو أن الضربة أدت إلى إبعاد تركيا عن روسيا، ما يعني أن اهتمامات فرنسا ودوافع مشاركتها بالضربة كانت من النوع الجيو- سياسي. إذ لا يخفي الفرنسيون امتعاضهم من تداعيات التقارب الروسي - التركي الذي بلغ ذروته في العملية العسكرية التي قامت بها تركيا، بالتفاهم مع روسيا، لإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من عفرين، وعبّر عنه الرئيس ماكرون باجتماعه في الإليزيه مع زعماء الحزب الديموقراطي الكردي الذي تعده تركيا فرعا سورياً لحزب العمال الكردستاني، (ردت تركيا بالكشف عن مواقع تمركز القوات الخاصة الفرنسية في مناطق شرق سورية، وعددهم نحو 300 عنصر).
خرج ماكرون باستنتاجه عن نجاح الضربة في تفريق الحسابات الروسية - التركية من إعلان تركيا من دون لبس عن تأييدها الضربة العسكرية الثلاثية، الأمر الذي أثار استياء موسكو وطهران، وأوحى بمحدودية التفاهمات بين شركاء أستانة وآنيتها. فوق ذلك، كشف ماكرون عن نجاحه في اتصال هاتفي في إقناع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالإبقاء على الوجود العسكري الأميركي في مناطق شرق الفرات. وعلى الرغم من نفي البيت الأبيض مضمون محادثة ماكرون، إلا أن ذلك فضح مخاوف فرنسا من تحول سورية التي كانت تعد منطقة نفوذ تاريخية لها منطقة يتقاسمها الروس والأتراك والإيرانيون في حال خروج الأميركيين. وتسعى فرنسا، منذ بعض الوقت، إلى إيجاد موطئ قدم لها في سورية، أو مقعد على طاولة التسوية، إما بمشاركتها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، من باب أنه استهدفها مرارا، واستقطب عددا من مواطنيها، أو من باب "استيائها" من استهداف السوريين بالكيميائي دون غيره من أدوات الموت، وإعلان استعدادها للتدخل عسكريا في حال "ثبوت" ذلك. والملاحظ أن الرئيس ماكرون بدأ يهدد بالتدخل عسكريا في سورية منذ مؤتمر سوتشي أخيرا، والذي مثّل خطوة أخرى على طريق التفاهم التركي- الروسي- الإيراني على اقتسام سورية بعيدا عن الغرب. وقد تصاعد الغضب الفرنسي أكثر بعد قمة أنقرة التي أعطت الانطباع بنجاح ثلاثي أستانة في تهميش الغرب كليا في الشأن السوري، وذلك عشية إعلان الرئيس ترامب نيته الانسحاب من سورية، الأمر الذي كان له وقع الزلزال في الإليزيه.
منذ وصوله إلى السلطة في انتخابات العام الماضي، والرئيس ماكرون يبذل جهدا استثنائياً في محاولة استعادة دور بلاده المتصاغر على الساحة الدولية. داعبت هذه الميول والطموحات مخيلات كل القادة الفرنسيين، منذ فقدت بلادهم دورها قوة كبرى على الساحة الدولية، بعد وقوعها تحت الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية، ثم صعود الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إلى موقع القوتين العظميين بعد هزيمة ألمانيا. لكن ماكرون يبدو أنه مهتم أكثر من أي رئيس فرنسي منذ جاك شيراك في تأكيد مكانة بلاده على الساحة الدولية. ويشكو الفرنسيون من أن رئيسهم يقضي كثيرا من وقته في زيارات خارجية. ففي سنته الرئاسية الأولى، جال على أفريقيا والخليج والهند والصين، ويعتزم زيارة واشنطن الأسبوع المقبل، وروسيا في مايو/ أيار المقبل.
مشكلة ماكرون أن بلاده لا تملك الإمكانات اللازمة لترجمة طموحاته الدولية الكبيرة، فقد تراجعت فرنسا هذا العام إلى المرتبة السادسة بين الاقتصادات العالمية، بعد أن أخذت الهند مكانها. وعسكريا، تبدت حدود قوة فرنسا في الحملة العسكرية التي أطاحت معمر القذافي، عندما نفذت ذخائر القوات الجوية الفرنسية خلال ثلاثة أيام من بدء الهجوم. لهذه الأسباب، يعول ماكرون على انخراط أميركي أكبر لحماية مصالح بلاده الحيوية في سورية، لكن ترامب، بعقلية التاجر، يبدو واعيا لذلك، والأرجح أنه سيطلب من ماكرون مقابلا. أما إذا فشل التفاهم مع ترامب، فالأرجح أن يميل الفرنسيون أكثر تجاه الأكراد، صحبة إسرائيل ودول الخليج العربية الساعية إلى الحد من نفوذ إيران وتركيا في سورية، حتى لو أدى ذلك إلى تفكيكها.
