06 نوفمبر 2024
مأزق إيران مع ترامب
مع أن قراره كان متوقعا على نطاق واسع، إلا أن التشدد الذي أبداه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني مثّل صدمةً لحلفائه الأوروبيين. إذ لم يتجاهل ترامب توسلات الألمان، وتحذيرات البريطانيين، وعناق الفرنسيين الحار له، على أمل ثنيه عن قراره، بل هدّد بفرض عقوباتٍ على الشركات والدول التي تتعامل مع إيران، حال انتهاء مهلة الشهور الستة المعطاة لترتيب خروجها من السوق الإيرانية. أما الإيرانيون، وعلى الرغم من تحسّبهم لقرار ترامب، إلا أن وقع الصدمة كان عليهم أشد، فحكومة الرئيس حسن روحاني التي بنت كل سياساتها على فرضية أن الاتفاق سيفتح أمامها الأبواب الموصدة، ويدفع إليها بأشكال الاستثمار الخارجي لتطوير اقتصادها وإنهاء عزلتها، وتأهيل بنيتها التحتية والاندماج في النظام الاقتصادي- المالي الدولي، وجدت نفسها مكشوفةً كلياً أمام الواقع الجديد. وعليه، جاءت ردود أفعالها على القرار مرتبكةً، وفيما أحرق أعضاء مجلس الشورى (البرلمان) العلم الأميركي في قاعة المجلس، طالب روحاني الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية بالاستعداد لاستئناف التخصيب في حال فشلت محاولات إنقاذ الاتفاق.
عادت طهران بعد أن استوعبت الصدمة، وبدأت التحرّك وفق استراتيجية مختلفة. وعلى الرغم من أنها كانت قد هدّدت بالانسحاب من الاتفاق، حال انسحاب الأميركيين منه، إلا أنها أبدت استعدادا للبقاء فيه، حال حصولها على ضماناتٍ من القوى الخمس الأخرى في الاتفاق، بأنها لن تنصاع للضغوط الأميركية لمقاطعتها ووقف التعامل معها. ومن خلال ذلك، تسعى طهران إلى تحقيق جملة أهداف: أولها، إبقاء احتمال العمل العسكري ضدها في حده الأدنى، لأن انسحابها من الاتفاق يعني رفع هذا الاحتمال تلقائيا. وثانيها إحداث شرخٍ في العلاقة بين الأوروبيين والأميركيين، انطلاقا من أن أوروبا غدت لها مصالح اقتصادية وازنة في إيران، لن تتخلى عنها. وثالثهما محاولة عزل الولايات المتحدة دوليا وإظهارها بمظهر الطرف المخل بالاتفاق. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية تنمّ عن ذكاءٍ في مواجهة تهور إدارة ترامب وعجرفتها، فإن احتمال نجاحها يبدو مع ذلك محدودا. كما أنها لا تحقق، في نهاية المطاف، الغايات التي وافقت من أجلها إيران على الاتفاق النووي.
الرهان على أن الأوروبيين سيدخلون في مواجهة مع ترامب لحماية عقود وصفقات مع إيران تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار غير واقعي، فالشركات الأوروبية، وفي مقدمتها توتال وايرباص وسيمنز، وعلى الرغم من أنها تغالب ألمها، وهي تفارق غنائمها الإيرانية، إلا أنها ليست في وارد المفاضلة بين السوقين الإيرانية والأميركية التي يبلغ حجمها نحو 11 تريليون دولار. حتى الدول التي تعد أقل انكشافا على السوق الأميركية، كالهند مثلا، بدأت تخفّض وارداتها من النفط الإيراني، وتتجه إلى مصادر أخرى. وعلى الرغم من أن الصين وروسيا تبدوان أكثر استعدادا لمقاومة الضغوط الأميركية، إلا أن الصين تبدو في وضعٍ ضعيف أمام ترامب، كما دلت نتائج المواجهات أخيرا، حيث تبيّن مدى انكشاف الشركات الصينية واعتمادها المفرط على التكنولوجيا الأميركية، عندما تعرضت شركة (ZTE) الصينية العملاقة للإغلاق، وتسريح نحو 80 ألفا من عمالها نتيجة الحظر الذي فرضه ترامب على توريد التقنيات العالية اللازمة لإنتاج الهواتف النقالة. أما روسيا فلم تصح بعد من آثار صدمة العقوبات الأميركية التي أدت إلى انهيار سعر الروبل، وفقدان عملاق الألمنيوم الروسي "روسال" نصف قيمتها السوقية.
