02 يونيو 2024
أمن المحتل أولا.. عسكرة المساعدات للفلسطينيين
تنبع حاجة الفلسطينيين للمساعدات الدولية بشكل رئيسي من العقود الطويلة المرتبطة باستمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والنزاع معه. وتكرس هذه المساعدات المعسكرة والمقدمة لكل من إسرائيل والفلسطينيين هذا النزاع، وتطيل من عمره وتساهم في ديمومته.
فعلى المستوى الكلي، تعتبر المساعدات للفلسطينيين معسكرة، لأنها تأتي في سياق دعم الحكومات الغربية إسرائيل من دون وجه حق، بما في ذلك الحصانة للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، حيث يعزز توفير المساعدات العسكرية وإقامة عمليات تجارية عسكرية وغيرها من التعاملات الاقتصادية والثقافية والسياسية قدرة إسرائيل على احتلال الفلسطينيين واستعمارهم وتجريدهم من أملاكهم، فالمساعدات الدولية تدعم، بشكل مباشر، تكاليف العدوان العسكري الإسرائيلي، في حين أن الدعم السياسي الدولي يحمي إسرائيل من عواقب عدم الامتثال للقانون الدولي الذي يكفل حقوق الفلسطينيين، وبالتالي تصبح الأطراف الفاعلة في مجال المساعدات متواطئة في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. إذ قدمت حكومة الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، حوالي 135 مليار دولار دعما ثنائيا (غالبيته عسكري) لإسرائيل، ما جعل الأخيرة أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى نقيض ذلك، قدمت الولايات المتحدة حوالي خمسة مليارات دولار من الدعم للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها.
ويجادل منتقدو الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل بأن هذا الدعم يخالف القانون المحلي
الأميركي، ومن الممكن أن يعتبر انتهاكاً للمادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف، والتي تلزم الدول الثالثة بضمان احترام القانون الإنساني الدولي في كل الظروف. وفضلاً عن ذلك، يصبح هذا الدعم انتهاكاً واضحاً للقواعد الأساسية للقانون الدولي، حين ينقل إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وبذلك يعيق أي احتمال لسلام دائم.
وليس هذا التوصيف حكراً على الإدارات الأميركية، وإنما ينطبق على العديد، إن لم يكن جل الفاعلين الدوليين. وبالتالي، يعتبر الناقدون الفلسطينيون للمساعدات الدولية المانحين الدوليين متواطئين في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، على الرغم من جهود الحكومات المانحة للتفريق بين أعمالها السياسية وسياسة الدعم لديها، مدعين أن سياسة الدعم "محايدة" نوعاً ما.
ومن الواضح أن المساعدات العسكرية لإسرائيل ليست الطريقة الوحيدة التي تدعم من خلالها الأطراف الدولية الفاعلة احتلال فلسطين، فتعتبر أوروبا والولايات المتحدة أهم الجهات المانحة الثنائية للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتي تفرد حوالي 30% من المساعدات الدولية لتمويل قطاع الأمن الذي يكلف مليار دولار سنوياً، والذي لا يخضع لمساءلة الشعب الفلسطيني، بل ويعتبر قطاعاً قمعياً استبدادياً.
وبذلك، يتلقى الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي مساعدات معسكرة من جهة، وتتلقى السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، المساعدات التنموية الرسمية، وتصرفها في مساحة أمنية في سياق عملية الأمننة الأشمل، وإن كانت تدعي بأنها عمليات تنموية مرتبطة بمشروع بناء الدولة. ولهذا، مهما نظرنا في المساعدات في السياق الفلسطيني، ستبقى موجهةً وفق منطق الهيمنة الأمنية ومصممة لمعالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية، في ظل ازدياد شعور الفلسطينيين بانعدام الأمان.
وعليه، يصبح لزاماً علينا تبيان كيف يمكن تحويل حركة تحرير إلى متعاقد فرعي للمستعمر نتيجة هذه المساعدات المعسكرة، وكيف يمكن أن تنشأ عن هذه المساعدات المعسكرة توجهات استبدادية تمنح السيطرة للمؤسسة الأمنية وطواقمها على حساب القطاعات الأخرى، مثل الصحة والتعليم والصناعة، وعلى حساب الديمقراطية.
بكلمات أخرى، لم تفشل المساعدات في فلسطين بسد الفجوات في الفقر والبطالة والتمكين فحسب، بل وأوجدت جانباً جديداً من انعدام الأمن والشرعية، بل وما زاد الطين بلة أن المساعدات الدولية للمجتمع المدني الدولي والفلسطيني معسكرة أيضاً، فهي مشروطة بسياسات مكافحة "الإرهاب"، والتي تتناقض بشكل مباشر مع المبادئ الإنسانية المتمثلة بالحياد وعدم الانحياز وعدم إحداث الضرر.
