إسرائيل في مصر
"بعد غياب أربع سنوات تعود سفارة إسرائيل ليرفرف علمها مرة أخرى أعلى سفارتها في القاهرة بعد الاعتداء عليها في سبتمبر 2011 ونحن بصفتنا نوجه الشكر للسيد رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي وللحكومة المصرية على أمل استمرار السلام بين البلدين".
تلك كانت برقية الفرح بالانتصار التي وجهتها صفحة "إسرائيل في مصر" في العام 2015 ابتهاجاً بهدية الجنرال عبد الفتاح السيسي للاحتلال الصهيوني، بعد أربع سنوات من نجاح ثورة يناير المصرية في إنزال العلم الصهيوني وحرقه وطرد السفير، بعد ملحمة شارك فيها عشرات الآلاف من المصريين، حاصروا سفارة العدو، ولم يعودوا إلى بيوتهم إلا بعد إغلاقها وطرد السفير الصهيوني.
من هنا، أشفق كثيراً على الأصدقاء المتحمسين لحملة مقاطعة فندق ريتز كارلتون في القاهرة، عقاباً له على استضافة حفل سفارة الكيان الصهيوني، لمناسبة مرور سبعين عاماً على اغتصاب أرض فلسطين وإنشاء دولة الاحتلال.
الشاهد أن المعركة ليست مع الفندق العالمي الشهير، وإنما هي مع من أعادوا إسرائيل إلى مصر، وحولوا الوطن الكبير إلى فندق سيء السمعة، ويسهرون على حراسته، ويقتلون ويعذبون ويلاحقون كل من يجرؤ على الاعتراض.
وبصرف النظر عن أن غالبية المصريين لا يعرفون ما هو "ريتز كارلتون" أصلاً، ولا يتعاملون منه، ومن ثم فإن مقاطعته لن تثمر ضغطاً ولن تسبب خسائر، فإن اختزال المعركة في مقاطعة الفندق هو تعبير عن حالة العجز التي تسيطر على القوى السياسية، فتبحث عن مهرب آمن من المعركة الحقيقية إلى معارك دونكيشوتية مع خصم وهمي، بدلاً من مواجهة جادة وحقيقية مع نظامٍ لا يخفي استبساله في خدمة إسرائيل، ومعاداة كل ما عداها.
في اليوم الأخير من مارس/ آذار 2016 كانت حملات لمقاطعة منتجات المستوطنات الصهيونية تجوب العالم كله، استجابة لجهود فلسطينية في الداخل والخارج، وكان الرد من نظام عبد الفتاح السيسي تكليف وفد رسمي لحضور مهرجان إسرائيلي مضاد ، إذ أرسل السفير المصري لدى الاحتلال ممثلة للسفارة، كي تشارك في مهرجان الدفاع عن المنتجات الإسرائيلية، في مواجهة حملات المقاطعة التي دعا إليها الفلسطينيون في الداخل، وتعاطف معها أصحاب الضمير في العالم كله.
السؤال: هل كان يمكن للصهاينة أن يُقدموا على هذه الخطوة الوقحة لو لم يكونوا واثقين من أن النظام الذي زرعوه في مصر، ورعوه وسمّنوه ويدعمونه ويعضون عليه بالنواجذ، سيحمي احتفالهم باغتصاب أرضنا ويوفر له كل أشكال الخدمة المجانية؟
الإجابة يعرفها الناصريون والقوميون والممانعون الذين يمسحون حذاء النظام المدعوم إسرائيلياً بيد، وباليد الأخرى يكتب شعاراته المضحكة لخوض المعركة ضد الفندق الذي يستضيف احتفال العدو، في واحدةٍ من مساخر خداع الذات، والتحايل على الحقيقة والاحتيال على الجماهير، وأقصى ما يمكن أن يصدر عنهم من ردود أفعالٍ لن يتجاوز ما جرى في واقعة ذهاب المدعو توفيق عكاشة إلى بيت السفير الصهيوني.
ولعلك تعلم أن في برلمان السيسي الآن ناصريين أقحاحاً، مثل كمال أحمد الذي كان ضمن 13 نائبا رفضوا معاهدة كامب ديفيد، أيام أنور السادات، فقرر الأخير هدم البرلمان فوق رؤوسهم، والسؤال مرة أخرى: كيف تحول كمال أحمد من ديك فصيح أيام السادات إلى دجاجة عجوز ترقد على بيض مرحلة السيسي؟
وهناك أيضاً مصطفى بكري الذي أصدر كتاباً، مليئاً بالهتافات والتشنجات الحنجورية، عن تنظيم ثورة مصر، بقيادة محمود نور الدين وخالد جمال عبد الناصر حمل عنوان "ثورة الابن" يمجّد فيه بطولات التنظيم الذي كان مؤسسه يقول إن صدور الصهاينة أولى بكل رصاصة، وكانت الفكرة التي نشأ عليها التنظيم تقول إن الصراع مع إسرائيل هو صراع وجود، لا حدود.
هل يجرؤ هؤلاء على التلويح بالاستقالة من البرلمان، احتجاجاً على السماح لإسرائيل بالاحتفال بسبعين عاماً على احتلال فلسطين، في قلب القاهرة؟ هل يجرؤ حزب أو نقابة أو تيار أو حمدين على الدعوة إلى التظاهر والاعتصام ضد هذا العار، بدلاً من توجيه الرصاصات الفارغة إلى "الريتز كارلتون"؟