خرج ماكرون باستنتاجه عن نجاح الضربة في تفريق الحسابات الروسية - التركية من إعلان تركيا من دون لبس عن تأييدها الضربة العسكرية الثلاثية، الأمر الذي أثار استياء موسكو وطهران، وأوحى بمحدودية التفاهمات بين شركاء أستانة وآنيتها. فوق ذلك، كشف ماكرون عن نجاحه في اتصال هاتفي في إقناع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالإبقاء على الوجود العسكري الأميركي في مناطق شرق الفرات. وعلى الرغم من نفي البيت الأبيض مضمون محادثة ماكرون، إلا أن ذلك فضح مخاوف فرنسا من تحول سورية التي كانت تعد منطقة نفوذ تاريخية لها منطقة يتقاسمها الروس والأتراك والإيرانيون في حال خروج الأميركيين. وتسعى فرنسا، منذ بعض الوقت، إلى إيجاد موطئ قدم لها في سورية، أو مقعد على طاولة التسوية، إما بمشاركتها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، من باب أنه استهدفها مرارا، واستقطب عددا من مواطنيها، أو من باب "استيائها" من استهداف السوريين بالكيميائي دون غيره من أدوات الموت، وإعلان استعدادها للتدخل عسكريا في حال "ثبوت" ذلك. والملاحظ أن الرئيس ماكرون بدأ يهدد بالتدخل عسكريا في سورية منذ مؤتمر سوتشي أخيرا، والذي مثّل خطوة أخرى على طريق التفاهم التركي- الروسي- الإيراني على اقتسام سورية بعيدا عن الغرب. وقد تصاعد الغضب الفرنسي أكثر بعد قمة أنقرة التي أعطت الانطباع بنجاح ثلاثي أستانة في تهميش الغرب كليا في الشأن السوري، وذلك عشية إعلان الرئيس ترامب نيته الانسحاب من سورية، الأمر الذي كان له وقع الزلزال في الإليزيه.
منذ وصوله إلى السلطة في انتخابات العام الماضي، والرئيس ماكرون يبذل جهدا استثنائياً في محاولة استعادة دور بلاده المتصاغر على الساحة الدولية. داعبت هذه الميول والطموحات مخيلات كل القادة الفرنسيين، منذ فقدت بلادهم دورها قوة كبرى على الساحة الدولية، بعد وقوعها تحت الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية، ثم صعود الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إلى موقع القوتين العظميين بعد هزيمة ألمانيا. لكن ماكرون يبدو أنه مهتم أكثر من أي رئيس فرنسي منذ جاك شيراك في تأكيد مكانة بلاده على الساحة الدولية. ويشكو الفرنسيون من أن رئيسهم يقضي كثيرا من وقته في زيارات خارجية. ففي سنته الرئاسية الأولى، جال على أفريقيا والخليج والهند والصين، ويعتزم زيارة واشنطن الأسبوع المقبل، وروسيا في مايو/ أيار المقبل.
مشكلة ماكرون أن بلاده لا تملك الإمكانات اللازمة لترجمة طموحاته الدولية الكبيرة، فقد تراجعت فرنسا هذا العام إلى المرتبة السادسة بين الاقتصادات العالمية، بعد أن أخذت الهند مكانها. وعسكريا، تبدت حدود قوة فرنسا في الحملة العسكرية التي أطاحت معمر القذافي، عندما نفذت ذخائر القوات الجوية الفرنسية خلال ثلاثة أيام من بدء الهجوم. لهذه الأسباب، يعول ماكرون على انخراط أميركي أكبر لحماية مصالح بلاده الحيوية في سورية، لكن ترامب، بعقلية التاجر، يبدو واعيا لذلك، والأرجح أنه سيطلب من ماكرون مقابلا. أما إذا فشل التفاهم مع ترامب، فالأرجح أن يميل الفرنسيون أكثر تجاه الأكراد، صحبة إسرائيل ودول الخليج العربية الساعية إلى الحد من نفوذ إيران وتركيا في سورية، حتى لو أدى ذلك إلى تفكيكها.