وبالتالي، لهذه المساعدات المعسكرة والمدفوعة أمنياً أثر دراماتيكي على حياة الشعب الفلسطيني اليومية، وسعيه إلى الحرية وتقرير المصير. وتفيد الأدلة بأن هذا النوع من المساعدات غير تنموي، خصوصا في ظل احتلال عسكري أجنبي. حيث إنه يقيد قدرات الشعب الفلسطيني على المطالبة بحقه بتقرير المصير، بدلاً من تعزيزها. فحتى المساعدات التي يبدو عليها ظاهرياً بأنها "تهدف للخير"، مثل الغذاء والصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، تنفذ في سياق نظام مساعدات معقد يخدم المصالح السياسية التوسعية لإسرائيل والدول المانحة.
ووجدت دراسة صادرة أخيرا عن منظمة متابعة الدعم الدولي لفلسطين أن حوالي 78% من المساعدات للأراضي الفلسطينية المحتلة ينتهي بها المطاف بأن تصب في الاقتصاد الإسرائيلي، وبذلك تدعم 18-30% من تكاليف الاحتلال. وعليه يعتبر الدعم للفلسطينيين معسكرا على أربعة مستويات على الأقل.
أولاً، الدعم العسكري والتجارة العسكرية مع إسرائيل أصبحت أمر طبيعيا، على الرغم من
الأدلة الدامغة التي تثبت أن الدعم هذا يستخدم في انتهاك حقوق الفلسطينيين التي يكفلها القانون الدولي. ثانياً، يعكس إطار اتفاقية أوسلو وإطار حل الدولتين التي ينفذ في سياقها كل الدعم الغربي، المصالح السياسية والعسكرية للولايات المتحدة وأوروبا والإجماع النيوليبيرالي الذي يقوده البنك الدولي، بدلاً من المصالح الفلسطينية المحددة ديمقراطياً. ثالثاً، المساعدات التنموية والإنسانية للفلسطينيين، سواء كانت من خلال مؤسسات دولية أو مؤسسات السلطة الفلسطينية، مبنية لحماية الاحتكار الاستعماري الإسرائيلي على حساب الأمن الفلسطيني وتقرير المصير. رابعاً، الدعم للمجتمع المدني، الدولي والفلسطيني، مشروط بسياسات مكافحة "الإرهاب" التي تؤدي إلى تفاقم النزاع الداخلي، بما في ذلك النزاع المسلح، بما يشكل انتهاكاً لمبادئ الحياد وعدم التحيز وعدم إحداث الضرر.
وعليه، فحكومات المانحين والفاعلين في مجال المساعدات يسمحون لإسرائيل بحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، في ظل توفير المساعدات للفلسطينيين بطرق تضمن استمرار هيمنة إسرائيل. ولكن في نهاية المطاف، ومن أجل تصويب المسار، فإن تمكين الفلسطينيين يعني تجهيزهم بالأدوات لمقاومة الحكم الاستيطاني الاستعماري، وتعزيز قدراتهم على الصمود. وعلى الأطراف الفاعلة في مجال المساعدات الدولية الاعتراف بأن التنمية في ظل احتلال واستعمار عسكري تعني قبل كل شيء الانخراط بعملية مواجهة واشتباك لإحراز الحقوق، بما في ذلك الحق في تقرير المصير.
فعلى المستوى الكلي، تعتبر المساعدات للفلسطينيين معسكرة، لأنها تأتي في سياق دعم الحكومات الغربية إسرائيل من دون وجه حق، بما في ذلك الحصانة للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، حيث يعزز توفير المساعدات العسكرية وإقامة عمليات تجارية عسكرية وغيرها من التعاملات الاقتصادية والثقافية والسياسية قدرة إسرائيل على احتلال الفلسطينيين واستعمارهم وتجريدهم من أملاكهم، فالمساعدات الدولية تدعم، بشكل مباشر، تكاليف العدوان العسكري الإسرائيلي، في حين أن الدعم السياسي الدولي يحمي إسرائيل من عواقب عدم الامتثال للقانون الدولي الذي يكفل حقوق الفلسطينيين، وبالتالي تصبح الأطراف الفاعلة في مجال المساعدات متواطئة في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. إذ قدمت حكومة الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، حوالي 135 مليار دولار دعما ثنائيا (غالبيته عسكري) لإسرائيل، ما جعل الأخيرة أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى نقيض ذلك، قدمت الولايات المتحدة حوالي خمسة مليارات دولار من الدعم للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها.