الأهم من ذلك كله أنه لا قيمة لاتفاق نووي إيراني من دون أميركا، لا بل يمكن حتى القول إن وجود بقية الأطراف في الاتفاق لا يعدو كونه "ديكورًا" لرفع الحرج عن طهران من توقيع اتفاق ثنائي مع "الشيطان الأكبر"، فالمفاوضات والاتفاقات كانت ثنائية أصلاً، وقد جرت سرًا في سلطنة عمان، قبل أن يُدعى الباقون إلى الاحتفال بإعلانها. خروج أميركا من الاتفاق يعني انتفاء ضمانات عدم عودتها لسياسات تغيير النظام، وملاحقة نفوذ إيران الإقليمي الذي من أجله تخلت عن برنامجها النووي. مأزق إيران الآن أنها لا تستطيع الانسحاب من الاتفاق، ولا تستطيع البقاء فيه، فقد يؤدي الانسحاب إلى الحرب، والبقاء يعني أنها ضحت ببرنامجها النووي من دون مقابل. كيف ستواجه إيران هذا المأزق؟ ننتظر ونرى، لكن الأكيد أن ابتسامات جواد ظريف لن تساعد هنا كثيرا.
عادت طهران بعد أن استوعبت الصدمة، وبدأت التحرّك وفق استراتيجية مختلفة. وعلى الرغم من أنها كانت قد هدّدت بالانسحاب من الاتفاق، حال انسحاب الأميركيين منه، إلا أنها أبدت استعدادا للبقاء فيه، حال حصولها على ضماناتٍ من القوى الخمس الأخرى في الاتفاق، بأنها لن تنصاع للضغوط الأميركية لمقاطعتها ووقف التعامل معها. ومن خلال ذلك، تسعى طهران إلى تحقيق جملة أهداف: أولها، إبقاء احتمال العمل العسكري ضدها في حده الأدنى، لأن انسحابها من الاتفاق يعني رفع هذا الاحتمال تلقائيا. وثانيها إحداث شرخٍ في العلاقة بين الأوروبيين والأميركيين، انطلاقا من أن أوروبا غدت لها مصالح اقتصادية وازنة في إيران، لن تتخلى عنها. وثالثهما محاولة عزل الولايات المتحدة دوليا وإظهارها بمظهر الطرف المخل بالاتفاق. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية تنمّ عن ذكاءٍ في مواجهة تهور إدارة ترامب وعجرفتها، فإن احتمال نجاحها يبدو مع ذلك محدودا. كما أنها لا تحقق، في نهاية المطاف، الغايات التي وافقت من أجلها إيران على الاتفاق النووي.
الرهان على أن الأوروبيين سيدخلون في مواجهة مع ترامب لحماية عقود وصفقات مع إيران تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار غير واقعي، فالشركات الأوروبية، وفي مقدمتها توتال وايرباص وسيمنز، وعلى الرغم من أنها تغالب ألمها، وهي تفارق غنائمها الإيرانية، إلا أنها ليست في وارد المفاضلة بين السوقين الإيرانية والأميركية التي يبلغ حجمها نحو 11 تريليون دولار. حتى الدول التي تعد أقل انكشافا على السوق الأميركية، كالهند مثلا، بدأت تخفّض وارداتها من النفط الإيراني، وتتجه إلى مصادر أخرى. وعلى الرغم من أن الصين وروسيا تبدوان أكثر استعدادا لمقاومة الضغوط الأميركية، إلا أن الصين تبدو في وضعٍ ضعيف أمام ترامب، كما دلت نتائج المواجهات أخيرا، حيث تبيّن مدى انكشاف الشركات الصينية واعتمادها المفرط على التكنولوجيا الأميركية، عندما تعرضت شركة (ZTE) الصينية العملاقة للإغلاق، وتسريح نحو 80 ألفا من عمالها نتيجة الحظر الذي فرضه ترامب على توريد التقنيات العالية اللازمة لإنتاج الهواتف النقالة. أما روسيا فلم تصح بعد من آثار صدمة العقوبات الأميركية التي أدت إلى انهيار سعر الروبل، وفقدان عملاق الألمنيوم الروسي "روسال" نصف قيمتها السوقية.
الأهم من ذلك كله أنه لا قيمة لاتفاق نووي إيراني من دون أميركا، لا بل يمكن حتى القول إن وجود بقية الأطراف في الاتفاق لا يعدو كونه "ديكورًا" لرفع الحرج عن طهران من توقيع اتفاق ثنائي مع "الشيطان الأكبر"، فالمفاوضات والاتفاقات كانت ثنائية أصلاً، وقد جرت سرًا في سلطنة عمان، قبل أن يُدعى الباقون إلى الاحتفال بإعلانها. خروج أميركا من الاتفاق يعني انتفاء ضمانات عدم عودتها لسياسات تغيير النظام، وملاحقة نفوذ إيران الإقليمي الذي من أجله تخلت عن برنامجها النووي. مأزق إيران الآن أنها لا تستطيع الانسحاب من الاتفاق، ولا تستطيع البقاء فيه، فقد يؤدي الانسحاب إلى الحرب، والبقاء يعني أنها ضحت ببرنامجها النووي من دون مقابل. كيف ستواجه إيران هذا المأزق؟ ننتظر ونرى، لكن الأكيد أن ابتسامات جواد ظريف لن تساعد هنا كثيرا.