ويجادل منتقدو الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل بأن هذا الدعم يخالف القانون المحلي
وليس هذا التوصيف حكراً على الإدارات الأميركية، وإنما ينطبق على العديد، إن لم يكن جل الفاعلين الدوليين. وبالتالي، يعتبر الناقدون الفلسطينيون للمساعدات الدولية المانحين الدوليين متواطئين في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، على الرغم من جهود الحكومات المانحة للتفريق بين أعمالها السياسية وسياسة الدعم لديها، مدعين أن سياسة الدعم "محايدة" نوعاً ما.
ومن الواضح أن المساعدات العسكرية لإسرائيل ليست الطريقة الوحيدة التي تدعم من خلالها الأطراف الدولية الفاعلة احتلال فلسطين، فتعتبر أوروبا والولايات المتحدة أهم الجهات المانحة الثنائية للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتي تفرد حوالي 30% من المساعدات الدولية لتمويل قطاع الأمن الذي يكلف مليار دولار سنوياً، والذي لا يخضع لمساءلة الشعب الفلسطيني، بل ويعتبر قطاعاً قمعياً استبدادياً.
وبذلك، يتلقى الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي مساعدات معسكرة من جهة، وتتلقى السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، المساعدات التنموية الرسمية، وتصرفها في مساحة أمنية في سياق عملية الأمننة الأشمل، وإن كانت تدعي بأنها عمليات تنموية مرتبطة بمشروع بناء الدولة. ولهذا، مهما نظرنا في المساعدات في السياق الفلسطيني، ستبقى موجهةً وفق منطق الهيمنة الأمنية ومصممة لمعالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية، في ظل ازدياد شعور الفلسطينيين بانعدام الأمان.
وعليه، يصبح لزاماً علينا تبيان كيف يمكن تحويل حركة تحرير إلى متعاقد فرعي للمستعمر نتيجة هذه المساعدات المعسكرة، وكيف يمكن أن تنشأ عن هذه المساعدات المعسكرة توجهات استبدادية تمنح السيطرة للمؤسسة الأمنية وطواقمها على حساب القطاعات الأخرى، مثل الصحة والتعليم والصناعة، وعلى حساب الديمقراطية.
بكلمات أخرى، لم تفشل المساعدات في فلسطين بسد الفجوات في الفقر والبطالة والتمكين فحسب، بل وأوجدت جانباً جديداً من انعدام الأمن والشرعية، بل وما زاد الطين بلة أن المساعدات الدولية للمجتمع المدني الدولي والفلسطيني معسكرة أيضاً، فهي مشروطة بسياسات مكافحة "الإرهاب"، والتي تتناقض بشكل مباشر مع المبادئ الإنسانية المتمثلة بالحياد وعدم الانحياز وعدم إحداث الضرر.
وبالتالي، لهذه المساعدات المعسكرة والمدفوعة أمنياً أثر دراماتيكي على حياة الشعب الفلسطيني اليومية، وسعيه إلى الحرية وتقرير المصير. وتفيد الأدلة بأن هذا النوع من المساعدات غير تنموي، خصوصا في ظل احتلال عسكري أجنبي. حيث إنه يقيد قدرات الشعب الفلسطيني على المطالبة بحقه بتقرير المصير، بدلاً من تعزيزها. فحتى المساعدات التي يبدو عليها ظاهرياً بأنها "تهدف للخير"، مثل الغذاء والصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، تنفذ في سياق نظام مساعدات معقد يخدم المصالح السياسية التوسعية لإسرائيل والدول المانحة.
ووجدت دراسة صادرة أخيرا عن منظمة متابعة الدعم الدولي لفلسطين أن حوالي 78% من المساعدات للأراضي الفلسطينية المحتلة ينتهي بها المطاف بأن تصب في الاقتصاد الإسرائيلي، وبذلك تدعم 18-30% من تكاليف الاحتلال. وعليه يعتبر الدعم للفلسطينيين معسكرا على أربعة مستويات على الأقل.
أولاً، الدعم العسكري والتجارة العسكرية مع إسرائيل أصبحت أمر طبيعيا، على الرغم من
وعليه، فحكومات المانحين والفاعلين في مجال المساعدات يسمحون لإسرائيل بحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، في ظل توفير المساعدات للفلسطينيين بطرق تضمن استمرار هيمنة إسرائيل. ولكن في نهاية المطاف، ومن أجل تصويب المسار، فإن تمكين الفلسطينيين يعني تجهيزهم بالأدوات لمقاومة الحكم الاستيطاني الاستعماري، وتعزيز قدراتهم على الصمود. وعلى الأطراف الفاعلة في مجال المساعدات الدولية الاعتراف بأن التنمية في ظل احتلال واستعمار عسكري تعني قبل كل شيء الانخراط بعملية مواجهة واشتباك لإحراز الحقوق، بما في ذلك الحق في تقرير المصير.